إبراهيم رئيسي رئيسا: الحزب اللهيون يحكمون إيران
فاز إبراهيم رئيسي بالرئاسة. كان ذلك متوقعا. المفاجأة الوحيدة كانت نسبة التصويت التي قاربت %50. من وجهة نظر نظام الجمهورية الاسلامية ككل، ما حصل هو فوزٌ بشق الأنفس، لم يكن ليحدث لولا تعبئة ملايين المترددين، في الوقت الذي كانت فيه المؤشرات تتحدث عن نسبة اقتراع أقل بكثير من %50، بل في بعضها دون %40.
انتهت الانتخابات، لكن حديثها لن ينتهي قريبا. هناك أجوبة ستكون مطلوبة من شخصيات استُبعدت عن السباق، كما في حال علي لاريجاني ، رئيس البرلمان السابق الذي يبقى من ضمن الفريق المقرب من القائد الأعلى آية الله علي خامنئي رغم الجرح الشخصي الذي تعرض له، والذي طالب خامنئي نفسه مجلس صيانة الدستور بتعويضه معنويا.
الإصلاحيون بدورهم يعتقدون أنهم قدموا للنظام خدمة من خلال دعوة زعماء التيار للشرائح الشعبية بالمشاركة في الانتخابات. وبذلك يكونون قد أبعدوا عن القيادة كأسا مرة تتمثل بنسبة مشاركة ضئيلة تهز صورة الثورة والنظام في الخارج. لن تكون هذه الخدمة مجانية، على الأقل هذا ما يتوقعه الإصلاحيون، حتى وإن وضع كثر ممن صوتوا تحت لوائهم، أوراق عدت باطلة أو ملغاة لكونها بيضاء أو تحتوي على أسماء أو عبارات لا علاقة لها بالمرشحين الذين يجب كتابة أسمائهم.
فاز رئيسي بفارق مريح، وكانت الأوراق الملغاة أو الباطلة منافسه الأول، ثم جاء محسن رضائي وعبد الناصر همتي بأصوات أقل. لكن فوز رئيس السلطة القضائية جاء تماما كما نوّه خامنئي في خطاب الانتخابات بقوله “إذا تم انتخاب الرئيس المقبل بنسبة أصوات عالية، سيكون رئيساً قوياً ويمكنه أن يؤدي أعمالاً عظيمة.”
خلال الأيام المقبلة سيتعرف العالم على فريق رئيسي للحكم في إيران، الذي سيشكل على حد تعبير أنصار الرئيس الإيراني المنتخب “أول حكومة شعبية ثورية” وستكون تجسيدا لما أطلق عليه خامنئي في شباط/ فبراير ٢٠١٩ عنوان “الخطوة الثانية للثورة”. هذا ما يريده فريق رئيسي، الذي وإن ارتدى عباءة التيار الأصولي فهو لم يقدم نفسه يوماً أصوليا، إنما وكما يقول مقربون منه، من التيار الجديد الذي سيثبت نفسه على الساحة الإيرانية في المرحلة القادمة إلى جانب التيارين التقليديين، الأصولي والإصلاحي: تيار حزب الله الثوري، على حد تعبيرهم.
وحزب الله هنا هو المدرسة الفكرية لآية الله خامنئي والتي يراد لها أن تكون خطا واصلا بين إيران الداخل وبين الامتداد العقائدي الخارجي. ولعل ما يعبر أكثر عن التسمية وارتباطها بمدرسة خامنئي، النشرة الصادرة عن مؤسسته تحت عنوان “خط حزب الله”.
ليست هذه المرة الأولى التي يُذكر فيها الحزب اللهيون في إيران، لكنهم بقوا طويلا ينشطون تحت عناوين أصولية وإن كانت لهم مؤسساتهم وصحفهم وحتى قناتهم التلفزيونية داخل بوتقة قنوات الإذاعة والتلفزيون الإيراني. اليوم وفي أعقاب انتخابات ٢٠٢١ يخرجون إلى العلن كتيار سياسي صريح من دون مواربة، إلى جانب التيارين التقليديين، الأصولي والإصلاحي. وكما أن هذه الجولة شهدت إعلان الولادة فإنها على ما يبدو حكمت على ما يعرف بتيار الاعتدال الذي قاده خلال الفترة الماضية الرئيس حسن روحاني، بالموت السريري. قصارى القول إن عملية إعادة هيكلة للمشهد السياسي الإيراني تجري على نحو سريع، وتحمل معها وجوها جديدة إلى الساحة السياسية، وستأخذ معها بعض الوجوه الأخرى على قاعدة أن لكل زمن دولة ورجال.
وفيما بدا واضحا أن التيار الإصلاحي كان أحد الخاسرين، بغض النظر عن عدم مشاركته في الانتخابات، إلا أن خسارة التيار الأصولي التقليدي قد تمتد تدريجيا لتطال جزءا وازنا من قاعدته الشبابية التي تجد شريحة كبيرة منها أن التيار الحزب اللهي أكثر تمثيلا لأفكارها وأكثر ثورية من الشخصيات التي تقود التيار منذ سنوات، وأكثر شبابا بما يتناسب مع مطلب خامنئي بتشكيل حكومة شبابية حزب اللهية تحكم الجمهورية الإسلامية.
قصارى القول إن عملية إعادة هيكلة للمشهد السياسي الإيراني تجري على نحو سريع، وتحمل معها وجوها جديدة إلى الساحة السياسية، وستأخذ معها بعض الوجوه الأخرى على قاعدة أن لكل زمن دولة ورجال.
التسرب الشبابي هو ما يتوقعه المقربون من رئيسي، لكنه ليس كل شيء. ففي السابق شهد التيار الأصولي تحولات دفعت ببعض شخصياته للاتجاه نحو الوسط ليصبحوا ضمنيا متحالفين مع التيار الإصلاحي، هذا حدث مع علي أكبر ناطق نوري ومؤخرا مع لاريجاني وقبله حسن روحاني، هذا كله تحت عنوان التمايز داخل التيار الواحد. لكن في هذه المرحلة يبدو أن التيار بصورته التقليدية سيميل أكثر نحو الوسط ليتحول الفريق الذي كان يوصف بالمتشدد إلى تيار الوسط الإيراني بين تيار حزب الله الثوري الذي يقدم نفسه كثورة لإحياء الثورة، وبين التيار الإصلاحي الذي يبدو أنه على عتبة تحولات جذرية في بنيانه في ظل انكفاء القواعد الشعبية وشعورها بالتهميش وتردد قيادتها، وهذا سيؤدي بطبيعة الحال إلى مسارين إجباريين، إما خروج نهائي من تحت مظلة الجمهورية الإسلامية ومعارضة أصل النظام، أو إعادة التموضع بما يعنيه ذلك من خيارات لا يبدو أي منها سهلا على الإطلاق.
تحولات الخريطة السياسة الإيرانية ستحمل معها أيضا تحولًا على مستوى القيادة الجديدة في طريقة تقديم إيران للعالم. فالفريق الجديد يعتقد أن دولته يجب أن تكون قوة عظمى إقليمية، وأن تحظى بعلاقات مميزة مع الدول المساندة لها بعيدا عن محاولات استجداء الغرب، لذلك فهي تأتي في الوقت الذي دخلت فيه طهران في شراكة استراتيجية لمدة ربع قرن مع الصين وهذا يشبه تماما فوز روحاني في الوقت الذي كانت فيه طهران في خضم مفاوضات نووية سرية مع الولايات المتحدة الأميركية عام 2013. يريد هذا الفريق، أيضا، أن يفاوض من مبدأ الضغط في مواجهة الضغط، كما يقول أصحاب القرار فيه، بل فيهم من يريد الذهاب إلى اليمين أكثر كسعيد محمد، المرشح المنسحب من الانتخابات الرئاسية والشخصية التي يتوقع أن تتولى في حكومة رئيسي الأولى منصب نائب الرئيس أو إحدى الوزارات الرئيسية، وهو من دعا إلى تخصيب اليورانيوم حتى %90 وهو ما سيعني اقتراب إيران بشكل استثنائي من عتبة إنتاج القنبلة النووية الأولى إن أرادت ذلك.
بعد ثماني سنوات من الدبلوماسية المتعددة الرؤوس، من محاولات تقديم إيران بصورة براغماتية تتبنى سياسة خارجية على النهج الواقعي المبدئي في العلاقات الدولية، سيحل مكان حكومة “التدبير والأمل” كما كان يُطلق على حكومة حسن روحاني، فريق مواجهة بكل ما للكملة من معنى، معظمهم متردد بشأن التفاوض مع أميركا والحوار معها، بل لا يرون في ذلك أي إيجابية ويتهمون من قام بهذا العمل بالتجسس لصالح الغرب، علما أن القائد الأعلى خامنئي لا يوافقهم على هذا التوصيف، حتى ولو سجّل له تأنيبه وزير الخارجية ظريف بعد تسريباته الأخيرة حول اللواء قاسم سليماني وأمور أخرى.
سيكون لإيران صوت واحد في كل القضايا التي تشتبك فيها مع العالم. ربما يفقدها ذلك قدرتها على المناورة وإرسال الرسائل المخفية إلى خصومها، مع ذلك يظن هؤلاء أن دولتهم يجب ألا تناور، حتى ولو كان الأمر مرتبطا بمقارعة أكبر دولة في العالم، يريدون الذهاب إلى النهاية فيما يعتقدون دون مواربة وهذا ما ينبئ بزمن مواجهات قادم على مستويات مختلفة، عالميا وإقليميا وبلا أدنى شك محليا.
في المقابل ستكون هذه الحكومة تحت الاختبار، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة منذ سنوات بفعل العقوبات من جهة والفساد الداخلي من جهة ثانية لن تترك لإبراهيم رئيسي وتياره الجديد الكثير من الوقت للاحتفال. هناك أجوبة يريدها الشارع بشكل سريع لمشاكله، وفي هذا لا يختلف الحزب اللهي عن الأصولي عن الإصلاحي، عن المواطن الذي لم يعد يؤمن بأي حالة سياسية ويريد لقمة عيشه. كما أن رئيسي نفسه سيكون تحت اختبار القائد الأعلى خامنئي الذي وإن كانت هذه الحكومة خلاصة لمدرسته الفكرية، فهو بعكس ما يعتقد البعض سيبقى حتى اللحظة الأخيرة يراجع لائحته النهائية لمن سيخلفه، لذا فالتوقعات من الرئيس الجديد، من خامنئي نفسه ومن الأخرين، ستجعله تحت ضغط استثنائي لتحقيق الإنجازات وصناعة فارق يعتد به.
لمتابعة ملف الانتخابات الرئاسية (إيران 21: حصاد المواجهات)، إضغط هنا