الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة25 فبراير 2020 10:30
للمشاركة:

التيار الأصولي… من النشأة إلى التمكن من مفاصل الجمهورية

أسدلت إيران، يوم الأحد 23 شباط/ فبراير 2020، الستار على الانتخابات البرلمانية الحادية عشرة في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وزارة الداخلية أعلنت رسميا أسماء المرشحين المؤهلين لعضوية البرلمان الإيراني لأربع سنوات مقبلة، ليتأكد اكتساح التيار الأصولي أكثر من 70% من مقاعد البرلمان، الأمر الذي لم يتناقض مع التوقعات التي سبقت تلك الانتخابات، ولا سيما عقب إقصاء مجلس صيانة الدستور عددًا كبير ًا من مرشحي التيار الإصلاحي، ما أنهى المنافسة في دوائر انتخابية كثيرة.
التيار الأصولي وبعد فوزه بهذه الدورة الانتخابية، بات في الواجهة مجددًا، ما يفتح الباب على أسئلة مشروعة حول مسيرته منذ تبلوره وحتى تمكنه من إحكام السيطرة على مختلف الأجهزة في الجمهورية الإسلامية، سواءً المتعلقة بالاقتصاد أو الرقابة، امتدادًا إلى الأجهزة الأمنية والعسكرية.

إطلالة على البدايات

يُعتبر “تيار اليمين” الديني الإيراني، امتداداً لحركة “جامعه روحانيت مبارز” أو “جمعية علماء الدين المجاهدين”، التي تأسست في السنوات الأخيرة من الحكم الملكي، حيث أنشأ أبرز قادة هذا التيار، بعد انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 “حزب الجمهورية الإسلامية”، ليلجوا من خلاله باب العمل السياسي، وقد ترأس هذا الحزب آية الله محمد حسين بهشتي، وكان الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني والمرشد الإيراني علي خامنئي وحجة الإسلام محمد جواد باهنر أعضاء بارزين في هذا الحزب.
تعرض مقر “حزب الجمهورية الإسلامية”، إبان الحرب العراقية- الإيرانية إلى التفجير على يد أبرز الجماعات الإيرانية المعارضة “مجاهدي خلق” عام 1981، كان من الأحداث المفصلية التي شهدتها مسيرة التيار الأصولي، ما أدى إلى مقتل القيادي بهشتي إلى جانب 74 من القياديين البارزين في التيار، ليتم بعدها انتخاب حجة الإسلام محمد علي رجائي كثاني رئيسٍ للجمهورية، والأمين العام للحزب محمد باهنر رئيسًا للوزراء. تبع ذلك في نهاية آب/ أغسطس من نفس العام تنصيب خامنئي كرئيس الوزراء، وذلك بعد تفجير مكتب رئيس الوزراء السابق.
ويعتبر حزب الجمهورية الإسلامية، وحزب مؤتلفة الإسلامي، إلى جانب مجتمع مدرسي الحوزة العلمية في مدينة قم، وجمعية مؤثري الثورة، كذلك مجتمع رجال الدين المقاتلين، أبرز أحزاب التيار الأصولي والرافعة الأساسية لخطابه في إيران.

التأصيل الفكري للتيار

يؤمن التيار الأصولي بنظرية “ولاية الفقيه” المطلقة وينظّر لها بنوع من القداسة، كما يعتقد بأن مؤسسات الدولة والمجتمع الإيراني تستمد شرعيتها من مؤسسة الولي الفقيه الذي يجري اختياره بطريقة الانتخاب من مجلس خبراء القيادة. ويعد التيار الأقرب فكريًا إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، كما أن لهذا التيار سطوة ظاهرة في مؤسسات مثل الحرس الثوري وأجهزة الأمن المرتبطة به ومجلس صيانة الدستور وغيرها.
كذلك، يحوي التيار الأصولي أكثر من 35 ما بين حزب وجمعية وتكتل، تتبع 3 مدارس فكرية. أولها “الأصولية التقليدية” ويمثلها “حزب مؤتلفة” الذي يجمع بين جنباته رجال البازار والمرتبطين بهم. وثانيها “الأصولية المعتدلة” ويمثلها رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني ومستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، والسياسي الأصولي وعضو البرلمان الإيراني في الدورة الحادية عشر، محمد باقر قاليباف، كذلك علي شمخاني ومحسن رضائي. وبالرغم من بعض التباينات بين هذه الشخصيات المؤثرة في المشهد الإيراني، إلا أن كثيرين يلقبونهم ب “بطانة المرشد” إذ يقدمون له مشورتهم في المسائل المفصلية، ومنهم من هو مستشار للمرشد على نحو رسمي كعلي أكبر ولايتي. أما المدرسة الثالثة فهي “الأصولية الثورية”، والتي يرتبط أتباعها بتيار في الحرس الثوري الإيراني، ويتأثر شبابها بفكر عضو مجلس خبراء القيادة، آية الله محمد تقي مصباح يزدي.
وتُجمع مختلف الأحزاب في التيار الأصولي على جملة من الأفكار أبرزها، بناء الجمهورية على طابع إسلامي بشكل عام وعلى نظرية “ولاية الفقيه” بشكل خاص، وعلى التمسك والالتزام بمبادئ الثورة الإسلامية، وكذلك السعي للدفاع عن المظلومين والمستضعفين في أنحاء العالم، وبناء “الأمة الكبرى”.

ينتقد خصوم هذا التيار ما يصفونه بتشتت رؤيته في السياسة والاقتصاد، ويرون أنها
نتاج طبيعة تكوين التيار الأصولي، الذي تشكل من رجال الدين ورجال البازار بصورة أساسية، ما ينعكس اختلافًا في النظرة نحو القضايا السياسية والاقتصادية بين أحزاب التيار ورجاله، وعدم تكوين رؤية اقتصادية وسياسية واضحة للتيار، ولا سيما في ظل رفض الجناح الاقتصادي الأقوى في التيار “حزب مؤتلفة” المراقبة الحكومية على الأسواق وعمليات التبادل التجاري.

الموقف من أميركا والغرب

يرى غالبية الأصوليين في أميركا العدو الأول لإيران، ويرفضون التواصل والحوار مع واشنطن سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. وينسحب هذا الموقف على الغرب بشكل عام، إذ تستند هذه النظرة إلى أدبيات التيار التي تنظر للآخر الأجنبي بثقافة معادية وتتوجس من الغزو الثقافي، وهو ما انعكس مرارًا في رفض التيار للمحادثات التي أفضت إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015.
ولا يتبنى أتباع التيار الأصولي الموقف نفسه من مختلف القضايا الرئيسية، كذلك لا تتحالف أحزابه سوية في اللحظات الفارقة كالانتخابات، ولعل أبرز مثال على ذلك، هو عدم التمكن من التوافق على لوائح مشتركة خلال عدّة جولات انتخابية سابقة رئاسية كانت أم تشريعية. حيث برزت في هذا السياق الانتخابات الرئاسية عامي 2013 و2017 كأمثلة على ترشح أكثر من شخصية أصولية في الوقت نفسه.
ويعتبر مراقبون، أن الرئيس الإيراني حسن روحاني، وكذلك رئيس البرلمان السابق علي أكبر ناطق نوري، والرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني المحسوبين على تيار الإصلاح/ الاعتدال، هم في الأصل، أصحاب اتجاهٍ في التيار الأصولي، “حيث وجدوا أنفسهم مع الوقت متحالفين مع التيار المقابل، حاملين على عاتقهم مسؤولية قرارات مصيرية وكبرى تتعلق بالأمن القومي للبلاد”.

إضغط لمتابعة الملف كاملاً/ الانتخابات الإيرانية.. ظلال الأزمات

لمتابعة ملف الانتخابات الرئاسية (إيران 21: حصاد المواجهات)، إضغط هنا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: