ما الذي يمكن أن يؤدي إلى حرب بين أميركا وإيران؟
لا يخفي مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إنحيازه لفكرة تغيير النظام في إيران بأي ثمن ممكن. صاحب الشارب الشهير كتب قبل عامين في مجلة ناشونال إنترست الأميركية شارحا خطته لإخراج إيران من الإتفاق النووي تمهيدا لإسقاطها عبر تحالف إقليمي دولي يجمع بين السعودية إسرائيل ودول أوروبية عدة وأميركا. الخطة حملها معه بولتون إلى البيت الأبيض عدما جرى تعيينه مستشارا للأمن القومي في إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي بدوره يبحث عن باب يروّض فيه طهران تمهيدا لمرحلة جديدة لا يكون فيها من ينافس نفوذ حلفاء واشنطن في الشرق الأوسط.
خطوات بولتون ضمن ما يمكن وصفه بخطة الخنق البطيء لإيران لن تكون بلا رد إيراني، أو على الأقل بلا محاولة من طهران لإبعاد يد واشنطن عن خناقها، وهذا ما حول منطقة الخليج والعراق تحديدا إلى محط نظر لجميع المراقبين كونها قد تشهد في لحظة ما هزة أمنية او ترسل من خلالها رسالة واضحة المعالم لأميركا. هذا الذي دفع بواشنطن لإتهام طهران بالتجهيز عبر حلفائها لإستهداف المصالح الأميركية في العراق، وهو أيضا ما جعلها توجه أصابع الإتهام مباشرة إلى الحرس الثوري الإيراني في حادثة التفجير التي إستهدفت أربع ناقلات نفط في بحر عمان، بينما كان واضحا مسؤولية حركة أنصار الله الحوثية في اليمن عن الغارات بالمسيرات على المنشآت النفطية السعودية.
بعد الحادثتين بأيام سقط صاروخ مجهول المصدر في محيط السفارة الأميركية في بغداد، وهو ما قرأته واشنطن مجددا رسالة إيرانية عبر حلفائها بينما سارع هؤلاء الحلفاء لنفي مسؤوليتهم عن الحادثة واضعين إياها في إطار محاولات الزج بالعراق في أتون صراع لا ناقة له في ولا جمل. وإن أكد هؤلاء الحلفاء على جاهزيتهم في حال وقوع الحرب للقتال إلى جانب طهران بما لا يدع مكانا للشك. الصاروخ في بغداد بقي يتيما بينما لم يتأذى أحد في السفارة الأميركية ولكن الرئيس الأميركي ترامب لم يترك الحادثة تمر دون إرسال رسالة عبر تويتر إلى إيران بأن لا تهدد الولايات المتحدة مجددا وإلا فهي تخاطر بحرب ستعني النهاية الرسمية لها.
بالنظر إلى مستوى التوتر الذي وصلت إليها المنطقة فإن الإحتمالات مفتوحة، والحرب واحدة منها وما يمكن أن يؤدي إليها أحداث قد تقع وتتسبب بردود فعل تتعاظم شيئا فشيء ككرة الثلج وصولا إلى مواجهة قد لا تحتاج إلى أكثر من تغريدة من ترامب على حسابه على تويتر يعلن فيها توجيه ضربات إلى إيران في أكثر من نقطة دون الإعلان عن الحرب رسميا. فما الذي يمكن أن يؤدي إلى ذلك تحديدا؟
قبل أيام نشر نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي الأسبق كولين كان مقالة في صحيفة واشنطن بوست رسم فيها سيناريو لإندلاع الحرب القادمة. ومما جاء في سيناريو كال أن إستهدافا لموكب دبلوماسي أميركي بالمتفجرات في بغداد قد يدخل المنطقة في سلسلة من الأحداث التي تنتهي بحرب شاملة من البحر المتوسط إلى مياه المحيط الهندي. وهو ما يذكّر بمحاولة إغتيال السفير الإسرائيلي في لندن في العام 1982 والذي شكل ذريعة لإسرائيل لغزو لبنان وضرب منظمة التحرير الفلسطينية وإبعاد قيادتها إلى تونس.
بعيدا عن سيناريوهات كال، قد تؤدي أحداث أقل خطورة من هذه لزيادة إحتمالات الحرب بما في ذلك فتح الحرب من جبهة ثانية غير الجبهة المباشرة مع إيران. إطلاق صواريخ من جنوبي لبنان على المستوطنات الإسرائيلية في الشمال أو حادث مشابه من الجولان ردا على غارة إسرائيلية على مواقع لحزب الله أو الحرس الثوري في سوريا أو على إغتيال لشخصية رفيعة في المحور الذي تقوده إيران. في هذه الحالة قد تشتعل الحرب من جهة غير متوقعة لكنها ستمتد تدريجيا مع دخول الولايات المتحدة إلى المعادلة لحماية حليفتها الأقرب في المنطقة، وبالتالي قد تكون إحدى الفرضيات إستهداف إيران بهدف الضغط عليها لوقف حلفائها وهو ما قد لا يحدث لتشتعل المنطقة بأسرها لأشهر ربما لأعوام قادمة.
سيناريو أخر مطروح للإشتعال، قيام إيران مع نهاية مهلة الشهرين المعطاة للمجتمع الدولي لإعادة تفعيل مكاسب إيران من الإتفاق النووي، قيامها برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 20٪ وهو ما سيعني خروجها من الإتفاق النووي عمليا. هكذا خطوة ستعني نقلا للملف الإيراني إلى مجلس الأمن للتصويت على وضعه تحت البند السابع. وفي حال عدم تصويت الصين أو روسيا بالفيتو تصبح إيران رسميا تحت فصل يسمح بشن حرب عليها. هذا ما قد يدفع الولايات المتحدة للضغط أكثر على إيران وهو بالتالي سيؤدي اما إلى تسليم إيراني وجلوس صاغر على طاولة المفاوضات، وهذا ما قد يكون مستبعدا لعدة أسباب أو يدفعها للتصعيد في المنطقة وربما في أماكن أخرى من العالم. هكذا سيناريو أيضا قد ينتهي بتوجيه ضربات للمفاعلات النووية الإيرانية وتوجيه طهران لصواريخها الباليستية إلى القواعد الأميركية في الخليج وأفغانستان وهجمات إنتحارية بالقوارب السريعة في المياه الخليجية.
سيناريو ثالث يبدأ بإغتيال الولايات المتحدة لقائد عسكري إيراني بارز خلال وجوده في سوريا أو العراق، وقيام الجانب الإيراني مباشرة أو عبر حلفائه بالرد على عملية القتل على الجانب الأميركي. الرد الإيراني يفرض على الرئيس ترامب إعطاء أوامره بضربات موضعية لإيران في غير نقطة وبالتالي الرد على الرد يستمر حتى إشتعال المنطقة بما فيها.
قد تكون السيناريوهات المطروحة مستبعدة أو ممكنة، الأمر لا علاقة هنا بالمنطق، لأنه الشيء الوحيد الذي لا يمكن التعويل عليه لحظة إنفلات أصحاب القرار من عقالهم.