علي لاريجاني… براغماتية الفيلسوف السياسي
شخصيات إيرانية.. 360 ْ كما لم تعرفها من قبل
بالتزامن مع افتتاح الدورة الحادية عشرة للبرلمان الإيراني، عيّن المرشد الإيراني علي خامنئي، رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني مستشارًا له وعضوًا بمجمع تشخيص مصلحة النظام.
لاريجاني الذي يشغل منصب رئاسة البرلمان منذ 12 عامًا وصاحب التاريخ الحافل بالمناصب الهامة منذ انتصار الثورة الإسلامية، تعدّدت التكهنات حول مستقبله السياسي، منذ إعلانه في نهاية 2019، عدم رغبته الترشح للانتخابات التشريعية التي جرى عقدها أخيرًا.
فبين من يطرح احتمال خوضه غمار المنافسة الرئاسية المزمع عقدها عام 2021، يتكهّن البعض بتعيينه خلفًا لعلي شمخاني في منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي.
فمن هو علي لاريجاني، وكيف تدرّج في محطات مشواره السياسيّ؟
النشأة والتعليم
في 3 حزيران/ يونيو 1958، وفي النجف جنوبي العراق حيث مهجر والده، ولد علي أردشير لاريجاني لأسرة تركت مكان إقامتها، مدينة قم الإيرانية، واتجهت إلى العراق نتيجة ضغوط الشاه الإيراني الراحل رضا بهلوي على علماء الدين آنذاك، ليقضي لاريجاني طفولته في النجف حيث عمل والده رجل الدين ميرزا هاشمي آملي، مُدرسًا في الحوزة العلمية هناك.
في أوائل عام 1963 عاد لاريجاني إلى إيران برفقة والدته، ليتلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في مدينة قم الإيرانية، وبعد إتمامه المرحلة الثانوية، التحق بالجامعات في العاصمة طهران، فحصل على درجة البكالوريوس في الرياضيات وعلوم الحاسوب من جامعة شريف للتكنولوجيا، عام 1979، متابعًا مسيرته العلمية بتخصص الفلسفة بجامعة طهران، فحاز على درجتي الماجستير والدكتوراه في الفلسفة الغربية، إذ يشغل اليوم عضوية هيئة التدريس في الجامعة ذاتها، فضلا عن عضوية هيئة الأمناء لعدد من الجامعات والمراكز العلمية والبحثية في إيران.
ومع بلوغه الـ20 من عمره، تزوج لاريجاني من فريدة مطهري ذات ال15 ربيعًا، وهي ابنة مرتضى مطهري عالم الدين والمُنظّر المعروف والمقرّب من قائد الثورة الإسلامية روح الله الخميني، فأنجبت له 4 أبناء، هم سارا وفاطمة، ومرتضى ومحمد.
عائلة لاريجاني
ينتمي علي لاريجاني لعائلة معروفة تولت مناصباً في مفاصل السياسة الإيرانية، إذ وصل 5 أشقاء لمناصب قيادية رفيعة في السلطات والمؤسسات الإيرانية، وهي العائلة التي وصفتها مجلة التايم الأميركية، عام 2009 ب”النسخة الإيرانية من آل كيندي”.
ففي الوقت الذي شغل خلاله علي لاريجاني رئاسة السلطة التشريعية، ترأس شقيقه صادق لاريجاني السلطة القضائية، والذي يترأس اليوم مجمع تشخيص مصلحة النظام، بينما تولى شقيقهم محمد جواد لاريجاني، مسؤولية أمين لجنة حقوق الإنسان التابعة للسلطة القضائية.
كذلك حظي باقر لاريجاني بمناصب رفيعة في القطاع الصحي، فيما عمل فاضل لاريجاني في السلك الدبلوماسي.
المسيرة السياسيّة
بعد انتصار الثورة الإسلامية، التحق لاريجاني بالحرس الثوري الإيراني متوليًا مسؤوليات عدة وانتقل من مفاصل المؤسسة العسكرية إلى مكاتب الحكومة، وتم تعيينه وزيرًا للثقافة والإرشاد الإسلامي في حكومة الرئيس الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني.
عام 1997 اختاره المرشد الإيراني علي خامنئي، لترأس هيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية، وهو المنصب الذي ظلّ فيه مدة 7 سنوات، حيث اشتعلت في تلك الفترة شرارة خلافاته مع الإصلاحيين بعد اجراءاته للحدّ من تأثير الثقافة الأجنبية على الشباب الإيراني، من خلال عدم بث البرامج الأجنبية.
ما دفع مجموعة كبيرة من النواب الإصلاحيين في البرلمان لانتقاد هيئة الإذاعة والتلفزيون بسبب دفعها الشباب الإيراني نحو وسائل الإعلام الأجنبية. كذلك انتقد النواب ما وصفوه، بتحيّز الهيئة للتيار المحافظ في الفترة التي سبقت الانتخابات، وهو الامر الذي نفاه لاريجاني، مؤكّدًا أن “اعتراضات النواب تتم بتوجيه من الخارج”.
في عام 2005 خاض لاريجاني سباق الانتخابات الرئاسية منافسًا للرئيس المحافظ السابق محمود أحمدي نجاد، وأكبر هاشمي رفسنجاني فحلّ في المرتبة السادسة، بنسبة 5.94% من الأصوات. وبعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيسًا للبلاد، قرر الأخير تعيين لاريجاني في منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في 15 آب/ أغسطس من نفس العام.
لاريجاني والملف النووي
مع توليه منصب أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، تصدّى لاريجاني لمهمة تذليل العقبات أمام طهران وواشنطن فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي، متطلعًا إلى تنفيذ توجيهات المرشد الإيراني علي خامنئي، في تحقيق الأهداف الوطنية المتعلقة بالبرنامج النووي.
في نظر لاريجاني فإن مسألة الطاقة الذرية يجب أن تحظى بأهمية استراتيجية توازي أهمية تأميم صناعة النفط، إذ ارتكز على 3 أفكار رئيسية في تسيير نظريته النووية، أولها خلق حالة من التوافق الداخلي لتنجب الصراعات الداخلية، وثانيها انتهاج أساليب الدبلوماسية، أما الأخيرة فترتبط ببناء تقارب أكبر مع القضية النووية.
وعلى مدى 26 شهرًا من التفاوض مع الدول الغربية للتوصل لاتفاق ينهي العقوبات على إيران. نجح لاريجاني في تنظيم جدولٍ زمني للرد على شكوك الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فضلًا عن جهودٍ كبيرة بذلها في التفاوض مع منسق السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي خافير سولانا، آنذاك، لتسوية المسألة النووية إلا أنها لم تكلل بالنجاح، ليتقدم باستقالته من أمانة المجلس بتاريخ 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2007.
رحلة لاريجاني في رئاسة البرلمان
بعد انتخابه من قبل المواطنين في مدينة قم لتمثيلهم في البرلمان، عام 2008، انتُخب لاريجاني لمنصب رئاسة المجلس، ليتولى زمام السلطة التشريعية، في فترة كانت تعاني البلاد فيها من وطأة العقوبات الأميركية وتوتر العلاقات مع الخارج بسبب برنامجها النووي.
لم يكن البرلمان حينها متوافقًا مع سياسات الرئيس أحمدي نجاد، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في عهده وبعض الملفات المرتبطة بسياسة حكومته الداخلية، فجرى استجوب أكثر من وزير في حكومته، وتم حجب الثقة أو رفض بعضهم.
استمر لاريجاني في منصبه برئاسة البرلمان، بعد انتخابه مجددًا عام 2012، بغالبية 174 صوتًا على منافسه المحافظ، غلام علي حداد عادل، ليترأس لاريجاني البرلمان ذي الصبغة الأصولية، إذ قاطع الإصلاحيون حينها الانتخابات التشريعية إثر انتخاب أحمدي نجاد لدورة رئاسية ثانية عام 2009.
كذلك نجح مجلس الشورى الإسلامي في عقد جلسة استجواب علنية للرئيس أحمدي نجاد، كانت الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية الإسلامية، وذلك على خلفية عدة قضايا منها ما يرتبط بسياسات داخلية، وقد كان لاريجاني من أشدّ المنتقدين لأحمدي نجاد بسبب مشروع الميزانية، السياسة الخارجية والمخالفات القانونية في التشريعات.
في وقت لاحق وفي عهد الرئيس المعتدل حسن روحاني، ظل لاريجاني في منصبه، ووقعت إيران الاتفاق النووي مع دول (5+1).
كما أعاد المجلس في دورته العاشرة انتخاب لاريجاني رئيسًا له، محققًا فوزًا كبيرًا بنسبة 61% من الأصوات، وهي الدورة التي اعتبرت الأضعف في تاريخ البرلمان إذ عانت إيران خلالها من وطأة سياسة “الضغوط القصوى” الأميركية، وانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، فضلا عن العديد من المشاكل الداخلية.
واللافت كان بمساندة بعض النواب الإصلاحيين للاريجاني الذي أصبح محسوبا على التيار المحافظ المعتدل ومعروفا ببراغماتيته.
في 26 آيار/ مايو 2019، وخلال جلسة انتخابات داخلية في البرلمان لانتخاب الرئيس وأعضاء هيئة الرئاسة، جدّد غالبية المشرّعين في المجلس، ثقتهم بلاريجاني رئيسًا للبرلمان لمدّة عام آخر وهي الفترة التي انتهت مع إجراء الانتخابات التشريعية في شباط/ فبراير 2020، ليتمّ لاريجاني بذلك 12 عامًا في رئاسة السلطة التشريعية كانت السنوات الأخيرة منها قاسية بفعل العديد من الضغوطات.
المؤلفات
تأثّر علي لاريجاني بفكر الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت، وكتب عنه عدّة كتب، منها أسلوب الرياضيات في فلسفة كانت، الميتافيزيقا والعلوم الدقيقة في فلسفة كانت، الشهود والقضايا التأليفية (ما تقدم في فلسفة كانت).
كما له مؤلفات بعنوان الهواء الطلق، والحكومة الحديثة (وعد مع الشعب)، بالإضافة إلى 15 مقالاً بحثيًا في عدّة مجالات علمية.