شخصيات إيرانية: حسن طهراني مقدم، أبو البرنامج الصاروخي الذي قتل بتجربة صاروخية
شخصيات إيرانية... 360° كأنك لم تعرفها من قبل
جاده إيران- عدنان زماني
بدأ نجم حسن طهراني مقدم يسطع عندما شرع في السنوات الأولى من الحرب العراقية – الإيرانية في العمل على تأسيس منظومة زمزم الصاروخية (أرض أرض) في عام 1984 التي تطورت فيما بعد لتصبح سلاحا هاما في المنظومة الصاروخية لإيران.
هو أحد الشخصيات العسكرية البارزة في بلاده، والتي شغلت أدوارا هامة وقدمت مساهمات كبيرة في المنظومة الصاروخية لإيران في عهد الثورة الإسلامية. وُصف بـ ” أبو الصواريخ الإيرانية” في إشارة إلى دوره المحوري في صناعة الصواريخ حيث أشرف على تصمّيم عدد من الصواريخ إلى جانب شغله مناصبَ مختلفة في الحرس الثوري كان أوّلها مسؤولية فرع المعلومات في منطقة 3 لفيلق شمال، وآخرها رئيس منظمة الاكتفاء الذاتي والبحوث الصناعية.
من أحياء طهران إلى العمل السري
ولد طهراني مقدم في 29 أكتوبر 1959 في طهران. والده كان يمتهن الخياط ويعمل بين منطقتي “شكوفه” و “بهارستان”، وبين تلك المنطقتين أنهى حسن مرحلته المدرسية. في الثانوية اختار فرع الصناعات بتخصص القطعات الصناعية وحصل عامَ 1979 على دبلوم في الهندسة الصناعية من مدرسة نفيسي. واصل طهراني مقدم درسته في الجامعة حيث تخرج عام 1981 من جامعة طوسي التكنولوجية في مشهد.
في تلك المرحلة التي شهدت انتصار الثورة، انضم طهراني مقدم إلى صفوف الثوار ومعارضي النظام السابق، واشترك مع آخرين في العمل السري الذي تضمن صناعة المتفجرات اليدوية بالاستعانة بأدوات بسيطة ومحلية.
انتصار الثورة الإيرانية عام 1979 دفعه للانضمام وهو في سن 21 إلى صفوف قوات الحرس الثوري بعد أن أمر مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله خميني بتأسيسها في مرحلة مفصليّة من تاريخ إيران الحديث. وعيُن بعد شهور مديرا على دائرة المعلومات في منطقة 3 لفيلق الشمال. وبقي في هذا المنصب لعام واحد حيث انتقل بعدها إلى نشاط أوسع وهو مواجهة الاضطرابات والأحداث التي شهدتها محافظة كردستان غرب إيران.
تزوج طهراني مقدم عام 1982 خلال الحرب العراقية – الإيرانية وقد أنجب أربعة أبناء ثلاث بنات وولد واحد.
تشكيل وحدات المدفعية لصواريخ الحرس الثوري عام 1982
بعد اندلاع الحرب الإيرانية العراقية شعر الإيرانيون بضعف كفتهم العسكرية أمام الجيش العراقي الذي كان مدججا بشتى أنواع الأسلحة المتطورة التي يستوردها من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وغيرهما من الدول. لهذا راح الإيرانيون يعملون على إيجاد بدائل تساعدهم على خلق نوع من التوازن النسبي الذي يضمن لهم مقاومة الهجمات العراقية والوقوف أمامها.
كان لدى إيران آنذاك صواريخ سكود مستوردة، مع مدی تشغيلي محدود لمسافة 300 كيلومتر. في البداية إستفاد طهراني مقدم من الهندسة العكسية لصواريخ السكود المتوفرة، لكن ذلك لم يكن أمرا يمكن التعويل عليه في الصناعة الصاروخية لإيران لمواجهة القوة الهائلة للجيش العراقي. لذا كان لابدّ للقوات المسلحة الإيرانية التفكير في طرقٍ أخرى للحصول على أسلحة أكثر تطورا وتقدما.
بعد المعركة التي انتهت برفع الحصار العراقي على مدينة عبادان الإيرانية ( آبادان) حصلت إيران على بعض الغنائم العسكرية التي خلّفها الجيش العراقي قبل انسحابه، وكانت هناك بعض المدافع التي عمل طهراني مقدم وفريقه على إستنساخها لصناعة مدفع جديد جرى وصفه بباكورة المدافع التي صمّمها الحرس الثوري.
وفي نفس العام بادر المهندس حسن طهراني مقدم بإنشاء مركزٍ للبحوث المدفعية في الأهواز عام 1982، وكان الهدف من وراءه تدريب أكبر عدد ممكن من المهندسين على العمل على المدافع سواء التي كانت بحوزة الجيش أو تلك التي غنموها في المعارك.
البحث عن الصواريخ في سوريا وليبيا
ظل طهراني مقدم يفكّر في كيفية صناعة توازن صاروخي بين إيران والعراق. دفعه هذا لزيارة سوريا على رأس وفد عسكري في تشرين الأول\ أوكتوبر 1984 للقاء الرئيس حافظ الأسد بأمل الإستفادة من الخبرات السورية في الصناعة الصاروخية الحربية.
وطلب مقدم من السوريين إخضاعه ومَن معه لدورة تدريبية على صواريخ فروغ-7 و Scud-B السوفييتية وفقا لاتفاق سابق بين وزير الحرس الثوري حينها، محسن رفيق دوست والأسد، وبالتزامن كان زعيم ليبيا السابق معمر القذافي يقدم 30 صاروخا إلى إيران من طراز Scud-B مما مكّن مقدم وفريقه من العمل على بناء ما تحول لاحقا إلى برنامج إيران الصاروخي.
من الصواريخ إلى القوة الجوية
أصدر قائد الثورة الإيراني روح الله الخميني قرارا يقضي بتقسيم القوات الحرس الثوري إلى جوية وبرية وبحرية، وعيّن طهراني مقدم بموجب قرار منفصل على رأس القيادة في سلاح الحرس الثوري الجوي ليدخل مرحلةً جديدة من حياته العسكرية.
وبعد تولي طهراني مقدم هذا المنصبَ حاول أن يجعل إيران مستقلة في صناعة الأسلحة الجوية، والتي كان يعتمد فيها على أسلحة مستوردة من سوريا وليبيا. وتعزز هذا الشعور لدى طهراني مقدم بعد حدوث خلاف بين العسكريين الليبيين الذين يرسلهم معمر القذافي وبين القيادة في إيران.
وفي الأعوام التالية للحرب بين إيران والعراق شارك حسن طهراني مقدم في صناعة صواريخ هجومية يغطي مداها جميع الأراضي العراقية، وقد صدر قرارٌ من القيادة الإيرانية بالرد بالمثل لاستهداف المواقع الحيوية والحساسة في العراق، وبالفعل استهدفت إيران بصواريخ من تصميم طهراني مقدم العديدَ من الأهداف الهامة كنادي الضباط العراقي في بغداد وفندق الرشید الذي كان عبارة عن مقر لإقامة دبلوماسيين عراقيين حسب الرواية الإيرانية.
تطوير النظام الصاروخي
استمر طهراني مقدم في العمل الدؤوب على تطوير الصناعات الصاروخية لإيران ونجح في إنتاج شهاب-1 وهو استنساخ من صاروخ سكود-B وبعد ذلك طوّر هذا الصاروخ وأطلق على النسخ الجديدة شهاب-2 ثم عمل على نوعٍ جديد من الصواريخ أطلق عليه صاروخ زلزال بنسخه الثلاث.
في عام 1998، طوّر شهاب 3 من سكود-C، وهو صاروخ باليستي متوسط المدى مع المدي التشغيلي 2000 كيلومتر. تم اختباره بين عامي 1998 و2003 وأضيف إلى الترسانة العسكرية الإيرانية يوم 7 يوليو 2003، مع الإعلان الرسمي من قبل المرشد علي خامنئي في 20 تموز من العام نفسه.
وكذلك طور طهراني مقدم في وقت لاحق شهاب 3 وأنتج منه نسخة جديدة باسم قدر-110، والذي يبلغ مداه ما بين 1800 و2000 كيلومترا، كما عمل في العام 2008، على أوّل مجموعة من الصواريخ الباليستية الإيرانية التي تعمل بالوقود الصلب المعروفة باسم سجيل.
إنفجار غامض في قاعدة صاروخية
قُتل حسن طهراني مقدم في 12 تشرين الثاني / نوفمبر عام 2011 إثر انفجار في معسكر تابع للحرس الثوري في ضواحي طهران. وقتل مع اللواء المهندس حسن طهراني مقدم 16 من عناصر وضباط الحرس الثوري الإيراني. وقال المسؤولون الإيرانيون إن الانفجار في قاعدة الصواريخ كان حادثا، واستبعدوا أن يكون عملية إغتيال أو تخريب من قبل الولايات المتحدة أوحلفائها الإقليميين.
رغم ذلك ظلت التكهنات تشير إلى إمكانية تورط جهة خارجية في التفجير لكن هذا لم يتأكد سواء بتصريح أو بإعلان أي جهة مسؤوليتها، لكن أصابع الاتهام اتجهت نحو إسرائيل ولا سيما مع تصريح مصدر استخباراتي غربي لمجلة “تايم” الأمريكية بأن التقديرات تشير إلى تورط الموساد الإسرائيلي في “عملية الاغتيال”. وبعد شهر ونصف تقريبا على مقتل مقدم أعلنت جماعة تدعى “سرايا الشهيد حسن طهراني مقدم” مسؤوليتها عن مقتل عالم الكيمياء الإسرائيلي إيلي لولاز في 26 ديسمبر/كانون الأول 2011، الأمر الذي زاد من الشكوك.
ولعل ما جاء به الكاتب الإسرائيلي، رونين بيرغمان، في كتابه الأخير الصادر عام 2018 في الولايات المتحدة بعنوان “أسرع واقلته” (و هو اختصار للمثل اليهودي المعروف: القادم لقتلك، أسرع واقتله) يزيد أكثر من غموض الحادث ويوجه أصابع الاتهام من جديد باتجاه إسرائيل.
وفي كتابه، يضع بيرغمان اغتيال “حسن طهراني مقدم” في سياق العمليات التي نفذها الموساد ضد شخصيات إيرانية في نهاية العقد الماضي وبدايات العقد الحالي. وبحسب الكاتب المقرب من جهاز الموساد الإسرائيلي، فإن طهراني مقدم قائد وحدة التطوير الصاروخي في الحرس الثوري قُتل وعدد من معاونيه خلال انفجار ارتفعت سحب دخانه عاليا وكان يمكن مشاهدتها عن بعد.
يضيف بيرغمان “العملية جرت بعد تولي تامير باردو، رئاسة الموساد خلفا لمائير داغان، الذي كان بدوره قد تبنى نهج عمليات الإستهداف المباشر للشخصيات التي “تشكل خطرا على إسرائيل”.