“صبح شام” 4: إحداث أزمة في محور المقاومة
تقدم "جاده ايران" في القسم الرابع من ترجمتها لكتاب وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبداللهيان "صبح شام"، رؤية الوزير للظروف التي جاءت فيها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2012، حيث يؤكد عبداللهيان أن الولايات المتحدة، إسرائيل والسعودية سعوا لاستغلال الظروف السياسية التي خيّمت على المنطقة بعد انطلاق المعارك في سوريا للانقضاض على قطاع غزة، من أجل توجيه رسالة قوية إلى إيران وحلفائها، وهو المخطط الذي انتهى حسب قوله من دون تحقيق أي شيء.
إن سقوط الحكام بالوراثة في دول المنطقة سيؤدي إلى انتخابات، ستكون نتيجتها على حساب الصهاينة في المستقبل. رغم خيانة حسني مبارك التاريخية للقضية الفلسطينية، لكن في مصر، المطلب الرئيسي للشعب هو دائمًا أن يكون دعم فلسطين ومحاربة النظام الصهيوني على رأس جدول الأعمال. كانت هذه المطالب موجوده أيضًا في تونس ودول أخرى في المنطقة. لذلك، شعر الصهاينة أنه نتيجةً للصحوة الإسلامية، ستقع أحداث في المنطقة من شأنها أن تعزّز محور المقاومة. تضاعف القلق الصهيوني عندما أدرك النظام الإسرائيلي المزيّف أنه إذا وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة في مصر، فإنّ توجه حركة “حماس” الأيديولوجي في غزة سيقترب من توجه الإخوان المسلمين.
الأهم من ذلك، في نظر الولايات المتحدة وحلفائها، أنّ الثورة الإسلامية أظهرت تأثيرها على كل هذه البلدان. في بعض المقابلات، أو المؤتمرات التي عُقدت في هذا المجال، اعترفت نخب الوطن العربي بأنّ أفكار الإمام الخميني كانت ملهمةً لهم. في اللقاءات السرّية التي لم تكن بعيدة عن أعين الأجهزة الأمنية، تمّت مناقشة دور الثورة الإسلامية وتأثيرها المعنوي و السياسي. في الوقت نفسه، كان في سلوكيّاتهم بعض السمات المشتركة مع الثورة الإسلامية الإيرانية. عندما جمعت الولايات المتحدة وحلفاؤها هذه القضايا معًا، في بحث مقارن (دراسة مقارنة)، رأوا يومًا بعد يوم أنّ الإسلام السياسي، المتجذّر في وجهة نظر مؤسس جمهورية إيران الإسلامية، يُظهر نفسه أكثر فأكثر. ورأوا أنّ الإسلام وأفكار الإمام الخميني (ره) ألهمت شعوب المنطقة والعالم الإسلامي. لقد فهموا أنّ هذا الأمر يشير إلى التأثير المعنوي للثورة الإسلامية في المنطقة، ويختلف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
بعد شهور من المناقشة وتبادل الآراء، اجتمع مثلّث الولايات المتحدة، إسرائيل والمملكة العربية السعودية وحلفاؤهم معًا من خلال الهندسة العكسية لهذا السيل (الفيضان) الرهيب. الهندسة العكسية، برأيهم، كانت انهيار محور المقاومة. لكن كيف يمكن وضع محور المقاومة في أزمة في المنطقة؟ القرار كان البدء بالعمل والتآمر بالتدخل في إحدى دول محور المقاومة. في المرحلة الأولى، كانوا مهتمين جدًا بجعل إيران غير آمنة. في ذلك الوقت، كان الادعاء بأنّ إيران تتّجه نحو سلاح نووي محل نقاش ساخن، وأجروا تحقيقات جادة لاستهداف منشآت إيران النووية.
كان قرارهم، بحسب الأميركيين، أن يضربوا قمة هرم المقاومة أولاً، أي ما تُسمّى بـ سياسة قطع الرأس (decapitation pollicy)، كما استخدموا تعبيرًا أكثر قبحًا، وقالوا “يجب أن نضرب رأس الأفعى”. وبعد المراجعة، خلصوا إلى أنّ العمل فیه مخاطرة كبيرة، لأن إيران ليست في موقف حرج من ناحية «الدفاع و الأمور الأخرى»، حتى يمكن مهاجمتها والخروج من التهلكة من دون تكلفة. تعلم الولايات المتحدة بأنها لا تستطيع تحمّل العواقب.
إذا كان مثل هذا الأمر ممكناً، وكانت الولايات المتحدة قادرة على مهاجمة إيران، وتحمّل العواقب، فإنها كانت ستفعل ذلك، لتُرسل مع شركائها رسالة إلى أولئك الذين يتطلّعون إلى إيران (حلفاء إيران) بأننا تعاملنا مع (عاقبنا) إيران الإسلامية على أعلى مستوى. لكن هذا لم يكن ممكنًا. لا محالة ذهبوا في اتجاه آخر.
كان أحد الخيارات هو قطع الأذرع التنفيذية (العسكرية) المدعومة من إيران في محور المقاومة. كان جزء من هذه الأذرع التنفيذية (العسكرية)، من وجهة نظرهم، هم حزب الله في لبنان، وحركتا “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في فلسطين. لهذا السبب، في ذروة التطوّرات، ابتداءً من عام 2011 وما بعده ، قرر الإسرائيليون حسم أمر غزة بناءً على تحليل خاطئ.
لقد هاجموا غزة على مرحلتين على الأقل. كان تحليلهم أنّ إيران منخرطة في المفاوضات النووية، وأنها في ورطة كبيرةـ لدرجة أنها لا تستطيع الالتفات إلى غزة. كما كانوا يعتقدون بأنّ حزب الله أيضًا يعاني من الفراغ السياسي في الحكومة اللبنانية ومشغولٌ به، وأنّ لديه العديد من المشاكل. من ناحية أخرى، دخل جزء كبير من قوات حزب الله، التي يجب أن تقاتل إسرائيل، إلى سوريا و تقاتل تنظيم “داعش” هناك. لذلك، حللوا أنّ حزب الله ليس في موقع قوي يمكّنه من القتال على جبهتين في نفس الوقت، والدفاع عن غزة. الدول الأخرى التي يمكن أن تدعم “حماس” والقدس و فلسطين، بما في ذلك الحكومة الثورية في مصر، تواجه تحديات أيضًا. كان لدى السيد مرسي مشاكل داخلية كثيرة. وهكذا توصّلوا إلى أنّ ذلك الوقت يقدّم أفضل فرصة لإرسال رسالة قوية لإيران وحلفائها، بإنهاء أمر قطاع غزة و ضمّها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة. إنهم فعلوا هذا الأمر؛ لكنّ اللافت كان أنّ القوات الإسرائيلية في غزو غزة لم تستطع الاستمرار في الحرب لأكثر من بضعة أيام.
كانت إسرائيل يائسة حقًا، ولم تستطع أن تفهم كيف اضطرّت في ذروة الاضطرابات في المنطقة، والضعف الذي تواجهه – حسب اعتقادهم –إيران، لبنان ومحور المقاومة، إلى الدعوة لوقف إطلاق النار الفوري في اليوم الثامن، وأن تُنهي الحرب، من دون أن تنجز أي شيء.