الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة10 أكتوبر 2022 18:17
للمشاركة:

سنوات طويلة من الكر والفر مع إيران.. من هم حزب “بيجاك” الكردي المعارض؟

تلقت جماعات كردية معارضة للحكم في طهران خلال الأيام الماضية ضربات عسكرية عدة من قبل الحرس الثوري داخل إقليم كردستان – العراق الذي تتخذه مقرًا لها حسب الرواية الرسمية الإيرانية، الأمر الذي أثار الجدل مجددًا عن نشاط هذه الجماعات وكيفية الرد الإيراني. يأتي ذلك في وقت شهدت محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران عملية استهدف قوات الأمن في المحافظة وسط احتجاجات عمّت البلاد.

في الأيام الأولى من الاحتجاجات وجهت “طهران” اتهامها لحزب “بيجاك” بالمساهمة في ما اسمته أعمال الشغب الحاصلة، وبعد ساعات من هذا الاتهام بدأت بتوجيه ضرباتها إلى الحزب، فمن هو “بيجاك” الكردي المعارض، ومتى وكيف ظهر على الساحة وما علاقته بحزب العمال الكردستاني “بي كه كه”؟

حزب الحياة الحرة الكردستاني أو ما يعرف اختصاراً بـ “بيجاك”، ظهر أول مرة كقوة مسلحة عام 2004 في أعقاب الغزو الأميركي للعراق بعد إطاحة الحكم المركزي وانفلات الأوضاع. وتموضعت تشكيلاته في ذات المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني (بي كه كه) بزعامة عبد الله أوجلان عند مرتفعات قنديل أقصى الشمال الشرقي للعراق ضمن سلسلة جبال زاغروس المتصلة بكردستان إيران.

الجناح العسكري

الذراع العسكري لهذا الحزب أو ما يعرف بـ” قوات شرق كردستان” هي الوحدات الكردية المقاتلة، لكن بحسب مصادر كردية مقرّبة من “البيشمركة” في حديثها لـ “جاده إيران”، فإنّ عديد مقاتلي بيجاك يتراوح ما بين 800 إلى 1200 مقاتل من سوريا والعراق و تركيا وإيران ومختلف المناطق الكردية.

وبحسب هذه المصادر فإنّ تموضع هذا العدد القليل نسبياً في نقاط حدودية حاكمة يكون فاعلاً و مؤثراً إذا ما أُحسن توظيفه ميدانياً، حيث أنّ كثافة المقاتلين في المناطق الجبلية لا يُعَدُّ من معايير الحسم.

وترتكز ترسانة “بيجاك” من الأسلحة على السلاح الخفيف والمتوسط ذي الفاعلية الميدانية المباشرة و تكتيكات الكمائن، كالعبوات الناسفة والمدفع الرشاش المتوسط (BKC) ومدفع SBG9 والمدفع الجوال الخفيف 106 ملم ومدافع الهاون 82 و120 ملم، فضلًا عن قذائف RBG المضادة للدروع و كمية محدودة من الألغام المضادة للعجلات والقنابل الهجومية وبضع قطع من مدافع “دوشكا” الرشاشة والمضادة للطيران.

ومن الجدير ذكره إنّ النساء يشكلن قرابة 50% من مقاتلي الحزب، حيث يبدو ذلك منسجمًا مع النزعة التقدمية لأيديولوجيا الحزب.

بيجاك بين بغداد والإقليم

بعد الغزو الأميركي للعراق فرضت آليات المحاصصة و نظام التوافق غير الدستوري تقاسمًا إثنيًا للسلطة استقر على أن تكون رئاسة الحكومة من حصة الشيعة ورئاسة مجلس النواب للعرب السنة، فيما رضي الكرد ممثلين بالحزبين الرئيسين المشكلين للكتلة الكردية (الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني) برئاسة الجمهورية التي ستكون من نصيب الاتحاد الوطني، على أن تكون رئاسة الإقليم للديمقراطي الكردستاني.

وجرى اعتماد سياسة التوافق والتحاصص لتنسحب على التشكيلة الحكومية والحقائب الوزارية، مضافاً إلى عامل مهم آخر استمر فاعلاً حتى سقوط الموصل صيف 2014، وهو الحلف الشيعي الكردي، مما أنتج تشكيلة حاكمة تنتهي بخروج طرف واحد منها، مع عدم تناسي التأثير الإقليمي على الطبقة السياسية العراقية.

وتسبب النشاط الكردي المسلح ومنه نشاط البيجاك بإحراج للحكومة العراقية مع الجارتين تركيا وإيران. بدورها لم تردد تركيا بتوجيه الاتهام لحكومة إقليم كردستان بتوفير الملاذات للمسلّحين الكرد، كما أرسلت إيران إشارات تحذير واضحة بضرورة معالجة وجود “بيجاك” على حدود التماس لما يشكله من تهديد للأمن القومي الإيراني.

ويمكن وصف الأسلوب الذي تعاملت به بغداد تجاه ظاهرة “بيجاك” بالخجول والمتردد لحسابات ذات صلة بالتوافق السياسي الداخلي واستدامة الدعم الكردي للكتل الشيعية في العملية السياسية.

على الصعيد الرسمي للإقليم الكردي، هناك موقف علني ينفي أي علاقة مع بيجاك، وهو ما جدد التأكيد عليه ممثل إقليم كردستان- العراق في إيران ناظم الدباغ مؤخرًا، مع تشديده على أن الاجتماعات والتواجد في مقرات هذه المجموعات يأتي بهدف التفاوض ونقل الرسائل والحد من نشاطهم. في المقابل، يشير الذين يعتبرون السلطات الرسمية للإقليم شريكة مع “بيجاك” إلى سطوة منظومة الأمن الحديدية في الإقليم والتي تقرب كل شاردة وواردة، ليخلصوا إلى أن الحزب يحوز دعمًا رسميا مضافًا إلى الدعم الشعبي انطلاقًا من رؤيتهم إلى أن “بيجاك” فصيل قومي يتحرك في المحصلة على خط الحلم الكردي الكبير.

قيادات الحزب

عبد الرحمن حاجي أحمدي أو حاجي احمدي وهو زعيم حزب الحياة الحرة الكردستاني PJAK، الذي قاد الحزب منذ 2004 حتى اعتقاله في آذار/ مارس 2011 في محل إقامته بألمانيا من قبل السلطات، ثم أُطلق سراحه بعد فترة قصيرة وكانت أسباب الاعتقال مجهولة. حيث يُذكر إنّ الحكومة الإيرانية في ذلك الوقت طالبت ألمانيا بتسليمه إليها، لكن طلبها رُفض لأنه يحمل الجنسية الألمانية، كما يُزعم أنّ أحمدي يقود المنظمة الآن من منفاه في مدنية كولونيا الألمانية.

مجيد كاويان أو سيمكو سارهولان كما يعرف، الرجل الثاني في الحزب و نائب الرئيس والقائد الفعلي لجميع الأنشطة المسلحة لـ”بيجاك”، وهو القائد الأول نظراً لأن الزعيم في منفاه بألمانيا. لاقى مصرعه خلال عملية عسكرية قادها ضد الحرس الثوري في كوتمان متأثرًا بجراحه نتيجة شظايا نيران الدبابات في 3 أيلول/ سبتمبر 2011عن عمر ناهز 29 عام.

النزاع المسلّح

خاض “بيجاك” أول مواجهاته العسكرية ضد القوات الإيرانية عام 2004، والتي كانت على شكل عمليات كر وفر، متّخذًا من القرى والمناطق الحدودية مقارّ لمعسكراته وللرصد، حتى حل الهدوء على خطوط الاشتباك أوائل عام 2010.

في 8 آب/ أغسطس 2011، أبدى زعيم الحزب استعدادًا للتفاوض وإلقاء السلاح والتهدئة خلال مقابلة تلفزيونية، معللاً ذلك بأن القضايا الكردية بحاجة إلى حلول عبر “الوسائل السلمية”، وبأنّ التسوية ـ في بعض الحالات ـ أمرٌ لا مفرّ منه.

برغم ذلك، استأنف الجيش الإيراني هجومه في 2 أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، رافضاً أي هدنة يدعو إليها الحزب، ومعلنًا أنه لا خيار أمام من أسماهم “المتمردون الكرد” سوى إلقاء السلاح أو ترك المناطق الحدودية.

بعدها أعلنت قيادة القوات البرية الإيرانية في 30 أيلول/ سبتمبر من نفس العام هزيمة “بيجاك” بعد السيطرة على معاقله في جبال جاسوسان، كما وافق الأخير على التراجع لمسافة كيلومترٍ واحد عن الحدود الإيرانية والامتناع عن الأنشطة العسكرية على الأراضي الإيرانية أو تجنيد مواطنين إيرانيين.

واستمرّت الهجمات المتبادلة والمتقطعة بين طرفي النزاع على مر السنوات التالية، فيما ظل الطيران الإيراني المسيّر يحلّق فوق قرى شمال شرق العراق، مستهدفاً مقار وثكنات تابعة للحزب، وصولاً الى القصف الصاروخي والمدفعي والاستهداف بالطائرات المسيرة الانتحارية مؤخرًا والذي استمر لثلاثة عشر يوما على التوالي منذ 24 أيلول/ سبتمبر 2022، وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، قبل أن يعلن الحرس الثوري انتهاء عملياته بعد تحقيق الأهداف التي خطط لها وتوعده بأنه سيعيد الكرة في حال عودة التهديد مرة أخرى. من جانبه، أوضح دباغ أنه سيتم إخلاء مقار الجماعات الكردية المعارضة لإيران التي تتخذ من الإقليم مقرًا لها، مضيفًا حسب ما نقلت وكالة “تسنيم” المقربة من الحرس الثوري أنّ حكومة الإقليم تسعى لوقف هذه الجماعات المسلحة من أجل منع الحرس الثوري الإيراني من مهاجمتها مرة أخرى.

أيديولوجيا الحزب

يُصنّف “بيجاك” نفسه حزباً يسارياً- قوميًا يتبنى الأفكار “الماركسية اللينينية”، والتي كانت عقيدة اليسار الراديكالي خلال الحرب الباردة، لكنه اتجه بعد مدة من تأسيسه نحو “الاشتراكية العلمية”، وجاء ذلك من ضمن التحوّلات التي خضعت لها مفاهيم الحزب وبرنامجه السياسي. وبشكل معلن يتبنى الحزب البرنامج السياسي لحزب العمال الكردستاني (البي كه كه) ويقاتل في سبيل تحقيقه.

التصنيف

صنفت إيران حزب “الحياة الحرة الكردستاني” إرهابيًا منذ تأسيسه، كما فعلت الولايات المتحدة بعدها عام 2009.

لكن الموقف المشترك لكل من ايران و الولايات تجاه “بيجاك” كان متباينًا، ففي الوقت الذي صنفته إيران منظمة إرهابية تهدد أمنها الداخلي، جاءت الخطوة الأميركية المشابهة من منطلق الدعم لأنقرة، حليف واشنطن الإقليمي وعضو حلف شمال الأطلسي.

 كما أنّ “بيجاك” عضو في اتحاد التجمعات الكردستانية، وهو تحالف يضم الجماعات والانقسامات الكردية المحظورة بقيادة تنفيذية منتخبة.

“بيجاك” والولايات المتحدة

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، ذكر الصحافي الأميركي سيمور هيرش ضمن سلسلة مقالات نشرها في صحيفة “نيويوركر” أنّ كلًّا من الولايات المتحدة وإسرائيل تدرّب هذه الجماعة، كما تمدهما بالدعم المادي والاستخباري في سبيل الضغط على إيران.

أثارت هذه المزاعم الكثير من الغضب الذي انعكس في وسائل الإعلام التركية، ذلك أنّ الحزب هو الامتداد الطبيعي (بي كه كه) والذي بدوره يشن حملات عسكرية منذ عقود ضد القوات التركية الحكومية في سياق دأبه للانفصال عن تركيا.

هذا اضطر السفير الأميركي روس ويلسن لدى تركيا ـ وقتذاك ـ لإصدار استنكار رسمي لأي نوع من المساعدات الأميركية لحزب الحياة الحرة الكردستاني في محاولة لتهدئة الضجة المثارة.

وفي كانون الثاني/ يناير 2007، أرسل ويلسون برقية سرية إلى واشنطون (نشرها موقع ويكليكس لاحقاً) ناشد فيها الحكومة الأميركية وبقوة وضع “بيجاك” على القائمة السوداء.

محاولة لمقاطعة المصالح مع واشنطن

لم يفوّت أحمدي فرصة الخدمات المتبادلة مع الولايات المتحدة لإقلاق إيران غربًا، ففي عام 2007 تحدثت “واشنطن نيوز” عن زيارة لأحمدي للأراضي الأميركية خلال آب/ أغسطس من العام نفسه، أعرب فيها عن استعداد حزبه للتعاون مع الأميركيين تحت عنوان: “المصالح العليا للحزب”.

برغم ذلك ـ وبحسب صحيفة “واشنطون نيوز” ـ فإنّ زيارة أحمدي إلى واشنطن لم يلتقِ خلالها مسؤولًا أميركيًا مهمًّا، كما لم يتمكّن من الحصول على أي دعم.

بعد أشهر من الزيارة، أصدر “بيجاك” بيانًا يتهم فيه الأميركيين بتمرير معلومات لكل من الترك والإيرانيين تسهل استهداف معاقل الحزب في جبال قنديل.

في الخلفية، لا يزال الطموح الدائم لدى الكرد في الاستقلال بدولة قومية وسط إقليم متوتر تختلف نظمه السياسية فيما بينها على كل شيء تقريبًا ما عدا الحيلولة دون تحقيق الحلم الكردي، يشكل أرضية خصبة تستثمر فيها أميركا وإسرائيل لتحقيق مصالحهم في المنطقة على قاعدة الربط بين الوطن القومي للكرد والحالة اليهودية في فلسطين.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: