مورا لا يحمل عرضا أميركيا لإيران ورفع الحرس عن لوائح الإرهاب غير مطروح في واشنطن
قبل أشهر قليلة، في فيينا، كانت محاولات إحياء الاتفاق النووي قد قاربت النجاح بنسبة تزيد عن التسعين في المائة بقليل. مجموعة دبلوماسيين يجتمعون، يجترحون الحلول بالتعاون مع خبراء ماليين ونوويين وسياسيين، لإعادة وصل الخطوط التي قطعها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يوم إعلانه خروج بلاده من الاتفاقية النووية. المثير للانتباه أن ترامب أعلن قراره قبل ٤ أعوام بالضبط، في مثل هذه الأيام من العام 2018. ورغم كونه رئيسا سابقا إلا أنه يبدو أكثر الحاضرين في ذهن من يبذلون جهودا مضنية للعودة إلى نقطة الصفر التي تبدو حتى اللحظة بعيدة المنال، على الأقل بلحاظ المطروح على الطاولة.
وعلى الطاولة جلس انريكي مورا الأربعاء 11 أيار/ مايو 2022، ليستمع لما لدى الإيرانيين بعد رحلته الماضية في مارس/ آذار والتي حمله الإيرانيون فيها إجابات على أسئلة الوساطة. دوّن الدبلوماسي الأوربي المخضرم ما سمعه على مدى الأسابيع الماضية من جميع الأطراف على الأوراق بالحبر الأزرق في مسعى لإغلاق فوهة البركان. في الطائرة المتجهة من الدوحة إلى طهران صادفته وحيدا يحاول ترتيب ما لديه. سألته إن كان يحمل رسالة إلى الإيرانيين من واشنطن، فنفى مؤكدا أنه أتى بناء على دعوة الإيرانيين وهو هنا ليستمع إلى ما لديهم، وماذا كانت لديهم طروحات جديدة. في الوقت ذاته قال الإيرانيون على لسان أمين المجلس الأعلى للأمن قومي علي شمخاني إن “زيارة مورا لإيران جاءت بعد التقدم في مفاوضات فيينا لرفع الحصار”.
سألت مورا عن القضية الأكثر حرجا في المفاوضات، إخراج الحرس الثوري من لوائح الإرهاب ورفع العقوبات الأميركية المفروضة، وهو ما كان تحدث مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوسيب بوريل عنه كحل وسط معقول، وآخر رصاصة على حد تعبيره. لكنه أخبرني أن الأميركيين رفضوا هذا المقترح حتى اللحظة وأنهم غير مستعدين بأي شكل من الاشكال لهذه الخطوة في المرحلة الحالية.
حط مورا في طهران وذهب للقاءاته بعدما كان توقف في الدوحة، وفي الدوحة حطّ نائب وزير الخارجية الأميركي براين ماكيون لنقاش أولويات واشنطن في المنطقة وأمور أخرى. ويوصف ماكيون بالمقرب جدا من الوزير انتوني بلينكن إلى جانب كونه أكثر شخصيات وزارة الخارجية انتقادا لترامب وفترة حكمه، وهو ممن يحترفون الترتيبات الأمنية وقد أولى في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما عدة مسؤوليات في مجلس الأمن القومي.
من غير المعلوم ما إذا كان تزامن مرور مورا وزيارة ماكيون للدوحة مرتبطا، كما هو الحال عندما عاد مورا من رحلته السابقة لطهران، حيث التقى مع مندوب الولايات المتحدة لشؤون إيران روبرت مالي على متن الطائرة المتجهة من قطر إلى أميركا. وإذا وضعنا هذا كله جانبا، فزيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد إلى طهران الخميس 12 أيار/ مايو 2022، تسلط الضوء بشكل كبير على الجهد الذي تبذله الدوحة لتقريب وجهات النظر بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية، وكانت معلومات سابقة تحدثت عن أن محور الزيارة سيتركز على طرح أفكار جديدة لتقريب وجهات النظر بين واشنطن وطهران وبعض الترتيبات التي قد تساعد في تحفيز طهران للمضي قدما باتجاه تسوية تعيد الحياة إلى الاتفاق النووي. في الأثناء، بدأت نبرة جديدة في إيران تعزف على طلب ضمانات من أميركا خلال الفترة المتبقية من رئاسة بايدن، حيث شدّد مستشار فريق المفاوضات الإيراني على ضرورة أن “تحل واشنطن القضايا المهمة المتعلقة بالضمانات لبقية فترة رئاسة بايدن”، متسائلًا عن الفائدة إذا لم يستطع بايدن أن يقدم ضمانات ذات مغزى خلال الفترة المتبقية من رئاسته؟.
من المؤكد أن ما في الجعبة القطرية غير معروف لحتى الأن، لكن لا شك أن للدوحة مصلحة حقيقية في إيجاد مساحة حوار بين خصمين لها معهما علاقات مميزة.
في المقابل يُطرح سؤال كبير بالتوازي مع الوساطات الدولية والإقليمية، حول ما إذا كانت العثرات التي تواجه الاتفاق النووي عضوية وتعكس المعضلات المتراكمة إلى جانب ثغرة انعدام الثقة، أم انها لحظية مرتبطة بالتحولات الكبرى في العالم والتي تدفع الإيرانيين للتفكير مليا بخياراتهم والتزاماتهم، لا سيما تلك التي عقدت في أزمنة أخرى.