الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة2 يناير 2021 07:21
للمشاركة:

عبداللهيان في مقابلة مع صحيفة “كيهان” الأصولية: يجب على الأوروبيين تقبيل يد سليماني

شرح المساعد الخاص لرئيس البرلمان حسين امير عبداللهيان، في مقابلة مع صحيفة "كيهان" الأصولية، أهمية القائد السابق لقوة القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بالنسبة لإيران والمنطقة، معتبراً أن الإجراءات التي اتخذها سليماني ضد تنظيما داعش لعبت دوراً مهماً في الأمن العالمي، حسب تعبيره.

في عام 2011 أي قبل ثماني سنوات من انتشار فيروس كورونا حول العالم وقتله للآلاف انتشر في العالم العربي فيروس آخر. حيث انتشر هذا الفيروس من درعا جنوبي سوريا وانتشر بسرعة في المدن والقرى السورية ومن ثم انتشر في العراق. كان خطراً كبيراً يُهدد المنطقة. هذا الفيروس تعاظم وهدد بغداد وكذلك أربيل في كردستان العراق. هذا الفيروس كان داعش، جماعة إرهابية عنيفة وعديمة الرحمة كُتب على علمها “لا إله إلا الله” وكانت تتحدّث باستمرار عن النبي والإسلام. وهذا الخطر الكبير لم يهدد شعوب العالم العربي فحسب وبل جوهر الدين أيضاً. وذلك لأن جميع عمليات قطع الرؤوس والتعذيب والعمليات الانتحارية تمت باسم الإسلام. حيث أن الدول الغربية لم تفشل فحسب في مواجهة هذا الفيروس (الذي كان يعتبر أيضاً تهديداً لها)، بل أصبحت أيضاً المتهم الرئيسي في تكوين وتمكين هذه المجموعة. ومن هنا بدأ قائد لا يدّعي وجندّي مجهول يدعى قاسم سليماني مهمة هامة والتي كانت تبدو مستحيلة: “تدمير داعش”.

بدأ القائد سليماني والمعروف بالمنطقة باسم “الحاج قاسم”، بإعادة بناء وتعزيز القوات العسكرية العراقية والسورية. وتمت استعادة المدينة إثر الأخرى بسرعة من يد داعش والجماعات الإرهابية الأخرى. وفي خضم تقدّم قوات المقاومة ضد داعش في سوريا والعراق، أثّرت صورة حادث مؤلم على الجميع على إحدى الجبهات؛ حيث أدّت عملية مفاجئة لداعش ضد قاعدة للمقاومة في منطقة التنف شرقي سوريا قرب الحدود العراقية لاستشهاد عدد من المستشارين الإيرانيين وأسر أحدهم وهو محسن حججي. ونُشرت صور أسر الشهيد حججي ومشاهد استشهاده. وفي ظل هذه الظروف كان وعد الحاج قاسم هو الأمر الوحيد الذي استطاع تهدئة القلوب والحفاظ على آمال الانتقام من داعش. ووعد سليماني مخاطباً جثمان الشهيد حججي، بالانتقام له من داعش في أقل من ثلاثة أشهر وكذلك الإعلان عن نهاية داعش من على هذا الكوكب. وقد أوفى القائد بوعده وقد أعلن القائد سليماني ذلك رسمياً في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 نهاية داعش في رسالة إلى المرشد الأعلى للثورة.

حيث تمكن القائد سليماني من جعل المهمة المستحيلة مهمة ممكنة. ولهذا ازدادت القوة الناعمة لإيران في المنطقة بشكل غريب. وكانت أميركا هي الخاسر الأول من هذا النفوذ، لذلك قامت أميركا بعمل قذر واغتالته بتاريخ 3 كانون الثاني/ يناير 2020 واستشهد الحاج قاسم.

  • لماذا برأيك حظي الحاج قاسم بمحبة أهل السُنة في العراق؟

يجب القول إنه أبعد من حصول الحاج قاسم على محبة السُنة، كان لدى الحاج قاسم تأثيراً بين قادة داعش، رغم أنهم لو وصلوا إليه ضمن الساحة السورية أو العراقية لكانوا نفّذوا أقسى وأفظع مما فعلوه بالشهيد حججي. وسأخبرك بقصة عن داعش، ثم دعنا ننتقل بالتدريج ونرى كيف ينظر السُنة إلى الحاج قاسم وكيف أن الأكراد في العراق وكردستان العراق يدينون بأمنهم للحاج قاسم. وحتى كيف نظر المسيحيون والإيزيديون إلى الحاج قاسم.

في ذروة الأزمة السورية، كان الجيش السوري أحياناً يطوّق الإرهابيين في مدينة ما بمساعدة المستشارين إيرانيين. ومع استمرار الحصار لفترة طويلة، كان هؤلاء الإرهابيون يوجهون رسالة عبر الأجهزة الأمنية الغربية وحتى بعض دول المنطقة مفادها أنقذونا ليس لدينا مياه صحّية للشرب ولا دواء ولا طعام. فماذا كان يحدث؟ عندما تُحاصر الجماعات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها من الجماعات الإرهابية، يقومون أولاً بتشكيل درع بشرية من النساء والأطفال من حولهم لكسر هذا الحصار. من ثم، يُعلنون من خلال الغربيين أو برسالة لوسطاء الأمم المتحدة أننا مستعدون لمغادرة المدينة وتسليم الأسلحة الثقيلة. ولكنهم للتأكد من أن أحداً لن يستهدفهم عندما يخرجون، ويكونون قد سلموا الأسلحة الثقيلة وصعدوا للحافلات آخذين معهم بعض الأسرى. وعندما يصلون إلى هذه النقطة، تأتي قضية التبادل. حيث كان بعضهم من السوريين العاديين، وبعضهم من أفراد الجيش السوري وفي بعض الحالات قد يكون بعض المدافعين عن المرقد من بين المعتقلين.

في ذلك الوقت عندما كنت نائباً في وزارة الخارجية اتصل بي مسؤولون من الأمم المتحدة في منتصف الليل وقالوا إن قادة هذه الجماعات الإرهابية (وهم بالطبع من وجهة نظر الأمم المتحدة والولايات المتحدة التي تدعمهم “المعارضة المُسلحة”) يريدون التأكد من عدم استهدافهم خلال التبادل، قائلين هل سيضمن الجنرال سليماني عدم استهدافهم. فكما ترى فإن داعش وجبهة النصرة واللذان هما أعداء الحاج قاسم لديهم معرفة به، قائلين إذا ضَمن الحاج قاسم أننا لن نستهدف في مرحلة التبادل، فسوف نسلم الأسلحة الثقيلة وسيحدث التبادل. وهذا القدر من ثقة داعش وجبهة النصرة في صدق كلام الحاج قاسم لا مثيل له حقاً.

عندما استولت داعش على الموصل تم بث الرسالة الأولى لوسائل إعلام داعش في العراق على قناة كُردية. وأفيد لاحقاً أن داعش قد أخبرت بعض القادة الأكراد أنهم لا يسعون خلفهم، لذلك شعروا بالارتياح ولكن بمجرد وصول داعش إلى القدرة والقوة، تحرّكت نحو أربيل. وأخبرني قنصلنا العام في أربيل أن القادة الأكراد لديهم رسالة مفادها أننا في الأيام القليلة الماضية دعونا الولايات المتحدة لقصف داعش أو توفير المعدات والطائرات لأن أربيل في حالة سقوط، لكن المسؤولين الأميركيين صرّحوا مراراً بأنهم يتحققون من الأمر. وعندما اتصلوا أخبروني أن مطلب كبار المسؤولين في كردستان العراق هو أن تقوم إيران بمساعدتهم. أتذكر أنني اتصلت على الفور بمكتب القائد سليماني وقال إنني سمعت بذلك عبر قناة أخرى، ويمكنك إبلاغ السيد بارزاني من خلال قناتك الخاصة أننا سنساعده بسرعة وبالفعل وصل القائد سليماني إلى أربيل خلال ساعات قليلة في أخطر الظروف، ونظم قوات البيشمركة، وكانت الظروف خطيرة للغاية على القائد سليماني. وصل القائد سليماني إلى أربيل مباشرة بالطائرة. حيث أعلن المسؤولون الأكراد لاحقاً أننا لم نتعرف على القائد سليماني بسبب الغبار على وجهه. لقد شارك القائد سليماني بشكل مباشر في الدفاع عن الأكراد ضد داعش. وقد قال المسؤولون الأكراد الذين تحدثت إليهم إنه لا يمكننا تصديق أنه دخل مباشرة للساحة بينما هرب المسؤولون الأكراد الآخرون أو كانوا يحزمون حقائبهم. وعندما قرر السيد بارزاني تقسيم العراق، أخبره الشهيد القائد سليماني أن ذلك ليس في مصلحة العراق وحتى الأكراد. وهذا السلوك الشهم للشهيد الحاج قاسم جعله يتمتع بشعبية ومحبة في جميع أنحاء المنطقة.

  • ماذا كان سيحدث لو لم يقف القائد سليماني ضد انتشار داعش وما الذي كان سيحدث للمنطقة والعالم؟

عندما سقطت مدن في العراق وسوريا مثل الموصل وحلب، في يد داعش أو بعبارة أخرى عندما حدثت الخيانة الداخلية والإقليمية والدولية كان أحد آثارها المباشرة على أمننا الداخلي حيث أن داعش كانت تتقدم بسرعة كبيرة في ديالى العراقية والتي هي بالقرب من حدودنا، حينها صدر قرار مجلس الأمن القومي الذي نص على أنه إذا وصلت داعش إلى أربعين كيلومتراً من حدود بلادنا داخل العراق فسوف نقوم بقمعه. وقال القائد الأعلى في لقائه الأخير مع عائلة الشهيد سليماني، إن القائد سليماني رأى المستقبل جيداً وشعر بالتطورات بشكل صحيح ودقة.

من وجهة نظر القائد سليماني المستقبلية، ينبغي أن أذكر أنني إلى جانب مجموعة محدودة من الأصدقاء الذين اجتمعوا مع القائد سليماني في عام 2017، سمعنا سليماني يقول لنا أن أحد مخاوفه هو الوضع في دول الخليج حيث شعر أنهم يتجهون نحو تطبيع علاقاتهم مع الكيان الصهيوني.

نعم، كان يشعر بالقلق في ذلك الوقت قبل وقت طويل من مناقشة التطبيع علناً. ولولا الرؤى الحادة للمرشد الأعلى وأفعال الشهيد سليماني ودماء الشهداء الذين دافعوا عن المرقد وحزب الله والشهداء العراقيين والفاطميين والحيدريين لما كان لدينا هذا الأمن على الساحة الوطنية أو الإقليمية أو الدولية.

وخلال لقاءاتي مع المسؤولين الأوروبيين كنت أقول لهم دائماً أنه يجب عليكم تقبيل يد سليماني وتقديسه، وذلك لأنه عندما كانت داعش ضمن مدن قليلة فقط مثل الرقة وتكريت والفلوجة وأعلنت الخلافة الإسلامية، أصبحت محطات المترو لديكم في باريس وبروكسل ولندن غير آمنة بينما لم يكن هنالك وجود لداعش. لنفترض أن داعش تمكنت من التموضع والاستقرار في حلب أو أنه ثبّت نفسه في الموصل ففي ذلك الوقت لن يكون الغربيون آمنين في نيويورك أيضاً. لذلك فإن الإجراءات ضد داعش لعبت دوراً مهماً في الأمن العالمي.

  • ما هي الأهداف الأميركية من اغتياله وإلى ماذا كانوا يسعون؟

سعى الأميركيون إلى تحقيق هذا الهدف منذ فترة طويلة. منذ حرب تموز في لبنان، سعوا دائماً إلى إيجاد نظام جديد في الشرق الأوسط. وفي ذات الوقت قالت كوندوليزا رايس إن هذا الولادة صعبة ومؤلمة، ولكن يجب القيام بها في الشرق الأوسط. ومن وجهة نظرهم، فإن “الشرق الأوسط الجديد” هو المنطقة التي يظهر فيها الكيان الصهيوني والذي هو حليف أمريكا، وباقي الدول الأخرى في المنطقة تكون منقسمة أو ضعيفة لدرجة أنها لا تظهر على الإطلاق. وهذه المعادلة قد فشلت تماماً وذلك بسبب الثورة الإسلامية الإيرانية وثانياً، أفكار الإمام الخميني، ثالثاً، ثلاثة عقود من القيادة الذكية والحكيمة للقائد الأعلى ووجود جنود مثل القائد سليماني ورفاقه. وبعد كل شيء يعاني الأميركيون كل يوم في مناطق يرون أنها جيو-استراتيجية وجيو-سياسية وجيو-اقتصادية وغنية بموارد الطاقة؛ وحقيقة أن ترامب يقول إننا أنفقنا أكثر من 7 تريليونات دولار ولم نحصل على شيء وهو أمر يشير إلى ذروة الفشل الأمريكي. بينما كان الوضع مختلف بالنسبة لإيران وحلفائها في المنطقة.

لذلك أرادوا كسر عظمة المقاومة في المنطقة بهذا الاغتيال وثانياً إرسال رسالة إلى جميع زعماء وقادة المقاومة بأننا مستعدون للدخول في الصراع وثالثاً كان لديهم تقييم خاطئ من مختلف المجموعات؛ مجموعات مثل طالبان، والمنافقين المحبطين والمنهزمين، وبعض ممن يسمون بالمثقفين الداخليين، الذين قدموا أحياناً تحليلات أسوأ بالمقارنة مع هاتين المجموعتين. وكان تحليلهم الخاطئ عن إيران هو أن البلاد كانت تنهار ولن يحدث شيء إذا استهدفنا شخصاً مثل القائد سليماني. ولكن رد فعل الناس والجنازة التي لم يتم إجراء ترتيبات لها وهذا التغيير العظيم لم يكن سوى إرادة الشعب، التي أفشلت كل تحليلاتهم. حيث أن الأميركيين ظنوا أنهم إذا استهدفوا الحاج قاسم، فلن ترد إيران ضمن ظروف الحد الأقصى من العقوبات والضغط. ولكن ردة فعل إيران قلبت معادلاتهم، وأقول دائماً إن إطلاق 13 صاروخاً باليستياً إيرانياً على قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق كان بمثابة الانتقام لسيارة الشهيد سليماني، وما زال انتقام الشهيد سليماني قائماً.

  • ردود الفعل التي ذكرتها مثل التشييع المليوني ما هو تأثيرها على التطورات المُستقبلية في المنطقة؟ وهل يُمكنه الإسراع في طرد وإخراج الأميركيين من المنطقة؟

الإمام الخميني عندما قدم لإيران حرّك الحشود وعندما انتقل إلى رحمة الله حرّك الحشود مجدداً؛ لذلك وبخصوص الشهيد سليماني فقد سمعت جملة مفادها أن “الشهيد سليماني أعظم من القائد سليماني”.

أصبح القائد سليماني مصدراً للعديد من الخدمات خلال حياته، وإذا أردت أن أذكر مثالين مهمين فقط وعن خدماته في الحرب المفروضة وصراعه مع المجرمين والمهربين على الحدود الشرقية للبلاد، بغض النظر عن مساعدته للشعب الأفغاني والعراقي وغيرهما، يجب أن أشير إلى أن الشهيد سليماني عمل على مستوى الأمن القومي والمنطقة، حيث أن الكيان الصهيوني الذي كان يحلم بحكومة من النيل إلى الفرات اكتفى ببناء الجدران الاسمنتية حول نفسه، وذلك بجهود المقاومة والشهداء وببركة دماء الشهداء.

الخدمة المهمة الثانية للشهيد سليماني هي أنه شكّل تركيبة سياسية أمنية جديدة في المنطقة، والتي نسميها محور المقاومة والتي استطاعت هزيمة داعش في المنطقة. وأما بعد استشهاد القائد سليماني ومن خلال الصفعة التي تلقتها الولايات المتحدة من إيران بالخطوة الأولى التي اتخذناها، تم كسر هيمنتها وإعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أعلى مستوى وبصوت عالٍ أن الانتقام لدماء القائد هو الانسحاب الكامل للقوات الأميركية من المنطقة.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “كيهان” الأصولية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: