الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة16 يونيو 2024 05:19
للمشاركة:

التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران: رؤية معمقة

مقدمة

شهدت العلاقات بين روسيا وإيران تطورات ملحوظة في السنوات الأخيرة، مدفوعة بالحاجة المشتركة لمواجهة الضغوط الدولية والبحث عن مسارات جديدة للتعاون. على الرغم من تأجيل توقيع الاتفاقية الاستراتيجية (وثيقة التعاون الاستراتيجي لمدة 20 عاما) المنتظرة، فإن الجهود المشتركة لتعميق هذا التعاون تبقى قائمة وتشمل العديد من المجالات الحيوية.

محتوى وثيقة التعاون

  1. المجالات الاقتصادية
    • التجارة والاستثمار: تهدف الاتفاقية إلى تعزيز حجم التجارة بين البلدين، مع التركيز على قطاعات رئيسية مثل الزراعة، والصناعة، والخدمات المالية.
    • البنية التحتية للنقل: تطوير ممر النقل الدولي “الشمال-الجنوب”، الذي يربط آسيا بأوروبا عبر إيران، لزيادة تدفق البضائع والخدمات بين البلدين.
    • التكنولوجيا: التعاون في مجالات التكنولوجيا المتقدمة مثل الفضاء، والذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا المعلومات.
  2. الطاقة
    • النفط والغاز: تشمل الاتفاقية تطوير حقول الغاز الإيرانية بمشاركة روسية، مع التركيز على تعزيز البنية التحتية للطاقة في إيران.
    • الطاقة النووية: توسيع التعاون في مجال الطاقة النووية، بما في ذلك بناء مفاعلات نووية جديدة ودعم البرنامج النووي الإيراني السلمي.
  3. التعاون العسكري والأمني
    • التسليح والتدريب: تزويد إيران بأنظمة أسلحة روسية متطورة وتنظيم تدريبات عسكرية مشتركة لتحسين القدرات الدفاعية.
    • التنسيق الدفاعي: تحسين التنسيق الدفاعي بين البلدين عبر تبادل المعلومات والخبرات.
  4. التعاون الثقافي والعلمي
    • التبادل الثقافي: تعزيز التبادل الثقافي والتعليم بين البلدين من خلال برامج تعليمية مشتركة وفعاليات ثقافية.
    • البحث العلمي: تطوير برامج للتبادل العلمي والتكنولوجي بين المؤسسات الأكاديمية والشركات لتعزيز الابتكار والتنمية التكنولوجية.

        الخطوات العملية المنفذة

        1. مشاريع الطاقة:
          • تطوير حقول الغاز الإيرانية مثل “تشالوس”.
          • التعاون في بناء محطات الطاقة النووية مثل محطة “بوشهر”.
        2. التعاون الدفاعي:
          • توقيع صفقات لتوريد أنظمة دفاع جوي وطائرات مقاتلة من روسيا إلى إيران.
          • تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة لتعزيز التنسيق الدفاعي.
        3. التجارة والبنية التحتية:
          • تحسين البنية التحتية للنقل لتسهيل حركة البضائع وتعزيز التجارة الثنائية.
          • استخدام أنظمة الدفع البديلة لتجاوز العقوبات الغربية.

        الدوافع الاستراتيجية: مصلحة براغماتية أم مشروع حضاري؟

        1. مصلحة براغماتية:
          • تجاوز العقوبات: تُعد الاتفاقية وسيلة لتخفيف تأثير العقوبات الغربية من خلال بناء شبكات اقتصادية وتجارية مستقلة.
          • الاستفادة الاقتصادية: يوفر التعاون مع روسيا لإيران الاستثمارات والتكنولوجيا التي تحتاجها في ظل الضغوط الاقتصادية.
        2. مشروع حضاري مشترك:
          • نظريات ألكسندر دوغين: يرى التعاون بين روسيا وإيران كجزء من مشروع حضاري أوسع لتعزيز التحالفات غير الغربية وتأسيس نظام عالمي متعدد الأقطاب.
          • الرؤية الإيرانية: تسعى إيران لتعزيز علاقاتها مع القوى غير الغربية كجزء من استراتيجيتها لتأكيد دورها المركزي في النظام العالمي الجديد.

        موقف إيران من العلاقة مع الغرب

        رغم تعزيز علاقاتها مع روسيا، تحافظ إيران على قنوات اتصال مع الغرب، كما يظهر في المفاوضات الجارية بشأن البرنامج النووي:

        1. المفاوضات النووية: تستمر إيران في التفاوض مع الولايات المتحدة وأوروبا بهدف رفع العقوبات، مما يعكس رغبتها في الحفاظ على مرونة سياستها الخارجية.
        2. التوازن في العلاقات: تسعى إيران للحفاظ على توازن في علاقاتها الدولية، حيث أن الاعتماد الكامل على روسيا والصين قد لا يكون في مصلحتها على المدى الطويل.

        هل الاتفاقية تعبر عن إجماع داخلي؟

        تثير الاتفاقية جدلاً واسعاً داخل إيران، مع تباين الآراء بناءً على الانتماءات السياسية والاقتصادية:

        1. التيارات السياسية:
          • المتشددون: يرون الاتفاقية كخطوة نحو تعزيز السيادة الوطنية ومقاومة الضغوط الغربية.
          • المحافظون المعتدلون: يؤيدون التعاون مع روسيا كجزء من سياسة متوازنة.
          • الإصلاحيون والمعتدلون: يبدون تحفظاً أكبر تجاه الاعتماد الكامل على روسيا ويفضلون تحسين العلاقات مع الغرب.
        2. وجهات النظر الاقتصادية:
          • المؤيدون: يرون أن التعاون مع روسيا يمكن أن يوفر موارد اقتصادية حيوية واستثمارات.
          • المعارضون: يشعرون بالقلق من أن الشراكة مع روسيا قد تؤدي إلى تبعية اقتصادية مفرطة.

          مصير الاتفاقية في ضوء الانتخابات الرئاسية

          الانتخابات الرئاسية الإيرانية لعام 2024 تجمع مرشحين من توجهات مختلفة، ولكل منهم رؤيته حول العلاقات مع روسيا:

          1. سعيد جليلي (المتشدد): من المرجح أن يدفع نحو تعزيز الشراكة مع روسيا وتسريع تنفيذ بنود الاتفاقية.
          2. محمد باقر قاليباف (المحافظ المعتدل): سيعمل على تعزيز التعاون مع روسيا مع الحفاظ على مرونة في العلاقات مع الغرب.
          3. مسعود بزشكيان (الإصلاحي المعتدل): قد يسعى لإعادة النظر في بعض جوانب الاتفاقية لتحقيق توازن أكبر مع الغرب.

          الخلاصة

          التعاون الاستراتيجي بين روسيا وإيران يمتد على نطاق واسع من المجالات الاقتصادية والعسكرية إلى الثقافية والتكنولوجية. هذه الشراكة، التي تعززت عبر سنوات من العمل المشترك، تعكس رغبة البلدين في مواجهة التحديات المشتركة وبناء علاقات قوية ومستدامة. رغم التأخير في توقيع الاتفاقية بصورتها النهائية، فإن المشاريع المشتركة المنفذة تشير إلى التزام حقيقي من كلا الجانبين لتعزيز هذه العلاقات.

          في هذا السياق، يظل التعاون بين موسكو وطهران مفعماً بالآمال المستقبلية رغم العقبات الحالية. تتطلب الاتفاقية التوافق الداخلي في إيران وتحقيق التوازن بين علاقاتها مع القوى العالمية الأخرى. لذا، فإن استمرارية هذا التعاون تعتمد بشكل كبير على كيفية تطور الأوضاع الداخلية في إيران، والقدرة على تجاوز العقبات الإجرائية والسياسية. بهذا الصدد، فإن الرؤية الاستراتيجية المشتركة تبقى مفتاحاً لتعزيز هذه الشراكة في المستقبل.

          المصادر والمراجع

          1. Middle East Institute – Iran-Russia Relations
          2. Al-Monitor – Iran-Russia Long-Term Cooperation
          3. Anadolu Agency – Iran, Russia Sign 20-Year Cooperation Deal
          4. Reuters – Iran, Russia Begin Implementing Cooperation Pact
          5. The Moscow Times – Russia to Develop Iranian Gas Fields
          6. Brookings Institution – Iran-Russia Strategic Partnership
          7. Geopolitical Futures – Iran and Russia: A Geopolitical Bond
          8. Council on Foreign Relations (CFR) – Iran-Russia Relations and Western Sanctions

          جاده ايران تلغرام
          للمشاركة: