تقدم في الجولة الأولى.. بزشكيان ينافس الأصوليين لاستعادة مجد الإصلاحيين
نجح المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان في تخطي الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، إلا أن الجولة الثانية ستكون أكثر ضراوة، خصوصًا وأن المعسكر الأصولي بات وفق دعوات قادته موحدًا تحت راية سعيد جليلي.
بزشكيان، الذي تمكن من تصدر نتائج الجولة الأولى دون تحقيقه الأغلبية المطلقة، ارتكز في حملته الانتخابية على دعم بعض الشخصيات الإصلاحية البارزة في البلاد، وأبرزها وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف والزعيم الإصلاحي محمد خاتمي.
هذا الواقع، يطرح علامات استفهام كثيرة حول مدى قدرة “الطبيب” في الوصول إلى قصر باستور يوم الجمعة المقبل، خصوصًا في ظب نسبة المشاركة الضئيلة في الاقتراع والتي تصب عادة في صالح الأصوليين.
الدفع الإصلاحي باتجاه بزشكيان بدا واضحًا بعد الحملة التي يقوم بها وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، خصوصًا لجهة تسمية حكومة بزشكيان، في حال فوزه برئاسة الجمهورية، بحكومة “خاتمي الثالثة” في إشارة للزعيم الإصلاحي محمد خاتمي. وتأتي هذه التسمية ردًا على دعوات الأصوليين للتوحد لما أسموه “منع تشكيل حكومة روحاني الثالثة”.
كيف بدا بزشكيان في مناظرات الجولة الأولى؟
بالعودة إلى ما قبل انتخابات يوم الجمعة الماضي، ظهر المرشح الإصلاحي في أكثر من مقابلة تلفزيونية، إضافة لأربع مناظرات مع باقي المرشحين.
ورغم مواجهته لمرشحين أصوليين، إلا أنه تمكن من الدفاع عن توجهاته الإصلاحية، معلنًا في أكثر من مناسبة أولوياته من ناحية العودة للانفتاح على الغرب ومحاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني، دون أن يغرّد خارج سرب النظام في الجمهورية الإسلامية.
في مناظرته الأولى، ركّز بزشكيان على ملف حل مشكلة مجموعة العمل المالي، داعيًا إلى عودة الدخول في النظام الاقتصادي العالمي لزيادة استقطاب الاستثمارات الخارجية. هذا التركيز على العلاقات الخارجية، رافقه تشديد على ضرورة العودة للاستثمارات الداخلية والإنتاج الذاتي في البلاد، حيث قال المرشح الإصلاحي: “للأسف، أصبحنا نفتخر باستيراد السيّارات الأجنبية المستعملة، وهذا لا يليق بالشعب الإيراني”.
أما ثاني المناظرات، فركزت على الاتفاق النووي الإيراني، حيث هاجم المرشحون الأصوليون حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني الإصلاحية، وهو ما دفع بزشكيان للدفاع عنها، والتأكيد على أهمية ما قامت به من ناحية الاتفاق النووي مع الغرب.
داخليًا، بدا واضحًا انتقاد بزشكيان لتعامل الشرطة في إيران مع موضوع الحجاب الإلزامي في البلاد، وهو موضوع يكسب جدلًا واسعًا في البلاد، خصوصًا بعد وفاة الفتاة مهسا أميني بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق في البلاد. وهنا تكلم المرشح بلسان الإصلاحيين، معتبرًا أن “طريقة معاملة المرأة في المجتمع الإيراني ليست أخلاقية ويجب تصحيحها”.
واعتبر بزشكيان أنّ السلوك لا يتغيّر بتغيّر القانون، مؤكدًا أنه كما لم يتمكّن النظام الإيراني السابق “نظام الشاه” من نزع حجاب النساء الإيرانيّات بالقوّة من قبل، فلن يكون ممكنًا فرض الحجاب عليهنّ بالقوة اليوم.
وقال: “كلّنا ضد حجب الانترنت وضد الحجاب القسري، لكنّ من ينشر حرّاس على الحجاب في المترو ويدفعون أموالاً طائلة يتحدثون هنا عن احترام المرأة. عندما يجلسون هنا يقولون إنهم يدافعون عن حقوق المرأة ويعارضون الحجب، لكنهم في الواقع يتابعون ذلك بجدية”.
وفي رابع المناظرات، انهال الهجوم على بزشكيان من قبل الأصوليين، حيث وقف مواجهًا التيار الأصولي في ملف الاتفاق النووي. ورغم ذلك، أصر المرشح الإصلاحي على ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي الذي اعتبره إنجازًا للجمهورية الإسلامية. وقال: “من دون خطة العمل المشتركة الشاملة ومجموعة العمل المالي، لن يكون ممكنًا حل المشاكل حتى مع الدول المجاورة”.
وبناء على ما سبق، يمكن تلخيص رؤية بزشكيان الرئاسية بأنها تركز على نقطتين أساسيتين؛ الأولى هي العودة للانفتاح على الغرب عبر إعادة إحياء الاتفاق النووي والعودة إلى مجموعة العمل المالي، لما في ذلك من تأثير إيجابي على اقتصاد البلاد وفق تعبيره، ومن جهة ثانية تخفيف القيود الموجودة داخل البلاد، وتحديدًا في موضوع الحجاب الإلزامي، وهي رؤية قد تجذب الكثير من مؤيدي التيار الإصلاحي في حال رغبوا في المشاركة في الاقتراع.
دور محمد جواد ظريف في الحملة الانتخابية
وبالحديث عن بزشكيان، لا يمكن تهميش أهمية وجود شخصية بحجم محمد جواد ظريف في حملته الانتخابية.
فعلى مدار الأسابيع الماضية، عمل وزير الخارجية السابق على دعم ترشيح بزشكيان في أكثر من مناسبة على منصات التواصل الاجتماعي، عبر نشر صور مشتركة ووسوم تدعو للاقتراع للمرشح الإصلاحي.
وهذا الدعم تخطى العالم الافتراضي، ليطل معه على شاشة التلفزيون، شارحًا خطة بزشكيان الخارجية في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية.
وبالتوازي مع دعم ظريف، بدأ بزشكيان حملة منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدًا منصة إكس، في محاولة للوصول إلى أكبر نسبة من الشعب الإيراني، مغردًا بشكل مستمر.
فمن جهة، شدد على برنامجه الانتخابي في ما يخص الاتفاق النووي الإيراني والحجاب الإلزامي داخل البلاد، ومن جهة ثانية، هاجم في أكثر من تغريدة منافسه الأصولي سعيد جليلي، متهمًا إياه بنسخ البرامج الانتخابية السابقة دون أن يعدل عليها. وهو الأمر الذي قاله خلال المناظرة الأولى بعد الدورة الأولى من الانتخابات
كما كان لافتًا حينما قال في إحدى التغريدات أن “مشكلة الفقر في إيران ليست أميركا”، في إشارة إلى السياسات الخاطئة لحكومة الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي.
بزشكيان.. الطبيب والسياسي
بالعودة إلى التاريخ، وبعيدًا عن الأيام التي سبقت الحملات الانتخابية، انتقل بزشكيان بين الطب والحياة السياسية، ليحط أخيرًا في السباق الانتخابي ممثلًا وحيدًا للإصلاحيين فيه.
ويعتبر مسعود بزشكيان المرشح الوحيد المنتمي بشكل واضح إلى جبهة الإصلاح في هذه الانتخابات. متسلحًا بخبرته الطويلة في الحياة السياسية الإيرانية، يطمح بزشكيان إلى الوصول إلى رئاسة الجمهورية.
وبزشكيان من مواليد عام 1954 في مدينة مهاباد الكردية في محافظة أذربيجان الغربية شمال غربي إيران، وهو سياسي إصلاحي ينتمي إلى القومية التركية في إيران وعضو في البرلمان الإيراني منذ 2006 عن دائرة مدن تبريز وآذر شهر وأسكو محافظة آذربيجان الشرقية.
شغل بزشكيان مناصب عديدة، أبرزها وزارة الصحة في حكومة الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، وأصبح نائبًا في البرلمان الإيراني حيث تولى منصب نائب رئيس البرلمان أيضًا.
وسبق لبزشكيان الترشح في الانتخابات الرئاسية الإيرانية مرتين، حيث انسحب من دورة 2013 بعد إعلان ترشحه، وفشل في إكمال خوض انتخابات 2021، التي فاز فيها رئيسي، بعد رفض مجلس صيانة الدستور أهليته.
وفي الانتخابات البرلمانية الماضية، انتُخب مرة أخرى لعضوية المجلس، وقال بزشكيان وقتها إن مجلس صيانة الدستور رفض أهليته لخوضها، بدعوى عدم التزامه العملي بنظام الحكم، غير أن القائد الأعلى علي خامنئي تدخل وأوصى بالتصديق على أهليته، وذلك وفق ما قاله الخبير الإيراني صلاح الدين خديو لصحيفة العربي الجديد.
ورغم انتمائه الإصلاحي، إلا أن بزشكيان لم يخرج عن الإطار العام لرؤى النظام الإيراني، وهذ لم يمنع من انتقاداته لبعض السياسات الداخلية في البلاد، حث كان أبرزها أثناء الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران أواخر عام 2022 على خلفية وفاة مهسا أميني. حينها، وجه بزشكيان انتقادات شديدة في مقابلة له على قناة “خبر” الإيرانية الرسمية لطريقة التصرف مع أميني واعتقالها، ودعا إلى الشفافية والوضوح بشأن أسباب وفاتها، ما أثار غضب وسائل إعلام محافظة ضده وقتها.
هذه الانتقادات الموجهة له من قبل المحافظين، كان قد تلقى مثلها من الإصلاحيين. فرغم انتمائه السياسي إلى التيار الإصلاحي، إلا أن مواقفه لا تنسجم بالكامل معهم، حيث ورد في مذكرات الرئيس الإيراني الأسبق الراحل علي أكبر هاشمي رفسنجاني عام 2000 بشأن بزشكيان وحديث نواب برلمانيين آنذاك مع رفسنجاني عن أنه “لم يحدّث أفكاره وتوجهاته وأنها بقيت في عام 1979 الذي انتصرت فيها الثورة الإسلامية في إيران على النظام الملكي السابق”، حسب خديو.
في إعلان برنامجه الانتخابي، ركّز بزشكيان على “تعزيز المشاركة الشعبية في الانتخابات”، مؤكدًا على أهمية إشراك المواطنين في العملية الديمقراطية.
ولم يغب الوضع الاقتصادي عن مشروعه، حيث اعترف المرشح للانتخابات بأن “الفقر لا يزال مشكلة كبيرة في إيران”، مؤكدًا “ضرورة تحسين تنفيذ السياسات الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الأهداف المعلنة”.
وفي السياق نفسه، شدد بزشكيان على “ضرورة تحقيق تنمية متوازنة بين جميع المحافظات الإيرانية، مع التركيز على دعم المناطق المهمشة مثل خوزستان وكردستان وسيستان وبلوتشستان”، لافتًا إلى أن “التفاوت الكبير في التنمية الاقتصادية يمثل تحديًا كبيرًا يجب معالجته لضمان توزيع عادل للموارد والفرص بين جميع المناطق”.
إداريًا، دعا المرشح للرئاسة إلى “إصلاحات جذرية في النظام الإداري والبيروقراطي”، معتبرًا أن “العديد من المدراء الحاليين يفتقرون إلى فهم واضح للخطط والسياسات التي يقومون بتنفيذها”.