الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة11 يونيو 2024 21:04
للمشاركة:

عسكري يرتدي الزّي السياسي.. من هو “ضابط الكماشة” محمد باقر قاليباف؟

بات المشهد الانتخابي في إيران أكثر وضوحًا، بعد أن حصر مجلس صيانة الدستور المنافسة على رئاسة الجمهورية بين 6 مرشحين فقط من أصل 80 مرشحًا. هذا الوضوح في الأسماء، يقابله صعوبة في تنبؤ الاسم الذي سيدخل إلى مقر الرئاسة في شارع باستور بطهران.

واحد من الشخصيات التي ستخوض الانتخابات المقبلة، هو رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف، المحسوب على التيار الأصولي في البلاد. وقاليباف، الكلمة الفارسية التي تعني حائك السجاد، قد تكون اختصارًا لمسيرة طويلة خاضها رئيس البرلمان بتأنٍ وصبر، ليصبح اليوم أحد أبرز مرشحي التيار الأصولي الحاليين، رغم الانقسام في هذه الجبهة.

فمن هو محمد باقر قاليباف؟

أصرَّ قاليباف على هُجران زيِّه العسكري مَرَّاتٍ عِدة، مستبدلًا إياه ببدلة سياسية رسمية محسوبة على التيار المحافظ، رغم مناداته ببعض أفكار الإصلاح والتغيير. لم يغادر رئيس البرلمان الحالي طائرته العسكرية مباشرة باتجاه المناصب السياسية والمدنية، حيث حط في منصب قيادة الشرطة الوطنية، قبل أن يتسلم منصب عمدة العاصمة الإيرانية طهران، وهو المنصب الذي شغله لفترة أطول من مناصبه السابقة، وخلال ذات الفترة حاول مرتين الوصول إلى كرسي رئاسة البلاد، ليسجل بالمجمل ثلاث محاولات ترشح لهذا المنصب في أعوام 2005، 2013، 2017؛ وتعد هذه الدورة هي الرابعة التي يترشح فيها.

فشل قاليباف في الأولى والثانية بينما انسحب في الثالثة لصالح الرئيس الراحل إبرهيم رئيسي، لكن ذلك لم يمنعه من أن يبقى على مقعد رئاسة قلعة المحافظين الجديدة، أي البرلمان، والتي سيطروا عليها مجددا خلال انتخابات الدورة الثانية عشر للبرلمان الإيراني في 2024، الأمر الذي أهّله ليكون سادس رئيس للبرلمان بعد الثورة الإسلامية عام 1979.

النشأة والتعليم

ولد محمد باقر قاليباف في طرقبة التابعة لمدينة مشهد في آب/ أغسطس 1961، ونشأ في أسرة محافظة متوسطة الحال، الأمر الذي دفعه للخوض في عالم التجارة في سن مبكرة.

أضفى حضور مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية روح الله الخميني، في مراسم زواج قاليباف وقراءته شخصياً عقد قرانه، فرحةً أخرى له في عام 1983.

حصل قاليباف على درجة الدكتوراه بالجغرافيا السياسية من جامعة “تربيت مدرس” في العاصمة طهران، وأكمل بعد ذلك عدة دورات عسكرية أهمها، دورة قيادة الطائرات في شركة “إيرباص” في فرنسا.

مسيرته العسكرية

بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، التحق قاليباف بالحرس الثوري الإيراني، حيث كان عمره آنذاك 18 عامًا، ومع بدء الحرب الإيرانية العراقية، اتجه إلى جبهات القتال في جنوب غربي البلاد، ونظراً لكفاءته القتالية خلال أول عامين من الحرب، عُيِّن قائداً للواء “الإمام الرضا”، قبل أن يُختار لقيادة كتيبة “نصر خراسان 5” عام 1983، حيث نفذت الكتيبة بقيادته عدة عمليات عسكرية أهمها عملية “كربلاء 4”.
بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية عام 1988 عُيِّن قاليباف قائداً لفيلق “كربلاء 25″، ومعروف عنه إيصال المساعدات للمناطق المتضررة من زلزال “رودبار ومنجيل” الذي قُطع بسببه الطريق بين طهران وشمال البلاد، حيث قطعه قاليباف سيرًا على الأقدام برفقة الفيلق لمسافة 15 كم للوصول إلى المناطق التي أودى الزلزال فيها بحياة أربعين ألف شخص.

عام 1994، انتقل إلى إدارة مجموعة “خاتم الأنبياء” الإنشائية، المعروفة كذراع اقتصادي للحرس الثوري الإيراني، واتجه بعدها إلى منصب نائب قائد قوات التعبئة “الباسيج”، قبل أن يُعينه القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي عام 1998 قائداً للقوات الجوية في الحرس الثوري برتبة جنرال.

اختتم مسيرته العسكرية بمنصب قائد الشرطة الوطنية عام 2000، حيث ساهم في تعزيز قوتها عبر دعمها بأحدث المعدات والأجهزة، إضافةً لإعادة نشر دوريات الآداب العامة، بعد حل اللجان الثورية عام 1991 ودمج عناصرها مع أجهزة الشرطة، وافتتاحه سجن “كهريزك” الشهير في إيران، ولكل ذلك محطات جدلية.

بالتزامن مع منصبه بالشرطة، عينه الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي، رئيساً للجنة مكافحة تهريب البضائع والعملة الصعبة، فكان له دورًا أساسيًا في القضاء على تهريب التبغ والسيارات والبضائع والعملات الأجنبية.

عسكري يرتدي الزّي السياسي.. من هو "ضابط الكماشة" محمد باقر قاليباف؟ 1

ضابط الكماشة

شهد عام 1999 احتجاجات طلابية في طهران اعتراضا على قانون يعزز الرقابة على الصحافة.

لم يرق الأمر لقالبياف، فأرسل رسالة شديدة اللهجة للرئيس آنذاك محمد خاتمي، مهدداً بالتدخل المباشر في حال لم توقف الحكومة هذه الاحتجاجات، وتدخل بعدها الحرس الثوري في الشؤون الحكومية وقد سُرّب لاحقاً تسجيلاً صوتياً للأخير يقول فيه “عندما تحرك الطلاب باتجاه بيت القائد، كنت قائد القوات الجوية في الحرس الثوري، عندما تكون هناك ضرورة للنزول إلى الشارع وللضرب بالعصا، سنكون من بين الذين سيضربون بالعصا؛ نفتخر بذلك”.

تعقيباً على ذلك كشف الرئيس حسن روحاني تفاصيل هذه الأحداث خلال إحدى المناظرات الانتخابية مع قاليباف عام 2013 بقوله “عندما كنت أميناً لمجلس الأمن القومي، طَلبتَ مني إفساح المجال للطلاب بالتقدم، وقلت لدينا استراتيجية الكماشة، فقلت له هذه ليست طريقة مناسبة لإصدار تصريح لاعتقالات بالجملة”. ومنذ ذلك الحين عُرِفَ قاليباف بلقب “رجل الكماشة”.

مسيرته السياسية

هَجَرَ قاليباف زِيِّه العسكري أول مرة، بعد قراره بخوض غمار الانتخابات الرئاسية مستقلاً عام 2005، إلا أن تجربته الأولى، باءت بالفشل أمام الرئيس الأصولي السابق محمود أحمدي نجاد، فخرج من الجولة الأولى.

وفي نفس العام انتخب خلفاً لأحمدي نجاد، عمدة مدينة طهران وظل في هذا المنصب لاثني عشر عاماً على التوالي، أي حتى 2017.

عُرِفَ عنه وقتها أنه صاحب مشاريع ضخمة، يشهد عليها سكان طهران، فأنشأ مراكز تهتم بمشاكل البطالة والسكن والإدمان والزواج، إضافة لمحاولته إزالة غمامة التلوث القاتلة، فوصلت جهوده في هذا المضمار لنجاح بنسبة 50 بالمائة، بحسب ما تصف بعض المواقع، كما ساهمت قيادته في تحسين شبكة المواصلات. ليتم تصنيفه كأفضل عمدة من قِبل موقع البلديات الدولي عام 2008.

الأمور بدت جيدة لقاليباف حتى كشف موقع “معماري نيوز” عن العقارات “الفلكية”، وفق التسمية التي استخدمتها المواقع الإعلامية الإيرانية، فكشف عن بيع عقارات مملوكة لبلدية طهران لأعضاء مجلس البلدية ومسؤولين سياسيين وعسكريين بأقل من نصف قيمتها، ليتم اعتقال مدير الموقع بعد تقديم قاليباف شكوى ضده، ومنذ ذلك الوقت تستخدم هذه الورقة ضد قاليباف في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ومع ذلك يرى كثر أن الرجل يحظى بتأييد من القائد الإيراني علي خامنئي باعتبار أن لديه إنجازات كثيرة رغم الملفات الجدلية.

رغم أن قاليباف لم يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية عام 2009 والتي شهدت البلاد بعدها موجة احتجاجات شعبية، إلا أنه اتخذ موقفاً صارماً برفض احتجاجات الحركة الخضراء التابعة للمرشح الإصلاحي مير حسين موسوي جملة وتفصيلًا، فهذه الحركة نهضت معترضةً ومشككةً في نتائج الانتخابات الرئاسية بعد أن أظهرت فوز أحمدي نجاد، مطالبين بإعادتها.

وصف قاليباف هذا الحراك الشعبي بـ”تيار الفتنة” كما تم تعيينه رئيساً لخلية إدارة الأزمات في العاصمة طهران.

لم ييأس الرجل من تجربته الانتخابية الأولى، فتقدم للاستحقاق الانتخابي لرئاسة الجمهورية عام 2013، فَحَّلَ في المرتبة الثانية بعد الرئيس حسن روحاني بفارق كبير في الأصوات.

أما في انتخابات عام 2017، اختارته الجبهة الشعبية لقوى الثورة الإسلامية “جِمنا” ليكون واحداً من مرشحيها الخمسة، وهي الجبهة التي ضمّت مُحافظين من أحزاب مختلفة، لينسحب في نهاية المطاف لصالح الرئيس الراحل ابراهيم رئيسي، والذي كان مرشحًا حينها ولم يفز.

وفي الانتخابات الحالية، إذا لم ينسحب أحد من الشخصيات التي اختارها مجلس صيانة الدستور، فسيكون على قاليباف مواجهة مرشحين أصوليين وهم: أمين المجلس الأمن القومي والمفاوض النووي سابقًا سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني وأمير حسين قاضي زاده هاشمي، إضافة للمعتدل مصطفى بورمحمدي، والإصلاحي مسعود بزشكيان.

أهم القرارات على رأس البرلمان

شهدت ولاية قاليباف رئيسًا للبرلمان عدة مراحل حساسة في الفترة الماضية، وكان لهذا المجلس دورًا أساسيًا في مسار الحياة السياسية للبلاد داخليًا وخارجيًا.
 
فعلى الصعيد الخارجي، كان بارزًا إصدار البرلمان في عهده قانون “الإجراءات الاستراتيجية لإلغاء العقوبات وحماية مصالح الشعب الإيراني”، والذي جاء ردًا على تشديد العقوبات الأميركية على طهران، وكانت نتيجته رفع مستوى التخصيب في الجمهورية الإسلامية، إضافة إلى تخفيف مستوى الرقابة الأممية على المشروع النووي للبلاد.
 
وعند سنّ هذا القانون، أعلن قاليباف في أكثر من مناسبة أنه يمثّل “انتصارًا لمجلس الشورى”، في إشارة إلى البرلمان الذي سيطر عليه الأصوليون منذ عام 2020، ليحاول بذلك تسجيل “نقطة انتصار” للمحافظين على حساب الإصلاحيين.
 
داخليًا، كان لقاليباف والبرلمان أكثر من قانون جدلي، ولعل أبرزها قانون حماية الأسرة لعام 2021، الذي يشجّع فيه على الزواج والإنجاب، إضافة إلى قانون “العفة والحجاب” لعام 2023، والذي يلزم النساء على ارتداء الحجاب، عقب الأحداث التي شهدتها إيران بعد وفاة الفتاة مهسا أميني.

لمتابعة تغطية “جاده إيران” للانتخابات الرئاسية الإيرانية تحت عنوان “إيران.. الصندوق بعد المروحية” إضغط هنا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: