هل كان رئيسي ضحية للعقوبات الأميركية على قطاع الطيران في إيران؟
أعادت حادثة سقوط المروحية التي كانت تقل الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وعدد من المسؤولين إلى الواجهة النقاش حول العقوبات الأميركية على طهران وتأثيرها على القطاعات الحيوية في البلاد.
قطاع الطيران هو واحد من المجالات التي تأثرّت بشدة جرّاء العقوبات، والتي ازدادت بعد وصول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وما تبعها من تشديد الإجراءات على الجمهورية الإسلامية.
هذه التأثيرات تحوّلت إلى اتهامات للولايات المتحدة عقب الحادثة الأخيرة بالتسبب، ولو بطريقة غير مباشرة، بمقتل الرئيس الإيراني.
واعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الثلاثاء الماضي، أن “العقوبات الأميركية أدت لتدهور سلامة الطيران في إيران”.
وأضاف: “نتحدث عن تعمد إلحاق الضرر بالمواطنين العاديين الذين يستخدمون هذه المركبات، وعندما لا يتم توفير قطع الغيار، فإن ذلك يرتبط بشكل مباشر بتدهور مستوى السلامة”.
كما وجّه وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الاتهامات عينها، حيث لفت إلى أنه “سيتم تسجيل الحادثة في قائمة الجرائم الأميركية ضد إيران”، مشددًا على أن “أميركا المسؤولة عن مأساة تحطم مروحية الرئيس، إذ حظرت بيع الطائرات وقطع غيارها إلى إيران على الرغم من أمر محكمة العدل الدولية”.
كيف تؤثر العقوبات الأميركية على قطاع الطيران في إيران؟
يرزح قطاع الطيران المدني الإيراني تحت وطأة قيود عملياتية فرضتها الولايات المتحدة والأمم المتحدة وأوروبا منذ أزمة الرهائن عام 1979، كما تمّ وضع نظام عقوبات أكثر انتظاماً في عام 2007.
غير أن تدابير تخفيف العقوبات التي ضمنها الاتفاق النووي المبرم عام 2015 وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 لم توفّر الكثير من الانفراج، فمن بين أكثر من 200 طائرة طلبتها إيران من شركات تصنيع غربية خلال فترة السماح اللاحقة، لم يتم تسليم سوى ثلاث طائرات “إيرباص” وثلاثة عشر محركاً ذوي مروحة توربينية من شركة “إي تي آر” الفرنسية-الإيطالية تمّ تسليمها فعلياً.
ومنعت تلك العقوبات أيضاً توفير قطع الغيار والخدمات الفنية للطائرات الإيرانية التي تزور المطارات الأجنبية؛ حتى إن بعض المطارات رفضت تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود، مما أجبرها على السفر بحمولات وقود أكثر ثقلًا.
وكانت العقوبات قد استهدفت بشكل أساسي عمليات شراء إيران لأي طائرة يكون أكثر من 10% من قطعها أميركية الصنع. وحتى يكاد يكون من المستحيل أن تتمكن إيران من شراء الطائرات الروسية المنشأ على غرار “سوخوي سوبرجيت أس أس جي-100” إذ إن أكثر من 10% من قطعها وأنظمتها الفرعية أميركية؛ ويمكن فقط لشركات الطيران غير الخاضعة للعقوبات شراؤها، وعليها خوض عملية الحصول على ترخيص لكل حالة على حدة عبر “مكتب مراقبة الأصول الأجنبية” التابع لوزارة الخزانة الأميركية للقيام بذلك.
ووفق عدد من المختصين، فإنه حتى العام 2019 كانت 23 شركة طيران إيرانية تشغّل 156 طائرة مملوكة أو مستأجرة (26626 مقعدًا) من إجمالي أسطول يناهز مجموعه 300 طائرة (48000 مقعد)، مما يعني أن نصف طائراتها تقريباً متوقفة عن الطيران بسبب نقص قطع الغيار.
وفي محاولة للالتفاف على العقوبات، كانت شركات الطيران الخاضعة للعقوبات قادرة على إرسال الطائرات التي استأجرتها من الشركات الأجنبية أو المسجلة على اسمها لإجراء عمليات صيانة دورية في الخارج. وقد دفعت هذه الاستراتيجية واشنطن على فرض عقوبات على الطائرات الفردية بشكل أكثر انتظاماً، مما تسبّب بمشاكل لشركات الطيران من خلال إيقاف المزيد من الطائرات عن العمل وتقليل العدد الإجمالي للإقلاع والهبوط والركاب وحمولات البضائع.
كما تكبّدت شركات الطيران الإيرانية تكاليف باهظة من خلال صيانة أساطيلها المتقادمة بنفسها، ويعزى ذلك جزئياً إلى قيامها بذلك بشكل غير فعال للغاية.
كذلك، تحرق الطائرات القديمة وقوداً بكميات أكبر. فشركات الطيران الإيرانية تستهلك أكثر من 5 ملايين لتر من الوقود يومياً، في زيادة بواقع 1.5 مرة عن المعايير الدولية.
مروحية الرئيس الإيراني: سنوات من الاستخدام بعيدًا عن الصيانة
وبالعودة إلى حادثة سقوط مروحية رئيسي، فهي أميركية الصنع، وهي من طراز “بيل 212” (Bell 212)، وعمرها نحو 30 عاماً، كما أوردت صحيفة “فايننشال تايمز”.
وإذ أشارت الصحيفة إلى سوء الأحوال الجوية في أثناء رحلة المروحية، فوق المنطقة ذات التضاريس الوعرة، وسط ضباب كثيف، فإنّها لفتت في الوقت نفسه إلى أنّ سبب تحطّمها “غير واضح”.
وفي هذا الإطار، أوضحت “فايننشال تايمز” أنّ محللين ومسؤولين سابقين رجّحوا أن يكون الخلل “بسبب مشكلات فنية”، مرجعين ذلك إلى الحاجة الماسة لمعظم الأسطول الجوي الإيراني إلى قطع غيار، لم تتمكن طهران من شرائها بسبب العقوبات الأميركية والأوروبية.
ولسنوات، أُحبطت جهود إيران لتجديد أسطولها أو الحصول على قطع الغيار وعقود الصيانة، بعد أن منعتها العقوبات التي فرضها الغرب على المؤسسات الإيرانية وضوابط التصدير على سلع الطيران، كما أكدت الصحيفة.
وبحسب معلومات أوردتها صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن هذه الطائرة، فإنّ “بيل 212” الأميركية هي نسخة مدنية، مستخدمة على نطاق واسع من مروحية “هيوي” (Bell UH-1 Iroquois أو Heuy) العسكرية، التي تعود إلى حقبة الحرب في فييتنام.
وأوضحت الصحيفة، نقلاً عن قاعدة بيانات الطيران “Skybrary”، أنّ هذا النموذج عبارة عن طائرة هليكوبتر متوسطة الحجم، ذات محركين، مع ما يصل إلى 15 مقعداً. وطارت هذه المرحية للمرة الأولى في عام 1968.
وقد يصل عمر بعض هذه المروحيات إلى عقود من الزمن، إذ تظهر البيانات الصادرة عن “سيريوم”، وهي شركة لتحليل الطيران، أنّ متوسط عمر 15 طائرةً من نوع “بيل 212” مسجّلة في إيران كان 35 عاماً، مع ما تخلل صيانتها من تعقيد، بسبب العقوبات الغربية على طهران.
وأضافت “واشنطن بوست” أنّ قاعدة بيانات تحتفظ بها مؤسسة سلامة الطيران تظهر نحو 430 حادثاً لطائرات من هذا النوع، منذ عام 1972، بينها تحطّم طائرة الشهيد رئيسي، حيث أسفرت 162 منها، أي أقل من 40% بقليل، عن وفيات.
أهم حوادث الطيران لمسؤولين إيرانيين
وحادثة تحطم مروحية الرئيس الإيراني ليست الأولى التي تشهدها البلاد؛ ففي آذار/ مارس من عام 2021، شهدت إيران سقوط مروحية كانت تقل وزير الرياضة آنذاك، حميد سجادي، ومرافقيه، أثناء هبوطها في المجمع الرياضي بمدينة بافت في محافظة فارس، وحينها تُوفي مساعد وزير الرياضة السابق، إسماعيل أحمدي.
وعام 2005، قضى قائد القوات البرية للحرس الثوري الإيراني، أحمد كاظمي، مع عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، في حادث تحطم طائرة من طراز داسو فالكون 20، بالقرب من أورمية.
وفي 27 أيار/ مايو 2001، تحطمت طائرة “ياك 40” التابعة لشركة “فراز قشم” الجوية، والتي كانت تقل وزير الطرق والنقل، رحمن دادمان، في محافظة مازندران شمال إيران، وأدى هذا الحادث إلى مقتل عدد من نواب البرلمان، ومساعدي بعض الوزراء، وعدد من مسؤولي هيئة الطيران المدني.
وفي عام 1994، قضى قائد القوات الجوية، منصور ستاري، مع كبار ضباط القوات الجوية في حادث تحطم طائرة بالقرب من مطار بهشتي الدولي في أصفهان.
وفي عام 1981، تحطمت طائرة “هرقل سي-130” تابعة لسلاح الجو الإيراني بالقرب من طهران، ولم ينج سوى 19 من ركابها البالغ عددهم 77 راكبًا.