“إبعاد إيران عن تصرفات من قتل أميركيين”.. ما هي أوامر خامنئي لتجنب الحرب؟
"تجنّب حرب مباشرة مع الولايات المتحدة وإبعاد إيران عن تصرّفات الجماعة التي قتلت أميركيين – ولكن الاستعداد للرد إذا ضربت الولايات المتحدة إيران". هذه هي الأوامر التي وجهها القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي للمسؤولين عن الأمن القومي الإيراني مؤخّرًا، بحسب تقرير نشره الكاتب فرناز فصیحي في صحيفة "نيو يورك تايمز" الأميركية، مشيرًا إلى أنّ الدائرة المقرّبة من خامنئي عادت تتواصل مع وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف لقدرته على شرح الأوضاع للجمهور في هذه الظروف.
في ما يلي الترجمة الكاملة للمقال:
عقد المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني اجتماعًا طارئًا هذا الأسبوع، معربًا عن قلقه العميق من انتقام الولايات المتحدة بعد أن قتلت جماعة متحالفة مع إيران في العراق ثلاثة جنود أميركيين وأصابت أكثر من 40 آخرين في الأردن.
وناقش المجلس، الذي يضم الرئيس ووزير الخارجية وقادة القوات المسلحة واثنين من مساعدي القائد الأعلى للبلاد، كيفيّة الرد على مجموعة من الاحتمالات، بدءًا من الهجوم الأميركي على إيران نفسها، وحتى توجيه ضربات ضد الجماعات التي تدعمها إيران في المنطقة، وفقاً لثلاثة إيرانيين مطلعين على مداولات المجلس، ولم يكن مسموحاً لهم بالتحدث علناً.
لقد نقلوا الخطط التي تم تطويرها في اجتماع يوم الاثنين إلى القائد الأعلى آية الله علي خامنئي، حسبما قال الأشخاص المطلعون على المناقشة، وقد رد بأوامر واضحة: تجنّب حرب مباشرة مع الولايات المتحدة وإبعاد إيران عن تصرّفات الجماعة التي قتلت أميركيين – ولكن الاستعداد للرد إذا ضربت الولايات المتحدة إيران.
بالنسبة لحكومة لا تحظى بشعبية على نطاق واسع، وتكافح بالفعل مع اقتصاد ضعيف، وتتسبّب بقيام احتجاجات جماهيرية، فإنّ الصراع المباشر مع الولايات المتحدة لا يهدد بالموت والدمار في إيران فحسب، بل يمكن أن يهدّد قبضة النظام الثيوقراطي على السلطة.
وبحلول يوم الأربعاء، كان مسؤولون إيرانيون رفيعو المستوى، بما في ذلك وزير الخارجية والسفير لدى الأمم المتحدة، يعلنون عن الموقف الذي حدّده خامنئي، في محاولة لطمأنة الإيرانيين القلقين بشأن احتمال الحرب، وتخفيف رد فعل الرئيس بايدن، الذي توعّد بالانتقام خلال الأيام المقبلة.
وقال القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي الأربعاء، في مؤتمر في طهران: “في هذه الأيام، بين كلمات المسؤولين الأميركيين، نسمع بعض التهديدات غير الضرورية. نقول لهم: لقد اختبرتمونا في ساحة المعركة واختبرناكم”.
وأضاف: “لن نترك أي تهديد من دون رد. بينما لا نسعى إلى الحرب، فإننا أيضًا لا نخاف ولا نهرب من الحرب”.
وفي حين قالت إيران إنها لا تريد الحرب، فإنها كانت تستعد لها. وضعت جميع قوّاتها المسلّحة في حالة تأهّب قصوى، وقامت بتنشيط أنظمة الدفاع أرض – جو، ونشرت صواريخ باليستية على طول الحدود مع العراق، وفقًا للإيرانيين الثلاثة المطلعين على التخطيط، ومسؤول حالي ومسؤول سابق.
كانت إيران تُجري عمليّة توازن متقلّبة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، عندما بدأت الحرب بين أحد حلفائها، حركة “حماس” الفلسطينية، وعدوهما المشترك، إسرائيل.
وحافظت إيران على جبهات متعدّدة ضد إسرائيل والولايات المتحدة من خلال شبكة من الجماعات المتحالفة المعروفة باسم “محور المقاومة”، من حزب الله في لبنان الذي يُطلق الصواريخ على إسرائيل، إلى الحوثيين في اليمن الذين يطلقون الصواريخ على السفن، إلى فصائل متعددة تهاجم القواعد الأميركية في العراق وسوريا والأردن.
لكن إيران حاولت إدارة تلك الصراعات بعناية، من خلال ممارسة الضغط على الخصوم من دون مواجهة مباشرة. فقد ضربت القوات الأميركية والبريطانية قواعد الحوثيين، وأدت الضربات الإسرائيلية في سوريا ولبنان إلى مقتل كبار القادة الإيرانيين وحزب الله، لكن حتى الآن لم تمس الاشتباكات الأراضي الإيرانية.
لقد تم تصميم علاقة إيران مع الجماعات الحليفة لها لتوفّر لها إمكانية الإنكار المعقول. ورغم أنّ إيران تقود استراتيجية شاملة، فإنّ مدى تنسيق هذه الجماعات لأعمالها وتلقّي الأوامر من إيران يختلف على نطاق واسع: فحزب الله هو الحليف الأقرب؛ وتتمتّع الجماعات العراقية بقدر أكبر من الحكم الذاتي إلى حد ما؛ والحوثيون هم ورقة جامحة لا يمكن التنبؤ بها، وفقاً للمحلّلين والإيرانيين الذين أُجريت معهم مقابلات.
لكن الحرب التي تشارك فيها إيران والولايات المتحدة بشكل مباشر تبدو مجرّد خطوة خاطئة، وربما تكون هذه الخطوة الخاطئة قد حدثت عندما نفّذ مسلّحون عراقيون متحالفون مع إيران هجومًا قاتلًا بطائرة من دون طيار على القوات الأميركية في الأردن يوم الأحد الماضي.
وبعد أكثر من 100 هجوم من هذا النوع على القواعد الأميركية منذ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر، كان أول هجوم يقتل أميركيين.
والآن تحاول إيران تجنّب تلك الحرب المباشرة. وبعد زيارة قائد فيلق القدس الجنرال إسماعيل قاني، أصدرت كتائب حزب الله، وهي جماعة قال البنتاغون إنها مسؤولة على الأرجح عن هجوم الطائرات من دون طيار، بيانًا يوم الثلاثاء جاء فيه أنها ستعلّق الهجمات على القوات الأميركية. ولم تكن إيران منخرطة في اتخاذ قرار هذه الجماعة، بل إنّ إيران في الواقع كانت ترفض في بعض الأحيان هجماتها على الأميركيين.
لقد أخلى القادة الإيرانيون قواعد في العراق وسوريا يمكن أن تصبح أهدافًا أميركية، متجنّبين عمليّات القتل البارزة التي تستوجب ردًا، في نظر الإيرانيين.
وبعد ثلاث سنوات من تهميش وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، بدأت دائرة خامنئي مرّة أخرى بالتشاور معه بانتظام. ويُعتبر ظريف معتدلاً، وهو معروف جيّدًا لدى المسؤولين الأميركيين.
وقال المحلل السياسي في طهران ساسان كريمي، الذي يشارك في التدريس في إحدى الجامعات: “لقد اتصلوا بالسيد ظريف لأنه يستطيع تحليل الوضع لهم بشكل أفضل وشرحه للجمهور، وفي هذا الوقت الحساس يحتاجون إلى خبراء كبار في السياسة الخارجية. الهدف هو تجاوز هذه الأزمة الخطيرة بأي أداة وبطريقة تؤدي إلى عدم مهاجمة الولايات المتحدة لإيران”.
وأخبر خامنئي المقرّبين منه إنه يعارض الحرب مع الولايات المتحدة، لأنّ الحفاظ على قبضة النظام الإسلامي على السلطة هو الأولوية القصوى، والحرب ستصرف انتباه العالم عن الكارثة الإنسانية في غزة، وفقًا لشخص تابع لدائرة خامنئي واستراتيجي عسكري له علاقات بالحرس الثوري.
ويمكن أن يكون للحرب أيضًا عواقب وخيمة على المستوى المحلّي على الناس العاديين. وتعاني إيران بالفعل من العقوبات الدولية والبطالة والفساد. ولا يريد العديد من الإيرانيين الحرب، خوفًا من أن تؤدي إلى تفاقم الأمور. وعلى مدى العقدين الماضيين، شهدوا الغزوات التي قادتها الولايات المتحدة لأفغانستان والعراق، والحرب الأهلية في سوريا، وهي تزرع بذور الفوضى وعدم الاستقرار المزمن.
وقالت نفيسة، وهي معلمة في مدرسة ثانوية في طهران تبلغ من العمر 36 عاماً، في مقابلة إنها لاحظت تغيّرًا في سلوك طلابها هذا الأسبوع. وقالت نفيسة، التي طلبت عدم ذكر اسم عائلتها خوفاً من الانتقام: “الطلاب خائفون جداً من خطر الحرب، لقد سمعوا جميعاً الأخبار وكان لديهم رد فعل عاطفي أكبر بكثير”. وأضافت أنّ البالغين من حولها يتمسّكون بالأمل بأن لا تضرب الولايات المتحدة إيران.
وأدت المخاوف من الحرب إلى انخفاض قيمة الريال الإيراني هذا الأسبوع مقابل الدولار الأميركي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع.
وبالنسبة للحكومة التي لجأت مرارًا وتكرارًا إلى العنف لسحق التحدّيات الشعبية لحكمها، فإنّ الصراع يهدّد بمزيد من الاضطرابات الداخلية. وهناك انقسام حتى بين المحافظين الدينيين، حيث يشعرون بالقلق لجهة عدم القدرة على التغلّب على المشاكل التي تعيشها البلاد.
وكتب مهدي الناصري، رجل الدين المحافظ الذي انفصل عن الحكومة وتحوّل إلى معارض صريح، على وسائل التواصل الاجتماعي: “لا يوجد حتى بصيص أمل في تحسّن الأمور في الجمهورية الإسلامية. اليوم أفضل من الغد”.
وقد شارك خامنئي بعمق في التخطيط لمسار إيران خلال هذه الأزمة. وقد تلقّى إحاطات يومية عن التطوّرات الإقليمية من قائد القوات المسلحة ومستشاره للسياسة الخارجية، ويعطي الموافقة النهائية على جميع قرارات مجلس الأمن القومي، وفقًا لثلاثة أشخاص مطّلعين على المناقشات ومسؤول في وزارة الخارجية.
وفي كانون الثاني/ يناير، وافق على توصية المجلس بإطلاق صواريخ باليستية ضد ما قالت إيران إنها قواعد لجماعات إرهابية في باكستان وسوريا، وضد ما وصفته بمركز العمليّات الإسرائيلية في شمال العراق. وردّت باكستان والعراق، اللتان عادةً ما تكونا صديقتين لإيران، بغضب، وهاجمت باكستان ما قالت إنها قواعد إرهابية في إيران. وفي وقت لاحق، نصح خامنئي قادته بتجنّب اشتباكات كتلك التي وقعت في باكستان.
لقد التزم السيّد خامنئي، الذي عادة ما يتحدث علناً عن مسائل الأمن القومي، الصمت هذا الأسبوع بشأن ثرثرة الحرب، بينما ظلّ مرئياً بشكل كبير.
ذهب إلى معرض للصناعة المحلية، والتقى بمجموعات كبيرة وزار قبور كبار قادة فيلق القدس الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخراً في سوريا.
وقال ناصر إيماني، المحلل السياسي المقرّب من الحكومة، في مقابلة: “خامنئي على رأس كل منعطف خلال فترة التوتر المتصاعدة هذه”، مضيفًا أنّ الحضور العلني للسيد خامنئي هذا الأسبوع كان يهدف إلى “إظهار إحساس بالحياة الطبيعية والقوة وإظهار لأعدائنا أنه نشط ومشارك”.
وقال الرئيس بايدن إنه قرر الرد على مقتل جنوده، والذي قد يأتي في أي يوم.
وقال مدير شؤون إيران في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز، وهي منظمة لمنع الصراعات: “إنّ المعضلة التي تواجه إدارة بايدن هي محاولة كسر أنف إيران من دون لمسها.
المشكلة هي أنّ كل طرف ينتقم من الطرف الآخر، وهذا يولد الحاجة إلى ضربة مضادّة، وتستمرّ هذه الحلقة المفرغة، وعند نقطة معيّنة سوف تنفجر”.