الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 ديسمبر 2023 06:54
للمشاركة:

هل كانت إسرائيل على علم بهجوم “حماس” قبل أكثر من عام؟

"‎لم تحدّد الوثيقة المترجمة، التي استعرضتها صحيفة "نيويورك تايمز"، تاريخًا للهجوم، لكنّها وصفته هجومًا منهجيًّا مصمّمًا لإغراق التحصينات حول قطاع غزة، السيطرة على المدن الإسرائيلية، واقتحام قواعد عسكرية رئيسية، بما في ذلك مقرّ لواء".

هذا ما جاء في تقرير لرونين بيرغمان وآدم غولدمان”، اللذين أضافا في مقال لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، أنّ عقيدًا في لواء غزّة بالجيش الإسرائيلي رفض الاعتراف بواقعية مخطّط حماس الذي كان مكشوفًا أمامه بالتفاصيل قبل أشهر طويلة من تنفيذه بالفعل.

في ما يلي الترجمة الكاملة للتقرير: 

‎حصل المسؤولون الإسرائيليون على خطة حماس للهجوم في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر قبل أكثر من عام من وقوعه، وفقًا للوثائق والرسائل الالكترونية والمقابلات، لكنّ المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الإسرائيليين تجاهلوا الخطة واعتبروها طموحة، معتقدين بأنه من الصعب على “حماس” تنفيذها.

‎الوثيقة التي تتضمّن تقريبًا 40 صفحة، والتي أطلقت عليها السلطات الإسرائيلية اسم “جدار أريحا”، حدّدت نقطة بنقطة الغزو المدمّر الذي أدى إلى مقتل نحو 1200 إسرائيلي.

‎لم تحدّد الوثيقة المترجمة، التي استعرضتها صحيفة “نيويورك تايمز”، تاريخًا للهجوم، لكنّها وصفته هجومًا منهجيًّا مصمّمًا لإغراق التحصينات حول قطاع غزة، السيطرة على المدن الإسرائيلية، واقتحام قواعد عسكرية رئيسية، بما في ذلك مقرّ لواء.

اتّبعت حماس المخطّط بدقة مذهلة. دعت الوثيقة إلى إطلاق وابل من الصواريخ في بداية الهجوم، وطائرات مسيّرة لتعطيل كاميرات الأمان والرشّاشات الآلية على الحدود، ومسلّحين للتدفّق إلى إسرائيل جماعيًّا في مظلّات شراعيّة، وعلى الدرّاجات النارية وسيرًا على الأقدام – وكلّ ذلك حدث في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر.

‎تضمّنت الخطة أيضًا تفاصيل عن موقع وحجم القوّات العسكرية الإسرائيلية، ومراكز الاتصالات ومعلومات حسّاسة أخرى، مما يثير تساؤلات عن كيفيّة جمع “حماس” لمعلوماتها الاستخباراتية، وما إذا كانت هناك تسريبات داخل الجهاز الأمني الإسرائيلي.

‎تم تداول الوثيقة بشكل واسع بين قادة الجيش والاستخبارات الإسرائيليين، لكنّ الخبراء قرروا أنّ هجومًا بهذا الحجم والطُموح كان خارج قدرات “حماس”، وفقًا للوثائق والمسؤولين. ولا يزال غير واضح ما إذا كان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو غيره من القادة السياسيين الكبار قد رأوا الوثيقة أيضًا.

‎العام الماضي، بعد فترة وجيزة من الحصول على الوثيقة، قال مسؤولون في قسم غزة في الجيش الإسرائيلي – المسؤول عن الدفاع عن الحدود مع غزة – إنّ نوايا “حماس” غير واضحة. وجاء في تقييم عسكري استعرضته الصحيفة: “لا يزال من غير الممكن تحديد ما إذا كانت الخطة قد تمَّ قبولها بالكامل وكيف سيتمُّ تجسيدها”.

‎ثم في تموز/ يوليو الماضي، قبل ثلاثة أشهر فقط من الهجمات، حذّر محلّل مخضرم في الوحدة 8200 وكالة استخبارات الإشارة الإسرائيلية، من أنّ “حماس” أجرت تمرينًا تدريبيًا مكثّفًا ليوم واحد بدا مشابهًا لما ورد في المخطط. لكنّ عقيدًا في قسم غزة تجاهل هذه المخاوف، وفقًا لرسائل إلكترونية مشفّرة استعرضتها الصحيفة.

وكتب المحلّل الإسرائيلي في تبادل بريد إلكتروني: “أنفي بشكل قاطع أن يكون السيناريو خياليًّا”. كان التمرين التدريبي لحماس يتطابق بالكامل “مع محتوى جدار أريحا”. ويضيف المحلّل: “إنها خطة مصمّمة لبدء حرب. إنها ليست مجرّد مداهمة لقرية”.

‎يعترف المسؤولون خاصّةً بأنه، لو أخذ الجيش هذه التحذيرات على محمل الجدّ وأعاد توجيه تعزيزات كبيرة إلى الجنوب، حيث هاجمت “حماس”، كان يمكن لإسرائيل أن تخفّف من الهجمات أو حتى تمنعها.

‎بدلاً من ذلك، كان الجيش الإسرائيلي غير مستعدٍّ عندما تدفّق المقاتلون خارج قطاع غزة. كان ذلك أكثر الأيام دمويّة في تاريخ إسرائيل.

‎اعترف المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون بالفعل بأنّهم فشلوا في حماية البلاد، ومن المتوقّع أن تؤلِّف الحكومة لجنة لدراسة الأحداث التي أدت إلى الهجمات. تكشف وثيقة جدار أريحا عن سلسلة من الأخطاء على مدى سنوات انتهت بما يعتبره المسؤولون الآن أسوأ فشل استخباراتي إسرائيلي منذ الهجوم المفاجئ الذي أدّى إلى حرب العرب وإسرائيل عام 1973.

‎كان الإيمان الخاطئ والقاتل بأنّ حماس لا تملك القدرة على الهجوم، وأنّها لن تجرؤ على ذلك، متأصّلًا في الحكومة الإسرائيلية، لدرجة أنهم تجاهلوا الأدلّة المتزايدة على ما هو عكس ذلك. ورفض الجيش الإسرائيلي ووكالة الأمن الإسرائيلية – المسؤولة عن مكافحة الإرهاب في غزة – التعليق.

‎لم يقل المسؤولون كيف حصلوا على وثيقة جدار أريحا، لكنّها كانت من بين نسخ عدة عن خطط الهجوم التي تم جمعها على مرّ السنين. على سبيل المثال، جاء في مذكرة وزارة الدفاع لعام 2016 استعرضتها الصحيفة: “تعتزم حماس نقل المواجهة المقبلة إلى الأراضي الإسرائيلية”.

‎من المحتمل أن يشمل مثل هذا الهجوم احتجاز رهائن و”احتلال مجتمع إسرائيلي (وربما حتى عدد من المجتمعات)”، وفقًا للمذكرة.

وسُمِّيَت وثيقة جدار أريحا على اسم التحصينات القديمة في الضفة الغربية. وتحدثت الوثيقة عن هجمات صاروخيّة لإلهاء الجنود الإسرائيليين وإرسالهم إلى الملاجئ بسرعة، وطائرات مسيّرة لتعطيل التدابير الأمنيّة المعقّدة على طول السياج الحدودي الفاصل بين إسرائيل وغزة، على أن يخترق مقاتلو “حماس” 60 نقطة في الجدار، ويقتحمون الحدود إلى إسرائيل.

تبدأ الوثيقة بآية من القرآن: “قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُوا۟ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَـٰلِبُونَ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓا۟ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”. تم استخدام الآية نفسها بشكل واسع من قبل “حماس” في مقاطع الفيديو والبيانات منذ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر.

‎كان أحد الأهداف الأكثر أهمية المحدّدة في الوثيقة هو اجتياح قاعدة رعيم للجيش الإسرائيلي، والتي تضمّ قسم غزة المسؤول عن حماية المنطقة. تمَّ أيضًا ذكر قواعد أخرى تحت إمرة القسم. نفّذت حماس هذا الهدف في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر، حيث اجتاحت رعيم واستولت على أجزاء من القاعدة.

‎قال المسؤولون إن جرأة المخطط جعلت من السهل الاستهانة به. يكتب كل الجيوش خططًا لا يستخدمونها أبدًا، وقدّر المسؤولون الإسرائيليون أنه حتى لو غزت “حماس”، فقد تحشد قوّةً من بضع عشرات من المقاتلين، وليس المئات كالذين هاجموا في الحقيقة.

‎كما فسّرت إسرائيل أفعال “حماس” بشكل خاطئ، فقد تفاوضت الجماعة على تصاريح للسماح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل، وهو ما اعتبره المسؤولون الإسرائيليون علامة على أنّ “حماس” لا تبحث عن حرب.

‎لكنّ حماس كانت تضع خطط هجوم منذ سنوات عديدة، وحصل المسؤولون الإسرائيليون على نسخ منها. وما كان يمكن أن يكون انقلابًا استخباراتيًا تحوّل إلى واحدة من أسوأ الأخطاء الحسابيّة في تاريخ إسرائيل البالغ 75 عامًا.

‎في أيلول/ سبتمبر 2016، أعدّ مكتب وزير الدفاع مذكرة سرّيّة للغاية، استنادًا إلى إصدار أقدم بكثير من خطة هجوم “حماس”. قالت المذكرة، التي وقّعها وزير الدفاع آنذاك أفيغدور ليبرمان، إنّ الغزو واحتجاز الرهائن سيؤدّيان إلى “إلحاق أضرار بالغة بالوعي والمعنويّات لدى مواطني إسرائيل”.

‎وأضافت المذكرة، التي استعرضتها الصحيفة، أنّ حماس اشترت أسلحة متطوّرة وأجهزة تشويش وطائرات مسيّرة. كما ذكرت أنّ “حماس” زادت من قوّتها القتالية إلى 27000 شخص – بعد أن أضافت 6000 إلى صفوفها خلال عامين. كانت “حماس” تأمل الوصول إلى 40000 مقاتل بحلول عام 2020، وفقًا للمذكرة.

‎العام الماضي، بعد حصول إسرائيل على وثيقة جدار أريحا، وضع قسم غزة في الجيش تقييمه الاستخباراتي الخاص لخطة الغزو هذه.

‎كتب المحللون في التقييم الذي استعرضته الصحيفة: “قرّرت حماس التخطيط لغارة جديدة غير مسبوقة في نطاقها”. وجاء في الوثيقة إنّ “حماس” تعتزم تنفيذ عمليّة خداع تليها “مناورة واسعة النطاق” بهدف غزو قسم غزة في الجيش الإسرائيلي.

‎لكنّ قسم غزة وصف الخطة بأنها “بوصلة”، بمعنى أنّ القسم حدّد بأنّ “حماس” تعرف إلى أين تريد الذهاب لكنّها لم تصل إلى هناك بعد.

‎في 6 تموز/ يوليو 2023، كتب المحلّل الخبير في الوحدة 8200 إلى مجموعة من خبراء الاستخبارات الآخرين أنّ عشرات من قوّات الكوماندوس التابعة لحماس أجرت مؤخرًا تمارين تدريبية، بمراقبة قادة “حماس” الكبار. وحذَّر هذا المحلّل من أنّ التدريب اتّبع خطة جدار أريحا عن كثب، ومن أنّ “حماس” كانت تبني القدرة على تنفيذها.

‎أشاد العقيد في قسم غزة بالتحليل، لكنه قال إنّ التمرين كان جزءًا من سيناريو “خيالي تمامًا”، وليس مؤشرًا على قدرة حماس على تنفيذه. كتب العقيد: “باختصار، دعونا ننتظر بصبر”.

‎تواصلت المناقشات ذهابًا وإيابًا، مع دعم بعض الزملاء لاستنتاج المحلّل الأصلي، وسرعان ما تم الاستشهاد بدروس حرب عام 1973، عندما اجتاحت الجيوش السورية والمصرية الدفاعات الإسرائيلية. استعادت القوات الإسرائيلية تنظيم صفوفها وصدّت الغزو، لكنّ فشل الاستخبارات ظلّ درسًا للمسؤولين الأمنيين الإسرائيليين.

‎وكتب المحلّل لزملائه: “مررنا بتجربة مماثلة قبل 50 عامًا على الجبهة الجنوبية في سيناريو بدا خياليًّا، وقد يتكرّر التاريخ إذا لم نكن حذرين”.

على الرغم من التهديد، لم يتنبّأ أي من الرسائل الإلكترونية بأنّ الحرب وشيكة، ولم يتحدَّ المحلّل الفكرة السائدة بين المسؤولين الاستخباراتيين الإسرائيليين بأنّ يحيى سنوار، زعيم حماس، ليس مهتمًا بالحرب مع إسرائيل. لكنّها قيّمت بشكل صحيح أنّ قدرات “حماس” قد تحسّنت بشكل كبير، حيث تقلّص الفارق بين الممكن والمتطلّع إليه بشكل ملحوظ.

فشلت الجهات في ربط النقاط، بما يذكّر بفشل تحليليّ آخر منذ أكثر من عقدين، عندما كانت للسلطات الأميركية أيضًا مؤشرات عدة على أنّ جماعة القاعدة الإرهابية كانت تستعد لهجوم. 

خلصت لجنة حكومية إلى أن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي والبنتاغون كانت في الغالب نتيجة فشل في التحليل والخيال.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: