الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة22 أكتوبر 2023 07:22
للمشاركة:

كيف تنظر إيران إلى التطبيع العربي – الإسرائيلي بعد حرب غزة؟

ألقت عملية "طوفان الأقصى" بظلالها على العديد من المعادلات السياسية والعسكرية في المنطقة والعالم. ومما لا شك فيه أنّ تداعياتها ستؤثّر على المنطقة لسنوات عديدة، لكن تأثيرها على مشروع التطبيع الإسرائيلي - العربي واستكمال اتفاقيات "إبراهيم" سيكون له حصة كبيرة من تداعيات هذه الحرب، لا سيما مع تعليق محادثات التطبيع بين الرياض وتل أبيب.

وفي خضمّ تصاعد حرب غزة، التي تأخذ أبعادًا جديدة كل يوم، أفادت وكالة “فرانس برس” السبت 14 تشرين الأول/ أكتوبر بأنّ السعودية أوقفت محادثات التطبيع مع إسرائيل. وقال مصدر مطلع للوكالة إنّ “السعودية قرّرت التوقّف عن مناقشة التطبيع المحتمل وأبلغت المسؤولين الأميركيين بهذا القرار”.

المسؤولون الإيرانيون والصحافة الإيرانية يرون في هذا السياق أنَّ عملية “طوفان الأقصى” عطّلت عمليّة التطبيع وأعدات إحياء الكراهية العربية والإسلامية تجاه إسرائيل، وهو ما قد يؤدي إلى فشل مشروع التطبيع بشكل كامل، وربما انسحاب الدول المطبّعة من هذا المشروع تحت وطئة الضغوط الشعبية وتأثير الرأي العام.

تقدّم “جاده إيران” تقريرًا عن قراءات الساسة الإيرانيين والصحافة الإيرانية لعملية التطبيع الإسرائيلي – العربي بعد عملية “طوفان الأقصى”، ومستقبل اتفاقيات “إبراهيم” والتطبيع الإسرائيلي – السعودي.

يرى المسؤولون الإيرانيون أنّ ملف التطبيع السعودي – الإسرائيلي لم يعد مطروحا على الطاولة بعد حرب غزة، وهذا ما أكده وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في تصريحات له قبيل مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي في جدة، حيث صرّح إنّ الظروف الجديدة التي تشهدها المنطقة تجعل ما تتحدث عنه وسائل الإعلام عن تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل غير مطروح على الطاولة.

ونقل عبد اللهيان السبت 14 تشرين الأول/ أكتوبر عن مسؤول أوروبي أنّ عملية “طوفان الأقصى” أظهرت أنّ القضية الفلسطينية قضيّة حيّة، وأنه لا يمكن لأحد أن يُسكت هذه القضية في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، جاء في خطاب للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في ساحة الثورة وسط طهران الأربعاء 18 تشرين الأوّل/ أكتوبر أنّ جهود تطبيع علاقات بعض دول المنطقة مع إسرائيل باءت بالفشل، ومسار التطبيع فقَدَ أهمّيته.

كما أشار نائب قائد الحرس الثوري الإيراني العميد علي فدوي إلى أنّ “طوفان الأقصى” حطّم حلم تطبيع علاقات إسرائيل مع دول المنطقة.

في ذات المسار، رأى وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب أنّ تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول الأخرى تلقّى ضربة كبيرة بعد عملية “طوفان الأقصى”، ضربة ليس من السهل تداركها، على حد تعبيره.

وأضاف خطيب أنّ مشروع التطبيع فَشِلَ بشكل لا يمكن إصلاحه وأنه لن يعود إلى طبيعته، مضيفًا أنّ المنطقة تشهد تغيّر الرأي العام لصالح فلسطين وضد إسرائيل.

بدوره لاحظ الكاتب الإيراني كامران كرمي أنَّ هناك متغيّرات عدة تحكم مستقبل التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وأنّ نتيجة هذه المتغيّرات سيكون لها الكلمة في إحياء المفاوضات لانضمام الرياض إلى اتفاقيات “إبراهيم” من عدمه.

وفي مقال له في صحيفة “دنياي اقتصاد” الاقتصادية، لفت الكاتب إلى أنّ أهم المتغيّرات تأثيرًا في الوقت الحاضر وعلى المدى المتوسط، هي الحرب الدائرة بين “حماس” وإسرائيل، حيث أنَّ حجم الإصابات والأضرار وتدفق اللاجئين، والوضع الطارئ في غزة بشكل كارثي، وخطط إسرائيل لتدمير غزة وتهجير أهلها، هي عوامل يمكن أن تترك آثارًا مدمّرة على المنطقة لفترة طويلة، وهو ما ستتأثر به السعودية باعتبارها البلد المضيف للأماكن الإسلامية المقدسة، وباعتبارها ستصبح مسؤولة عن إعادة توطين نصف مليون فلسطيني في حال مضت خطة التهجير، مما يعني أنَّ لوقائع وتطورات غزة تأثيرًا كبيرًا على مسألة التطبيع.

وتابع الكاتب: “أما المتغيّر الآخر المؤثر في هذه العملية، فهو نظرة السعودية لمسألة التطبيع، حيث تعتبر الرياض بقيادة محمد بن سلمان التطبيع جزءا لا يتجزّأ من الشرق الأوسط الموحّد، الذي يلعب دورًا مهمًا في تحقيق مشاريعها التنموية ضمن رؤية 2030، من خلال ربط المناطق المختلفة بالممرّات والبنية التحتية التكنولوجية، لكنّ احتمال احتلال إسرائيل لغزة يمكن أن يشكّل أزمة جديدة أو تغييرات في المشهد الجيوسياسي للمنطقة، وظهور نظرة جديدة لإسرائيل لدى الرأي العام العربي، مما قد يغيّر النظرة والنهج السعودي في هذا المسار”.

وفي ذات السياق، أكد الدبلوماسي الإيراني السابق عبد الرضا فرجي زاد أنَّ مدة تعليق مفاوضات التطبيع بين السعودية وإسرائيل تعتمد على ظروف المنطقة وتطوّرات حرب غزة والاستعداد الإسرائيلي لدخول عملية برّية وتوتر جبهة لبنان، مما يعني احتمال أن يكون الوضع في المراحل المقبلة أكثر تعقيداً ودموية، وربما يستمرّ لأسابيع وأشهر، ولذلك، فإنّ تعليق التطبيع سيكون طويل الأمد وسيستغرق ستة أشهر على الأقل.

وفي مقابلة له مع صحيفة “هم ميهن” الإصلاحية، أضاف فرجي زاد أنَّ اتجاه السعودية نحو التطبيع أصبح أكبر صعوبة مع المعارضة الدخلية ومعارضة بعض الدول العربية، مثل قطر ومصر والعراق وانتفاضة الر أي العام في العالم العربي.

في المقابل، اعتبر الكاتب والناشط الإعلامي الإيراني صابر غل عنبري أنَّه لا يوجد أيّ تطوّر ملموس لا في سياسة السعودية ولا في الجغرافيا السياسية للمنطقة، وأنّ قضيّة التطبيع بين الرياض وإسرائيل لم تنتهِ بل تم تعليقها مؤقتًا.

وأضاف جل عنبري أنه يمكن القول إنّ “طوفان الأقصى” والحرب الحالية لم يسهما إلا في تأخير تطبيع العلاقات بين الجانبين، حيث لم يخرج هذا المسار من جدول الأعمال، مرجّحًا أن يستمر هذا التأخير لبضعة أشهر أو أكثر بالنسبة للرياض، لأنها تأخذ بعين الأعتبار ما يجري من مأساة في غزة و الهجمات المتواصل التي تشنّها إسرائيل وما ينتج عنها من تدمير وقتل الآلاف من الفلسطينيين.

وذكّر الكاتب بأنّ السعودية لم تتدخل بشكل عمليّ بما يحدث، بل اكتفت بالتصريحات، مضيفًا إنه إذا حصل وتدخّلت فسيكون بهدف ممارسة نوع من الضغط على الولايات المتحدة بورقة التطبيع لوقف الحرب والتخلّص من القيود الدينية والسياسية والاجتماعية التي فرضها الرأي العام للحفاظ على مكانتها في العالم العربي والإسلامي.

ووفق غل عنبري فإنّ سقوط مشروع التطبيع من الممكن أن يحصل إذا اتسعت رقعة الحرب وتحوّلت إلى حرب إقليمية، أو دخلت دول عالمية إلى الحرب، مما سيتسبّب بعواقب جيوسياسية كبيرة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: