الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة19 سبتمبر 2023 19:14
للمشاركة:

إيران تُزعج الغرب في أوكرانيا.. اتهامات من كلّ مكان

بعد أشهر من اندلاع المعارك في أوكرانيا، هزّت السّاحة الدوليّة اتّهامات لإيران بدعم روسيا عسكريًّا، ممّا ساهم بتعقيد الموقف الأوروبي تجاهها، فضلًا عن أنه ألقى بظلاله على المحادثات النوويّة في محطّاتٍ معيّنة.

وتراوحت الاتّهامات بين إرسال طائرات مسيّرة إلى موسكو لاستخدامها مباشرةً في أوكرانيا، إلى توقّعات بإرسال صواريخ أيضًا، وصولًا إلى الحديث عن وجود خبراء إيرانيين على الأرض الأوكرانيّة.

دعاية من كييف أم انزلاق لطهران؟

في أيار/ مايو 2023، دعا الرئيس الأوكراني فولودومير زيلينسكي الإيرانيين إلى وقف انزلاقهم إلى “الجانب المظلم من التاريخ”، من خلال تزويد الجيش الرّوسي بطائرات مسيّرة.

الرّدُّ الإيراني أتى على لسان المتحدث باسم الخارجية ناصر كنعاني ليتّهم زيلينسكي بالانخراط في دعاية مناهضة لطهران، وذلك بهدف الحصول على المزيد من الأسلحة والمساعدات الماليّة من الغرب.

الاتّهام الأوكراني هذا لم يكن الأوّل من نوعه، حيث اتّهم زيلينسكي نفسُهُ إيران في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 بالكذب و”التعاون الإرهابيّ”.

تصريح الرئيس الأوكراني جاء بعد تأكيد طهران أنّها سلّمت موسكو طائرات مسيّرة، لكن فقط قبل بدء الغزو للأراضي الأوكرانية.

وفي هذا الإطار، صرّح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عيد الله أمام الصحافيين في طهران: “لقد قدّمنا عددًا محدودًا من الطائرات من دون طيّار لروسيا قبل أشهر عدة من الحرب الأوكرانية”.

مع ذلك، اتّهم زيلينسكي في خطاب له نُشر عبر تطبيق “تلغرام” إيران بالكذب “حتى في هذا الاعتراف”.

واستمرّت الرّدود الإيرانية على أوكرانيا، حيث قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إنّ الأوكرانيين لم يتمكّنوا من تقديم أية وثيقة خلال اجتماع بين الطرفين تدلّ على أنّ طهران قدّمت لموسكو أسلحة خلال الحرب. وجاء كلام رئيسي خلال مقابلة له مع قناة “إن بي سي” الإخبارية في أيلول/ سبتمبر 2023.

الاتهامات الأميركية

في أيلول/ سبتمبر 2022، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية فرضَ عقوبات جديدة بحقّ ثلاث شركات قالت إنها شاركت بتطوير وإنتاج طائرات مسيّرة إيرانية تم إرسال عدَدٍ منها إلى روسيا، لتستخدمها الأخيرة في الحرب الأوكرانية.

والشركات الثلاث هذه هي بارفار بارس، داما وبهارستان كيش، التي تُنتج أنواعًا عدة من المسيّرات، منها طراز شاهد.

كما تحدّث البيت الأبيض في تشرين الأوّل/ أكتوبر 2022 عن وجود خبراء عسكريين إيرانيين في شبه جزيرة القرم للمساعدة على شنّ هجمات بطائرات مسيّرة على أوكرانيا، لافتًا إلى أنّ الإيرانيين يعملون هناك في مجال التّدريب والدعم الفنّي.

وأدّت الاتهامات الأميركية لإيران بشأن الحرب الأوكرانية إلى ظهور شرخ بين واشنطن والأمم المتحدة بشكلٍ علنيّ، حيث اتهمت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش “بالاستسلام للتهديدات الرّوسيّة”، بسبب عدم إرساله مسؤولين إلى أوكرانيا لتفقّد الطائرات المسيّرة التي منحتها طهران لموسكو، حيث قال نائب السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة روبرت وود في اجتماع لمجلس الأمن في كانون الأول/ ديسمبر 2022: “نأسف لأنّ الأمم المتحدة لم تتحرّك لإجراء تحقيق عاديٍّ في هذا الانتهاك المبلّغ عنه”.

وفي كانون الثاني/ يناير 2023، أعلنت الولايات المتّحدة فرض عقوبات جديدة على الصناعات الإيرانية التي تُنتج الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة.

وفي بيان صحفي، صرّح وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن: “أصبحت إيران الآن أكبر داعم عسكري لروسيا”. وأضاف: “يجب على إيران أن تتوقّف عن دعمها للحرب العدوانية غير المبرّرة التي تشنّها روسيا في أوكرانيا، وسنواصل استخدام كلّ الأدوات المتاحة لنا لتعطيل وتأخير عمليّات النّقل هذه، وفرض تكاليف على الجهات الفاعلة المشاركة في هذا النشاط”.

وفي أيلول/ سبتمبر 2023، اتّهم مكتب المبعوث الرئاسي الأميركي الخاصّ إيران بإرسال طائرة تابعة لشركة “بويا” المملوكة من قبل الحرس الثوري إلى مطار سيمفيروبول في شبه جزيرة القرم، مصمّمةٍ لنقل معدّاتٍ ثقيلة يمكن استخدامها لدعم العمليّات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

وأضاف مكتب المبعوث الرئاسي الأميركي الخاص إلى إيران على منصّة “إكس”، أنّ الأدلّة على ما ذكره متاحةٌ لكلّ العالم، لكنّ شركة طيران “بويا” تنفي ذلك، وتابع: “يستمرّ النظام الإيراني في الكذب بشأن دعمه للحرب العدوانية الرّوسيّة على أوكرانيا”.

وكان أحد المنشورات من حساب باسم “غريون” على “إكس” قد تحدّث عن ظهور طائرة إيرانيّة لدى مغادرتها شبه جزيرة القرم، لتختفي لاحقًا في محيط مدينة موسكو، معتبرًا الأمر مريبًا للغاية.

وردّ موقع “فلايت رادار” على هذا المنشور، حيث أكّد أنّه أوقف المصدر الذي نشر بيانات عمليّة هبوط الطائرة على متن الموقع، كما اتّخذ إجراءات لمنع وجود أي بيانات غير صحيحة.

وعلًق “غريون” على نفي Flightrdar24 بأنه يؤكد أنّ مسار الطائرة EP-PUS الذي مرّ عبر جزيرة القرم لم يكن حقيقيًا. واتّهم هذا الحساب المؤيًدين لأوكرانيا بأنهم يُنتجون مسارات طيران مزيّفة عبر Flightradar.

بدورها نفت شركة طيران “بويا” التقارير بشأن تلك الرّحلة المثيرة للجدل، واصفةً إياها بأنها “محض افتراء”، ومشدّدةً على أنّ طائرتها كانت متوقّفةً في مطار مهرآباد طوال ا لـ48 ساعة الماضية.

وفي الأشهر الأخيرة من عام 2022، بات الإعلام الغربي يردّد عوامل عدة كأسباب أعادت المحادثات النووية إلى الخلف، ودفعت واشنطن لتقول إنَ هذه المحادثات لم تعد على قائمة أولويّاتها.

وهذه العوامل، بحسب الإعلام الغربي، هي الاحتجاجات التي ضربت إيران إثر وفاة مهسا أميني، الخلاف على مسألة إغلاق تحقيق الوكالة الدولية المتعلّق بعيّنات من اليورانيوم الإيراني المخصّب ودعم طهران العسكري لموسكو في حربها مع كييف.

في المقابل، ورغم التصريحات الأميركية التي تحدّثت عن صرف النظر عن المحادثات حتى إشعار آخر، قال عبد اللهيان إنه تلقّى رسالة عبر وسيط أظهرت أنّ واشنطن “على عجلة من أمرها” بالفعل للتوصّل إلى إحياء للاتفاق النووي.

وأثارت عودة الحديث عن جهود لإحياء الاتفاق النووي، أو للتوصّل إلى اتفاق جزئيّ، مخاوف غربيّة لجهة تشجيع إيران على استمرار دعمها لروسيا، حيث رأت مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيّات أنّ سعي الإدارة للأميركية في هذا الإطار يمكن أن يوفّر لطهران مليارات الدولارات التي ستعزِّزُ من خلالها دعمها العسكري للغزو الروسي لاًوكرانيا.

وقال الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات مارك دويويتز إنّ أي صفقة على قاعدة “الأقلً مقابل الأقلّ” هي في الواقع “الأقلّ مقابل المزيد”، حيث يتخلّى النظام في إيران عن القليل من الامتيازات النووية مقابل المليارات من المساعدات الاقتصادية والحدّ الأدنى من العقوبات.

كما صرّح كبير مستشاري مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ريتشارد غولدبيرغ: “ستواجه الإدارة رياحًا معاكسة قويّة لأيّ اتفاق يسمح لإيران بالجلوس على العتبة النووية، بينما تجمع المليارات لتمويل الإرهاب ضد الأميركيين، والإرهاب ضد الأوكرانيين”.

الاتهامات الأوروبيّة

ولم تكن الدول الأوروبية أقلّ انزعاجًا من الولايات المتحدة لجهة المسيّرات الإيرانية، حيث اعتُبر أنّ هذه القضيّة، مضافةً إلى الاحتجاجات الداخلية التي عمّت إيران منذ أشهر، قد تسبّبتا بتغيير كبير في النظرة الأوروبية لكيفيّة التعامل مع طهران.

وفرضَ الاتّحاد الأوروبي في شباط/ فبراير 2023 عقوبات على سبعة مصنّعي أسلحة إيرانيين، وأربعة أشخاص لدورهم في تزويد روسيا بالمسيّرات. وشملت قائمة العقوبات هذه القوّة الجوية للحرس الثوري الإيراني، وستَ شركات دفاع مرتبطة بالحكومة الإيرانية، بالإضافة إلى كبار المسؤولين التنفيذيين في صناعة المسيًرات الإيرانية.

ويُظهر سياق الأمور والانتقادات الغربية للعلاقات بين طهران وروسيا وتطوًرها أنه ما بيد الغرب حيلة من أجل وقف هذا التطوّر.

وفي هذا الشأن، علّقت مجلّة “فورين بوليسي” الأميركية بالتالي: “في العلن، انتقد كبار القادة الأميركيون وحلفاؤهم إيران لتزويدها روسيا بطائرات من دون طيّار، وتعهّدوا باستخدام كل ما في وسعهم لوقف تلك الشحنات. لكن وراء الأبواب المغلقة، يعترف المسؤولون بأنه لا توجد طرق واقعيّة لوقف تدفّق البضائع العسكرية الإيرانية إلى روسيا لنشرها في أوكرانيا”.

ونقلت المجّلة عن أحد كبار المسؤولين في أوروبا الشرقية متابعٍ لهذا الشأن قوله: “من المؤسف أنّ هناك حدًّا لما يمكننا القيام به لوقف هذا التحالف غير المقدّس من خلال العقوبات وحدها”.

وفي حزيران/ يونيو 2023، أشار مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى أنّ الأخير حذّر نظيره الإيراني من عواقب تسليم طائرات مسيّرة إلى روسيا. وفي اتصال هاتفيٍّ بين الرئيسين، حثّ ماكرون إيران على “الوقف الفوري” للدعم الذي تقدّمه لروسيا في الحرب ضد أوكرانيا.

ثمَّ أتى الحظر الأوروبي على تصدير المكوّنات المستخدمة في بناء وإنتاج الطائرات من دون طيًار إلى إيران في تموز/ يوليو الماضي، كما تم إدراج ستة مواطنين إيرانيين تحت نظامين من العقوبات الأوروبية، وذلك بسبب “الدعم العسكري الإيراني لحرب روسيا ضد أوكرانيا”.

ولعلّ أكثر ما عبّر عن الغضب الأوروبي من إيران هو إعلان فرنسا، ألمانيا وبريطانيا استمرارهم بتطبيق نفس العقوبات التي أقرّتها سابقًا الأمم المتّحدة بشأن البرنامج الصاروخي الإيراني حتى بعد انتهاء أمد القرار الأممي المتعلّق بهذا الشأن في 18 تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل. كما أعلنت بريطانيا التزامها بإدخال هذه العقوبات إلى قوانينها الخاصة.

صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية رأت أنّ أهمية القرار الأوروبي تكمن بمساهمته بالحدّ من قدرة طهران على تطوير صواريخها، كما أنّ هذه الخطوة يمكن أن تشكّل نقطة انطلق لتجاهل الاتحاد الأوروبي تواريخ انتهاء أخرى تندرج ضمن خطة العمل الشاملة المشتركة، خاصة عام 2025، وهو تاريخ انتهاء الصلاحية الأوّل في هذه الخطة، فضلًا عن إمكانية أن يصل هذا النهج إلى ما بعد تاريخ انتهاء خطة العمل الشاملة المشتركة، أي فترة ما بين 2030-2031.

أما مجلّة “بوليتيكو” بنسختها المتخصّصة بالشؤون الأوروبية، فقد رأت أنه يتعيّن على صنّاع السياسات في الاتحاد الأوروبي أن ينخرطوا في تبادل معلومات استخبارية مع نظرائهم الأميركيين والبريطانيين لتحسين مواءمة العقوبات المفروضة على إيران ومنع انهيار قيود الأمم المتحدة في تشرين الأوّل/ أكتوبر المقبل، حيث يمكن القيام بذلك عبر تفعيل آليّة SnapBack في مجلس الأمن، مما يسمح بإعادة فرض القيود لعامين جديدين.

وتابعت الصحيفة: “مهما قد تبدو الخيارات الدبلوماسية والاقتصادية غير مرضية ضد برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، فإنّ الفشل في تصميم المسار من خلال استعادة الحظر المتعدّد الأطراف والبناء على بنية العقوبات القائمة سوف يدلّ على أنّ الغرب يخشى اتّخاذ أي إجراء”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: