الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة31 أغسطس 2023 07:30
للمشاركة:

“ندرة المياه”.. فرصة لتعاون أوروبي- إيراني؟

يرى المحلل السياسي من "كارنيغي أوروبا" كورنيليوس أديباهر أنّ الاتحاد الأوروبي يجب أن يبني علاقة مع إيران على أساس التحدّيات التي يفرضها المناخ، حيث ذكر بمقاله في موقع "يورونييوز" أنّ أوروبا وإيران هما من أكثر المناطق في العالم التي عانت من ارتفاع درجات الحرارة خلال هذا الصيف

تبيّن أنّ شهر تموز/ يوليو هو “الشهر الأكثر سخونة على الأرض”، حيث عانت أماكن مثل فينيكس وبكين، الواقعتين على جانبَيْ الكرة الأرضية تقريبًا، من نفس الحدث الحراري.

وفي عالم يتّسم باحتمالات متزايدة للصراع العسكري، فإنّ هذه التأثيرات الملموسة للغاية لتغيّر المناخ يجب أن تذكّر الأصدقاء والأعداء بمدى الارتباط الوثيق بينهم.

ومع ذلك، هناك مكان واحد يبرز: إيران. إنّ البلاد لا تتضرر بشدة من ظاهرة الاحتباس الحراري فحسب، بل يديرها أيضًا نظام يتغذى على عدم الاستقرار الإقليمي والعداء مع الغرب. وبالتالي، فإنّ التعامل مع الجمهورية الإسلامية سيكون حاسماً في كيفية التعامل مع التحديات العالمية، حتى مع الجهات الفاعلة غير الصديقة على نطاق أوسع.

ولكن بما أن المناقشة المسمومة المستقطبة في الولايات المتحدة لا تسمح بأي فروق دقيقة، فيتعين على الاتحاد الأوروبي بدوله الأعضاء أن يتوصّل إلى مثل هذا الإبداع السياسي.

ومن الواضح أنّ القول أسهل من الفعل، نظرًا لأنّ الاتحاد الأوروبي خلال العام الماضي شدّد موقفه تجاه طهران بشأن عدد من القضايا.
تتصدر هذه القائمة إمدادات إيران بالطائرات المسيّرة إلى روسيا، والتي تُستخدم في الهجمات العشوائية على المدن الأوكرانية، تليها مباشرة حملة القمع التي يشنّها النظام على المعارضة الشعبية، ومماطلة إيران في المفاوضات النووية، واحتجاز الرهائن العلني لمزدوجي الجنسية لانتزاع الامتيازات.

لا شيء من هذا يجعل من الجمهورية الإسلامية جهة فاعلة راضية بشكل خاص للتعامل معها، ناهيك عن كونها جهة تقدم أي فوائد من التعاون.

وفي الوقت نفسه، فإنّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها مصالح في المنطقة تتطلّب الحد الأدنى من الأخذ والعطاء.

إن مجرّد نبذ النظام، كما طالب البعض رداً على الثورة الأخيرة، لن يحسّن سجل حقوق الإنسان في البلاد ولا يمكنه تخفيض التهديدات النووية أو غيرها من التهديدات.

وهنا تبدأ قصة المناخ: فبينما عانى جنوب أوروبا من موجة حر هائلة هذا الصيف، عانت إيران من درجات حرارة قياسية.

هنا وهناك، يؤدي التبخّر المتزايد بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات المياه الجوفية، إلى جانب سوء إدارة المياه وزيادة استخدام المياه للمحاصيل والطاقة والصناعة، إلى نقص واسع النطاق.

في أوائل آب/ أغسطس، فرضت الحكومة الإيرانية إغلاقًا على مستوى البلاد على غرار فيروس كورونا، ردًا على الحرارة الشديدة – بينما تفكر إيطاليا بخطة إجازة شبيهة بالوباء، لأولئك الذين يعملون في الخارج.

حتى الآن، كانت الاشتباكات العنيفة نادرة، ولكنها حدثت في إيران ــ بشكل متكرر إلى حد ما، على سبيل المثال في خوزستان وأصفهان ــ وفي أوروبا (نادراً ما تحدث، ولكن حصلت فعلًا في وقت سابق من هذا العام في فرنسا).

وليس من قبيل الصدفة أنّ محافظة سيستان وبلوشستان في شرق إيران على الحدود مع باكستان هي التي شهدت الاحتجاجات الأكثر استمرارًا على مدار الأشهر التي أعقبت وفاة مهسا أميني في أيلول/ سبتمبر الماضي – والتي، وفقًا للمشرّعين في البلاد، سوف تختفي المياه فيها بحلول منتصف أيلول/ سبتمبر.

ويبدو أنّ ندرة المياه هي مسألة تربط ــ وتضاعف ــ العديد من القضايا السياسية الأخرى التي تعاني منها إيران بشكل خاص.

الأمر يستنزف النمو الاقتصادي في مجتمع تتقدم فيه فئة الشباب السابقة، مع انخفاض معدلات المواليد ونمو الهجرة، بسبب ارتفاع معدلات البطالة، وكذلك القمع السياسي. كما أنه يضع مجموعات من المجتمع، في الريف والحَضَر، والمزارعين والمستهلكين، ضد بعضهم البعض، عندما تؤدي التوترات العرقية والانقسام بين القلب والمحيط إلى عدم الاستقرار.

علاوة على ذلك، فإنّ سياسات المحسوبية في المياه التي تخدم المقرّبين من المؤسسة السياسية والأجهزة الأمنية، والتي تسيطر مرة أخرى على جزء كبير من البنية التحتية للبلاد – مثل السدود لتوليد الكهرباء – والصناعة (مثل المواد الكيميائية والصلب ومصافي التكرير)، ساعدت بتحويل السكان ضد نظام سياسي مبني على الحماس الديني وقمع المرأة.

هذا كله فضلًا عن الصورة الإقليمية، حيث المناوشات مع أفغانستان، والنزاعات مع العراق وتركيا بشأن تدفّقات المياه العابرة للحدود، والتهديد بالحرب مع إسرائيل بسبب البرنامج النووي للبلاد، بما يتخطّى تقارب طهران الأخير مع المملكة العربية السعودية الذي لم يتم اختباره بعد.

وعلى الصعيد العالمي، ربطت الجمهورية الإسلامية مصيرها بروسيا والصين من أجل مواجهة “الغرب” بشكل أفضل، رغم أنّ التبعيّات الاقتصادية والسياسية الناتجة عن ذلك لا تفعل الكثير لتخفيف المشاكل البيئية العديدة التي تواجهها البلاد.

وبالتالي فإنّ الصورة الأكبر التي يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يأخذها في الاعتبار إذا كان راغباً في وضع استراتيجية فعّالة وشاملة في التعامل مع إيران هي صورة دولة تواجه أزمة سياسية واقتصادية وبيئية واجتماعية وديموغرافية جوهرية.

ومع ذلك، بدلًا من الأمل في زوال النظام عاجلًا وليس آجلًا، ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يبحث عن سبل للتعاون في مواجهة التحديات المشتركة ــ لصالح معالجة هذه التحديات بقدر ما يصب في مصلحة إقامة علاقات في مجتمع مغلق.

إنّ الاعتراف بصراعات إيران مع آثار تغيّر المناخ، مثل زيادة ندرة المياه، يقطع شوطًا طويلا في تلبية الاحتياجات البيئية الملحّة.

ومن الممكن أن يساعد الحوار المفتوح بشأن عمليات التجديد التي ستفيد المجتمع والاقتصاد الإيراني بشكل ملموس بخلق أساس للثقة التي ستكون مفقودة لولا ذلك.

وسيسمح أيضًا بالمشاركة مع الجهات الحكومية، الوطنية والمحلية، وكذلك المنظمات الدولية في البلاد، مع إشراك المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية.

ومن شأن مثل هذه الجهود أن تساعد الاتحاد الأوروبي على تطوير دبلوماسيته الناشئة في مجال المياه إلى نهج عملي يمكن تطبيقه على مناطق أخرى من العالم.

كما سيكون بمثابة نموذج للتعامل مع الأنظمة المعادية الأخرى ذات الصلة بأوروبا، من خلال تحديد مجال سياسي للتعاون، غير الإيديولوجي، والقائم على الاحتياجات الإنسانية.

ولأنّ الوضع المحيط بإيران يمثّل صراعات جيوسياسية مقبلة، فإن إنهاء الجمود الحالي والانخراط في تعاون هادف من شأنه أن يخدم الاتحاد الأوروبي كثيراً في سعيه إلى التحوّل إلى جهة فاعلة ذات صلة على المستوى العالمي.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: