هل تنجح إيران بإبعاد الولايات المتحدة عن إسرائيل؟
خلال رئاسة باراك أوباما، بدأ الشرخ يظهر جليًّا أمام المراقبين بين واشنطن وتل أبيب، خاصةً عندما انفجر الخلاف – الذي وصل إلى حد النفور – بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
هنا تحديدًا، ظهر ظلّ إيران وملفها النووي، فعندما كان نتنياهو يصرخ في كل اتجاه إنّ عدوّه الأول هو النظام في طهران، كان البيت الأبيض عبر وزير خارجيته جون كيري يصرّ على التوصل إلى أهم اتفاق مع هذا النظام.
محاربة الاتفاق
بذل الإسرائيليون جهودًا مكثّفة لمحاولة ثني الإدارة الأميركية عام 2015 عن توقيع صفقة نووية مع طهران تسمح للأخيرة بالتخلّص من العقوبات، وذلك خوفًا من استثمار الإيرانيين أيَّ تقدم اقتصادي بدعم الحركات التي تقاتل إسرائيل منذ عشرات السنين، مثل حزب الله في لبنان وحركتَيُ “الجهاد الإسلامي” و”حماس” في فلسطين.
لم يتوانَ الإسرائيليون عن التأكيد على أنّ العالم سيُصبح أكثر عرضةً للمخاطر إذا تم توقيع الاتفاق مع إيران، كما كان واضحًا تعاونهم مع الجمهوريين لعرقلة الصفقة بكل السبل المتاحة.
وفي 22 تموز/ يوليو 2015، تعهّد كبار الجمهوريين ببذل قصارى جهدهم لإلغاء الاتفاق النووي الذي كان قد تم توقيعه قبل أيام، في وقت كان يستعدّ فيه أكبر لوبي مؤيد لإسرائيل لحملة شاملة للضغط على المشرّعين القلقين لرفض الاتفاق، بحسب ما نقلت وكالة “رويترز”.
وأضافت الوكالة أنّ مجموعة “إيباك” المؤيدة لإسرائيل، عمدت إلى نشر المئات من جماعات الضغط في الكابيتول هيل على مدى يومين، في محاولة لإقناع المشرّعين، وخاصة الديمقراطيين المترددين، للتصويت ضد الصفقة.
وكان أول ردّ فعل لنتنياهو على إعلان الاتفاق بأن وصفه بـ”الخطأ التاريخي”، الذي سينمح إيران “مئات المليارات من الدولارات التي يمكنها عبرها أن تغذّي ماكينة إرهابها وتوسّع عدوانها في عموم الشرق الأوسط والعالم”.
الصدام مع أوباما
وجاء في كتاب مذكّرات نتنياهو الذي نشره عام 2022 عبارة لربّما هي الأقسى من رئيس وزراء إسرائيل تجاه رئيس أميركي، حيث قال إنّ “أوباما لم يكن لديه سياسة خارجية سيّئة فحسب، بل كان لديه حقدٌ” تجاه إسرائيل.
وفي هذا الكتاب، أعرب نتنياهو عن إحباطه لجهة عدم قدرته على دفع إدارة أوباما إلى جانبه عندما يتعلٌق الأمر بوقف البرنامج النووي الإيراني.
وتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن ربط البيت الأبيض قدرتَه على وقف تقدّم إيران في المجال النووي بالتقدّم على المسار الفلسطيني، وتابع: “المعادلة التي قدّمها كانت واضحة: لم يكن لدى الولايات المتحدة أي إمكانية للتقدّم في وقف إيران من دون الحصول على شيء بالمقابل للفلسطينيين”.
أما الصّدام الأكثر حدّة بين أوباما ونتنياهو فقد أتى مباشرةً بعد خطاب الأخير ضد الاتفاق النووي في آذار/ مارس 2015 أمام الكونغرس الأميركي، وهو الخطاب الذي عارضته الإدارة الأميركية آنذاك بشدة.
التأثير الإسرائيلي يتضاءل
ونتيجة لكل هذه التوترات، عبّر كُتّاب إسرائيليون عن خشية من تضائل التأثير الإسرائيلي على القرار الأميركي المتعلّق بإيران وملفها النووي.
على سبيل المثال، نشر مراسل الشؤون الدولية الإسرائيلي أمير تيبون مقالاً في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تحت عنوان: “في إسرائيل يخشون: لم تعد لدينا قدرة التأثير على الولايات المتحدة في موضوع إيران”، تحدث فيه عن خوف لدى الحكومة الإسرائيلية من أنّ “رافعات الضغط التي استُخدمت في الماضي في محاولة التأثير على التفاهمات المتبلورة في الملف النووي لم تعد ذات صلة في الاتصالات المتقدمة هذه الأيام”.
وتابع تيبون: “ما أثار الخشية في المداولات الداخلية هو أنه سيكون من الصعب جداً على إسرائيل حشد معارضة حقيقية في الكونغرس لتفاهمات مع إيران، وأنه ستجد صعوبة في التأثير أيضًا على مواقف دول أوروبية في ما يخصُّ الاتصالات مع طهران”.
وذكّر الكاتب في نفس المقال بأنّ إسرائيل حاولت عام 2015 عرقلة تحقيق اتفاق أو تغيير مضمونه، كما حاولت “دق إسفينٍ بين الدول المشاركة في المفاوضات وتجنيد دول أساسية في أوروبا – فرنسا، بريطانيا وألمانيا – ضد جزء من التنازلات التي وافقت عليها واشنطن”.
تشويش على المحادثات
بدأت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تطبيق سياستها عمليًا تجاه إيران بتعيين روبرت مالي مبعوثاً رئاسيًا خاصًا لهذا الشأن، ما اعتُبر إسرائيليًا نذير شؤم، نظرًا لخلفية مالي المليئة بالانتقادات لإسرائيل، ودور الأخير بهندسة الاتفاق النووي الشهير.
وفي عزِّ مهمة مالي، أكدت صحف إسرائيلية أنّ الرجل تمّ عزله بسبب عدم تمكّنه من تحقيق نتائج إيجابية، ليتّضح عدم صحة هذه المزاعم لاحقًا.
وفي أواخر حزيران/ يونيو الماضي، اشتكى مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان لنظيره الإسرائيلي تساحي هنغبي من أنّ إسرائيل تُسرّب تفاصيل بشأن المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، وفق ما أورد موقع “والا” الإسرائيلي.
وقال سوليفان إنّ المعلومات التي قدّمتها الولايات المتحدة لإسرائيل بشأن المحادثات وجدت طريقها إلى وسائل الإعلام المحلية، وبعضها بطريقة مشوّهة.
بدورها ذكرت صحيفة “هآرتس” إنه حتى قبل لقاء سوليفان بهنغبي، كانت إسرائيل قلقة من اتهامات أميركية بتسريب المعلومات، خاصة بعد حديث الصحافية الأميركية لورا روزين عن إثارة مسؤولية أميركيين مثل هذه الشكوك.
ورغم نفي سفير إسرائيل في واشنطن مايك هرتسوغ هذه الاتهامات، إلا أنّ ذلك فشل بتهدئة كثيرين في إدارة بايدن، على حد تعبير “هآرتس”.