روبرت مالي.. على درب التحييد؟
مبعوثًا إلى إيران من دون أن يزور إيران، كما درجت عادة أسلافه، تسلّم المحامي روبرت مالي ملفًّا من أصعب الملفات الدولية من رئيسه جو بايدن، علّه يعيد الأمور إلى ما كانت عليه بعد توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة – تلك التي لعب في صياغتها دورًا أساسيًا – من دون أن ينجح حتى الآن.
والده سيمون مالي، الصحافي اليهودي المصريُّ الولادة ذو الميول اليسارية، الذي ترجع أصوله إلى مدينة حلب السورية، والمعروف بدفاعه عن قضايا العالم الثالث ومناهضة الاستعمار. لا يُعتبر وكيل البيت الأبيض للشؤون الإيرانية صقرّا من صقور الدولة العميقة في الولايات المتحدة، ولا مقرّبًا من اللوبي الإسرائيلي هناك، بل خبيرًا في النزاعات آتيًا من مجموعة الأزمات الدولية التي رأسها، بخلفية واسعة عن منطقة الشرق الأوسط.
صديق طفولة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكين، وزميل الدراسة للرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، يؤخذ عليه أنه نشر مقالًا عام 2001 رأى فيه أنّ اللوم بشأن فشل قمة كامب دايفد عام 2000 يقع على عاتق الرؤساء الثلاثة المعنيين، رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك، الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والرئيس الأميركي بيل كلينتون. كان مالي في تلك الفترة مساعدًا مقرّبًا من كلينتون، وقد حضر اجتماعات ضمّت الرجال الثلاثة.
لن يحتاج أكثر من ذلك ليكون مكروهًا لدى الإسرائيليين.
تعيين كبير المفاوضين
تحت إشراف وزير الخارجية جون كيري، وخلال رئاسة أوباما، قاد مالي بصفته كبير المفاوضين السياسيين في الوفد الأميركي التفاوض مع الوفد الإيراني لأشهر طويلة، قبل أن تتكلّل جهوده بالنجاح. نجاح أعطاه شهرة وأكسبه ضغينة لدى كثير من الأوساط.
سلوكه في التفاوض في فيينا دفع بصحيفة “تايمز أوف إسرائيل” لوصفه بـ”الليّن مع طهران”، مضيفةً أنّ تعيينه من قبل بايدن مبعوثًا للشؤون الإيرانية يعكس جدية البيت الأبيض بالوصول إلى حل والعودة إلى الاتفاق الإيراني الشهير.
يصفه الصقور المعنيّون بالشأن الإيراني في الولايات المتحدة بمهندس رئيسي لاتفاق عام 2015، كما نقلت وكالة “أسوشييتد برس” عن مصادر عدة، وقد عنى لهم تعيينه أنّ بايدن ربما “يريد العودة إلى الصفقة الإيرانية بأي ثمنٍ”، وأنه “قد يكون على استعداد للتضحية بأمن إسرائيل ودول الخليج العربية للقيام بذلك”.
وفي هذا الشأن، كتب السناتور الجمهوري توم كوتون عند بدء الحديث عن تعيين مالي: “إنه أمرٌ مزعجٌ للغاية أن يفكّر الرئيس بايدن بتعيين روب مالي لتوجيه سياسة إيران. مالي لديه سجلٌّ حافل من التعاطف مع النظام الإيراني والعداء لإسرائيل. آيات الله لن يصدّقوا كم هم محظوظون إذا تم اختياره”.
من جهته رحّب كبير مستشاري السياسة الخارجية للسناتور بيرني ساندرز، مات داس، بالإعلان عن تعيين مالي، باعتباره علامةً على أنّ بايدن لن يتراجع في معاركه مع المتشددين.
وكان مالي قد تعرّض سابقًا لحملة شرسة من قبل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة عام 2015 بعد اختياره من أوباما مديرًا لمكتب الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي، بسبب مواقفه النقدية للسياسة الإسرائيلية، فضلًا عن دعواته إلى الحوار بين الولايات المتحدة من جهة، والدول والجهات المناهضة لسياساتها في الشرق الأوسط.
تشويش متواصل
تعرّض مالي لعملية تشويش متواصلة خلال بدء مهمته بالمحادثات غير المباشرة مع إيران للعودة إلى الصفقة، خاصة من إسرائيل التي روّجت حينًا لقرب إقالته – ليتّضح بعد ذلك عدم صحة هذه المزاعم – كما حاول الإسرائيليون على أعلى مستوى وقف مسار التفاوض عبر تحريض الدول الأوروبية على إيران.
على سبيل المثال، ركز الإعلام الإسرائيلي على تعارض الآراء داخل فريق مالي بشأن سير المفاوضات، فتحدثت صحيفة “هآرتس” عن خروج دان شابيرو من الفريق إثر هذا التعارض.
وفي أيلول/ سبتمبر 2022، عندما بدأ الحديث عن توقف المحادثات كليًا وعدم اهتمام أي من الأطراف المعنية بالتوصل إلى نتيجة في المدى المنظور، خضع مالي لواحدة من “جلسات التعذيب” تلك في الكونغرس، أو ما يُعرف بـ”جلسات الاستماع”، حيث تلقّى الرجل انتقادات واسعة من المشرّعين الديمقراطيين والجمهوريين لما اعتبروه “تراخيًا أمام النظام الإيراني”، و”محاولة إخفاء تفاصيل مهمة عن المشرّعين”.
في تلك الجلسة، طلب المشرّعون من مالي تقديم تفسيرات لمعلومات عن “محاولته التواصل مع مسؤولين إيرانيين من دون إخطار الإدارة الأميركية أثناء وجوده في فيينا”، فأكد المبعوث الرئاسي الأميركي عدم صحة هذه المعلومات.
إجازة بانتظار التحقيقات
حصل مالي على إجازة غير مدفوعة الأجر الشهر الماضي بانتظار استكمال تحقيقات يقوم بها مكتب التحقيقات الفدرالي FBI بشبهة إساءة استخدام معلومات سرية متعلّقة بإيران.
ونقلت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية عن مسؤولين أميركيين سابقين مطّلعين على الأمن الدبلوماسي، أنه من النادر أن تعليق التصريح الأمني لمسؤول رفيع بسبب خطأ واحد مرتبط بمواد سرية، فعادةً ما يتلقى المسؤولون تحذيرًا في المرة الأولى، وأحيانًا تحذيرات عدة، إذا اعتُبرت المخالفة بسيطة.
وترى أوساط في الكونغرس أن الإدارة الأميركية تحاول التعتيم على ما يجري مع مالي، من خلال رفض منح المشرّعين معلومات بهذا الشأن، مما دفع البعض باتهام وزارة الخارجية بالخداع.
وفي هذا الإطار، قال السيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، وهو أكبر جمهوري في لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، إنّ الإدارة لم تبلغ أبدًا الكونغرس بشكل استباقي عن أنّ مالي فقد تصريحه للعمل، وعلّق: “هذا ليس جيّدًا”.
هكذا بدا مالي على درب التحييد من مهمة الملف الإيراني، مع كل ما قد يستتبع ذلك من تأثير على نهج بايدن تجاه إيران وإحراج للإدارة الأميركية في معاركها مع الجمهوريين واللوبي الإسرائيلي بهذا الخصوص.
فهل يعني خروج مالي من الصورة انتهاء المحادثات مع إيران خلال هذه الولاية الرئاسية لبايدن؟