الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة12 يوليو 2023 09:52
للمشاركة:

مقايضة الغاز بالنفط.. بوابة جديدة لاستثمار إيراني في العراق؟

منذ فرض واشنطن عقوبات على طهران عام 2018، يجد العراق صعوبة في سداد ثمن ما يستورده من الغاز الإيراني اللازم لتشغيل محطاته الكهربائية الرئيسية، فضلّا عن أجور ألف ميغاواط من الكهرباء تصل إلى شبكته من خطوط إيرانية.

وللتغلب على هذه المشكلة، وقعت الحكومتان العراقية والإيرانية الثلاثاء 11 تموز/ يوليو 2023، اتفاقاً جديداً للسداد يتضمّن مقايضة النفط العراقي الخام والأسود بالغاز الإيراني، وقد وجاء ذلك بعدما انخفضت في الأيام القليلة الماضية واردات الغاز من إيران إلى العراق نتيجة عطل أصاب معدّات قطاعًيْ الإنتاج والنقل الإيرانيين بفعل حرارة الجو، بحسب ما أعلنته شركة الغاز الوطنية الإيرانية.

وبفعل هذا الانخفاض تراجع إنتاج محطات الكهرباء العراقية، وسط ارتفاع الطلب المحلّي، الذي يتزامن مع تجاوز درجات حرارة الجو الـ50 درجة، ما دفع سكان بعض المناطق في وسط وجنوب وشمال العراق إلى الاحتجاج أمام محطات للطاقة.

وفي هذا الإطار، قال رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إن مفاوضات جرت بين الجانبين منذ أيام، تمخّض عنها الاتفاق على المقايضة العينية للنفط العراقي مقابل الغاز الإيراني.

وأضاف السوداني خلال توقيع الاتفاق الجديد في بغداد أنّ هذا “الاتفاق المهم سيُنهي المشكلة بالكامل وسيوفّر الأموال للعراق ويجنّبه الاضطراب المتكرر في مسألة التجهيز”.

وبدا السوداني يستقبل أي موقف أميركي متوقّع بهذا الشأن عندما أكد أنّ هذا الاتفاق “يقع ضمن السياقات الرسمية والقانونية”، مذكّرًا بأنّ النفط الذي ستقدّمه بغداد لطهران يقع ضمن حصة إنتاجها المقررة في مجموعة “أوبك”.

جذور القصة

عام 2014، بداُ العراق باستيراد كميات من الغاز الإيراني من أجل توليد نحو سبعة آلاف ميغاواط من الكهرباء عبر محطات في مدنه الوسطى والجنوبية، والتي شهدت بعضها في سنوات سابقة احتجاجات شعبية إثر نقص الطاقة، مما أدى إلى سقوط ضحايا.

كما يستورد العراق ألف ميغاواط من شبكة الكهرباء الإيرانية بواسطة أربعة خطوط. وتنتج منطومة الكهرباء الوطنية العراقية في الوقت الحاضر 20 ألفاً و600 ميغاواط، بينما المطلوب في ذروة فصل الصيف هو 32-34 ألف ميغاواط، مما يستدعي تدفّق 50 – 60 مليون متر مكعّب من الغاز الإيراني.

هذا ما أشار إليه المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية أحمد العبادي، موضحًا لـ”جاده إيران” أنّ كلفة الغاز وحده تبلغ أربعة مليارات دولار سنوياً، من دون القدرة على تحديد ثمن الكهرباء الواردة من إيران، إلا أنّ الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي قدّر هذا الثمن بمليار دولار سنويًا.

وبحسب العبادي فإنّ كميات الغاز والكهرباء الآتية من إيران تتفاوت حسب الحاجة صيفاً أو شتاء، ويحدث أن تتوقف الإمدادات وتنحسر ولا تتساوى في المجالين.

الأسعار أيضاً ليست ثابتة كما يوضح المتحدث باسم وزارة الكهرباء العراقية، فهي “تعتمد على الصعود والنزول العالميين ضمن سلّة أوبك”، وتابع: “سعر الغاز الإيراني جيّد، وجودته كذلك نوعاً ما، ونحن نقوم بتصفيته قبل استخدامه. الغاز عملة نادرة في العالم، ولا توجد أمامنا عروض غير الغاز الإيراني القريب”.

وكانت تقارير سابقة قد تحدثت عن استيراد العراق أيضًا لمشتقّات نفطية من إيران، إلا أنّ مدير الإعلام والعلاقات في شركة تسويق النفط العراقية “سومو” حيدر الكعبي نفى صحة هذه التقارير لـ “جاده إيران”، في حين لم نتلقَّ ردًّا من المتحدث باسم حكومة إقليم كردستان جوتيار عادل على طلبنا للتعليق على الأمر.

يستورد العراق ألف ميغاواط من شبكة الكهرباء الإيرانية بواسطة أربعة خطوط. وتنتج منطومة الكهرباء الوطنية العراقية في الوقت الحاضر 20 ألفاً و600 ميغاواط

آلية السداد

سدد العراق لإيران ثمن الغاز والكهرباء بانتظام حتى عام 2018، لكن عندما انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران وفرضت عليها عقوبات اقتصادية تشمل منعها من الوصول للدولار، تعثّر السداد.

ويعود تأثر العراق بالعقوبات لكون السلعة الأساسية التي يصدّرها العراق ويجني من خلالها المال هي النفط، الذي يُباع عالميًا بالدولار، وهي العملة التي تذهب أوّلًا إلى البنك الفيدرالي الأميركي الذي يحوّلها بدوره إلى بغداد ويراقب وجهات صرفها.

على الرغم من تعثر بغداد عن سداد المستحقات منذ ذلك الوقت، إلا إن تدفّق الغاز الإيراني إلى العراق لم يتوقف بشكل عام، وإنما كانت تحدث بعض الانقطاعات، وعليه، فإن مستحقات طهران راحت تتحوّل إلى ديون في ذمّة بغداد، فتوصل الطرفان ومعهما الولايات المتحدة إلى اتفاق في 2018 يقضي بأن تسدد بغداد ديونها لطهران عبر شراء سلع أو سداد فواتير إيرانية متعلّقة بمعاملات إنسانية فقط، مثل الدواء والغذاء.

تتم هذه العملية عبر مصرف التجارة العراقي TBI. وفي 10 حزيران/ يونيو الماضي، تم الإعلان رسمياً عن إجراء عملية تحويل من هذا النوع بقيمة 2.5 مليار يورو، ليُعلن رئيس الوزراء شياع السوداني آنذاك سداد كامل الدين بقيمة 11 مليار دولار.

وكشف المتحدث باسم الحكومة العراقية باسم العوادي لـ”جاده إيران” عن أنّ “العراق يسدد ثمن وارداته لإيران بكل العملات باستثناء الدولار، خاصة اليورو”.

لماذا لا تستلم إيران ديونها بالدينار العراقي؟

في مقابل العقوبات الأميركية عليها، انتهجت إيران ما أسمته بسياسة “الاقتصاد المقاوم”، وشجعت على التعامل بالعملات الوطنية بين الدول بعيداً عن الدولار.

وقد استلمت من العراق لفترة وجيزة ثمن صادراتها إليه بالدينار، لكنّها سرعان ما توقفت عن ذلك.

وعن أسباب ذلك، يقول الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي إنّ العراق لا يصدّر غير النفط، ولذلك ليست للدينار قيمة كبرى خارج البلاد، عكس اليوان الصيني مثلاً، الذي يبقى له منافع عند الاستيراد من الصين. ويُكمل في حديث مع “جاده إيران” أن “الدينار بيد إيران إما يعود إلى العراق ليحوّل إلى دولار، أو يبقى عندها بلا جدوى”.

ماذا بعد؟

يشدد المتحدث باسم الحكومة على أنّ الحكومة العراقية بذلت جهوداً لتجاوز التلكّؤ الذي حصل في السنوات الماضية بملف الديون لإيران.

وقبل أن يوجّه السوداني الاثنين 10 تموز/ يوليو 2023، بإيجاد بدائل للغاز الإيراني عبر تركمانستان وقطر، كان قد أعلن في أيار/ مايو الماضي أنّ العراق سيُنهي استيراد الغاز من إيران خلال فترة ما بين سنة إلى ثلاث سنواد، عبر الاستفادة من غازه المحلّي بعد إبرام عقد مع شركة “توتال” الفرنسية.

بالتوازي مع ذلك، أكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء وجود خطط لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري والغاز، “سواءً كان وطنياً أم مستورداً”، كما لفت إلى مشاريع الربط الكهربائي مع دول مجاورة للعراق، مؤكداً اكتمال بعضها وبلوغ أخرى مراحل متقدمة.

ونوّه إلى أنّ الكهرباء التي ستنتج من هذه المشاريع في مراحل تشغيلها الأولى لن تذهب إلى المناطق التي تغذّيها محطات مشغّلة بالغاز الإيراني، وإنما لمناطق في غرب وشمال العراق، كاشفًا أنّ شركات إيرانية تعمل على مشاريع للطاقة في العراق، منها شركتا “طلوع” و”مبنا”.

وفي هذا السياق، كشف المتحدث باسم الحكومة العراقية لـ”جاده إيران” عن مفاوضات تجري مع شركات إيرانية لتنفيذ مشاريع مقترحة في العراق سُيدفع ثمنها “وفق آلية خاصة متفق عليها”.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: