الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة29 يونيو 2023 16:16
للمشاركة:

موقع “شبكة القيادة الأوروبية”: هكذا رأت إيران تمرّد فاغنر

يرى الدكتور حميد رضا عزيزي في تقرير يرصد رد الفعل الإيراني على تمرّد مجموعة "فاغنر" على مستويات مختلفة أنّ موقف طهران لن يتغيّر تجاه موسكو، من دون أن يعني ذلك عدم وجود معارضة شعبية للنهج المتّبع حاليًا في هذا الشأن.

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، عزَزت طهران وموسكو شراكتهما بشكل كبير. برزت إيران كحليف عسكري رئيسي لروسيا، ولا سيّما لجهة تزويد موسكو بعدد كبير من الطائرات المسيّرة. لعبت هذه الطائرات دورًا محوريًا في الصراع.

بالإضافة إلى ذلك، كثّف البلدان، اللذان يواجهان عقوبات اقتصادية، تعاونهما لتعزيز العلاقات التجارية وإيجاد طرق مبتكرة لتجاوز القيود الاقتصادية المفروضة.

شنت مجموعة فاغنر تمرّدًا ضد الحكومة الروسية. انتقد يفغيني بريغوزين، زعيم مجموعة المرتزقة، مسؤولين عسكريين رفيعي المستوى، بمن فيهم وزير الدفاع سيرغي شويغو، بسبب ارتفاع عدد الضحايا من الجنود في أوكرانيا.

سيطروا على روستوف أون دون ومقر المنطقة العسكرية الجنوبية، متّجهين نحو موسكو. ومع ذلك، لم يدم التمرد طويلًا، حيث وافق بريغوزين على الانسحاب من روستوف أون دون بحلول 24 حزيران/ يونيو بعد مفاوضات مع الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

بشكل غير مفاجئ، هذا التحوّل الدراماتيكي للأحداث في روسيا حظي باهتمام واسع النطاق في إيران. لفهم موقف إيران بشكل شامل، من الضروري فحص ردود الفعل من خلال ثلاث عدسات متميزة: البيانات الحكومية الرسمية، التعليقات الإعلامية الحكومية أو شبه الحكومية ووجهات نظر الخبراء والمحللين المستقلين.

ردود الفعل الرسمية

جاء رد الفعل الرسمي الأول من المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني. اعتبر كنعاني أنّ الاضطرابات في روسيا “مسألة داخلية”، مؤكداً أن “جمهورية إيران الإسلامية تدعم سيادة القانون في الاتحاد الروسي”.

وخلال محادثة هاتفية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، ردد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان كلام كنعاني، وعزز دعم إيران لـ “سيادة القانون في الدولة المجاورة والصديقة روسيا”. وصنف أمير عبد اللهيان الاضطرابات الحالية على أنها “قضية داخلية”، وأعرب عن ثقته في مرونة روسيا “لتجاوز هذه المرحلة الصعبة”.

بعد يومين، في 26 حزيران/ يونيو، أجرى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي محادثة هاتفية مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، نقل خلالها دعم إيران الكامل للإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية ضد مجموعة فاغنر.

وجهات نظر وسائل الإعلام الحكومية أو شبه الحكومية

أشارت تغريدة من وكالة Nournews، المقرًبة من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني (SNSC)، إلى خطاب بوتين الذي لا هوادة فيه ضد فاغنر في 24 حزيران/ يونيو.

وفي حين أنّ بوتين لم يذكر على وجه التحديد تورّط الغرب في تمرد فاغنر، صوّرت Nournews الحادث على أنه “مؤامرة غربية جديدة” تهدف إلى زعزعة استقرار روسيا وتقويض جهودها الحربية في أوكرانيا.

وفي نفس السياق، أشارت وكالة “تسنيم”، المقرًبة من الحرس الثوري الإسلامي (IRGC)، إلى أنّ تمرّد فاغنر كان “عملية استخباراتية وأمنية استراتيجية من قبل الناتو”، التي تم تصميمها للانتقام من “الهجوم المضاد الفاشل” لأوكرانيا عن طريق تحويل ساحة المعركة إلى الأراضي الروسية”.

ووجهت وكالة أنباء فارس، وهي فرع آخر للحرس الثوري الإيراني، أصابع الاتهام إلى وسائل الإعلام الإيرانية الإصلاحية، متّهمةً إياها بأنها “قسم رعاية مصالح” فاغنر في إيران بسبب تغطيتها الشاملة للأحداث في روسيا.

وشاركت صحيفة “كيهان” المتشددة موقفاً مماثلاً، قائلة: “لقد سلّطت حادثة فاغنر الضوء على الطبيعة الحقيقية لمن يدعون إنهم إصلاحيون، والتيارات ذات التوجه الغربي، ومرة أخرى سلطت الضوء على جهلهم بالعلاقات الدولية واعتمادهم القوي على الغرب”.

ووصفت صحيفة “جوان” المرتبطة أيضًا بالحرس الثوري الإيراني تمرّد فاغنر بأنه “خيانة مشبوهة” لم تدم طويلاً. ومع ذلك، على عكس فارس و”تسنيم”، أشارت “جوان” إلى أنه “على الرغم من حرب الناتو المباشرة مع روسيا في أوكرانيا، صاغ الغرب هذا الحدث باعتباره قضية داخلية لروسيا”، وأظهر ضبط النفس عن التدخل.

آراء مستقلّة

أثارت التطوّرات الأخيرة تصوّرات مختلفة لعلاقة إيران مع روسيا بين مختلف شرائح الجمهور والنخبة الإيرانية.

سلّط خبراء ومراقبون مستقلّون الضوء على تباينات كبيرة في كيفية إدراكهم للديناميكيات المتطوّرة في روسيا، حيث يرى أحمد زيد أبادي، الناشط السياسي الإصلاحي البارز، أنّ اعتماد بوتين على المرتزقة مشكلة. ويفترض أنّ الوضع الحالي قد يُضعف على الأرجح موقع الجيش الروسي في أوكرانيا، مما يؤدي إلى الانسحاب من بعض المناطق المحتلة. كما يتحدث زيد أبادي عن احتمال استخدام بوتين لذريعة “خيانة” مجموعة فاغنر لتبرير اتفاق سلام محتمل مع أوكرانيا، وبالتالي حفظ ماء الوجه محليًا.

يركز حميد أبو طالبي، المستشار السياسي للرئيس السابق حسن روحاني، على تداعيات التطورات الأخيرة لمنع انتشار الأسلحة النووية. ويؤكد أن “انقلاب مرتزقة فاغنر يتحدى فكرة أنّ الأسلحة النووية تضمن الأمن والاستقرار. عندما يتم تهميش المواطنين في السياسة، فإنّ أي حادث يمكن أن يؤدي إلى أزمة وطنية”.

يرى فريدون مجليسي، وهو دبلوماسي سابق، أنّ حادثة فاغنر هي إهانة لموسكو أكثر من كونها تهديدًا حقيقيًا. برأيه، “يبدو هذا التمرّد أقرب إلى محاولة ابتزاز شنّها بلطجية مسلّحون من ذوي الخبرة الحربية في أوكرانيا”.

ويرى نعمة الله إزادي، آخر سفير لإيران في الاتحاد السوفياتي، أنّ تمرد فاغنر ضد بوتين يمكن أن يمثل بداية سلسلة مضطربة من الأحداث، على الرغم من أنّ نتيجتها النهائية لا تزال غير مؤكدة. يعتقد إزادي بأنّ الخلافات المستمرة يمكن أن تُسهم في إنهاء الحرب في أوكرانيا، مما يشير إلى أنّ أي تغييرات ناتجة في السياسة الروسية يمكن أن تخلق وضعًا مواتيًا لإيران.

خلاصة

أثار تمرّد فاغنر في روسيا مجموعة من ردود الفعل في إيران، مما يعكس التعقيدات الداخلية للبلاد والآراء المتباينة بشأن علاقتها مع موسكو. أعربت الحكومة الإيرانية ووسائل الإعلام التابعة للدولة عن تضامنها مع الحكومة الروسية، وعزت التمرّد إلى مؤامرات الغرب وحلف شمال الأطلسي. في تناقض صارخ، انتهز محللون وإصلاحيون مستقلون الفرصة للتعبير عن انتقادات لموسكو وبوتين.

لا تؤكد وجهات النظر المختلفة هذه الانقسام داخل إيران في ما يتعلّق بعلاقاتها مع روسيا فحسب، بل توضح أيضًا اتجاهًا أوسع للاستقطاب في السياسة الخارجية الإيرانية ظهر بشكل متزايد في السنوات الأخيرة.

يتجلّى هذا الاستقطاب في العديد من المجالات، من المفاوضات النووية إلى التحالفات الجيوسياسية. على الرغم من ذلك، تجاهلت الحكومة الإيرانية إلى حد كبير النقد والتحليل المستقل. وبالتالي، من غير المرجح أن تؤدي التطورات الأخيرة في روسيا إلى تغيير كبير في موقف طهران تجاه موسكو على مستوى الدولة، ومع ذلك، فإنّ النطاق الواسع من الردود على تمرّد فاغنر يؤكد وجود تيار خفي كبير من عدم الارتياح تجاه نهج الجمهورية الإسلامية بالنسبة لروسيا داخل المجتمع الإيراني.

إنه يسلط الضوء على وجود نقاش دقيق ومتعدد الأوجه داخل المجتمع الإيراني بشأن توجه السياسة الخارجية للبلاد، على الرغم من مقاومة الحكومة الواضحة لإعادة النظر في تحالفاتها. وبالتالي، في حين أنّ الموقف الرسمي لإيران تجاه روسيا قد يظل من دون تغيير في الوقت الحالي، فإنّ الخطاب المحيط بهذه الأحداث يشير إلى حيوية في المجتمع المدني الإيراني ودوائر السياسة لا ينبغي التغاضي عنها.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: