الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة16 يونيو 2023 07:41
للمشاركة:

“صبح شام” 10: الثورات العربية بين النموذج التركي والنموذج الإيراني

يؤكد وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان، في كتابه "صبح شام" الذي تترجمه "جاده إيران"، أنّ الولايات المتحدة أرادت للنموذج التركي أن يكون هو النموذج المسيطر في المنطقة خلال فترة الثورات العربية، وذلك خوفًا من الركون إلى النموذج الإيراني.

هناك ملاحظة بشأن تركيا. على الرغم من أنّ إيران كان لديها نظرة مخالفة لأنقرة في ما يتعلّق بالقضية السورية، وخاصة مستقبل الرئيس الأسد، لكنّها حاولت ألا تسمح لهذا الاختلاف في الرؤية بأن يؤثّر في العلاقات الممتازة بين إيران وتركيا.

برأيي، إنّ ذلك كان الفنّ الذي أظهره كلا الطرفين، من خلال المحافظة على العلاقات الثنائية وتطويرها، وفي خضم إدارة القضايا السورية بشكل جيّد، وفي مواقع الاختلاف.

يجب أن نعلم بأنّ الحكومة التركية الميّالة إلى الفكر الإخواني، كان لديها فرصة جديدة بعد وصول شخصيات الإخوان المسلمين في مصر وتونس إلى الحكم، للعب دور في المنطقة أكثر من السابق.

كانت تركيا في تلك الفترة متأثّرة بفكر وزير الخارجية آنذاك، أحمد داود اوغلو، الذي كان أستاذًا جامعيًا، ويعتبر أحد مفكري حزب العدالة والتنمية الحاكم. وكانت أطروحته لنيل درجة الدكتوراه عن “العمق الاستراتيجي لتركيا وإحياء الفكر العثماني الجديد”.

هذه النظرة تروّج لفكر عودة تركيا إلى الامتداد والقوة التي كانت عليها في زمن السلطنة العثمانية في منطقة بلاد الشام، وكانت تركيا تعمل على ذلك بعنوان استراتيجية سياسية غير معلنة. اعتقد الاتراك بأنه بالنظر الى التغيّرات في المنطقة – الربيع العربي حسب تعبيرهم – ومع وصول الإخوان إلى الحكم في مصر وتونس، ظهرت فرصة جديدة، ربما تشكّل أرضية لإحياء الإمبراطورية العثمانية بشكل آخر في منطقة بلاد الشام.

كان للسياسة التي اتبعها الأميركيون في مقابل سوريا، ومن أجل إسقاط الرئيس الأسد، أثر في تقوية هذه الحوافز التركية. وفي النهاية، رأى الأتراك أنّ الأميركيين أطلقوا موجة كبيرة ضد النظام السياسي في سوريا وضد الأسد، معتبرين أنها فرصة جيدة لركوب الموجة في سبيل تحقيق أهدافهم.

في نفس الوقت، عندما كان الحديث عن نموذج حكم الإخوان المسلمين في مصر وتونس، كان للأميركيين خط أحمر وحلول. لقد اصطدموا بحقيقة أن شعوب غرب آسيا وشمال أفريقيا كانوا يكتبون على الجدران في مدنهم “الإسلام هو الحل الوحيد”.

كان الأميركيون يرون التيّارات الإسلامية الاخوانية في مصر وتونس وقد استلموا زمام الأمور تقريبًا. والسؤال كان، ما الذي سيكون عليه نموذج الحكم الإسلامي في هذين البلدين؟

قبل هذه الأحداث، كان فكر الإخوان المسلمين قد استطاع أن يؤسس في تركيا نموذج حكم. الخط الأحمر الأميركي كان الخشية من أن تشهد المنطقة انفجارًا على شكل الثورة الإسلامية في إيران، ويصبح النموذج السائد في المنطقة.

ما كان يريده الأميركيون هو أنه إذا كان لا بد من أن يكون هناك نظام إسلامي في هذه البلدان، ويكون للنساء أن تتحجّبن، وأن تقام صلوات الجماعة، وأن تزدهر المساجد، أن يكون ذلك على أكثر تقدير شبيهًا بنموذج الحكومة في تركيا، إلى جانب المحافظة على الظاهر الإسلامي. كأن يكون هناك ملاهي ليلية، وفي نفس الوقت الذي تدعم فيه الفلسطينيين والقدس، تكون لها علاقات مع “إسرائيل”، وسفارتها تقوم بعملها لديها.

نساء كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء محجّبات، كما تُراعى الشعائر الإسلامية والصلاة والصيام في المجتمع. من وجهة نظر الأميركيين، فإنّ هذا النموذج أقلّ خطرًا. خط الولايات المتحدة الأحمر وبعض اللاعبين الإقليميين هو عدم تكرار النموذج السياسي المتأثر بالثورة الإسلامية.

من جهة، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يرى أنّ التغييرات جارية في المنطقة، وأنه بات لتركيا أصدقاء جدد في مصر وتونس، ومن جهة أخرى، كان يفّكر الأميركيون بأنه إذا كان لابد من الاختيار بين السيء والأسوأ بالنسبة لهم، أي بين النموذج التركي والنموذج الإيراني، فبلا شك سيرجّحون النموذج التركي، لعدم معارضته لإسرائيل، ما يجعله أكثر مقبولية لديهم.

هذا الأمر شجّع تركيا أكثر، وأحسّت أنه بات هناك جو مناسب لها، وتستطيع استغلاله لتأمين مصالحها بشكل أسهل في المنطقة. منذ ذلك الحين، بدأت تظهر في المقابلات والمقالات نقاش عن إحياء الإمبراطورية العثمانية أو النظام العثماني الجديد في المنطقة، ربما حتى تتمكّن من حرف التغييرات التي شهدتها سوريا والعراق إلى جهة ونموذج محدد، وأيضا تسعير نار الخلافات الطائفية، الأمر الذي كانت السعودية تغذّيه.

على الرغم من كل ما قيل، إلا أن السياسة التركية نحو سورية لم تبق على حالها. كلّما طال عمر الأزمة، كانت الحقائق الخارجية أكثر تأثيرًا في فهم أنقرة للقضايا السورية ومخاطر دعم الإرهابيين. قيل إنه يبدو أنّ في تركيا أفرادًا نشطين كانوا يؤمّنون انتقال جزء من الإرهابيين إلى سوريا، بعيدًا عن رقابة الحكومة التركية، والحكومة التركية كانت تسعى لإسقاط بشار الأسد. وبهذه الطريقة، كان الإرهابيون يدخلون سوريا، ويحصلون على الدعم.

ولكنّ ما أعاد تركيا عن طريقتها القديمة هذه، هو الزيادة الكبيرة في أعدد هؤلاء الأشخاص، وحجم دخول وخروج الإرهابيين الذي بات تقريبًا خارجًا عن قبضة الدولة. وتدريجيًا، كان الإرهابيون يقومون بنشاطات داخل الأراضي التركية، مرّة يفخخون محطة لباصات النقل الداخلي في إحدى المدن، ومرة يغتالون مواطنين.

باتت تظهر في تركيا حالات انعدام الأمن الذي أوجدته “داعش” في سوريا والعراق. زيادة العمليات الإرهابية بدأت تتحول لأزمة بالنسبة لأنقرة. هذا القلق ساعد بشكل كبير على أن تعيد تركيا التفكير في سياستها.

طبعا هذا لا يعني أنّ تركيا غيّرت من استراتيجيتها بشكل كامل في سوريا، بل وصلت إلى نقطة رأت فيها ضرورة في إصلاح أسلوبها في إطار مصالحها وأمنها القومي.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: