الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة9 أبريل 2023 15:54
للمشاركة:

ما هي الأزمة الرئيسية في إيران؟

يؤكد البروفسور الإيراني محمود سريع القلم أنّ الاقتصاد الإيراني لطالما عانى من مشاكل هيكلية تستّرت عليها الحكومات بالأموال التي جنتها من بيع النفط، موضحًا في مقابلة مع مجلة "أنديشه بويا" أنه في ظل عدم وجود هذا المال، فإن الازمات تشتد وتصبح قضايا اجتماعية وسياسية.

جاده إيران تقدم ترجمة لأجزاء من المقابلة

لقد قدمت صورة كاملة لخريطة التوازن الهشة بين الصين وروسيا والولايات المتحدة. من الجيد مناقشة موقف إيران في هذه الجغرافيا السياسية عن كثب من هنا. منذ أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، وفي نفس وقت الاضطرابات في إيران ورد فعل الدول الغربية، شهدنا أحداثًا في السياسة الخارجية الإيرانية، كان من أهمها حادثة الطائرات المسيّرة المنسوبة لإيران في حرب أوكرانيا. حدث مهم آخر كان زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى منطقة الخليج وكلماته المفاجئة ضد إيران في السعودية. من ناحية أخرى، على الرغم من أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي قال في انتخابات 1400 إنه يجب تشكيل حكومة قوية من أجل تحقيق الاتفاق النووي، يبدو أننا نقف اليوم في مكان تمّت فيه إزالة الاتفاق النووي من جدول أعمال الحكومة الإيرانية.

كانت إيران تحاول الاقتراب من الصين، لكن ما حدث في السعودية فاجأ إيران. اقتربت من روسيا، لكنّ قضية الطائرات من دون طيّار تخدم مصالح روسيا أكثر من مصالح إيران. إذا وافقت، فلنرسم صورة لموقع إيران في ميزان القوى العالمية هذا.

في ظل الوضع المضطرب الحالي في المنطقة، وفي مثل هذه الحالة غير المستقرة للعلاقات الدولية، أعتقد بأنّ إيران توصلت إلى استنتاج مفاده بأنه لا ينبغي أن تفقد نفوذ أو ورقة الطاقة النووية بهذه السهولة.

ضع في اعتبارك أنه في تشرين الأول/ أكتوبر من هذا العام، سينتهي الحظر المفروض على بيع الأسلحة لإيران وبيع الأسلحة من قبل إيران، وسينتهي قريبًا العديد من المواعيد النهائية في الاتفاق النووي لعام 2015. إذا كانت إيران تريد التوقيع على اتفاق نووي جديد، فيجب عليها تقديم برنامجها النووي إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا بمزيد من الإشراف. قد يمنح الغرب بعض التسهيلات المالية لإيران، لكن المشكلة ستكون أنّ استغلال الاتفاق النووي يتطلّب أيضًا موافقة إيران على مجموعة العمل المالي FATF. هذا فقط بشرط أن يقبل الأميركيون، يمكن لإيران أو تدخل في معاملات مالية دولية.

يمكن لإيران أن تقيم علاقات مع بعض الدول، لكنّ تدويل الاقتصاد الإيراني يخضع لموافقة وزارة الخزانة. لا يكفي توقيع اتفاق نووي 2 في حد ذاته لإيران لتكون قادرة على الاستفادة منه اقتصاديًا وماليًا ومصرفيًا. يجب أن تحدث أشياء أخرى كثيرة. يبدو أنّ هناك حسابات في إيران بعقلية أنه حتى وإن وقّعنا على الاتفاق النووي؛ ما الفائدة التي سيحققها لنا؟ كما يجب علينا التوقيع على FATF للدخول إلى الشبكة المصرفية العالمية!

على ما يبدو، فإنّ توقيع FATF له معارضون جادّون في البلاد، ومعارضة ذلك أكثر جدية من الاتفاق النووي نفسه. ومع ذلك، في العام ونصف العام الذي كانت فيه الحكومة الجديدة في السلطة، قُدِّمت مطالب، مثل رفع العقوبات المفروضة على العديد من المؤسسات والأفراد الإيرانيين، ويجب على الولايات المتحدة اتخاذ خطوات تتجاوز الاتفاق النووي لرفع العقوبات.

لذلك، توصّل الغربيون إلى استنتاج مفاده بأنّ إيران غير مهتمة بإحياء الاتفاق النووي الأول، وبأنها ترغب بتوقيع اتفاق نووي ثاني، والذي يبدو أنّ ظروفه غير ممكنة، على الأقل بالنسبة للأميركيين.

هناك أيضًا نظرية مفادها بأنّ طرح مطالب جديدة من جانب إيران هو ذريعة لمنع توقيع الاتفاق النووي الثاني، بحيث لا يتم توقيع الاتفاق النووي الجديد على الإطلاق. وتقول إيران إنها تريد التفاوض، وستخصص الوقت اللازم للمفاوضات مهما تطلّب ذلك، لكن لدي مطالب جديدة،على افتراض أن الأميركيين لا يستطيعون تلبية هذه المطالب وسنشتري الوقت.

بهذه العقلية رأى الغربيون خطة إيران في المفاوضات النووية. هناك أيضًا حسابات في إيران بأنّ تستطيع تأمين مبلغ 40 إلى 50 مليار دولار اللازمة لإدارة البلاد من دون الاتفاق النووي، ومن خلال العلاقات المحدودة الحالية مع دول مثل العراق، الإمارات، الصين، الهند وبعض دول آسيا الوسطى.

وإذا وقّعنا الاتفاق النووي، فسوف نفقد ورقة النووي ويجب أن يكون البرنامج النووي تحت مراقبة الأقمار الصناعية والرقمية مباشرة من الغرب طوال العقد المقبل. مع هذا الافتراض، توصل الأميركيون والأوروبيون إلى استنتاج مفاده بأنّ إيران ليست جادة في المفاوضات، وقاموا بتفعيل الخطة ” B” في قضية برنامج إيران النووي.

ووفقًا لهذه الخطة، أقنع الأميركيون رئيس وزراء العراق الجديد بمنع تحويل العملة الصعبة من العراق إلى إيران، وقاموا بالضغط كثيرًا على تركيا لمنع تعاملاتها الاقتصادية مع إيران. فرض الأميركيون عقوبات على أحد أقارب أردوغان بسبب دوره في بيع النفط الإيراني من خلال الالتفاف على العقوبات.

لا تتعاون قطر والإمارات بجدية مع الولايات المتحدة في هذا الأمر، ويقولان إن أرضنا هدف سهل لإيران ولا نريد التورّط معها، لكن من المحتمل أن يفرضا قيودًا ويتّبعا سياسة تأخير وإطالة. لكن يبدو أن الصينيين قبلوا أيضًا ضغوط الأميركيين لتقييد العلاقات مع إيران، وكانت هذه إحدى نتائج التفاهم الكبير بين الصين والولايات المتحدة في قمة إندونيسيا.

للصينيين مصالح كبيرة في المنطقة العربية وإسرائيل، ووافقوا على النأي بأنفسهم عن إيران تحت ضغط الأميركيين. لا يتعدّى الاقتصاد الإيراني سوقاً من 20 إلى 30 مليار دولار للصينيين في أفضل الظروف. وتتمثل الميزة النسبية لإيران في النفط والغاز والبتروكيماويات، وهو ما تمتلكه دول الخليج الأخرى أيضًا.

بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الصينيين تربطهم علاقة بترول وغاز مع روسيا، ويشترون الطاقة الأحفورية منها بخسم كبير. الخطة B هي أن تكون إيران تحت ضغط أكبر. خاصة من الناحية الاقتصادية. الأرقام مهمة جدًا في التحليل. الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 25 تريليون دولار، هذا الناتج بالنسبة للصين هو 18 تريليون دولار ولروسيا 1.7 تريليون دولار.

تبلغ القيمة السوقية لشركة “أرامكو” السعودية وحدها تريليونَي دولار. الصينيون لديهم تعاون اقتصادي مكثّف مع السعودية، وفي نفس الوقت، فإنّ وجودهم فيها يمنحهم الفرصة للتعرّف على العمل العسكري للأميركيين. التواجد في المنطقة الأميركية في الشرق الأوسط هو أكثر قيمة بكثير بالنسبة إلى الصينيين من العمل مع إيران.

أعتقد بأنّ الصينيين قبلوا هذا بسهولة، لكن ليس من السهل على بعض الناس في إيران فهمه. إن الصينيين بارعون جدًا في سياسة إرباك الطرف الأخر. أتصوّر أنّ مبدأ الاتفاق الأخير بين إيران والسعودية يرجع إلى حاجة إيران القوية لتقليص الدور المالي والسياسي والتنظيمي المباشر وغير المباشر للرياض في مسائل الأمن الداخلي والحرب الإعلامية والسيبرانية للمعارضة الإيرانية.

في الوقت الحالي، لا توجد دولة تنفق أموالاً مثل السعودية ضد إيران. بوصلة العالم العربي هي السعودية. إذا لم يكن لدولة ما علاقات إيجابية مع السعودية، فستواجه مشاكل مع العالم العربي كله. بالطبع، هذا المبدأ ليس جديدًا، وقد تم استخدامه منذ انهيار مصر. وبدعم من الولايات المتحدة، جعلت الصين إيران تدرك أنّ وقف التصعيد غير ممكن من دون تغيير السياسة النووية والإقليمية، وحتى بكين لا يمكنها تقديم تنازلات مالية وتجارية لإيران.

ولعلّ المعادلة تتلخّص في الآتي: اليمن مقابل الأمن الداخلي. بطبيعة الحال، فإنّ الوضع الحالي سوف يحتاج إلى التحقق من قبل الأطراف، لكنّ قصة إيران وروسيا مختلفة. في السنوات الأخيرة، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، تغيّرت علاقات إيران مع روسيا من حالة تفهم إلى استراتيجية. حتى إلى ما قبل أن يبتعد الصينيون عن إيران، كانت إيران تنظر إلى الصين كشريك تجاري فقط، ليس شريكًا سياسيًا وأمنيًا. لكنّ إيران لديها رؤية استراتيجية في العلاقات مع روسيا. هذا بينما دخلت روسيا فترة متوسّطةً أو طويلة الأجل من عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي والداخلي.

يبدو أن العلاقات بين إيران وروسيا ذات طبيعة تسليحية، وقد ساعدت إيران روسيا في الحصول على 500 طائرة من دون طيّار، ولا تزال تفعل ذلك. ومع كل هذا، فإنّ الطبقة العسكرية هي الطبقة الخارجية للعلاقات الإيرانية – الروسية. الطبقة الأساسية هي العلاقات السياسية بين الدولتين، وربما تشعر إيران بأنها بحاجة إلى موسكو لتثبيت هيكلها السياسي المستقبلي. إيران تفكّر بأن يكون لها شريك موثوق به في المستقبل سياسياً، الأمر الذي سيكون مفيداً للأمن القومي للبلاد ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ربما يكون جوهر الأمر هو الاعتماد على روسيا في الفترات الانتقالية في مستقبل إيران.

من أيلول/ سبتمبر 2022 إلى اليوم، شهدنا بعض الأحداث غير المسبوقة في علاقات الدول الأخرى مع إيران. على سبيل المثال، التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعدد من قوى المعارضة في الخارج. استخدم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك كلمة قسوة لوصف الحكومة الإيرانية، كما أدلى المستشار الألماني بتصريحات قاسية وغير عادية بشأن إيران.

هل هذه علامة على تصاعد التوتر بين إيران وأوروبا؟ وهل نتّجه نحو وضع لا رجوع فيه في العلاقات مع أوروبا؟ هل أصبحت الاضطرابات والاحتجاجات في النصف الثاني من عام 1401 الإيراني في إيران عاملاً حاسماً في علاقات إيران الخارجية؟

اليوم، تعتمد سياسة إيران الخارجية بشكل أساسي على توفير الأمن القومي بدلاً من الأساس الاقتصادي، وهو أساس السياسة الخارجية لغالبية دول العالم. تتمثّل المهمة الرئيسة لوزارة الخارجية وسفارات دول مثل الهند، تركيا، اليابان، المكسيك، البرازيل وإندونيسيا في عالم اليوم في محاولة إنشاء مرافق اقتصادية.

من وجهة نظرهم، فإنّ الأمن القومي يأتي في ظل النمو الاقتصادي. يُظهر الوضع في إيران حقيقة أنّ علاقة إيران بالعالم أصبحت أمنية. وصلت العلاقات بين إيران وأوروبا إلى الحد الأدنى. من ناحية أخرى، يلعب عدد كبير من الإيرانيين في الخارج دورًا غير مسبوق في تقديم صورة سلبية للسياسة في إيران والسيطرة على الفضاء الإعلامي. يتحرك السياسيون الغربيون أيضًا مع الرأي العام. لم يتغير تصور الأوروبيين لإيران كثيرًا منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، وكان سلبيًا بشكل عام.

الآن لم يعد الأمر دبلوماسيًا كما كان من قبل، واشتدّت الأدبيات السلبية أكثر من قبل. نظرتهم هي نفسها كما كانت. بعض المهاجرين الإيرانيين يشغلون مناصب نواب في برلمانات دول مثل بلجيكا، السويد وألمانيا، وينشطون على نطاق واسع في هذه البلدان. لوزير الخارجية الألماني، وهو من حزب الخضر، مستشار إيراني عضو في حزب الخضر وعضو في البرلمان الألماني.

ترجع ردود فعل السلطات الأوروبية تجاه إيران إلى الأجواء المفتعلة في الفضاء الافتراضي الجديدة والرأي العام، وهي فرع من تفعيل الخطة B. بالإضافة إلى ذلك، ليس لإيران الأهمية الاقتصادية السابقة بالنسبة لألمانيا وفرنسا. أهمية إيران الاقتصادية بالنسبة لبريطانيا أكبر من ذلك بكثير. علاقات ألمانيا الاقتصادية مع ليتوانيا، التي لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة، أعلى بكثير من علاقاتها مع إيران. الشيء الوحيد الذي يهمهم في إيران هو البرنامج النووي والحد منه. هذه هي القضية الأكثر أهمية بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة.

بعد تولّيه المنصب، جعل الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني الأولوية الأولى لحكومته في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية تنفيذ الاتفاق النووي من أجل تقليل مستوى التوتر بين إيران والغرب. اليوم في ظل الأزمات الداخلية، هل تستطيع إيران تنفيذ مثل هذه الخطة مرة أخرى؟

إذا دخلت إيران في الاتفاق النووي الجديد، وقلّصت الأنشطة الإقليمية، وانضمّت إلى مجموعة العمل الماليFATF، وهو ما أستبعد حدوثه، فإنّ وجهة نظر أوروبا والولايات المتحدة ستتغيّر. إنّ العقدة الأساس للعلاقات بين إيران والغرب تكمن في هذه القضايا.

قال الأميركيون بوضوح إنهم يعلّقون ويدافعون عن حقوق الإنسان في إيران وحقوق المرأة وحقوق الأقليات وقضايا المجتمع المدني، لكن قضيّتهم الرئيسة هي البرنامج النووي وأنشطة إيران الإقليمية والأمن القومي لحلفائهم الإقليميين.

من غير المحتمل أن تُحدث القضايا داخل إيران تغييرات جوهرية بالنسبة لهم. يبدو أنه إذا قبلت إيران السياسات الجديدة بطريقة مستدامة، فإن الغربيين سيقبلونها. الأصل الرئيس هو التنظيم المستدام للمصالح المشتركة. الغربيون لديهم علاقات واسعة مع ربما أكثر من مائة دولة لا يقبل نظامها الداخلي على الإطلاق، لأنّ لديه مصالح مشتركة معها.

الديمقراطية داخل الدول الغربية مبدأ جاد وصلب ومفهوم، لكنها في السياسة الخارجية ورقة قوية وجذابة للضغط. من الواضح أنّ الغرب لا يريد لإيران أن تصبح قوة نووية، لكن ليس لديه مشكلة بأن تصبح إيران قوية وغنية. في المقابل، لا يريد جيران إيران أن تصبح إيران نووية ولا قوية ولا غنية. قد يمنع الغرب إيران حتى من أن تصبح نووية بهجوم عسكري، لكن جيران إيران سيمنعونها من أن تصبح قوية من خلال القوة الناعمة المالية، الإعلام، المقاطعة وسيناريوهات التجميد الاقتصادي والتنموي للبلاد.

إذا تعلّمنا من التاريخ، فلن تتمكّن إيران من أن تصبح قوة سياسية وعسكرية مهيمنة ومستقرّة في الشرق الأوسط، ولكن هناك العديد من الفرص في الثقافة والاقتصاد. لن يقبل العرب وتركيا وحتى دول آسيا الوسطى/ القوقاز إيران كقوة مهيمنة ما لم تصل إلى ناتج محلّي إجمالي يبلغ خمسة تريليونات دولار.

إذا لزم الأمر، ستشترك دول المنطقة مع أي قوة لمنع هيمنة إيران. ليس بالصدفة أنّ ما يتم تعليمه في الفصل الدراسي الأول والسنة الأولى من اختصاص العلاقات الدولية، أنّ الخطوة الأولى لبلد ما لتصبح قوية وتضمن الأمن القومي، هو السلام والتفاهم والتوافق مع جيرانها.

السعودية وإسرائيل أكثر نشاطًا تجاه إيران من الولايات المتحدة وأوروبا. يمكن القول إن التحكّم الأميركي في ما يتعلّق بإيران سيستمرّ لمدة عامين على الأقل في ظل وجود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في السلطة. أُسس هذه الطريقة هي: العزلة السياسية، منع الاستثمار الأجنبي والنشاط الافتراضي الواسع لإظهار التناقضات الداخلية، مثل عدم الكفاءة وزيادة معدّل التضخم والقيود المدنية وقيود الكفاءة، وإخضاع الجمهور للانفراجات المالية بموافقة وزارة الخزانة.

إذن، تعتقد بأنً السياسة الداخلية ليست عاملاً مؤثرًا جدًا في هذا؟

نعم، لأنّ إيران ليست دولة ذات أهمية اقتصادية بالنسبة للغرب. إنها دولة مهمة لأمن المنطقة. يشعر الأوروبيون بالقلق أيضًا من توسّع صراع إيران مع جيرانها، مما قد يكون له عواقب على الأمن الأوروبي ومناقشات الهجرة والتوظيف، ويريدون إدارة هذا الوضع.

لكن خلال الاحتجاجات، كان لدى المسؤولين الإيرانيين مخاوف بشأن السياسة الخارجية لأوروبا والولايات المتحدة تجاه إيران. على سبيل المثال، كانوا حسّاسين تجاه الأنشطة التي جرت في إقليم كردستان العراق. هل تعتقد بأنّ الغرب لم ولن يكون له تفاعل مع الاحتجاجات داخل إيران؟

الضغط الغربي على إيران كان ولا يزال. حزمة الضغط هذه تنشط عبر كردستان العراق، ومن خلال السعودية وإسرائيل، وكانت موجودة دائمًا. أصبحت الأحداث التي حصلت في إيران فرصًا للاستفادة منها. لكن بقدر ما أفهم سلوك الغرب، فإنّ الدفاع عن قضايا حقوق الإنسان في إيران ليس القضية الرئيسة لعلاقات الغرب مع إيران. الهدف الرئيس من ضغوط الخطة B هو التأثير على قرارات إيران بشأن القضية النووية والتطورات الإقليمية.

ماذا عن توتر إيران مع أذربيجان؟

يعود سبب التوتر وانقطاع العلاقات بين إيران وجمهورية أذربيجان بشكل رئيس إلى توسّع وجود إسرائيل ونشاطها في منطقة القوقاز. إيران لديها نفوذ بالقرب من إسرائيل في لبنان/ سوريا، وإسرائيل بالقرب من حدود إيران في جمهورية أذربيجان.

بالإضافة إلى القوقاز، تبحث إسرائيل أيضًا عن شبكة ضد إيران في الخليج والعراق. تريد إسرائيل توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم وإقامة شبكة من تحالف كبير ضد السيادة الإيرانية في العالم بقدر الإمكان. هذه هي أسس الدبلوماسية الإسرائيلية في المنطقة. لقد أسندت إدارة بايدن العديد من القضايا الأمنية والعسكرية لمنطقة الشرق الأوسط إلى إسرائيل خلال العامين الماضيين، ولبايدن شخصيًا علاقات جيّدة جدًا مع الحكومة والسيادة الإسرائيلية. وهذا يعني أنه بينما ينشط من حيث التصميم والإدارة عن بعد والتواجد في منطقة الجزيرة العربية، فقد قام بتوكيل الأعمال التنفيذية في المنطقة إلى إسرائيل.

إنّ أهم قضية بالنسبة للولايات المتحدة في للشرق الأوسط هي أنه لا ينبغي أن تكون هناك أزمة تزيد من سعر النفط والغاز. في غضون عام تقريبًا، ستبدأ الانتخابات الأولية لرئاسة الولايات المتحدة. لذلك، يريد الأميركيون الحفاظ على هدوء الشرق الأوسط في عام 2023، وفي نفس الوقت حصر إيران في المنطقة.

تهدف استراتيجية التوكيل إلى إبقاء إيران محدودة، لتكون قادرة على بيع حد أدنى من النفط، ولتجنّب حدوث أزمة في المنطقة. ضع في اعتبارك أنّ منطقة الشرق الأوسط بأكملها اليوم ليست مهمة حتى بنسبة 5٪ من وجهة نظر الولايات المتحدة للعالم. نصف الصراع العقلي للأميركيين هو مع الصين وشرق آسيا. جزء منه يتعلّق بروسيا وأوروبا الشرقية. ما يحظى بالأولوية في التخطيط الكلّي للولايات المتحدة هو إدارة اقتصادها، إذا كان بإمكانها زيادة معدل النمو الاقتصادي من 2 إلى 3% في العام المقبل، بحيث يكون للديمقراطيين بطاقة فائزة في الانتخابات المقبلة. قد يدعم الغربيون التطوّرات داخل إيران، ويُدلون بتصريحات ويروّجون لقضايا حقوق الإنسان، لكن لا يبدو أنهم يتورّطون في القضايا السياسية الداخلية لإيران.

تعتقد إذن بأنّ نشطاء الإعلام في الخارج لديهم أيضًا عقلية غير دقيقة في ما يتعلّق بدور القوى الأجنبية وتأثيرها على السياسة الداخلية لإيران.

يدلي المسؤولون الغربيون بتعليقات في خطاباتهم، وكما رأيتم، تُعقد اجتماعات أيضًا مع شخصيات معارضة إيرانية، وهم يدعمون الاتجاهات التي نشأت، أو يخلقون مساحة للتظاهرات. هذه هي طبيعة المجتمعات الغربية، خاصة وأنّ إيران ليس لها أهمية اقتصادية سابقة.

في الوقت نفسه، يركّزون على أهدافهم الرئيسة. صناعة الشخصيات هو مبدأ في السياسة. حتى دولٌ مثل كوريا الجنوبية والسعودية تنفق الأموال لجعل سمعتها إيجابية في الغرب. على سبيل المثال، أنفقت كوريا نحو 55 مليون دولار، والسعودية 150 مليون دولار العام الماضي في الولايات المتحدة للضغط وتلميع السمعة. أولئك الذين يعرفون الغرب يعلمون ذلك.

في مثل هذا الوضع، ما هي رؤيتك لوضع الحكم في إيران؟

في ظلّ الوضع الراهن، تعتمد العلاقات الدولية للبلاد على إمكانية الوصول إلى علاقات معقولة مع الغرب والجيران، لا سيما الدول العربية. على الأقل في المستقبل المتوسّط، لا يبدو أنّ مثل هذا الأفق المستقر متاح، ولا يوجد إجماع بشأن هذه القضايا في البلاد.يمكن ملاحظة أعمال تكتيكية.

يجب أن نرى ما إذا كان الجو النفسي الجديد لإيران والسعودية قرارًا مستقرًا أم لا. تحتاج كل حكومة إلى موارد مالية من أجل حكم ناجح. قبل ثلاثين عامًا، صدرت مجلّة باسم “ثقافة التنمية”. في مقابلة أجريت في بداية التسعينيات، ذكرت إنه من بين الأزمات الأخرى، إنّ الأزمة الأهم في إيران هي أزمة عدم الكفاءة. لطالما عانى الاقتصاد الإيراني من مشاكل هيكلية، لكنّ الحكومات غطّت المشاكل بالمال والموارد المالية من مبيعات النفط.

عندما لا يكون هناك مال، تشتد الأزمات وتصبح قضايا اجتماعية وسياسية. طالما لا تستطيع إيران الوصول إلى الموارد المالية، فإنها لا تستطيع حل العديد من مشاكلها وأزماتها الهيكلية. وطالما أنّ السياسة الخارجية الإيرانية لا تتعامل مع العالم مثل دول مثل إندونيسيا والهند، المهووسة بشدة بسيادتها السياسية المستقلّة، فإنّ الوضع سيبقى كما هو ولن يتم إصلاح الاقتصاد الإيراني.

حتى لو حسّنت إيران علاقاتها مع قوة مثل روسيا إلى مستوى استراتيجي، فلن يكون لها تأثير كبير على الاقتصاد، وستبقى فقط على مستوى الحفاظ على بقاءها. علميًا، الديمقراطية وهمٌ في بلد حيث 80٪ من اقتصاده مع الحكومة. يقول أشعيا برلين إنه طالما لم تنفصل القوة الاقتصادية عن السلطة السياسية، فلن تولد الحرية.

إحدى العقد التاريخية لإيران هي أنّ الخبراء والعلماء والسياسيين والثقافيين القادرين لا يستطيعون فهم والتوصل إلى إجماع مستقر لمصالح البلاد، لكنّ الضعفاء يجدون بعضهم بسهولة ويتوصلون بسرعة إلى إجماع ويعملون معًا لعقود.

النخب المتخصصة تصل بسرعة إلى الصراع. فالدولة التي لا تستطيع نُخَبُها العملَ سويًا وثقافةُ الإقصاء والاحتكار سائدة بينهم لا يمكنها أن تساهم في تنمية بلدها وفق القواعد الاجتماعية.
المجموعات التي تفهم المعنى الدقيق للتعاون والتفاهم هي روّاد الأعمال والتقنيات العالية. هذه حقائق عالمية وتجربة بشرية. إيران ليست خاصة. كلّما أسرعنا في فهمنا، كانت جودة الحوكمة أفضل. في الأوساط الأكاديمية ووسائل الإعلام، الفهم المقارن لما فعله العالم للتقدّم ضعيف للغاية. يبدو أنه ليس لدينا فهمٌ عميق لأنفسنا ولا للعالم. لكننا نريد الأفضل بأقل جهد. التقدّم ليس صدفة. إجماع النخب، وروح التوافق مع بعضها البعض، وفهم العالم، والهوس بالكفاءة واستخدام الأفضل هي من بين العوامل التي صنعت اليابان.

أي أنك تعتقد بأنّ الحكم في بلدنا يهتم بالبقاء أكثر من اهتمامه بالتنمية. هل يمكن أن يكون هذا النموذج مستدامًا على المدى المتوسط والطويل؟

هذا النموذج يحوّلنا إلى دولة منفصلة عن الدوائر الدولية. سنكون مجتمعًا لا يملك المرافق الأساسية للنمو. في وضع يتّجه فيه العالم نحو مزيد من التواصل، فإنّ الحفاظ على الوضع الراهن سيؤدي بنا إلى الانفصال عن العالم، وخلفنا عشرات المشاكل، مثل سوء التغذية والفقر والتوترات الاجتماعية وإغلاق النافذة السكانية وعدم الحصول على الائتمان اللازم.

لقد قامت أجزاء مهمة من الاقتصاد والتجارة العالميين بمحو إيران من صفحاتها، ولا علاقة لها بإيران على الإطلاق. عندما تنخفض الموارد المالية للأمة، فإنها ستترك بصمتها في جميع المجالات. الدولة التي لا تنتج الثروة لا يمكن احترامها في العالم. هذا مبدأ بسيط. إذا لم يكن لدينا روابط عالمية، فلن نتمكّن من توليد الثروة. سيكون هذا هو الحال حتى يتوصل الناس إلى نتيجة مفادها بأننا لا نستطيع إدارة المجتمع من دون موارد مالية منتجة؛ لذلك علينا أن نتوصّل إلى تعايش سلمي مع العالم.

هل ترى علامة على تشكيل مثل هذا التفكير ومثل هذه العقيدة لدى صانعي السياسة؟

يُظهر تاريخ إيران أنّ التغيير فيها يأتي دائمًا عقب أزمة. على ما يبدو، فإنّ بلادنا لا تتغير بالمنطق والحقيقة والتنبؤ ودراسة الاتجاهات والعمل العلمي والتشاور مع العالم ومراقبته. تاريخنا تكراري. نحن نبني نظامًا يراكم تدريجيًا العديد من الأزمات، ولا يقيّم نفسه، ويقع في المتاعب.

نحن أيضًا كذلك على المستوى الشخصي، ولن نتغيّر حتى نواجه أزمة. مهما قلت لأحدهم لا تتناول الكثير من الأطعمة الدسمة ولا تدخّن، لن ينفع. عندما يواجه أزمة خطيرة في حياته، يبدأ بالتغيّر.

إذا انتبهت، فإنّ روسيا ترتكب أخطاء أكثر من الصين. كلاهما سلطويان، لكن الصينيين يرتكبون أخطاء أقل. لماذا؟ لأنّ لديهم التقييم الذاتي والاستشارة. إذا انتهزت الفرصة وقمت بالرجوع إلى موقع مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فستلاحظ أنّ مجموعة من السياسيين وأساتذة الجامعات ورجال الأعمال والأمن والجيش وأعضاء الكونغرس والصحافيين والعاملين في مجال التكنولوجيا الفائقة يحضرون الاجتماعات. البلاد لديها نخبة. عندما تجلس هناك وتنظر إلى الجمهور، ترى كلّ أنواع الأشخاص الأكفاء بينهم.

علينا أن نتعلّم الجلوس والمناقشة مع مختلف الأشخاص والعقليات، أن نكون مجهّزين بالآداب الفكرية والتفكير معًا، والتفاهم هو أهم تحد ثقافي لنا. هذا المنزل هو الأول من بين عشرات المنازل الديمقراطية المنظمة. لا أعرف دولة في العالم تقدّمت وحكومتها لا تتعامل مع روّاد الأعمال.

طالما أنّ الناس لا يتنفّسون هواءً جديدًا ويسمعون كلمات جديدة، فستكون هناك عقلية أحادية الاتجاه. يتحدث الرئيس الصيني عبر الهاتف مع العشرات من الرؤساء ورؤساء الوزراء ورؤساء الدول الأخرى من الصباح إلى المساء عندما يعمل في مكتبه. سمعت ذات مرة رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي يقول إن الصينيين يتشاورون معنا حول مختلف القضايا، حتى في ما يتعلّق بالعلاقات مع الولايات المتحدة. إنّ الافتقار إلى التشاور هو سمة ثقافية وهيكلية لمجتمعنا.

نصيحتك لصانع السياسة هي أن يكون آخذًا بالمشورة. إذا كنت ترغب في اختيار مجتمعك، فما هي النصيحة التي تقدمها؟

عندما يريد الأطبّاء تقديم حل لمرض ما، فإنهم يدرسون خمسة عشر أو ثلاثين أو العديد من المرضى المصابين بالمرض، ويصلون إلى جذور المرض، ثم يصلون إلى العلاج. أنا مهتم بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ولهذا السبب، أدرس بلدانًا مختلفة في العالم. من المهم بالنسبة لي أي البلدان، على سبيل المثال، في السنوات العشرين إلى الثلاثين الماضية، التي نجحت في زيادة دخل الفرد والعدالة الاجتماعية وتوليد الثروة الوطنية.

مثال على هذه البلدان هو الهند. يحظى الهنود باحترام كبير في العالم هذه الأيام. في الهند، من بين أمور أخرى، حدث شيئان مهمّان. أحدهما هو قراءة الكتب، ونتيجة لذلك، ازداد الوعي بين الناس بشكل كبير، والآخر هو أنّ النخب الهندية تنمو وتتماسك وتوافق الآراء. مؤشر الدراسة في إيران منخفض للغاية. لا يقتصر النمو الثقافي والسياسي بالضرورة على الحكومة. عندما نصل إلى مجتمع يقرأ فيه كل مواطن إيراني كتابًا واحدًا على الأقل في الشهر، نكون قد اتخذنا خطوة عملاقة نحو التنمية المستدامة. إذا أردنا الخروج من الحالة التاريخية التكرارية، يجب أن ينمو المجتمع أيضًا. يعتمد نمو المجتمع على النمو الثقافي في نفس الوقت مع نموه الاقتصادي. القراءة المنتظمة تحرر الإنسان من الإثارة والضلال والغضب والظلم والحسد والكذب والنفاق وعدم الأمانة والجبن والنزوات والغطرسة والجشع والتمركز على الذات، وأحقية الذات ونفاد الصبر والفوضى والمكر وعشرات الآفات التنموية.

القراءة تجعل المرء أكثر دقة وتحليلاً. كلما زاد قراءته كلّما قل حديثه. بالطبع، قد توجد هذه الأمراض في أي بلد: لكنّ الهياكل تجعل الناس في المشهد الاجتماعي يتعلّمون التصرّف بشكل احترافي، والتحكّم بأوجه القصور الشخصية وإدارتها. إن كيفية التفكير والقياس والحكم بحقيقة وموضوعية يمثل تحديًا كبيرًا أمامنا.

شيء آخر هو أن يكون لديك نخبة. يتّحد الأشخاص الضعفاء جيدًا مع بعضهم. لكنّ الأشخاص الأكفّاء متفرّقون في مجتمعنا، وعادة ما تكون النخب قوية. أفضل الصحافيين، أفضل الاقتصاديين، أفضل خبراء البيئة، أفضل المحامين، أفضل الأطباء، أفضل المهندسين، أفضل الاستراتيجيين الأمنيين والعسكريين. هؤلاء هم من يصنعون النخب. لكنّ التغيير في المجتمع يقع في النهاية في دائرة النخب. في كل من تاريخ الغرب والشرق، فإنّ بصيرة النخب وعقلانيتها جعلتهم يأخذون المجتمع معهم نحو التقدم. لا يمكن للنخبة أن تكون جيدة وأن يكون المجتمع سيئًا، أو بالعكس، أن يكون المجتمع جيدًا وأن تكون النخبة سيئة. كلاهما مكمّلان لبعضهما.

إذا كنت درست الصين قبل 40 عامًا، فستتساءل، ما العامل الذي غيّر الصين؟ لماذا فعلت الصين شيئًا خلال 30 عامًا استغرق من الغربيين 300 عام؟ غير أنّ الصين تلخصت في ثلاثة أو أربعة أشخاص!

في الأساس، كان تشوان لاي ودينغ شياو بينغ هما اللذان رسما تحوّل الصين، إلى جانب مماهاتهما من قبل شعب الصين الذي يعمل بجد ومنضبط. لقد توصلا إلى الاعتقاد بأنّ الوقت قد مضى بالنسبة للصينيين لزراعة بعض الأرز والفاصوليا خلف منزلهم والعيش. لقد توصلا إلى الاعتقاد بأنه طالما أن الصين ليست صناعية ولا يمكنها المنافسة على المسرح العالمي، فلن يحدث شيء، وستعيش الصين الفقيرة إلى جانب اليابان وكوريا الجنوبية القوية والغنية حسرة، والحياة لمجرّد البقاء.

في النهاية، تعتمد التغييرات على عملية صنع القرار واتخاذه من قبل النخب. يجب أن نتصالح مع بعضنا البعض من خلال قراءة الكتب والتفاهم الفكري. في مجتمعنا، هناك موجتان من التمييز. نحتاج إلى صناعة مسير ثقافي مناهض للفردية. في إحدى المقابلات، سألت الصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي الشاه: “ذهبتَ إلى العديد من البلدان وأجريت مقابلات مع الملوك، لكن لماذا تطلق على نفسك اسم ملك الملوك”؟ يجيب محمد رضا شاه: “هنا يختلف عن البلدان الأخرى. الجميع هنا ملوك، وأنا ملك كل الملوك”.

إذا كان هناك تغيير واحد فقط في إيران، فهو نهضة ثقافية: يجب أن لا يعلّق الناس على ما ليس لديهم خبرة فيه. أشار إليّ طالب متخصص بدرجة عالية مؤخرًا إلى مناقشة كان فيها ناقد أدبي تجاوز السبعين عامًا ومحترم في الأدب، يعلّق أيضًا على هذه القضايا: السياسة الخارجية الأميركية، الديناميكية المحلية الأميركية في شكل السياسة الخارجية لهذا البلد، المستقبل الاقتصادي للصين، أسباب التفاهم الأخير بين إيران والسعودية، العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، جذور الصراع في الشرق الأوسط، طريقة صنع القرار في الاتحاد الأوروبي في ما يتعلّق بالشرق الأوسط.

كم كنا سنحرز تقدمًا إذا خرجنا من هذا الوضع في إيران منذ ألف عام، عندما كان شخص ما فيلسوفًا، وشاعرًا، وكاتبًا، وطبيبًا، وفيزيائيًا، وصيدليًا، وعالم فلك، وجغرافيًا، عالم رياضيات، وبالطبع أي علم آخر كتب عنه كتابين أو ثلاثة. بحلول الثلث الثالث من القرن التاسع عشر، تم إضفاء الطابع المؤسسي على الخبرة في الغرب. حقيقة أنه لا يمكن أن يكون لدينا نخبة، ولا يمكننا فهم وبناء الإجماع بيننا مشكلة، وأنّ الفردية متفشية، لها جذورها الرئيسة في الافتقار إلى التخصص.

يتطلّب التعليق على السياسة الخارجية والاقتصاد للصين والولايات المتحدة قراءة ما لا يقل عن ألفي كتاب متخصص، بالإضافة إلى رؤية الأستاذ. تختلف الخبرة اختلافًا كبيرًا عن وجود انطباع في ما يتعلّق بالموضوع. في الدرجة التالية، يرجع ذلك إلى عدم الرغبة في إنشاء نظام اجتماعي. يجب أن نشعر أننا جزءٌ من المجتمع. قرونٌ من تراكم الطغيان في إيران دفعت الناس إلى العزلة. الجميع يتطلّع إلى القيام بعمله ويرى دائرته فقط.

قال كينيدي ذات مرة: “أنا مثالي، لكن من دون أوهام”. في ما يتعلّق بسؤالك، أحاول أن أكون واقعيًا. يمكن قول كلمات رائعة لتجعل الجمهور متحمسًا وعاطفيًا، لكنّ الواقع يُظهر الوضع الذي وصفته. الأعمال الثقافية القوية ضرورية لتحقيق التنمية. يُعَدُّ التفاهم في مجتمعنا مهمة صعبة للغاية، وبالتالي ليس من الواقعي تخيّل حل قصير المدى للخروج من هذه الحلقة التاريخية. بالطبع، هناك مشكلة أخرى على نطاق عالمي، وهي جودة صانعي السياسات والمديرين الحكوميين. من النادر أن تجد شارل ديغول وميركل وأحمد قوام وهانز غينشر وكيندي وكينيدي وأمير كبير وآبي وأشخاصًا يتمتعون بصفاتهم الفكرية والإدارية القادرين على القيام بأشياء عظيمة.

السياسة ليست كما كانت تُستخدم لجذب الأشخاص الأكفّاء لصنع التاريخ. في عالم اليوم، يصبح أصحاب المواهب ومعدل الذكاء المرتفع إما روّاد أعمال، أو يذهبون للبحث العلمي عالي المستوى. ما هي الحاجة للوصول إلى المال والسفر والتسهيلات بالضغط وتغيير النظرة إلى العالم حتى ثلاث مرّات في اليوم. حتى في بعض الدول الغربية، فإن الدخول في السياسة يتعلّق أكثر بالعيش بشكل جيد. لسوء الحظ، تتحوّل السياسة في عالم اليوم إلى الفاعلين أكثر من الأشخاص الأكفاء. بطبيعة الحال، ينبغي للمرء أن يأمل بأن يأتي السياسيون الكبار من الرجال والنساء الذين تغلّبوا على الحاجة إلى المال والشهرة إلى المسرح على الصعيدين الوطني والدولي.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه الترجمة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: