“فنّ العقوبات”.. هكذا واجهت واشنطن برنامج طهران النووي
لاحظ المؤلّف الأميركي المتخصص في الأسلحة النووية والعقوبات الاقتصادية التي تُفرض في هذا السياق ريتشارد نيفيو، في كتاب له بعنوان "فن العقوبات"، أنّ السلوك الأميركي تجاه إيران وبرنامجها النووي، كان يحكمه ما تعلّمته الولايات المتحدة خلال تجربتها مع العراق، بعد أن اجتاحت هذا البلد عام 2003.
واعتبر نيفيو أنّ التأكيدات الأميركية التي اتضح أنه لم يكن لها أساس من الصحة بشأن وجود أسلحة دمار شامل في العراق، بقيت تُلقي بظلالها على التصوّرات الدولية تجاه مجتمع الاستخبارات الأميركي عندما عملت واشنطن على إقناع العالم بأنّ طهران تسعى للحصول مباشرةً على أسلحة نووية، وليس فقط على مجرّد تقنيات يمكن أن تؤدي إلى صناعة سلاح نووي في مرحلة ما.
أنشطة نووية كان يجب الكشف عنها
أورد الكاتب الأميركي في كتابه أنه من عام 2022 إلى عام 2005، كشفت إيران بشكلٍ انتقائي على أجزاء من برنامجها النووي، وذلك قبل قيام الوكالة الدولية للطاقة الذرية بكشف هذه الأجزاء، معترفةً بأنها أجرت مجموعة واسعة من الأنشطة النووية التي كان ينبغي – بموجب اتفاقية الضمانات المبرمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ووفقًا لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي – أن تعلن عنها قبل ذلك بسنوات.
ويعدد الكاتب بعض هذه الأنشطة كالتالي:
- استيراد اليورانيوم الطبيعي عام 1991 ونقله من أجل المزيد من المعالجة
- أنشطة تنطوي على المعالجة والاستخدام اللاحقين لليورانيوم الطبيعي المستورد، بما في ذلك إنتاج وفقدان المواد النووية، وإنتاج ونقل النفايات الناتجة عنها.
- استخدام سادس فلوريد اليورانيوم الطبيعي المستورد لاختبار أجهزة الطرد المركزي في ورشة شركة Kalaye Electric عامَيْ 1999 و2002، وما يترتب على ذلك من إنتاج اليورانيوم المخصّب والمستنفد.
- إنشاء محطات التخصيب بالليزر في TNRC والمركز التجريبي.
- إنشاء مفاعل طهران البحثي، في ما يتعلّق بإشعاع تاران اليورانيوم، والفرق الذي تم فيه فصل البلوتونيوم.
الفرق بين العراق وإيران
قدم نيفيو في كتابه مقاربة يميّز فيها بين النظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين، وبالتالي واقع الشعب العراقي، وبين النظام الإيراني وواقع شعبه، موضحًا بذلك سبب اختلاف أسلوب المواجهة الأميركي بين هذين البلدين.
ففضلًا عن عدم تحمل واشنطن المزيد من الحروب العسكرية، أو بالأحرى اجتياح دولة ثالثة في الشرق الأوسط، بعد العراق وأفغانستان، أشار الكاتب إلى أنّ النظام العراقي كان يُحكم من قبل رجل واحد، بينما أتى النظام الإيراني بعد الشاه لينقل السلطة إلى الشعب ولو شكليًا.
كما لحظ الكاتب فرقًا بين قدرة الشعبين العراقي والإيراني للوصول إلى المعلومات الأجنبية، حيث كان ذلك ممكنًا بشكل أكبر لدى الإيرانيين، كما وصف الاقتصاد الإيراني بأنه أكثر تنوّعًا وخصخصة رغم اعتماده على النفط، كما هو الحال بالنسبة للاقتصاد العراقي.
وفي هذا السياق، تابع نيفيو: “على الرغم من حكمها من قبل نظام استبدادي، تعمل الحكومة الإيرانية على نهج بناء الإجماع، حيث يمكن لمجموعة متنوّعة من أصحاب المصلحة التعبير عن آرائهم واهتماماتهم”.
العقوبات
شرح المؤلف الأميركي خلفية الرغبة الأميركية بحثّ المجتمع الدولي على محاصرة إيران اقتصاديًا ونزع الشرعية عن التجارية العادية معها، حيث تتهم واشنطن طهران باستخدام المصارف لتبييض الأموال ودعم المجموعات التي تعتبرها إرهابية، فضلًا عن ادعائها إنّ برنامج إيران النووي يمكن استخدامه لصنع الأسلحة، وليس فقط لأغراض مدنية.
وفي هذا الإطار، وصف نيفيو قرار مجلس الأمن رقم 1747 بالمفيد، بعد أن دعا “الدول والمؤسسات المالية الدولية إلى عدم الدخول في التزامات جديدة للحصول على منح ومساعدات مالية وقروض ميسّرة لصالح حكومة الجمهورية الإسلامية، باستثناء ما يندرج ضمن الأغراض الإنسانية والإنمائية”.
أما القرار رقم 1803، الذي تم تبنّيه في آذار/ مارس 2008، فقد أدى بحسب الكاتب إلى تضخيم مشكلة إيران، وما كان مقصودًا من قبل الولايات المتحدة من أجل تعقيد الحياة الإيرانية، على حد تعبيره، رغم بقاء مؤشر النمو الإيراني ما بين 6.2 و6.6%.
التحرّكات الأميركية هذه أنتجت قبل ذلك التاريخ، أي عام 2006، انخفاضًا في الاقتراض الخارجي الإيراني بشكل حاد، ثم انخفض الائتمان الخارجي لإيران بنسبة 18% حتى عام 2008، في تناقض واضح مع ارتفاع هذا الائتمان في منطقة الشرق الأوسط بنسبة 86% خلال نفس الفترة. وتابع نيفيو: “بالطبع، لم تكن هذه نهاية حملة العقوبات الأميركية، التي توسعت لتشمل مقدمي خدمات التأمين أيضًا”.
صعوبات تنفيذ العقوبات
تحدث نيفيو عن الصعوبات التي تواجه تنفيذ العقوبات الأميركية بشكل جدي في عدد من الدول الغارقة في البيروقراطية، ويذكّر هنا بأنّ قدرة الولايات المتحدة في النهاية ليست بلا حدود.
وعلّق على الأمر بالتالي: “كان هذا أصعب مما يبدو. الأمر يتطلّب عمالة كثيفة وجمع المعلومات وتحليلها والتحقيق، كما يتطلّب اتخاذ قرارات واتصالات شخصية، وعلاقات دبلوماسية، وأحيانًا التخلّي عن خطوط أعمال مربحة من أجل تحقيق نتيجة قد تكون غير مؤكدة، وقد لا تكون بهذه الأهمية بالنسبة الدولة المعنية”.
وبحسب نيفيو، شمل التعامل مع إيران في مسألة العقوبات جميع أشكال الصعوبة، لسبب أساسي وهو أنّ الإستراتيجية الإيرانية لمقاومة العقوبات تضمّنت جهودًا تهرُّبٍ متطوّرة، حيث أسس وكلاؤها السريون شركات واجهة حول العالم.