الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة21 يناير 2023 12:15
للمشاركة:

كتاب “صنيعة الإنجليز” لجاك سترو.. كيف ينظر البريطانيون لإيران؟

سلّط وزير الخارجية البريطاني الأسبق جاك سترو، في كتاب له بعنوان "صنيعة الإنجليز.. لماذا لا تثق إيران ببريطانيا؟"، الضوء على العلاقة بين طهران ولندن، وأسباب ارتياب الإيرانيين دائمًا من بلده. وانطلق سترو في كتابه من خلال رواية رحلة له إلى إيران بعد تقاعده من مجلس العموم البريطاني عام 2015، بعد تأخير في منحه التأشيرة، حيث لاحظ على سبيل المثال مدى تعلّق الشعب الإيراني بالهواتف المحمولة الحديثة، لافتًا إلى أنّ جهاز IPhone 6 وصل إلى طهران قبل أن يصل إلى لندن بستة أشهر.

ومما صادفه خلال رحلته، مجموعة من الشباب سلّمته ورقتين تشرح فيهما لماذا لا ترحب إيران بزيارته. عدم الترحيب هذا يختصر أسبابه سؤال واضح كُتب في الورقة: “ما هي الفتنة التي تنوي القيام بها؟”، فضلًا عن كلام آخر وصف بريطانيا بـ”الثعلب الاستعماري القديم”.

بعد ذلك، وقبل وصوله إلى فندق في مدينة شيراز، علم وزير الخارجية البريطاني السابق بأنّ خمسة شباب من قوات التعبئة الإيرانية – الباسيج – ينتظرون وصوله، مما استدعى منه البقاء بعيدًا بناءً على طلب الشرطة، ريثما يتم توفير مدخل آمن له، وهو ما أصبح مستحيلًا عندما تخطى الجمع الـ100 شخص، مما استدعى تغيير الفندق.

الشك في البريطانيين.. لأسباب وجيهة

لم يكن الشك الشديد في البريطانيين يقتصر على عناصر الباسيج، بل كان متأصّلًا في المجتمع الإيراني، بحسب تعبير سترو في كتابه.

وتابع الكاتب: “لسبب وجيه، ينبع عدم الثقة هذا من التجارب الخبيثة التي عانت منها إيران على أيدي بريطانيا خلال القرن التاسع عشر وأغلب القرن العشرين تقريبًا. هناك نكتة قديمة بين الدبلوماسيين البريطانيين مفادها بأنّ إيران هي الدولة الوحيدة التي لا تزال تعتقد بأنّ المملكة المتحدة قوة عظمى. بالنسبة للإيرانيين، هذه ليس مزحة”.

وأشار سترو إلى أنه بالنسبة للمحافظين في النظام الإيراني، فإنّ العملاء الأجانب، بما فيهم البريطانيين، مسؤولون بشكل أساسي عن الاحتجاجات في الشوارع التي حدثت في إيران في كانون الأول/ ديسمبر 2017 وكانون الثاني/ يناير 2018.

من جهة أخرى، يتحدث سترو عن قناعة جزء من الإيرانيين بأنّ بريطانيا بقيادة مارغريت ثاتشر هي من أزاحت الشاه وأتت بآيات الله إلى الحكم في طهران، مستنتجًا بأنّه دائمًا ما يُعطى البريطانيون قوى خارقة عند الإيرانيين.

الشاه الثاني الضعيف

وصف سترو الشاه محمد رضا بهلوي بأنه لم يشارك والده الشاه الأول إلا بقليل من الصفات، حيث عاش في رفاهية، وكان ضعيفًا وغير حاسم، كما صدق القصة الخيالية بأنه مميز وذو دم أزرق، ولديه مهمة شبه إلهية لنقل إيران نحو رؤيته لحضارة عظيمة، كما قال الكاتب في كتابه نقلًا عن كلمات استخدمها بهلوي بعد عودته إلى طهران بعد انقلاب 1953.

ووفق وزير الخارجية البريطاني الأسبق، كان لدى الشاه القليل من الوعي بالظروف التي يعيش فيها معظم رعاياه. ومع مرور الوقت، ازدادت شهيّته لإنفاق عائدات البلاد على نفسه وعائلته.

روى سترو في كتابه ما يعرفه عن حملات القمع التي شنّها الشاه ضد المتظاهرين قبل خلعه، حيث عيّن اللواء غلام علي أوسي حاكمًا لطهران، الذي لعب دورًا مركزًيا في “القمع الوحشي” لاحتجاجات عام 1963، على حد تعبير الكاتب.

وأردف الكاتب في روايته لتلك الحقبة: “يبدو كما لو أنّ الآلاف الذين تجمّعوا في طهران في ذلك اليوم لم يكونوا على دراية بأنّ معاملتهم من قبل القوات وعملاء السافاك ستكون أقسى مما كانت عليه في الأيام السابقة. فتحت القوات النيران الحية على المتظاهرين، وسقط العشرات. أفاد صحافي فرنسي بأنّ 3000 أو 4000 شخص قُتلوا”.

سلمان رشدي وآياته الشيطانية

ولعلّ ما يشرح أكثر الغضب الإيراني الدائم على بريطانيا هو نشر رواية “آيات شيطانية” لسلمان رشدي في لندن في أيلول/ سبتمبر 1988، مما أثار أيضًا عداءً في بعض البلدان الإسلامية، حيث أنه مع نهاية عام 1988، تم حظر الرواية في الهند، بنغلادش، السودان، جنوب أفريقيا وسريلانكا، لكن ليس في إيران، حيث يصف سترو رد فعل القائد الأعلى الإيراني آنذاك آية الله روح الله الخميني باللا مبالاة.

لكن سرعان ما غيّر الخميني موقفه، بعد أربعة أشهر من نشر الرواية، حيث أعلن عن مكافأة في 14 شباط/ فبراير 1989 قدرها ملايين الدولارات لمن ينفذ حكم الإعدام بمؤلف الرواية وناشريها من الذين كانوا يعلمون ما هو مضمونها.

ونتيجة لتكرار تهديد الخميني، كان على رشدي أن يحظى بحماية مكثفة من الشرطة البريطانية، والتي ظلت مستمرة حتى بعد مرور ثماني سنوات عندما أصبح سترو وزيرًا للداخلية.

السياسي البريطاني العريق رأى في كتابه أنّ ما فعلته فتوى الخميني المتعلّقة بوجوب تنفيذ الإعدام برشدي هو إعادة ترسيخ مكانة الخميني كمرشد أعلى لكل المسلمين.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: