الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة30 سبتمبر 2022 22:41
للمشاركة:

تركتهم يواجهون مصيرهم بنفسهم.. كيف تخلت أميركا عن جواسيسها في إيران؟

أفردت وكالة "رويترز" مؤخرًا تقريرًا مثيرًا عن جواسيس عملوا لصالح الولايات المتحدة تم التخلّي عنهم وتركهم لمصيرهم.

أحد هؤلاء الجواسيس هو غلام رضا حسيني، الذي تم القبض عليه قبل دقائق من مغادرة إيران في مطار الإمام الخميني أواخر العام 2010، عندما كان يستعد لركوب رحلة إلى بانكوك، حيث يلتقي المهندس الصناعي الإيراني مع مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية CIA.

وكما أورد التقرير، قبل أن يتمكّن من تسديد رسم الخروج من البلاد، رفض الصرًاف الآلي في المطار بطاقته باعتبارها غير صالحة، وبعد لحظات، طلب ضابط أمن رؤية جواز سفر حسيني قبل أن يرافقه بعيدًا.

قال حسيني أنه نُقل إلى صالة فارغة لكبار الشخصيات وطُلب منه الجلوس على أريكة وُضعت لتواجه الحائط. بعدها، نزع حسيني من جيب بنطاله بطاقة إلكترونية مليئة بأسرار لدولة التي يمكن أن تؤدي إلى إعدامه وقام بمضغها في فمه وابتلعها!

لم يمضِ وقت طويل، كما جاء في رواية حسيني التي تنقلها “رويترز”، حتى دخل رجال وزارة الاستخبارات الإيرانية الغرفة وبدأ التحقيق معه مترافقًا مع الضرب، حيث بدا أنّ إنكاره وتدمير البيانات التي كانت في حوزته لا قيمة لهما، لأنّ الرجال الذين يحققون معه كانوا بالفعل يعرفون كلّ شيء. ولكن كيف؟. هذا ما أدهش عمل الCIA تماماً.

علّق حسيني في حديثه مع “رويترز”: “هذه أشياء لم أخبر أحدًا في العالم بها”. وبينما كان يطرح على نفسه الأسئلة، سادت حسيني شكوك بأن تكون وكالة الاستخبارات الأميركية هي نفسها من باعته.

واستنتجت الوكالة بعد عملها لمدة عام على هذا التحقيق أنّ حسيني لم يكن ضحية الخيانة بل ضحية الإهمال، حيث سهّل نظام الاتصالات السرية الخاطئ التابع للCIA على الاستخبارات الإيرانية التعرّف على حسيني والقبض عليه.

وكشف حسيني ل”رويترز” أنه بعد سجنه لمدة عشر سنوات تقريبا وإطلاق سراحه عام 2019 لم تقم وكالة الاستخبارات المركزية الإيرانية بأي تواصل معه.

ووجدت الوكالة أنّ حسيني لم يشكل حالة فريدة من نوعها بين الجواسيس الذين يعملون لحساب الولايات المتحدة، حيث أنّ إهمال الCIA من نواحٍ أخرى وسط حملتها المكثّفة لجمع المعلومات عن إيران يعرّض أولئك الذين يخاطرون بحياتهم لمساعدة واشنطن للخطر.

على سبيل المثال، أمرت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أحد جواسيسها بوضع معلوماته في تركيا في مكان كانت تعلم بأنه تحت المراقبة الإيرانية. كما يزعم رجل آخر، وهو موظف حكومي سابق سافر إلى أبو ظبي من أجل الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، أنّ ضابطًا من الCIA حاول هناك من دون جدوى دفعه للتجسسس لصالح الأميركيين، مما أدى إلى اعتقاله عندما عاد إلى إيران.

واعتبرت “رويترز” أنّ مثل هذه الخطوات من قبل الCIA تعرّض حياة الإيرانيين العاديين للخطر، مع احتمال ضئيل للحصول على معلومات استخبارية مفيدة، كما نقلت عن جواسيس إيرانيين أنه عندما تم القبض عليهم لم تقدم الCIA أي مساعدة لهم أو لعائلاتهم حتى بعد مرور سنوات.

وقال الرئيس السابق لمكافحة التجسس في وكالة الاستخبارات المركزية جيمس أولسون إنه لم يكن على علم بهذه الحالات، لكنه شدد على أنّ التخلٍّ عن المصادر من قبل الوكالة يمثل فشلًا مهنيًا وأخلاقيًا.

وخلصت “رويترز” إلى أنً نظام الاتصالات الذي أدى إلى كشف حسيني لم يعد موجوداً الآن، مرجحة أن يكون قد أدى إلى كشف ما لا يقل عن 20 جاسوسًا آخرين في إيران وربما المئات غيرهم في دول أخرى.

وفي السياق ذكّرت “رويترز” بتحذير أطلقته الCIA العام الماضي من أنها فقدت معظم شبكتها من الجواسيس في إيران، ومن أنَ الأعمال التقليدية غير المتقنة لا تزال تعرّض مهمتها للخطر في جميع أنحاء العالم، كما جاء في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.

وتروي الوكالة جزءًا من تجربة ستة إيرانيين تم سجنهم بتهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة، حيث بقي أربعة منهم، بمن فيهم حسيني، داخل إيران بعد إطلاق سراحهم، مع بقائهم عرضة للاعتقال من جديد، بينما فرَّ اثنان من البلد وأصبحا لاجئين عديمي الجنسية.

اعترف الرجال الستة بأنّ مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية لم يقدموا لهم قط أي وعود مؤكدة بالمساعدة إذا تم القبض عليهم، لكنهم مع ذلك اعتقدوا جميعًا بأنّ المساعدة الأميركية ستأتي يومًا ما.

أما دافع حسيني للعمل لصالح الCIA فيتلخص بتراجع شركته الهائل التي تعمل في المجال الصناعي بسبب دخول الحرس الثوري بقوة إلى هذا القطاع خلال رئاسة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، مما جعل مستواه الاجتماعي ينحدر بسرعة وجعله يرسل رسالة للCIA عام 2007 يقول فيها إنه مهندس صناعي عمل في موقع نطنز النووي ولديه معلومات، ليتلقى بعد مرور شهر ردًا عبر البريد الالكتروني.

بعد ثلاثة أشهر من هذا الاتصال، سافر حسيني إلى دبي حيث بحث في سوق مدينة جميرا عن امرأة شقراء تحمل كتابًا أسود، برفقتها رجل يترجم من الإنكليزية إلى الفارسية. سألته المرأة التي تُدعى كريس، فأوضح حسيني أنّ شركته عملت قبل سنوات عدة على عقود لتحسين تدفق الكهرباء في موقع نطنز، وهو عمل معقد للحفاظ على دوران أجهزة الطرد المركزي بالسرعة المطلوبة بالضبط لتخصيب اليورانيوم.

أخبر حسيني مضيفته إنّ شركته كانت متعاقدة بالخفاء من شركة Kalaye Electric، وهي شركة خاضعة لعقوبات الحكومة الأميركية عام 2007 بسبب دورها المزعوم في تطوير البرنامج النووي الإيراني، مضيفًا أنه يسعى للحصول على عقود إضافية في مواقع نووية وعسكرية حساسة أخرى.

في اليوم التالي، التقى الأشخاص الثلاثة نفسهم مرة أخرى، هذه المرة في غرفة الفندق الذي ينزل فيه حسيني المطلة على الخليج، ونشر حسيني خريطة تشبه المتاهة تُظهر الكهرباء المتصلة بمنشأة نطنز النووية. “انفتح فم كريس على مصراعيه”، كما يتذكّر حسيني.

ووفق حسيني، فإنّ التدوينات على الخريطة لمقدار الطاقة المتدفقة إلى المنشأة النووية وفّرت لواشنطن خطًا أساسيًا لتقدير عدد أجهزة الطرد المركزي النشطة في ذلك الوقت، وكان يمكن استخدام هذا الدليل لتقييم التقدم المحرز في معالجة اليورانيوم عالي التخصيب اللازم لصنع سلاح نووي.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: