الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

أدب فارسي مترجم: بعد ظهر آخر الخريف لصادق تشوبك – الجزء الثالث

للمشاركة:

قصة فارسية قصيرة مترجمة

‏جاده إيران- ترجمة/ ديانا محمود

‏‎أمام محل الجزار كانت هناك امرأة تلف وسطها بعباءة صلاة مقلمة الألوان تجلس التربيع وإلى جانبها صرّة بيضاء، وقعت عينا أصغر عليها فتسمر نظره نحوها، تبدو له هذه السيدة كأمّه تماما. أمه التي تملك عباءة مشابهة لهذه التي ترتديها السيدة هناك. المشهد من الأعلى مختلف، فقد اعتصر قلبه لمرآها وتذكر أمّه. في الحقيقة هو لم يرها من مكان مرتفع سابقاً، يبدو المنظر مؤسف جداً فهي تبدو صغيرة وحقيرة في جلوسها أمام المارة العابرين دون مبالاة. أزعجه المشهد فلا أحد يهتم بتلك المرأة التي تشبه أمّه. “ماذا لو إن فريدون يعلم بأن هذه السيدة الجالسة أمام دكان الجزار هي أمّي؟ المعلم يعرفها فقد التقاها أمام المدرسة سابقاً، ربما هي أمّي، ربما بالفعل هي “.

أدب فارسي مترجم: بعد ظهر آخر الخريف لصادق تشوبك – الجزء الثالث 1

‏‎فجأة شعر أن طعم فمّه تغير، وكأن شيئاً كبيراً ظهر من بين أسنانه اعتصره قليلاً وانتزع قطعة لحم كانت عالقة بينهم أعاد مضغها من جديد وسحقها جيداً بين أسنانه، انتشرت في فمه من جديد رائحة مرق “القشة” والدم المالح، تذكر أنّها بقايا عشاء أول أمس وعشاء الغد ايضاً، ففي الأسبوع يمكن لعائلته أن تحصل على وجبتين من هذه الوجبة.
‏‎في بقية الليالي يكون العشاء خبز وحمص، فيما تهب الأمّ إلى الشارع عندما تسمع صوت بائع “القشة” حاملةً وعاءها معها، يلحقها أصغر وآسيه و زهرا.
‏‎يضع بائع “القشة” دلوه الكبير على الأرض ويرفع عنه الغطاء النحاسي الذي يعلوه فانوس مفسحاً المجال للبخار بالهروب سريعاً من فوهة الدلو، يتناول من وسط البخار قطعاً من القشة المطبوخة ويقطع بالسكين جزءاً من اللحم الأبيض المطبوخ ويضعه في وعائنا مع الكثير من المرق الدهني اللزج. نعود به مسرعين نحو المدفئة لنأكله مع الخبز والخل.
‏‎مرة ثانية نظر أصغر إلى المرأة الجالسة أمام الدكان بعباءتها المقلمة التي تشبه عباءة أمّه، لم يستمر في التحديق نحوها طويلاً هذه المرة بل نقل عيناه إلى بائع الفاكهة هناك قرب الجزار، كانت المانجا والزعرور تتربصان به، تراجعت عيناه سريعاً لتعود داخل الصف حيث المعلم يكمل درسه هنا، يركع ويسجد ويقوم ليكمل الركعة الرابعة كالثالثة. هبط قلب أصغر من الخوف تذكر أن عليه أنّ يقيم الصلاة كلها أمام تلاميذ الصف، وهو لم يصلِ قط، وأمه ايضاً لم تكن تصلي.
‏‎يتذكر أصغر ما قالته امّه يوماً لسيدة المنزل التي تخدمه (إذا انتبهتي إني ما عم صلّي ، فلأني أنجس من الكلب، من الصبح للمسا إيدي بوسخ الناس، بس إيماني أطهر من الكل). تأمل أصغر بالركوع والسجود، حركتين متشابهين كغيمتين لا شكل واضح لهما ترقصان أمامه. تتجسدان الحركتان في مخيلته ركوعا وسجوداً، ثم تغيبان سريعاً. حركةٌ يضع الانسان رأسه فيها على التربة والأخرى الركوع يضع يديه على ركبتيه وينحني. تذكر في هذه اللحظة رسول، اعترمه الخجل واحمرّت أذناه.
‏‎على الطاولة أمامه ذبابتان تتصارعان وكأنهما في حلبة صراع ثم تدوران حول بعضهما كاستعراض في الزورخانة إلر أنّ انسحبت إحداهما من الحلبة وبقيت الأخرى تفرش جناحيها وقدميها تلمس قرون استشعارها وظلها يرتفع قليلاً ثم تحوم حول نفسها مرة ثانية كراقصة، ذبابة راقصة مثلاً.
‏‎مدّ أصغر يديه بهدوء إلى الطاولة وعيناه معلقتين بالمعلم. جمع قبضة كفه بإحكام والتقط الذبابة أراد أن يدهسها بأصابعه في البداية لكنه أراد أن يعرف تحت أي أصبع تختبئ الذبابة، ضغط أكثر ثم رفع يديه ووضعهما على خصره. ثم ضغط على كفيه معاً، فتح يديه قليلاً قليلاً ثم فتح يديه فجأة فطارت الذبابة عالياً.
‏‎شعر بألم يسري في أصابعه. فتحها وأغلقها أكثر من مرة. سرح في خياله مرة ثانية وبدأ يتأمل في الحيّ، كانت المرأة ذات العباءة المخططة قد رحلت من مكانها، وفي حديقة الجيران الكبيرة كانت هناك سيدة تجمع الثياب عن حبال الغسيل، وخلفها مداخن المباني تنفث سحابها في الهواء. في ساحة البيت رجل يرتدي زي الطباخين يتجه نحو بركة المياه وفي إحدى يديه سكين وفي الأخرى دجاجتين معلقتين من أقدامهن. بلل طرف السكين بمياه الصنبور ووجهها نحو الدجاجتين ووضعهن تحت الماء عنوةً، أخرجت الدجاجتان رأسيهما من المياه بسرعة وبدأن بالضجيج والصراخ.
‏‎وضع الرجل رأس كل دجاجة على حافة البركة وامسك بقدمي الدجاجة تحت حذائه الأسود ثم وضع سكينه على رقبة الطير لكنها لم تكن حادة بشكل كافي لتفصل رأس الدجاجة فاستخدم يده ليخرج روحها، ثم رمى جسدها في ناحية ورأسها في ناحية، وانتقل إلى الدجاجة الثانية ليفصل رأسها كما الأولى.
‏‎فيما كان أصغر غارق في مشهد الدجاجات المذبوحات، شعر أنّ الصمت حل على الصف مرة ثانية، هبط قلبه مرة ثانية إلى قدميه ثم عاد ثانية إلى صدره بنبضٍ مرتفع، لكن المعلم لم يكن ينظر إليه هذه المرة بل كان يخرج اوساخ أنفه وجميع التلاميذ يحدقون به وهو يلف المناديل ويرميها هنا وهناك ثم عاد ليقول:
‏‎(في الركعة الأخيرة بعد السجود نجلس ونقول الشهادة ثم نسلم وننهي الصلاة، السلام هو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: