الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة15 يوليو 2022 18:33
للمشاركة:

“قررت التحالف مع إسرائيل لمواجهة إيران”.. ما هي مخاوف الدول العربية من طهران؟

دعا وزير الثقافة الإيراني السابق علي جنّتي بلاده لبناء علاقة متوازنة مع جميع القوى العالمية، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الخليجية. وأضاف في مقابلة مع صحيفة "اعتماد" الإصلاحية، أنّ الشعور بالتهديد من إيران هو أحد أسباب اقتراب العرب من إسرائيل.

يعود وقوف بعض الدول العربية إلى جانب إسرائيل لأسباب عديدة، أهمها سياسة إيران منذ قيام الثورة الإسلامية، خاصة عندما تحدثت بعض الشخصيات عن تصدير الثورة الإسلامية إلى دول أخرى في ذلك الوقت، الأمر الذي أرعب بعض الدول العربية، التي باتت تخشى سقوط أنظمتها.

واستناداً إلى هذا الشعور بالتهديد، وقفت هذه الدول وراء بغداد في حرب الثماني سنوات التي فرضها العراق على إيران، ثم قدمت كل التسهيلات العسكرية والسياسية والبحثية والموانئ وغيرها للحكومة العراقية، وهدفت بذلك لأحد أمرين: إما التسبب بانهيار النظام في إيران أو الوصول به إلى نقطة لا يعود يشكل فيها أي تهديد لها، وقد ترسخت هذه الاختلافات في العقود الأربعة الماضية وجزء منها أيديولوجي.

كذلك فإنّ إيران لديها خلافات خطيرة مع السعودية بما يتعلّق بالقضايا الإقليمية، حيث تسعى كل من طهران والرياض إلى توسيع نفوذهما الإقليمي، ويشمل نطاق هذا النفوذ دولاً مثل العراق، لبنان وسوريا، ومؤخراً اليمن، وكذلك شكّل النفط وأسعاره دائماً تحدياً بين إيران والسعودية وبعض دول المنطقة.

مجموعة هذه القضايا جعلت دول المنطقة تشعر بالتهديد من إيران، ولهذا السبب اتجهت الولايات المتحدة إلى الخليج وأثبتت وجودها في المنطقة، فبعض الدول ترى أنها صغيرة ولا تستطيع مقاومة إيران، إذ لا بدّ من وجود قوة عظمى في المنطقة تدعمها.

من أسباب تقارب هذه الدول من إسرائيل أيضاً هو التغيير في إستراتيجية الولايات المتحدة لوجودها في المنطقة، خاصة بعد أن بدأت ترى في الصين تهديداً أول، وفي روسيا خطراً ثانياً، ثم تأتي إيران.

لذلك تعمل الولايات المتحدة على تغيير استراتيجيتها بناءً على تجربتها المريرة في التواجد في المنطقة والتدخل في دول المنطقة، حيث هُزمت عملياً في أفغانستان واضطرت للمغادرة، كما تشعر بالهزيمة في العراق، حيث سحبت معظم قواتها من هناك أيضاً.

وعليه، فالولايات المتحدة مهتمة بمغادرة هذه المنطقة والتركيز في شرق آسيا للتعامل مع التهديد الصيني، لكن في الوقت نفسه، لا يمكنها التخلّي عن حلفائها غرب آسيا الذين تعاونت معهم واستغلّت نفطهم لسنوات طويلة. لهذا أيضاً باعت واشنطن أسلحة كثيرة للرياض، وبلغت قيمة إحدى الصفقات 60 مليار دولار.

ومن الأسباب الأخرى للتقارب العربي – الإسرائيلي، شعور بعض الدول العربية في السنوات القليلة الماضية أنّ الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون داعماً جاداً لها، خاصة بعد استهداف إيران لطائرة أميركية من دون طيّار متطوّرة جداً وعدم حصول أي رد فعل أميركي، ما زاد قلق هذه الدول. كذلك عندما تمت مهاجمة بعض الدول العربية المتحالفة مع واشنطن، لم يقدّم الأميركيون دعماً عسكرياً جاداً لهذه الدول، وبذلك رأت دول عربية أنّ إسرائيل هي الخيار الأفضل لها، وهو ما دفع باتجاه تقبل إسرائيل كأمر واقع.

تطبيع دول جديدة مع إسرائيل

أتوقع أنه في الجولة المقبلة ستعمل قطر على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، في حين تسير سلطنة عمان على مسار التطبيع مع السعودية، فيبدو أنّ محمد بن سلمان لديه الشجاعة ليقول إنه سيقيم علاقة مع إسرائيل بسبب مصالح بلاده الوطنية، وربما تكون الدولة الخليجية الأخيرة في العلاقات مع تطبيع العلاقات مع إسرائيل هي الكويت، التي بسبب وجود برلمان فيها ليست في وضع يسمح لها بالتواصل بسهولة مع إسرائيل، لكنها ستتجه على أي حال نحو تطبيع العلاقات في نهاية المطاف.

الوضع الآن تغيّر بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مقارنة بما كان عليه قبل 30 عاماً، حيث كانت السعودية تُعتبر الأخ الأكبر لجميع هذه الدول وكان لها الكلمة الأولى في المنطقة، في حين أّن الوضع الراهن يشير إلى اتجاه الدول نحو تحقيق مصالحها الوطنية فقط من دون مراعاة مصالح أي دولة أخرى.

هناك العديد من التصورات التي يمكن طرحها، فمثلاً هل يمكن أن تتوصل إيران والسعودية في العراق إلى تفاهم يضمن مصالح الطرفين؟ هل يمكننا المضي قدماً في لبنان بما يخدم مصالح الطرفين؟ أما في سوريا، فالوضع يختلف، فهناك حرب بالوكالة واسعة النطاق بين إيران والسعودية.

من المؤكد أنّ نفوذ إيران في الدول الإسلامية قد تضاءل بشكل كامل مقارنة ببداية الثورة، وهذا الموضوع له أسباب مختلفة. أولها تدخل إيران في سوريا ووقوفها إلى جانب الحكومة التي هاجمت المحتجين المطالبين ببعض الإصلاحات وتحسين الوضع المعيشي، كما أنّ العقوبات حالت دون تطور نفوذ إيران الإقليمي، حيث أنّ الضغط الاقتصادي الناجم عن العقوبات جعل أيدي إيران قصيرة في العديد من المهام.

إنّ التطورات التي حدثت في المنطقة، مثل تطبيع علاقة بعض الحكومات العربية مع إسرائيل، حدت من قدرة محور المقاومة في المواجهة العسكرية مع إسرائيل، كما أنّ هذا المحور لا يشهد حالياً وضعاً جيداً، فحماس والجهاد وفتح في انقسام وشقاق متواصل، ولبنان منهك بمشاكل سياسية داخلية، وسوريا عالقة بحرب أهلية وإيران تكافح أيضاً مع العقوبات.

أكبر تهديد لإيران

ما تعلّمناه بعد مرور 40 عاماً هو أنه يجب علينا إقامة علاقة متوازنة مع جميع القوى العالمية. وضعنا كل ثقتنا في دولة أو دولتين ثم تجاهلنا بقية العالم، والنتيجة هي الوضع الذي وصلنا إليه اليوم. يجب أن نقيم علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة وروسيا والصين التي تُعَدُّ الآن القوة الاقتصادية الثانية في العالم وعلى وشك أن تصبح القوة الاقتصادية الأولى.

في وقت من الأوقات، كانت هناك كتلتان، شرقية وغربية، وكان شعار الجمهورية الإسلامية ليس شرقية ولا غربية. الآن، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، يجب علينا إقامة توازن إيجابي بما يتعلّق بالقوى المؤثرة في العالم. إن تجاهل قوة مثل الولايات المتحدة والقول إننا لسنا مستعدين حتى للجلوس والتفاوض معها هو ضعف خطير في السياسة الخارجية.

يعتقد العديد من المحللين، حتى الأميركيون منهم، أنّ علاقة طهران بواشنطن لن تدخل مرحلة التهدئة والتطبيع الكامل في مراحل أخرى ما لم تتغير طبيعة علاقة إيران بالنظام الإسرائيلي.

مقارنة بين إيران وفيتنام

لقد قصف الأميركيون فيتنام ودمروها بالكامل، لكن الحكومات التي وصلت إلى السلطة في فيتنام بعد انسحاب الأميركيين شعرت لاحقاً بأنّ مصالحها القومية تتطلب منها أن تتصالح مع واشنطن بطريقة ما.

يمكنك أن ترى أنّ دولة مثل فيتنام تنتج الآن أكثر من 300 مليار دولار سنوياً، وجزء كبير من صادرات هذا البلد يذهب إلى الأراضي الأميركية. العديد من الدول الأخرى التي كانت لديها مشاكل مع الولايات المتحدة وضعت هذا العداء جانباً. في عالم السياسة، لا يمكن أن تدوم أي صداقة أو عداوة. في السياسة الخارجية، المصالح الوطنية لأي بلد مهمة، ويجب علينا مراعاة المصالح الوطنية لشعبنا.

هذا لا يعني أن السفارة الأميركية يجب أن تُفتتح في إيران على الفور، لكننا عملنا مع الولايات المتحدة في بعض الحالات المشتركة في الماضي، والآن يمكننا أن نجد مصالح مشتركة.

على سبيل المثال، في حالة البوسنة والهرسك، كانت مصالحنا تتماشى مع المصالح الأميركية، وتجاهل الأميركيون حينها الإجراءات التي كانت إيران تتخذها لدعم البوسنة والهرسك. يمكن الحد من عداء الولايات المتحدة بحيث يكون هناك ضغط أقل على الناس ويتم تأمين المصالح الوطنية للبلاد.

ويشكّل النظام الإسرائيلي دائرة حول إيران، بدءًا من استغلاله لعلاقته القديمة مع روسيا إلى الوجود العسكري والاستخباراتي في أذربيجان، ثم تطوير وتعميق العلاقة مع تركيا والدول العربية، وصولًا إلى تركيب الإسرائيليين الرادارات في الإمارات ووجود المخابرات الإسرائيلية في أربيل.

لمواجهة إيرانية للتهديد

إذا حاولنا إقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة والدول المجاورة حتى لا يشعروا بالتهديد من إيران، فلن يكون هناك سبب يدفعهم للذهاب إلى إسرائيل. حتى الآن، إذا أنشأنا علاقة قائمة على المصالح المشتركة مع السعودية، فليس من الواضح إن كان السعوديون سيتجهون بسرعة نحو التطبيع مع إسرائيل.

نحن نُجري عمليَّتَيْ تفاوض في نفس الوقت: مفاوضات مع السعودية بوساطة بغداد ومفاوضات مع الولايات المتحدة بوساطة الاتحاد الأوروبي. يعتقد الكثيرون بأنّ السعودية تنتظر نتيجة مفاوضات إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة، وفي ظلّ الظروف التي ستختتم فيها هذه المفاوضات، فإن المحادثات معها ستتسارع.

بالتأكيد، إذا انتهت المفاوضات التي بدأناها في فيينا، فسيكون لها تأثير على علاقة إيران بدول المنطقة. حتى السعوديون ينتظرون نتائج محادثات فيينا، هل سنتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقة أم لا؟

إنّ المفاوضات الجارية بين إيران والسعودية في العراق – والتي تسير ببطء وسلاسة، وتشمل تردداً لجهة استئناف نشاط قنصليتي البلدين، تشير إلى أنهم يريدون رؤية ما سيحدث في المفاوضات النووية. في الوقت نفسه، يشعرون أنه إذا تم حل هذه المشكلة، فمن المحتمل أن يتم حل مشاكلنا الأخرى تدريجياً مع الغرب، وهم يخشون ذلك.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: