الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

بعد ظهر آخر الخريف لصادق تشوبك- الجزء الثاني

للمشاركة:

قصة فارسية قصيرة مترجمة

جاده إيران- ترجمة/ ديانا محمود

بعد ظهر آخر الخريف لصادق تشوبك- الجزء الثاني 1

عاد المعلّم بذاكرته لبداية العام الدراسيّ، وتحديداً لظهر يوم أحد أيام الأسبوع الأول في الدوام المدرسي، ففي ذلك اليوم وعند انتهاء الصفوف، أوقفته سيدة متوسطة العمر، كانت تقف أمام باب المدرسة مرتديةً عباءة صلاتها، وقالت له “الله يخليك يا أستاذ، ابني أصغر يتيم، أبوه مات من شهر ، ضربتو سيارة لما كان بيكنس الشارع، وهالطفل من يومها بيقضيها صفن، الله يخليك ساعدني خليه يصير طالب شاطر، فيها حسنة، أنا ما عندي شي أعطيك ياه، بس أنا بخدمتك، شو فيني أعمل بعمل، بغسلك التياب، بس أنت انتبه عليه وخليه يهتم بدروسو، وكل ما شفتو مقصر بدروسو وعم يشاغب أضربو ليسمع الكلمة، نحن خدامينك يا أستاذ، وهو والله بيحبك، بس أنت ركز عليه خليه يطلع منو شي”. ثم انحنت نحو قدمي الأستاذ وقبّلتهما.

الآن وهو ينظر إلى أصغر، تذكّر كلّ ما قالته أمه ورقّ قلبه عليه.
ساد الصف سكوت عارم، واختفت الهمسات التي كانت تستمر بلحن واحدة طيلة الوقت، وجوه التلاميذ تحاول أن تقول شيئاً يبعد عنها أصابع الاتهام، ويُطبق عليها صمت مطلق، حتى أصوات الأنفاس غير مسموعة.
تحرّك أصغر بصعوبة، قلبه كان ينبض بسرعة وجفّت أوردته، كان الصف بتلاميذه يدور حول رأسه، تخيل أنّه سيُضرب على الفور، أخفض نظره نحو الأرض وعصرَ قلمه بين يديه.

صرخ المعلم ثانية “إذا شفتك مرة تانية سارح بخيالك رح أضربك على راسك وخلي دماغك يطلع يتمشى برا”.
شعر أصغر وهو مطأطئ الرأس أن الجميع ينظر إليه، خاصّةً فريدون، الذي كان عدواً له في الصف. استرق نظرة نحوه، فرآه يجلس مرتاحاً على مقعده دون أدنى خوف من المعلم، يحدق نحو أصغر بعينين جميلتين مزيّنتين برموش سوداء، تظلل وجنتيه البيضاويتين.
عندما التقت عينا فريدون و أصغر، رفع الأول حاجبيه، ومدّ لسانه محاولاً إغاظته، ثم أعاد نظره إلى الأمام بسرعة.
استشاط أصغر غيظاً، لكنه لم يستطع فعل أي شيء. فريدون أفضل التلاميذ وأكثرهم تميزاً، يأتي ويذهب إلى المدرسة بالسيارة، وفي الاستراحة يحضر له خادمهم زجاجة عصير ليشربها هو ورفاقه. لم يوبّخه المعلم أبداً، وجهه كان أبيض اللون، يداه نظيفتان على الدوام، وأظافره أنيقة لا تتجمع تحتها الأوساخ، وشعره أشقر، طويل، باستثناء خاص من المعلم. كل هذه الأشياء كان فريدون يتمتع بها على عكس أصغر، وكل واحدة منها تزرع في أصغر خوفاً وحقداً متجذراً.
في مخيّلته كان أصغر يفكر “لو أنك صادق قل شيئاً لفريدون هذا، فهو يثير انزعاجي، الجميع رأوا ما يفعله معي، ماذا فعلت أنا؟! يا إلهي لو كنت مكان فريدون، المعلم يذهب إلى منزله ويشرف على تدريسه ويركب سيارتهم، يأكل المعمول المحشي بالتمر واللوز، مثل تلك التي أحضرتها أمي في جيبها لنأكلها، كان معها رقبة دجاجة ايضاً، طعمها كطعم المرق الذي أحضره لنا ذلك التاجر في إحدى الليالي، وكان مليئاً باللحم ومعه أرز، وكنا مع قارئ الحي ودرويش ورجلين كفيفين، كان القارئ يرغب في رميي خارجاً، قال للتاجر أنهم ٦ أشخاص وهذا الطفل إضافي، ارتفع حينها صوت الكفيفين، فأحضرت امي الدركيّ الذي اشتبك معه، وأعطانا حصّتنا وأخذناها إلى المنزل، وتناولناها على الغداء في اليوم التالي، كان هناك عظمة في المرق هزّتها أمي، وأطعمت آسيه وزهرا وأنا أخرجت ما في داخلها بالمسمار”.
وبعد السجدة الثانية نجلس ونقول الشهادة، الشهادة يعني أن نجدد إيماننا وتوحيدنا لله ورسوله فنقول (أشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له).
عندما عدنا إلى البيت امضينا الليلة المقمرة باللعب، كم الصيف جميل، لا مدرسة لعينة، كم قضينا وقتا ممتعا.
(وأشهد ان محمداً عبده ورسوله)
ليلتها، كان حظ علي سيئاً جداً باللعب، كل أوراقه كانت سيئة، والسيد رسول كان يسخر منه، لو كان بالإمكان أن نذهب للعب الآن.
(اللهم صلّ على محمد وآل محمد)
كنت وقفت بجانب علي وساندته ضد تقي، مثل تلك الليلة العامرة كل واحد منهما كان أمامه كومة من النقود، كم الصيف جميل، كم ذهبنا مع السيد رسول إلى منطقة شاه عبدل خلف ابن بابويه.
(وبعد التشهد نقف لنبدأ الركعة الثالثة ).
أوه كم كانت تلك الرحلة ممتعة في حديقة سراج الملك، أكلنا يومها خبزاً وكباباً مع اللبن، وكان السيد رسول معنا، لا أعرف لمَ يعتقد الناس أنه سيء، لماذا يوبخني تقي كلّما رآني معه؟ ماذا يفعل رسول ليكرهه الناس؟ يقبّلني ويداعبني، ويعطيني ٥ ريالات عندما نعود عصراً إلى المدينة في سيارته رصاصية اللون، إذا كررّ تقي ما يقوله عن رسول مرة ثانية، سأشي به ليحطم رسول رأسه، فرسول أقوى منه، وتقي هذا عامل في المخبز، سأقول لرسول أن يسمعه بعض الكلمات عندما يذهب لشراء الخبز المرة المقبلة.
(وفي الركعة الثالثة بدل الحمد والسورة نقول سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر ثلاث مرات).
كي لا يتجرّأ ويقول أمام عباس ورجب عمّا يفعله رسول ويضحك الآخرون، ثم يبدأ الجميع بالسخرية، ويُخرج السيد عماسم تمرا من جيبه، ويقول لي أعطني قبلة وخذ هذه، أنا لا أريد أن يعرف فريدون ولا أي أحد ما يفعله معي رسول، لو أنني لا آتي إلى المدرسة، غداً لن أحضر إلى هنا. فأنا لا أعرف الصلاة، وعندها سيسخر مني فريدون، أنا لا أستطيع أن أصلي أمام الجميع، فأنا أخجل حتى من وضع رأسي على التربة، والأرض هنا غير مناسبة.
غداً صباحاً، سآخذ كتابي معي وأذهب إلى الحارة الطويلة المغلقة خلف تلك البيوت، سألعب مع الأولاد طرة نقش، لقد هزمت جاسم سابقاً، لكن إن كان رضا موجودا سيربح بالتأكيد، فهو ماهر في هذه اللعبة، ثم سأخبر رسول بأن يأتي إلى المدرسة ليقول للمعلم إن أصغر مريض ولم يستطع الحضور إلى المدرسة. آه كم رضا ماهر في اللعب.
ثم وضع أصغر أصبعه في أنفه، وهزّه بعنف، وأخرج ما فيه ليلصقه على المقعد، لكنه سقط من يده دون أن يستمتع بما أراد فعله.
أدار رأسه نحو الشارع مرة ثانية دون انتباه، وأخذ يراقب الناس والعربات والحمير، التي تنقل البضائع والذبيحة المعلّقة عند الجزار، كان يرغب بأن يكون حراً أيضاً وأن يذهب أينما يشاء.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: