الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

أدب فارسي مترجم: “المتسولة” لغلام حسين ساعدي- الجزء الثاني

للمشاركة:

قصة فارسية قصيرة مترجمة

جاده إيران- ترجمة/ ديانا محمود

اقتربت الشمس من المغيب وأنا أبحث عن أسد الله، مثل تلك الأيام التي كان يضيع فيها أثناء طفولته. في النهاية قررت العودة إلى منزله وشعوري بالخوف من عزيز لا يفارقني. كنت أخاف منها ومن أولادها ومن الجميع، قطع الله لساني، فقد كنت أخاف أيضاً من مرقد السيد معصومه. هاجمتني الخيالات الغريبة. وفكّرت بالعودة في اليوم نفسه، واتّجهت نحو الكاراج لكني رأيت بالصدفة أسد الله يعبر الشارع بيدين ممتلئتين، فناديته وركضت نحوه وأمسكت يده ودعوت له بالخير. بقي صامتًا كأنّه معقود اللسان، وينظر إليّ مذهولاً. قلت له: “ولدي العزيز لا تخف، لا أريد القدوم إلى منزلك، أعلم جيداً أنّ زوجتك لا ترغب برؤيتي، لكنّي اشتقت لك وأردت رؤيتك”.
قال السيد: “آخ منك يا أمّي، لم تُبقِ لي أيّة كرامة، رأيتك عصر اليوم تتسوّلين أمام المرقد. عبرت سريعاً من أمامك، لم أستطع حتى التكلّم إليك، ماذا تفعلين بنفسك آخر هذا العمر؟”
غمرنا الصمت لحظات، ثمّ سأل: “هل اشتريت لنفسك قبراً؟”
أجبته: “لا تحمل همّي، لم تُرمَ جثّة أحدٍ من قبل، سيدفنونني بطريقةٍ ما”. أدمعت عيناي وضاقت بنا الدنيا، لكنّه لم يستسلم وسألني: “لماذا تبكين؟”، فقلت له: أبكي غربة الإمام الرضا”.
مدّ أسد الله يده إلى جيبه باحثًا عن نقوده، وأخرج منه قطعةً نقديّة وصرخ في وجهي: “أرجوك يا أمي، وجودك هنا من دون نفع، من الأفضل أن تذهبي إلى عبد الله، أنا عاجز عن توفير حياةٍ كريمةٍ لك. التسوّل غير ممكن، فالناس ستعرف من أنت في النهاية، وسيدركون يوماً ما إنّك زوجة السيد الرضي. ستهتزّ عظامه في القبر ولن يبقى لكلّ عائلتنا وجه نقابل به الناس. إرجعي إلى عبد الله، فزوجته ليست كعزيزة سليطة اللسان، بل هي أرحم منها ومنصفة”.
وصلنا إلى كاراج السيارات، ثم قال لأحد السائقين: “يا عم، خذ هذه السيدة معك وأنزلها في شوش، وثوابك عند الله”. ثمّ رحل سريعاً من دون توديعي. لم أناده بعدها، لأنني لم أرغب أن يفهم الناس أنني أمّه.
اشتاقوا لي في منزل عبد الله، لم يكن ولدي وزوجته رخشنده في المنزل حينما وصلت، أولادهم قلبوا المنزل، وأخت درخشنده السمينة جدًا كانت تجلس وسط الدار ومنهمكة بالحياكة. حين سمعت صوتي، وعلمت أنّي جئت، انفتحت أساريرها والأطفال كذلك سُرّوا بقدومي، ولم يكن قد مضى وقت طويل على مغادرة عبد الله وزوجته، وكان هناك خيرٌ وفير من الطعام والخبز، ولعب الأطفال في ساحة الدار من حولي، وكأنّهم يرغبون بمعرفة ما في صرّتي.
أصاب الفضول جميع الموجودين من الصغار إلى الكبار. حاولوا تتبّعي لكنّي خرجت من دونهم إلى الشارع، وعلى مفترق الطريق الأشبه بساحة، جلست، وكان الجو مظلماً. القليل من المارة يعبرون من تلك الناحية، وبركة التسوّل كانت هناك صغيرة جداً، لكني كنت أفعل ذلك من أجل الثواب. عندما كنت أعود إلى المنزل كانت تقول لي أخت رخشنده: “أين تذهبين يا جدة؟ هل تقضين وقتاً عند زوجك؟”.
اقترب منّي الأولاد وانهالت أسئلتهم من كل جانب، لكنّي كنت أضحك من دون إجابة، وضحكات الجميع ملأت أرجاء المنزل. أخت رخشنده كانت تحبّني كثيراً، وترغب في بثّ الفرح والسرور في قلبي بأيّة طريقة، فقلت لها اصنعي لي مخلاة، وبالفعل حاكتها لي وقالت: “حياكة المخلاة تحمل بشارة، هناك خبرٌ سارٌّ في الطريق”.
وبالفعل حدث ذلك، فعندما توسّطت الشمس سماء اليوم التالي وصل عبد الله ورخشنده من القرية، وعندما رأتني الأخيرة عبست وامتعضت، وعبد الله كان قد اكتسب وزناً إضافياً وازداد حمرةً وبياضاً، وقد نمت لحيته قليلاً. نظر إليّ من دون شوقٍ ولم يكترث لوجودي، فقلت لنفسي لا أحد يهتم لأمري، فلأذهب، لا فائدة من البقاء هنا، فكلّ من يراني ينزعج ويتعكّر، ولا يمكن الضحك مع الأطفال بعدها، وسكتت أخت رخشنده، صمت عبد الله قليلًا وفكّر في نفسه ثم قال: “لماذا لا تستقرّين هنا أو هناك يا أميّ؟”
قلت: “أريد الذهاب الآن”
ظهرت عليه علامات الفرح وقال: “طالما أنك ترغبين بالرحيل، فلتذهبي مع السيارة نفسها التي أحضرتنا من القرية”.
أحضر لي الأولاد خبزاً وجنباً، حملت صرتي والمخلاة التي أعدّتها لي أخت رخشنده، واستندتُ على الخشبة التي وهبني إياها عبد الله بدلاً من العصا، وقلت: “لا بأس ، سأذهب”.
قبّلت الأطفال وقبّلوني وخرجت، كانت السيارة أمام البيت، لحق بي الأطفال ووقفوا حول السيارة، لم تخرج رخشنده وأختها، أعطاني عبد الله القليل من النقود تكفي لذهابي وعودتي إن شئت، صوت بكاء رخشنده كان مسموعاً إلى خارج المنزل، وابنتها الكبيرة أبدت خشيتها من أن يحدث مكروهاً لي ليلاً.
وصلتُ ظهرًا إلى القرية. أخذوني إلى غرفةٍ متواضعةٍ ذات بابٍ صغيرٍ مربّع، وكانت قدماي ويداي تؤلماني جداً، عند المساء وضعوا لي خبزاً وحساء اللحم، تناولته ونهضت للصلاة، فتحت باب الغرفة ووقفت عند عتبته المطلة على وادٍ كبيرٍ يضيئه القمر، وكأن المكان مغطّى بالحليب، وصوت عواء الذئب يأتي من كل اتجاهٍ وكأنه يقول :
“ستأتي الذئاب لتأكلكِ الآن فهي تحبّ العجائز”.
بدأ يتراءى لي الذئب أمامي وأسنانه تلمع، بينما كان هناك طائرُ ينقر سطح الغرفة ويغنّي، دعوت إلى الله أن تتوقّف هذه الأوهام والخيالات وعدت إلى الداخل. في الأيّام التالية لم أعد أرغب برؤية القمر والوادي ولم أعد قادرةً على تحمل الخيالات، فبقيت داخل الغرفة وضاق صدري بما حلّ بيّ، فانفجرت باكيةً أستذكر غربة الإمامين الرضا والعباس، ثم خطرت ببالي ابنتي صفية واشتقت لها، لكنّي كنت أخشى زوجها، وعلى الرغم من أنه لا يعرف مكاني، إلا أني بدأت أتوهم وأتخيّل أشياء كثيرة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: