الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

نار زرادشت” ل هُوْشنْك كُلْشيري – الجزء الثاني

للمشاركة:

قصة فارسية قصيرة مترجمة

جاده إيران- ترجمة/ ديانا محمود

قال یلوي شيئاً ما.

سيلفيا: سمعت أخبار إيران

مراد: هناك أخبار كثيرة.

سيلفيا بصوتٍ متعب: بالنسبة لك ليس هناك أيّ شيءٍ جديدٍ ممّا يقال.

الطلّاب والتلاميذ تظاهروا أمام السفارة الألمانيّة وردّدوا شعاراتٍ كثيرة. أرادوا الهجوم على السفارة بسبب حكم محكمة برلين أخيرًا، لكنّ الشرطة والأمن منعوهم من الوصول، فانتهت التظاهرة.

جاءت ناتاشا ضاحكةً. انحنت نحو يلوي وحدّثته بصوتٍ مرتفعٍ. أشارت إلى رقبته وياقة قميصه الأبيض وقدميه، ثمّ طوت يديها نحو إبطها وكأنّها تستند على عصا. أكملتضحكتها لكن يلوي لم يضحك، ونظر نحو الأرض وقال لسيلفيا ببطءٍ وهدوء: تقول إنّه من المقرر أن تلتقي صديقها في المحطة وحدّثها عن كل شيء، وفي النهاية قال لها إنه يستند على عصا.

نظرنا إلى ناتاشا فنظرت إلينا بتعجّب وأوضحت بالإنكليزية وهي تشير إلى وجهها وما فوق شفتيها والياقة وحتى ملابسها وإلى السروال، ثمّ أعادت تقليد من يستند إلى العصا وضحكت بأعلى صوتها، وضحكنا أنا وبانو التي قالت: “ناتاشا تقول إنّها ستذهب غدًا إلى باريس للقاء شخص تعرفه بالاسم فقط، واتفقا على أن يأتي إلى المحطة كي يراها، وعندما سألت ناتاشا كيف ستعرفه؟ قال لها: حسنًا أنا أعتمر قبّعة رماديّة ولديّ شاربين، وسأرتدي ربطة عنقٍ خمريّة وسترة مقطّعة زرقاء وسروالًا رماديًّا، ثم أضاف: إذا وصلت متأخراً قليلاً فلا تتضايقي مني، فأنا منذ شهر كُسرت قدمي وما زلت مجبرًا على الاستناد إلى عصا كي أمشي.

ضحك مراد وسيلفيا ونحن أيضًا، زوجة يلوي ابتسمت فقط، يلوي اكتفى بالنظر إلى النار، ناتاشا وضعت شعرًا على شفتيها وكأنّها تصنع شاربًا، وأخذت تردّد “شارب” وتحركّهماوتضحك. وفي النهاية جلست قرب بانو، أعاد يلوي لزوجته ما حدث لكن باللغة الالبانيّة، وأشار إلى أعلى شفتيه ولباسه ثم للعصا فضحكت زوجته بلا صوت.

قال مراد: ما قصة هذا الملك الألبانيّ؟ قالت سيليفا له شيئًا ما وأجابها يلوي بإشارة إلى رأسه وأعاد نظره إلى النار وابتسمت زوجته مرة ثانية

قال مراد مرة ثانية: أسأليه بدقة عن هذا الملك. بالنسبة إليّ هذا الأمر مثير. ربّما نحن نعود إلى نفس النقطة. سألت يلوي ثم ترجمت ما قال: لدينا مشكلة عصابات، العصابات الروسية والإيطالية لديها أسلحة، الجميع لديه أسلحة، والبعض يجوعون فيهجمون. على ماذا تقولون هنا؟ (وضربت يدها بالهواء) فعلوا كل ما استطاعوا فعله.

قلت: غارة

نعم، شكراً يغيرون على الدكاكين والبيوت ويتركونها خاليةً من كلِّ شيء.

أوضح يلوي وذكر اسم آنيسا وقال بالإنكليزية: ابنتي وكذلك باللغة الفرنسيّة. سألته ناتاشا بالروسيّة شيئاً، وتحدثا معاً ثم نهضت ناتاشا، وبدأت بالصراخ وكان يلوي ينظر إلى الأرض ويجيبها.

قالت سيلفيا بهدوء: لا أفهم ماذا يدور لكنّ الخلاف يدور حول جنسيّة العصابات هل هي روسيّة أم ألبانيّة.

سألتها: ماذا كان يقول قبله؟

لا أذكر

كان يقول شيئًا حول آنيسا.

آه نعم نسيت، عائلة يلوي كانت تمضي وقتها في الغالب على الأرض. لا يمكنهم النوم ولا اليقظة (أشارت إلى النافذة قربها) خوفاً من الرصاص، كانوا يستلقون على الأرض، والآن آنيسا تستيقظ من النوم خائفةً تهرب من السرير، وترمي نفسها في الأرض. ماذا تقولون هنا؟

ناتاشا كانت تحاول توضيح الأمر بالإنكليزية لبانو، واعتذرت عن ذلك في البداية. ترجمت لها بانو: تقول إنّ يلوي لا يرحم. نحن دائماً نختلف فهو يعلق أزماتهم المختلفة على عاتق الروس، صحيح أن هناك عصابات روسيّة، وأغلبها من عناصر المخابرات السابقة (كي بي أو) والمسؤولين السابقين أصبحوا اليوم من مناصري الحكام السابقين الذين تقاسموا مؤسسات الدولة والمعامل، لقد كانوا تحت السلطة العثمانيّة لسنوات، وهم بقايا الشعب البلقاني الذي استقل، وعندما وصلنا نحن الروس أصبحوا شيوعييّين وجاء دور ألبانيا آخر بلد من أوروبا الشرقية، حين استقلّ وبدأت الثورة فيه، فيما أصبح الحكّام السابقون أصحاب الشعارات الليبرالية والديمقراطية، ثم جاءت المافيا الايطاليّة والشباب العاطلون عن العمل جياعًا، ويهجمونعلى البيوت. الجيش تدخّل في الأمر، لكن الجميع من دون رواتب، لذلك كان عليهم أن يسرقوا ويقتلوا.

ناتاشا قالت شيئًا ليلوي. أجابها ثم نظر إلى سيلفيا وترجم لها فقالت: مضى شهر كامل وهم يتشاجرون. لا أرغب في الترجمة. فكلّ الأماكن تتشابه مثل يوغسلافيا سابقاً الحرب هي الحرب قتل واغتصاب أنتم تدرون ذلك فقد قمتم بثورة.

قلت: في ثورة إيران لم يكن هناك حالات اغتصاب نساء أو سرقة، قالت سيلفيا: لقد كسروا البنوك وأحرقوا صالة سينما بمن فيها كانوا يرمون الحمض على وجوه النساء، كنت أنا في إيران آنذاك.

قالت بانو: هذه الحالات استثنائيّة. ربما كسروا البنوك لأمرٍ ما لكنّ القصد لم يكن السرقة، بل إنّنا لم نسمع بحالة سرقةٍ واحدة.

قالت سيلفيا: كتب أحد الطواغيت – لقد كان مراد هناك، ورأى ذلك رموها في المسابح، تلك الكتب كانت ثمينةً، أغلبها من المخطوطات، كل الأماكن متشابهة.

احمرّت خدود بانو وبدأت تمرّر يدها في شعرها القصير. أوضحت لناتاشا بالإنكليزيّة عن تجاربي، وكيف رأيت عواميد من الأوراق النقديّة في بعض الغرف، وشابّة تحمل سلّة فاكهةٍ وتعطي منها كل العابرين، وعن الرجل الذي كان يمسك كأسًا بيد وبيده الأخرى خرطوم ماءٍ يسقي الناس في المسيرة، وعن شباب حارتنا الذين كانوا يحرسون الحارة، وعن راكب الدراجة الهوائية الذين كان يحمل الأسلحة، وعن سعادتي به في تلك اللحظة. قلت إنني عرفت عندها أن دورنا قد جاء، سألت ناتاشا: الآن ماذا؟ ألم تعد تظن بأن دورك قد حان؟

قلت: أظن أنّ أيادي الشعب لم تعد فارغة. قالت ناتاشا بالإنكليزية: يلوي يظنّ أنّه عندما تسفك الدماء فإن الرابح هو من يستطيع أن يقتل.

بعد الحديث مع يلوي وزوجته، قالت بالروسية أشياء ردّ عليها يلوي بهدوء ولحن واحد، لم أفهم حتى قالت سيلفيا بصوتٍ حادٍّ مع إشاراتٍ باليد: جدل مرة ثانية، – ماذا تقولون في مثل هذه اللحظة أنتم؟- مثل الكلب والقطّة ثم أكملت بالفرنسيّة. سألها مراد: ماذا كنت تقولين؟

تحدّث مراد بالفارسية عمّا كان يحدث في أوّل الثورة: سيلفيا كانت تنظر للثّورة ومن وجهة نظرٍ أجنبيّة. كلّ عنفٍ جزئيٍّ بالنسبةِ لها مرعب، عندما لم يسمحوا لها بالمشاركة في المسيرات، عادت إلى البيت بائسةً ثمّ شاركت في المظاهرة النسويّة ضدَّ الحجاب مردّدةً مختلف الشعارات.

ترجمت بانو لناتاشا ما قيل ثمّ أعادت ناتاشا ترجمته ليلوي، ثم أكملت: ذهبت سافرة الرأس، وكنت أرتدي معطفًا له قبّعة. سألت سيلفيا: ما هي القبّعة؟

القبّعة الخاصّة بالبرد والثلج.

سيلفيا قالت: حسناً ماذا حدث بعد ذلك؟ تابعي لو سمحتِ

لم يحدث شيءٌ مهم، جاءت سيّدة من خلفي، وقالت لو سمحتِ غطِّ رأسك لأنّ هناك شخص غير محرم، ومدّت يدها ووضعت لي القبّعة، مضيت قليلاً ثم عرق رأسي وقلعت القبّعة،لكن المرأة جاءت ووضعت القبّعة مرة ثانية على رأسي، من دون أن تقول أيّ شيء لكنّي رميتها ثانيةً، وقلت لها شيئاً، لكنّها كانت تبتسم وتشير بوجهها للرجال على الطرف الآخر. مضيت نحو الطرف الآخر وقلعت القبّعة من جديد، لكن مرةً أخرى وضعت إحدهن القبّعة على رأسي عنوةً، هذه المرأة لم يظهر منها سوى عينيها، وأشارت هي أيضًا إلى الرصيف، وضعت قبّعتي تحت لباسي وأغلقت الأزرار بشكلٍ محكم، في الأعلى، تقدّمت قليلاً اشتعلت النيران من خلفي. نظرت إلى الوراء. كانت امرأتان ضخمتان، ومن حولي عدد من النساء يرتدين العباءات. لا يظهر من وجوههنسوى العيون، أكملت المسير وكلّ يومٍ كان يحصل هناك حدثٌ جديد. كنّا نظنّ أنّ السافاك عاد من جديد ليرمينا بالحجارة.

ثم أعادت الحديث بالإنكليزية لتترجم لناتاشا التي لم تكن تصغي، لأنها كانت تتحدّث مع يلوي وهو بدوره يصرخ هذه المرة، ويرفع أصابعه ويحرّكها بوجه ناتاشا.

سيلفيا: شجارٌ من جديد

قالت بالفرنسية شيئاً لـيلوي. مسح وجهه وعيناه، ثمّ أشعل سيجارة وبدأ يتكلم مع زوجته بهدوء بالألبانية.

وصلت ألسنة اللهب إلى قطع الخشب الكبيرة، وبدأت النّار تسري بينها. لم يبق هناك نشارة خشبٍ، ولا أوراق سوداء محروقة، يتمازج فيها اللون الأحمر والزهريّ، وتنتهي بلونٍ أزرق وألسنةٍ ضيّقة وطويلة زرقاء.

يلوي كان يحدثنا أنا وبانو، أوضحت سيلفيا: يعتذر ويقول إنّ لديه أغنيةً من زمن أنور خوجه. كان عضواً في أحد الأحزاب وعضواً لاتحاد الكتاب والفنانين، ألفتها بنفسي وهي جميلة جداً جداً ولكن .. لا أعرف ماذا يجب أن أقول هنا لم يسمحوا بعرضها.

قال مراد: ممنوعة

نعم ممنوعة، لكن هناك أغنيّة ثانية تبثُّ من الراديو تحمل اسمك، كلّ العالم متشابه. هناك الكثير من التشابهات.

قالت ناتاشا بالانكليزية: أقول ليلوي لماذا تعلّق كل الأخطاء على الروس؟

نحن ايضًا ابتلينا بنفس المصيبة، مسؤولينا أشبه بأصحاب الملايين. لديهم الأملاك والبيوت الفخمة، أحيانًا يشعلون السيجار بأوراق الدولار، فيما تذهب النساء والفتياتإلى دبي لأسابيعَ ليطعموا عوائلهم.

قلت لمراد بهدوء: قل لي من أجل أيّة أهداف أضعنا شبابنا.

سألت ناتاشا: ماذا قال زوجك؟

قالت بانو بالإنكليزية: هم، أقصد الجميع، نحن أيضاً، كنّا ندخل إلى السجن بسبب ترجمة كتابٍ أو كتيّبٍ أو بعض المقاطع، ماذا لو كنتم مكاننا، جنّة باكو، جنة لينينغراد.

لم أصغِ بعدها لناتاشا التي كانت تردّ على أمرٍ ما، ألسنةُ النّار القصيرة والطويلة بدأت تتقلّص، وتضعف ويرتفع منها الدخان نحو المدخنة، أشرت إلى النّار وقلت بصوتٍ عالٍ: نار زرادشت، بانو قالت بالإنكليزية: نار زرادشت. ضحك يلوي وقال شيئاً لزوجته لم افهم منه سوى زرداشت.

قالت سيليفيا: نعم زرادشت لقد كان النّار السابقة. صحيح؟

لم ينطق أحد منّا، الجميع كان يحدّق بالنّار التي توهّجت بشكلٍ كاملٍ دون أيّ شوائب سوداء. تمازجت ألوانها أكثر فأكثر، ونشرت الدفء حولها.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: