الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

“نار زرادشت” ل هُوْشنْغ غُلْشيري – الجزء الأول

للمشاركة:

قصة فارسية قصيرة

جاده إيران- ترجمة/ ديانا محمود

هُوْشنْغ غُلْشيري (1938-2000) أديب إيراني معاصر من مدينة أصفهان اشتهر بنشاطه الثقافي العالي، بدأ رحلته مع القلم برواية “الأمير احتجاب” التي حققت له شهرة واسعة أثارت ضجة بين أبناء طبقة الأرستقراطيين في إيران، كانت توجهات غُلْشيري يسارية لكن نشاطه السياسي لم يستمر طويلاً، فيما أطلق حلقات أدبية معنية بقراءة وتحليل ونقد النصوص الأدبية ساهمت في تخريج عدد من الكتاّب الجدد. لهُوْشنْغ عدد من المجموعات القصصية، اخترنا من مجموعته “نصف القمر المظلم” التي نشرت بعد وفاته وجمعت العديد من قصصه المنشورة في المطبوعات المحلية، قصة بعنوان “نار زرادشت”.

نار زرادشت

"نار زرادشت" ل هُوْشنْغ غُلْشيري – الجزء الأول 1

كنا سبعة أشخاص نجلس حول الطاولة في غرفة الضيافة التابعة للمساكن، على الطاولة أبريق شاي وخمس ست كؤوس وعلبة من مكعبات السكر ومنفضة سجائر. الزجاج يحيط بالغرفة من ثلاث جهات، فيما كان الجدار الرابع خشبي دون أي رف، في وسطه باب مفتوح على غرفة التلفاز حيث يوجد هاتف يعمل بقطعة معدنية وأريكة ومكتبة صغيرة أغلب كتبها لهاينريش بول، وعلى اليسار موقد مدفأة، أشعلته أول المساء أنا وبانو، وضعنا فيه قطعة خشبية وأوقدناه بصعوبة بعد أن استخدمنا نشارة الخشب والأوراق، شعلته الضئيلة بين الركام تدفئ المنزل.
نحن، أقصد أنا وبانو، وصلنا منذ أسبوع، ومنذ ثلاث ليالي نأتي إلى هنا لنجلس مع رسام إيراني وزوجته، نضع الكراسي حول الموقد لنتدفأ بناره، يحيط بنا السواد القادم من تلك النوافذ التي تفصلنا عن بعض الأشجار المليئة بالبراعم المتساقط بعضها على العشب.
كان هناك امرأة روسية أيضاً معنا اسمها ناتاشا وزوج من ألبانيا، عرفنا اسم الرجل فقط، كان يلوي، قدم إلى هنا منذ شهرين وبقي وحيداً يحاول إخراج زوجته وابنته من بلده بعد اشتعال الحرب الأهلية فيها، وأخيراً وصلتا، والليلة تنضمان إلينا للمرة الأولى، تقول بانو: هذه الفتاة الصغيرة كلما رأتني تدخل إلى البيت.
قلت لها: تخاف مني أيضاً، عندما تراني تصرخ عالياً وتختفي خلف والدها، مضى يومان ثلاثة حتى تأقلمت على وجودنا، يبدو أنها لم تتعلم سوى اللغة الألبانية، وتقضي أوقاتها منذ الصباح حتى الظهر، ومنذ العصر حتى الليل، في غرفة التلفاز وترد على الهاتف وتقول “ناين” وتغلق الخط، نحن الأقرب إلى الهاتف كنا نسرع لنلتقطه قبل أن يقطع الخط، لا أعلم من قال ذلك، ربما سيلفيا الفرنسية زوجة الرسام الإيراني، كانت تتكلم القليل من الفارسية، قالت إن الأطفال والأمهات في “تيرانا” كانوا مجبورين على الاستلقاء دائماً على الأرض خوفاً من رصاص الحرب.
جاءت بانو وفي يدها كأس شاي، قالت: بعد الظهر أتيت لأشاهد أخبار المحطة الألمانية أحاول أن أفهم من الصور ماذا يحدث، كان هناك مظاهرات أمام السفارة الألمانية، قالت آنيسا: تيرانا، قلت: ناين، إيران، طهران، صرخت ناين تيرانا، انحنيت نحوها بلطف وقلت لها: ناين طهران وأشرت إلى نفسي، صرخت: تيرانا تيرانا! وركضت إلى الخارج.
لم نحتس بعد فنجان الشاي الأول حتى جاءت زوجة يلوي، جلست بعد أن رحبت بها سيلفيا، نظر يلوي إلى بانو وقال: ناين تيرانا، بانو: ناين طهران.
قال بالانكليزية: جئت لأشاهد الأخبار، آنيسا كانت معه أيضاً، حرك يلوي يديه وقال شئياً لسيلفيا.
أجابت سيلفيا: لا تعرف الانكليزية فقط تفهم الكلمات المشتركة.
قالت بانو لسيلفيا بالفارسية: ربما انزعجوا من شيء هل لك أن تشرحي لي ما حدث.
أجابت سيلفيا بفارسيتها المكسرة: لا أرغب بذلك سيدرك ذلك.
يلوي كان ملحنا موسيقيا، يتقن غير اللغة الألبانية، كل من الروسية والألمانية والفرنسية، ولا أعرف كم من لغة أخرى، أنا وبانو كنا نتقن اللغة الانكليزية ومراد أيضاً يعرف بعض الكلمات الانكليزية، لكنه يتكلم بالفارسية فقط، زوجة يلوي يبدو أنها تعرف أولا تعرف الانكليزية، دائماً مبتسمة. ناتاشا كانت تتكلم الانكليزية بصعوبة والروسية أحياناً، إذا كانت سيلفيا أو يلوي أو بانو أو أنا نرغب بالإصغاء إليها.
تبدو سيلفيا مريضة، ربما هي مريضة بالفعل، لا أعلم من قال لي إنها قامت بعملية جراحية لصدرها، رن الهاتف نهضت ناتاشا مسرعة نحوه وقالت بالانكليزية: الهاتف لي من باريس. كانت تتحدث بالروسية والصمت يملأ المكان، الجميع ينظر إلى النار أو نحو النافذة ونصغي لما تقوله ناتاشا بصوت مرتفع، نهضت من مكاني وأحضرت الشاي لنا نحن الأربعة، نظرت إلى يلوي وسألته بلغة الإشارة إن كان يرغب بكأس، وأضفت بالانكليزية: شاي.
أشار برأسه ويديه بالرفض، وقال شيئا لسيلفيا، فأوضحت أنهم يفضّلون أكياس الشاي أكثر.
زوجة يلوي قالت بالانكليزية: نعم.
سكبت لها الشاي، شمت الفنجان ولم تشربه، صوت ضحكة ناتاشا ملأ المكان، هز يلوي يديه وكأنه يبعد الصوت عنه، سألت سيلفيا: كأنه لا يحب ناتاشا وأغلب الروس؟
سيلفيا قالت كلمتين بالفرنسية ليلوي وأجابها بدوره، سحبت وشاحها نحو جسدها الضئيل أكثر وقالت، يلوي يقول إن صوتها وحركتها المبالغة تعني أنها تقتحم خصوصية الآخرين وكأنها وحيدة هنا.
ارتفعت ألسنة اللهب أكثر والتهمت قطعة الخشب الكبيرة، كم تعذبنا حتى استطعنا إشعالها، بانو كانت تضع نشارة الخشب وأنا كنت أنفخ أكثر، جُبرنا على استخدام الجريدة أيضاً ووضعنا أوراقها تحت نشارة الخشب لندفئ البيت لريثما وصل مراد وسيلفيا ومعهما قطعة خشب كبيرة، جلسنا عندها نتأمل النار التي تلتهم سواد الجريدة وتلتف بين نشارة الخشب مرتجفة تصعد عالية نحو قطعة الخشب الكبيرة.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: