الجادّة: طريقٌ في اتجاهين

المرآة لمحمود دولت آبادي (الجزء الثاني)

للمشاركة:

جاده إيران- ترجمة/ ديانا محمود

الرجل الذي أضاع بطاقته الشخصية كان يقظاً، حيث اشترى وهو في طريقه علبة سجائر وكبريت، إذاً ما من مشكلة لو بقيا ساعة إضافية بعد الدوام في الأرشيف، أضف إلى ذلك فإن الجدية التي بدت على الرجل العجوز وارتداءه لأكمام العمل الخاصة ووضعه عدسة مكبرة خلف النظارات جعلته يطمئن لهذه الجولة من البحث فيبدو إنه لن يعود خالي الوفاض هذه المرة.
فرغ الموظف العجوز من حرف الألف، رفع رأسه ليطلب سيجارة أخرى، ثم اتجه نحو الدرج الثاني حيث يوضع حرف الباء، سأل العجوز: عفواً ما هو اسم عائلتك؟
أجاب الرجل أنا لم أقل شيئاً.
قال موظف الأرشيف: كيف ذلك، يبدو لي أنك قلت لي اسمك ولقبك ونحن في المطبخ!، أعاد الرجل: أنا لم أقل أي شيء. أكمل الموظف العجوز: هل من الممكن أنك لم تقل؟ أوضح الرجل: لا … لا.
رفع الموظف نظارته وقال “حسناً لم نتأخر كثيراً لازلنا في بداية الأحرف، قل لي الآن ما اسمك؟” قال الرجل: “غريب جداً ؛ أليس غريباً لقد أضعت وقتك، أعتذر منك فأنا لم أخبرك بأصل القضية.. أنا .. أنا.. لا استطيع تذكر اسمي، من مدة لم أسمعه، ظننت أنه من الممكن أن تهرب الهوية مني”.
وضع موظف الأرشيف نظارتين وقال “لابد من أن نجد حلاً لذلك، ولكن لماذا أنت مصر على ..”، أجاب الرجل ” لا أبداً .. أبداً الأمر غير مهم يمكننا نسيانه ، بالفعل ما أهمية ذلك”، أجاب الموظف العجوز: “كما تريد، لكني أدرك معنى النسيان ، أصابني عدة مرات، لكن إذا كنت ترغب في الحصول على بطاقة شخصية هناك حلول”، سأل الرجل على الفور “ما هي الحلول؟” أجاب الموظف: “الأمر مكلف بعض الشيء، اذا لم يكن لديك مشكلة فأنا أعرف شخصا يمكنه أن يساعدك، أستطيع أن أصطحبك إليه، عليك أن تقرر بسرعة قبل أن يحل الظلام”.
كان الدوام الإداري قد شارف على الإنتهاء عندما انحنى الإثنان نحو زقاق ينتهي بشارع رئيسي، يمكن لهما أن يستقلا باصاً نحو منطقة يعرف العجوز دهاليزها جيداً. كان هناك دكان طويلة معوجة كخنجر. عند مدخل الغرفة كان هناك عجوز آخر ملتف بعبائته ألقى التحية على الموظف العجوز يبدو أنه يعرفه، وسمح له بالدخول مع زبونه إلى الدكان عبر آلاف البضائع القديمة. مضى الموظف العجوز مع الرجل نحو ممر مغلق بستارة مهترئة، أزاحها الموظف وفتح صندوق قديم مليء بالبطاقات الشخصية المصنفة ضمن مجموعات، وقال “الأمر يتعلق بنوع الهوية التي ترغب بها، يحدث في هذه الأيام أن يفقد الناس هوياتهم أو أسمائهم أو الإثنين معاً، من تحب أن تكون؟ ملك أو شحاد؟ لدينا كل الأنواع، الفرق في الأسعار فقط، لا تخشى سوف أتساهل معك، البعض يغمض عينيه ويختار واحدة وكأنك تسحب بطاقة يانصيب. بماذا ترغب أنت؟ تحب أن تكون من أي مدينة؟ وما نوع العمل الذي تحب؟ كيف تحب أن يكون وجهك، ما الملامح التي تريدها؟يتوفر لدينا كل شيء. هل تختار أنت أم اجرب لك حظك؟ يمكن أن تصبح اميراً أو تاجر حديد، أو صاحب معرض سيارات أو صاحب أدوات مستعملة، أو صاحب نجاحات كبيرة، لا تقلق الأمر سهل جداً، مثلاً هذه الحزمة من البطاقات تميزت بإشارة ضرب، تتمتع بخدمات خاصة، أظن أنها تناسب عمرك وتلك الحزمة مخصصة لشؤون الإعلام والدعاية؛ كأن تكون صاحب مجلة أسبوعية أو مسؤول عن برنامج تلفزيوني، كل شيء متوفر. واسمك؟ بأيّ اسم ترغب؟ حسن، حسين، بوذرجمهر.. أو تلك المذكورة في الشاهنامة؟ الأمر يعنيك ماذا يعجبك من الأسماء؟”
الرجل الذي أضاع بطاقته الشخصية صمت برهة وغرق في التفكير، ثم قال “لقد أخذت الكثير من وقتك، هل من الممكن أن تبحث لي عن هوية لميت، هل يمكن ذلك؟ أجاب موظف الأرشيف “ليس هناك شيء غير ممكن، بالعكس قيمتها أرخص”.
“شكراً شكراً!”
فيما هما يخرجان من الدكان كان العجوز الآخر يسعل بشدة وهو يبحث عن القلاب ليغلقه وهو يقول لزبونين هناك تعالا غداً فلا إنارة في القسم الداخلي للدكان… هناك في الزقاق كان الرجل يعبر الشارع، لم ينس أن يتذكر أنه لم يضحك منذ ثلاثة عشر سنة انفرجت أساريره الآن فجأة، انتبه أن أسنانه بدأت تتساقط واحدة تلو الأخرى لتستقر أمام قدمين وعلى حذائه رأى عظام وجنتيه وجفنه وأظافره… كانت تتساقط واحدة تلو الأخرى، يبدو أن الوقت قد حان ليصل إلى بيته ويتجه نحو الغرفة ويجلس قرب المدفأة ويلقي للمرة الأخيرة نظرة على نفسه في المرآة!.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: