الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 أكتوبر 2021 15:55
للمشاركة:

عودة لفيلم “الخامسة عصرا” للإيرانية سميرة مخملباف 

حين انسحبت حركة "طالبان" من كابل عام 2001 بعد الغزو الأميركي لأفغانسنان عقب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، انتعشت بعض القطاعات التي جرى التضييق عليها خلال حقبة سيطرة الحركة على البلاد، وكذلك بسبب ظروف الحرب الأهلية.

كان قطاع السينما أحد هذه القطاعات المنتعشة، أو لنقل حرية تنقّل الكاميرا، بمختلف ما تنتجه  من الإعلام والموسيقى والغناء وانتهاء بالسينما. في ذلك الوقت أيضا كانت سميرة مخملباف، المخرجة السينمائية التي دخلت عالم السينما بعمر السابعة عشرة، قد صارت مخرجة معروفة صقلتها الظروف، فدخلت من قنطرة “الاهتمام العالمي” بأفغانستان.

حينها كان كلّ ما يُنقل من مشاهد أو نتاجات مختلفة عن هذه البلاد، محط اهتمام عالميّ، وبخاصة تلك القطاعات التي تتفق ووجهة النظر الغربية وبخاصة أميركا وبريطانيا اللتان روّجتا للحرب في أفغانستان، ومن بعدها العراق، وهكذا دخلت المخرجة الشابة ذات الخلفية السينمائية، المنتمية لعائلة مخملباف التي يعمل كلّ أفرادها في السينما، إلى أفغانستان، وأعدّت في البلاد الخراب السيناريو “بشه ارتجال”. وتقول مخملباف عنه في مقابلات سينمائية،  إنها اعتمدت على قصص الشارع الأفغاني من مشاهداتها، كما أقنعت أناسا بسطاء ليدخلوا في مغامرة التمثيل أمام الكاميرا.

التجأت مخملباف إلى المشاهد الطبيعية، فالديكورات التي تدلّ على الخراب ما زالت قائمة، وقد قالت عن ذلك: “أردتُ إظهار الواقع الحقيقي الذي يعيشه الشعب الأفغاني، كما أردت أن أقول أنه لا يوجد رامبو أميركي سينقذ هذه البلاد”. هكذا، بدأت بصناعة فيلمها “الخامسة عصرا” على عادة الكثيرين من مخرجي إيران وبخاصة عباس كيارستامي، بأخذ عناوين شاعرية، فأخذت الاسم من قصيدة معروفة للشاعر الإسباني فيديريكو غارثيا لوركا، وتناولت الواقع الأفغاني القلق في مرحلة انتقالية. فمع أنّها تنقل مشاهد لمدارس البنات وبعض الملامح التي هي نتاج المرحلة الجديدة ما بعد طالبان، إلا أنّها أيضا تنقل الفوضى التي تسبّبتها الحرب.
تنقل أحد المشاهد تفجيرا انتحاريا من عنصر في طالبان، كما يبدو في السياق وهو يفجّر بسطة مطعمه المتنقّل بالبنات العائدات من مدرسة البنات، وهي نفسها التي ترتادها بطلة الفيلم “نقره”، فيما تموت الفتاة التي قالت في الحصّة التدريسية إنّها تريد أن تصير رئيسة أفغانستان.

مركزية واحدة وتوثيق الواقع

لعلّ مركزّية الفيلم والتي يعتمد عليها في لفت المشاهد، هي رغبة “نقره” بطلة الفيلم في إتمام تعليمها في مدرسة البنات، التي تفتح شهيتها على طموح أن تصير رئيسة لأفغانستان، متأثرة بـبينظير بوتو رئيسة وزراء باكستان الجارة، وحول هذه الفكرة “المجنونة” و”الطائشة” تطرح الأمر على الشاب سائق الدرّاجة الذي يمثّل نقطة مضيئة في بؤس “نقره”، فيُحاول الشاب أن يُبدي لها ألا شيء مستحيلًا، وبالفعل يقوم في مشهد بديع بطباعة صورتها ولصقها في أنحاء المكان الذي تقطنه مع أهلها.

وكذلك، يبرز المشهد الذي تؤديه “نقره” بين الطالبات، حيث تعلن عن طموحها المستقبلي للمعلّمة التي طرحت سؤال المستقبل والطموح، فحين تسأل المعلّمة “من تريد منكن أن تصير رئيسة لأفغانستان؟” حينها تقف “نقره” بإصرار قَلِق.

عدا هذه الفكرة يبدو الفيلم أقرب إلى تقارير إعلامية شائعة في ذلك الوقت، بمعنى أنّ نقطة القوة التي قالت عنها مخملباف، إنها أحد ارتكازات وقوة الفيلم، وهو بالعين الواقعية لم يستطع تقديم ما هو جديد، فمن الطبيعي أن تكون بلاد خارجة من الحرب أو لا تزال تعيشها، أن تكون بهذا الشكل، فليس هناك قيمة مُضافة للفيلم؛ أي أنّها ليست مقولة جديدة للفيلم، وفيما عدا الأفكار المُباشرة لتلاوة الآيات القرآنية ذات المدلولات الذكورية مثل “الرجال قوّامون على النساء” وغيرها، فإنّ مقولة الفيلم تم اختزالها في تلك المشاهد التي نجحت مخملباف بنقلها، لكن الفيلم الطويل (ساعة وأربعون دقيقة) يتحمّل أمورًا أعمق، أو لنقل بطريقة أخرى. كان بإمكان الفيلم أن يكون أقصر ليسع الفكرة دون حشوها بمشاهد (التقارير الإعلامية) إن صحّ التعبير، لكن هذا لا ينال من قيمة الكاميرا السينمائية الحصيفة التي تنقل المشاهد بزاوية ورؤية سينمائيتين.
ذاع صيت الفيلم لأسباب عدّة أهمّها أنّ الموضوع عن أفغانستان وفق الرؤية الغربية للموضوع، وبدرجة ثانية لكون المخرجة امرأة وإيرانية، وذلك شفع لها بل وشرع لها الأبواب.

بروفايل/ سميرة مخملباف، فيلم الساعة الخامسة عصرا

سميرة مخملباف من مواليد 1980 بطهران، وهي ابنة المخرج والكاتب السينمائي محسن مخملباف. تركت سميرة المدرسة الثانوية في عمر الرابعة عشر لتدرس السينما لخمس سنوات في “بيت فيلم مخملباف” الذي كان يديره المخرج محسن مخملباف.

أخرجت سميرة في عمر السابعة عشر فيلمها الأول بعنوان “التفاحة”، لتصبح بذلك أصغر مخرجةٍ في العالم تُشارك بشكل رسمي في مهرجان كان السينمائي لعام 1998. فيلمها الثاني كان باسم “السبورة السوداء” لعام 2000 وهو من سيناريو سميرة ووالدها محسن مخملباف.

أما فيلمها الثالث فهو “الساعة الخامسة عصرا” وعنوان الفيلم مأخوذ من قصيدة للوركا بذات الاسم، وهو أول فيلم يُصوَّر في أفغانستان بعد سقوط حكم طالبان، وقد رُشح الفيلم للمنافسة في مهرجان كان السينمائي عام 2003 وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وحصل الفيلم كذلك على عدة جوائز أخرى منها الجائزة الأولى لأفضل فيلم في المهرجان ال34 للسينما في الهند عام 2003 والجائزة الكبرى من مجمع الكنائس العالمي في كان في فرنسا في نفس العام، كما حاز الفيلم نفسه على جائزة سينما الشباب في مهرجان سنغافورة الدولي للأفلام في دورته الـ 17 وذلك عام 2004.

وفي عام 2004 تم اختيار سميرة ضمن قائمة أفضل أربعين مخرجًا في العالم من قبل صحيفة الغارديان البريطانية.
رابط فيلم “الساعة الخامسة عصرا” لمخرجته سميرة مخملباف.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: