الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة11 يوليو 2021 12:20
للمشاركة:

إيران وأميركا في عهد رئيسي.. ما هي حدود التوافق والاختلاف؟

لم يكن مفاجئًا أن تتعطل مفاوضات فيينا الرامية لإعادة إحياء الاتفاق النووي، لا سيما بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا لإيران خلال الجولة السادسة من المحادثات التي كانت في حقيقتها حوارًا غير مباشر بين واشنطن وطهران. الأمر الذي فتح الباب واسعًا لتساؤلات كثيرة حول مستقبل هذه المفاوضات، فضلًا عن مستقبل العلاقات الأميركية – الإيرانية في هذه الحقبة المنتظرة من حكم رئيسي.

في ظل هذه الأجواء استضاف برنامج “من واشنطن” الذي تبثه قناة الجزيرة في حلقة بتاريخ 25 حزيران/ يونيو 2021، كلًا من أستاذ دراسات أمن الشرق الأوسط والمختص في السياسات النووية في جامعة برينستون حسين موسويان، الذي عمل في وقت سابق رئيسًا للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الأمن القومي الإيراني ومتحدثًا باسم إيران خلال المفاوضات النووية مع المجتمع الدولي، كما حاورت الجزيرة في هذه الحلقة أيضًا المحاضر في الإعلام والشؤون العامة في جامعة جورج واشنطن بي جي كراولي الذي عمل سابقًا متحدثًا باسم الخارجية الأميركية. حيث دار بينهما النقاش التالي:

  • الجزيرة: سيد موسويان أستفيد من خبرتك في العمل الدبلوماسي والسياسة الدولية، كيف يفاوض عادة المفاوض الإيراني في قضايا تتعلق بالبرنامج النووي الإيراني؟

موسويان: هم فقط يؤكدون على حقوق إيران ضمن الشرعية الدولية ومتطلباتها. إيران كانت عضوا في معاهدة الحد من انتشارالأسلحة النووية وكانت إيران مستعدة للإيفاء بكل التزاماتها والقيود المفروضة عليها وفقا لمعاهدة الحد من الانتشار النووي. طبعا إيران على مدى أربعين عاما كانت وما تزال مصرة على أنها من حقها أن تتمتع بكامل حقوقها ضمن معاهدة الحد من الانتشار النووي. طبعا هنالك المزيد من القوى التي تحترم حق إيران في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية. إيران تريد حقوقها ضمن معاهدة الحد من الانتشار النووي.

  • الجزيرة: سيد كراولي كيف تعتقد أن الجانب الأميركي يفاوض الآن وما هو الأسلوب الذي يتبعه؟

كراولي: واحدة من الصعوبات الكبيرة التي تعرقل مسار المفاوضات تكمن في أن إيران والولايات المتحدة لا تتفاوضان بشكل مباشر وهذا مناقض لما رأينا في 2015. هما يتواصلان عبر رسائل مكتوبة أو شفوية يتم تناقلها عبر الأوروبيين. هذا ما زاد من طول أمد التفاوض وزاد من صعوبته أكثر مما هو. أعتقد أن الولایات المتحدة من خلال عنصر التفاوض بفيينا والتي تتعرض بالنسبة للجوانب الفنية تريد التوصل إلى اتفاق على مدى عام أو عامین وهذا أمر معقد وكل المؤشرات تدل على أن فيينا قد تستطيع التوصل إلى اتفاق أساسي قد يعيد الطرفين إلى الالتزام بالاتفاق عدا عن ذلك هنالك جانب سياسي في واشنطن وفي طهران. والتحدى في الأسابيع المقبلة سيكمن في هل أن القيادات السياسية في الولايات المتحدة وطهران ستقبل بأقل مما قالوا أنهم سيقبلونه. الإيرانيون يريدون رفع كل العقوبات التي فرضها ترامب وهذا ما لن يحدث. الولايات المتحدة تريد اتفاقا طويل المدى وأكثر قوة وإذا ما راجعنا الكلمات الأولى التي ألقاها الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي نجد أن هذا ما لن يحدث أيضًا. لهذا السبب كلا فريقي التفاوض في فيينا يحتاجون إلى موافقة وإرشاد من واشنطن و طهران إذا كان هناك اتفاق يتم التوصل إليه.

  • الجزيرة: واحدة من الأمور التي تطرحها إيران في هذه المفاوضات أنها تريد عمليا ضمانات بأن لا يتكرر ما حصل مع إدارة ترامب السابقة أي الانسحاب من الاتفاق بدون موافقة من الكونغرس. أي ضمانات يمكن لادارة بايدن أن تقدمها لإيران على أن تكون مقنعة؟

كراولي: كل ما بإمكان إدارة بايدن أن تفعله هو أن تبحث عن كل العناصر المتعلقة باستئناف العمل بخطة العمل الشاملة كون الاتفاق كان اتفاقا بأمر تنفيذي وليس معاهدة الدولة. لكن السؤال الذي يفرض نفسه هو أنه لو كوتن أو كروز او محافظ آخر أصبح رئيسا هل هم سيحذون حذو دونالد ترامب وينسحبون مرة أخرى أم لا؟، لهذا السبب الولايات المتحدة لا تستطيع إعطاء مثل هذه الضمانات التي تريدها طهران.

  • الجزيرة: هل تعتقد أن المفاوض الإيراني قد يقبل بالعودة إلى الاتفاق المبرم في عام 2015 بدون هذه الضمانات كما قال السيد كراولي إن ادارة بايدن لا يمكن أن توفرها؟

موسويان: أعتقد أن الأمر محل بحث في طهران وأتفق مع السفير كراولي لأنه لا يمكن أن نعتمد على أي وعد أميركي. ربما يوافق الرئيس الأميركي الحالي على شيء لا يوافقه معه رئيس قادم عليه.عندما تكون هنالك قرارات من الأمم المتحدة لا تستطيع أن تعتمد على وعود أميركية فكيف يمكن لنا أن نعتمد على أميركا كطرف مفاوض. هذه قضية كبرى. لو ارادت إيران أن تطبق اتفاقا تلتزم به وتذعن له بشكل مستمر فهي تتوقع من الولايات المتحدة ومجموعة 5+1 أن يلتزموا أيضًا بشكل مستمر ومسؤول وليس بشكل متذبذب متغير. هذه هي القضية الكبرى. رغم الفرق بين روحاني و رئيسي وادارتيهما كلاهما يتفقان على دعم الاتفاق النووي. اعتقد ان ادارة رئيسي سوف تلتزم بخطة العمل المشترك الشاملة كما فعلت ادارة روحاني. ولكن قد يكون هناك فرق كبير وعلى الولايات المتحدة أن تفكر بذلك. في عهد الرئيس الأميركي السابق ترامب أميركا انتهكت الاتفاق تماما مئة بالمئة وكانت إيران تلتزم بشكل كامل ثم اصحبت تلتزم بشكل نصف كامل واليوم إيران تلتزم على الأقل بخمسين بالمئة من الاتفاق بينما أميركا تلتزم صفر بالمئة. طبعا الرئيس الإيراني يبقى لمدة أربع سنوات وأخشى ان ادارة رئيسي لن تمتلك كل هذا الصبر. إذاما لم تلتزم أميركا بتعهداته سينفد صبر رئيسيوطبعا لن نرى رئيسا مثل روحاني. على الأميركيين ان يتخلوا عن سياسة الخداع ويبقون ملتزمين بتعهداتهم.

  • الجزيرة: ما هو الحد المقبول إيرانيا لاسيما فيما يتعلق بالعقوبات من أجل العودة إلى الاتفاق النووي في مفاوضات فيينا؟

موسويان: أعتقد انها قضية اساسية. أن إيران قبلت بأعلى درجات الشفافية خطوات يمكن تقبل بها اي دولة عضو في معاهدة الحد من الانتشار النووي إيران قبلت بأقصى القيود على برنامجها النوويالذي لم تقبل به اي دولة عضو في المعاهدة في التاريخ. مقابل ذلك إيران توقعت فوائد اقتصادية. هنا يكمن التوازن. لو التزمت الولايات المتحدة ومجموعة 5+1 بالاتفاق ورفعت العقوبات عند ذلك إيران ستلتزم بالاتفاق. لكن إذا ما ارادوا ان تلتزم إيران بالاتفاق وهم يبقون على العقوبات او بعد التوقيع على الاتفاق يقوموا باعادة فرض العقوبات تحت مسمى حقوق الانسان او ما إلى ذلك من اجل تدمير الاتفاق عمليا اعتقد هذه المرة ان الإيرانيين لن يقبلوا بذلك ولن يتحلوا بالصبر ازائه.

  • الجزيرة: سيد كراولي، هناك معارضة واضحة داخلية للعودة إلى الاتفاق النووي. ما هو الحد الادنى الذي يمكن لادارة بايدن ان تتوصل اليه ويمكن ان تصوغه الولايات المتحدة دون ان تتكبد خسائر سياسية؟

كراولي: اعتقد أن هذا سؤال مهم بالنسبة لادارة بايدن بما أن داخل فريق الإدارة هناك قناعة بأن خطة العمل المشترك الشاملة تجلب فوائد واضحة وإيران كان بامكانها أن تختار اللجوء إلى صنع السلاح النووي. هناك فكرة واضحة ان العودة إلى الاتفاق النووي كما تم التفاوض عليه في عام 2015 هو في مصلحة الأمن القومي الأميركي. رغم ذلك هناك أيضًا تعقيدات متأصلة في ماهية الفوائد التي ستتمتع بها إيران. فواضح أن هناك مجموعة من العقوبات سيتم رفعها وسوف تسمح لإيران بتصدير نفطها في الأسواق العالمية وترفع العقوبات التي تمنع البنك المركزي من إجراء التعاملات الأساسية إلا أنني مع ذلك أعتقد أن هناك عقوبات سوف تبقى والتي ستجعل الشركات العالمية تتردد قبل الاستثمار بقوة في إيران. لهذا السبب إيران ستتمتع ببعض الفوائد الاقتصادية ولكن ليس بكلها.

  • الجزيرة: هل تعتقد أن الجولة السابعة ستفضي إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران؟

كروالي: لا.

موسويان: أعتقد أن هناك فرصة طيبة.

المقدم: نصف نعم تقريبا.

  • الجزيرة: بي جي كراولي قبل قليل فسر تصريح الرئيس المنتخب رئيسي حول الصواريخ الباليستية بأنه رفض لبحث هذا الموضوع. هل هو يرفض بحث هذا الملف أو يقول ينبغي على الولايات المتحدة أولا أن تعود إلى الاتفاق النووي وسوف نرى بعد ذلك؟

موسويان: نسى الأميركيون حقيقة مهمة وهي أن الرئيس السابق أحمدي نجاد اقترح خلال عهده على الجانب الأميركي أن يكون التفاوض ليس فقط حول الملف النووي بل كل الملفات الإقليمية الأخرى لكن الإدارة الأميركية والأوروبيين قالوا لا إنما نريد التفاوض فقط بشأن الملف النووي فرفضوا المقترح الإيراني. وعليه قال الإيرانيون فليكن وسوف نتفاوض حول الملف النووي وعندما تم إبرام الاتفاق النووي التزمت إيران وهم لم يلتزموا والآن يقولون يجب أن نبحث كل القضايا الأخرى. لا بأس إذن لنرى كيف تكمن المشكلة في الجانب الغربي وليس في الجانب الإيراني. القضية الأخرى وهي المتعلقة بالقضايا الإقليمية والتي تتمحور حول عاملين مهمين أولهما هل ستحترم الولايات المتحدة والقوى الغربية والقوى الأخرى التي ستتفاوض مع إيران المصالح الإيرانية فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية وحقوق إيران ومشروعها في المنطقة أم لا؟ إذا كانت الإجابة لا، فإن إيران لن تبحث أي شيء حتى كانت قضايا تتعلق بأمور مثل العراق وسوريا واليمن. لكن إذا قرروا أن يحترموا الحقوق الطبيعية والمشروعة لإيران ومصالح إيران وهي طبيعية ومشروعة، أعتقد أن الإيرانيين سيكونون جاهزين للتفاوض. القضية الأخرى هي هل ستكون هناك سياسة متوازنة أم سياسة تقوم على أساس النفاق وازدواجية المعايير؟ الأن تمتلك السعودية صواريخ تصل مداها خمسة آلاف وهي صينية الصنع. بالنسبة لإيران صواريخها مداها ألفي كيلومتر والإسرائيليون لديهم أيضًا صواريخ بعيدة المدى. هل تقول القوى الإقليمية والولايات المتحدة لإيران عليها أن تمتلك صواريخ مداها أقل من السعودية على سبيل المثال؟ إذا كانت هذه سياستهم فإن إيران لن تتفاوض أبدا.

هل سيواصلون في فرض العقوبات على إيران وهم يرسلون أسلحة بقيمة المليارات إلى جيران إيران؟ هذه السياسة لن تنجح.

  • الجزيرة: يبدو أن موسويان قدم لنا لمحة عما قد يطرحه الجانب الإيراني إذا ما فتح هذا الملف من قبل إدارة بايدن في مرحلة لاحقة للتوصل إلى اتفاق آخر. لكن ما الذي تعنيه تحديدا إدارة بايدن عندما تقول أنها تريد أن تبحث ملف البرنامج الصاروخي الإيراني؟ هل تريد أن تتخلص منه كليا أم مإذا؟

كراولي: أعتقد أن لهذا الكلام تأثير مباشر على الجانبين الأميركي والإيراني فهو حقيقة يتم منذ أواخر السبعينيات ومن بين النتائج الجانبية لخطة العمل المشترك الشاملة المبرمة عام 2015 عندما حصل هناك اتصال مباشر للمرة الأولى بين وزير الخارجية الإيراني والوزير جون كيري وكلا الطرفين استخدما هذه القناة المباشرة إبان عهد الرئيس أوباما للتعامل مع القضايا الطارئة والتي ظهرت فجأة. أعتقد أن هذا أمر مهم ينبغي العودة اليه ويجب أن يكون هناك حوار مباشر. إلى أين سيؤدي هذا الحوار، لا أحد يعلم. لكن أن يكون هناك تواصل مباشر بين المسؤولين الأميركيين ونظرائهم الإيرانيين هذا ممكن أن يمتد لاحقا ليشمل مسؤولين آخرين من شأنه أن يعزز الاستقرار ويخفف من حدة التوتر بغض النظر عن السياسات والمصالح القومية لكل بلد.

  • الجزيرة: سيد موسويان أنت والسيد كراولي طرحتما الكثير من القضايا التي يمكن أن تبحثها واشنطن وطهران ولكن هناك قضية كبيرة وهي مسالة العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على الرئيس الإيراني المنتخب ابراهيم رئيسي. هل يمكن أن تقبل إيران بنقاشات تبحث فيها قضايا بشكل أوسع في حال جرى التوصل إلى اتفاق حول اعادة احياء الاتفاق النووي طالما أن رئيسي يخضع لعقوبات أميركية؟

موسويان: بالنسبة للإيرانيين هذا الأمر ليس بتلك الأهمية ولا يعنيهم أن الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على الأفراد بل الأهمية تكمن في فرض سياسات من قبل الولايات المتحدة. بالنسبة للأفراد لا يعنيهم العقوبات الشخصية بل القضية الأهم بالنسبة للإيرانيين هي هل أن الولايات المتحدة ستصر على فرض عقوباتها الأحادية على بلدان إذا ما تعاملت تجاريا مع إيران. إيران تريد أن تكون علاقاتها طبيعية مع القوى الشرقية وأيضًا الدول الأوروبية والأمر متروك لهذه البلدان أن تواصل علاقاتها مع إيران. لكن إذا أراد الأميركيون أن يعوقوا أية تعاملات تجارية بين إيران وبين هذه البلدان من خلال فرض عقوبات أحادية على طرف آخر، أخشى عند ذاك أنه لن يكون هناك أي اتفاق بين إيران وبين هذه القوى.

  • الجزيرة: سيد كراولي ما حجم التهديد الذي تمثله المعارضة الجمهورية للاتفاق النووي لآفاق أو فرص التوصل إلى اتفاق؟

كراولي: اعتقد ان إدارة بايدن مستعدة للذهاب إلى انتخابات عام 2024 وتبرر قرار العودة إلى الاتفاق النووي كأمر في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة. في عهد ترامب قيل إن أميركا ستتوصل إلى اتفاق مع إيران وطهران ستأتي إلى المفاوضات ولكنه لم يحدث. طبعا رئيسي انتخب الآن ولكنه أيضًا خاضع للعقوبات الأميركية وهذا قد يشكل مشكلة لإدارة بايدن والتي قالت إنها ستعيد مسألة احترام حقوق الانسان إلى صدارة اهتماماته في السياسة الخارجية والعقوبات المفروضة على رئيسي هي بسبب انتهاكه لحقوق المواطن الإيراني. إذن سيكون صعبا على إدارة بايدن أن ترفع العقوبات في غياب تنازلات كبيرة من إيران تكون لصالح الولايات المتحدة. هذا ربما سيكون المشهد الثانوي الذي سيزيد من تعقيدات المشهد الأصلي أكثر فأكثر.

  • الجزيرة: هل تعتقد أن رئيسي بما يحمل من تاريخ و توجهات وما يمثل من تيار قادر في المستقبل على اتخاذ خطوات تؤدي إلى تطبيع العلاقات مع واشنطن؟

موسويان: أنا أعتقد أن الرئيس رئيسي سيمتلك من الصلاحيات والقوة أكثر لأنه سيواجه تحديا أقل بكثير من المعارضة في الداخل وسوف يحظى بدعم المرشد وأيضًا المجلس الأعلى للأمن القومي ولجنة الأمن القومي في البرلمان. اذن هذه فرصة للمجتمع الدولي يجب أن تغتنم لحل المشاكل وفي نفس الوقت الأمر سيعتمد على الولايات المتحدة وأنه هل تريد أميركا التفاوض مع إيران على أساس القانون الدولي واحترام المصالح المشتركة أو لا.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: