الانتخابات الرئاسية وأزمة تدوير النخبة السياسية في إيران
استقر مجلس صيانة الدستور على تأييد أهلية 7 من المتقدمين بطلبات الترشح في الدورة الـ 13 من بين 592 طلب، ولم تكن الأسماء التي تقدمت للترشح بالمفاجأة بقدر تلك التي تمثلت في استبعاد أهلية مرشح مثل رئيس البرلمان لثلاث دورات مختلفة علي لاريجاني في سابقة هي الأولى في تاريخ البرلمان الإيراني، والنائب الأوَّل للرئيس الحالي إسحاق جهانغيري، وعدد من الوزراء الحاليين والسابقين.
في هذا السياق، يذكر أن مجلس صيانة الدستور وقبل بدء مرحلة تسجيل الأسماء أرسل تعميمًا لوزارة الداخلية بصفتها المشرف على عملية الانتخابات حدد خلاله الشروط الواجب توافرها في المتقدم لخوض الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي أدى بدوره إلى تضاؤل احتمالية حضور شخصيات جديدة في العمل السياسي أمثال الوزير الشاب محمد جواد آذري جهرمي[1]
.
وشهد التقدم بطلبات المشاركة في الانتخابات انخفاضًا ملموسًا بالمقارنة بانتخابات العام 2017، والتي شهدت تقدم 1636 شخص، و686 شخص في انتخابات 2013. فلم تكن قائمة الأسماء المعلنة المؤيد أهليتها بالقائمة المفاجأة، فغالبيتهم شاركوا في الانتخابات الرئاسية في دورات سابقة، لكن لم ينجحوا في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، فيما تمثلت المفاجأة في تأييد أهلية عبد الناصر همتي محافظ البنك المركزي. لكن هذه الانتخابات كشفت مأزق النخبة السياسية وتدويرها على النحو الذي لا يسمح لمرشحين أو عناصر جدد للدخول في سدة السلطة والحكم، واستمرار هيمنة الجيل الأوَّل للثورة على زمام الحكم في طهران.
ومن هنا، تلعب النخبة بوصفها الكوادر المختارة للتنمية السياسية والاقتصادية دورًا هامًا في عملية التنمية، وتدوير النخبة الكامل أحد باروميترات التنمية السياسية. والنخبة هي أقلية قوية ذات نفوذ. كما أنها أقلية تلعب دورًا مباشرًا أو غير مباشر في شؤون الحكم. وكما يقول الدكتور محمود سريع القلم في ذلك، ونظرًا لأن المجتمع عامة ضعيف ولم يتشكل في الدول النامية عادةً، تتولى النخبة السياسية مسؤولية التحوَّل البنيوي، إذ تقوم بتشخيص مشاكل البلاد بصورة سليمة، ثم ينشئوا الأنظمة اللازمة[2]
.
ويطلق مصطلح النخبة السياسية في إيران في الوقت الراهن على أصحاب المناصب السياسية المهمَّة مثل رئاسة الجمهورية، والوزراء، ونوَّاب البرلمان، وأعضاء مجلس خبراء القيادة، وكبار مسؤولي الدولة والبلاد والقوات المسلحة وأعضاء الأحزاب والتنظيمات إلخ. وبالعودة إلى سنوات العمر الأولى لـ “الجمهورية الإسلامية”، فإن الباحث حسين بشيريه في كتابه “مقدمة على علم الاجتماع السياسي في إيران”، يرى أن “العقد الأول من عمر الجمهورية الإسلامية، ورغم وجود تيارات وقوى سياسية مختلفة نشطة، تأثر بشخص قائد الثورة الخميني”، وعليه فإن بشيريه يصف تلك الحقبة “بمرحلة حكم تيار خط الإمام”.
وتواجد في هذه المرحلة غالبية رؤساء الجمهورية، ورؤساء السلطة التنفيذية والقضائية، قبل أن يتولوا المنصب السياسي الأعلى في تلك السلطات. وتواجد رؤساء الحكومة من الدورة الثالثة (خامنئي) وحتى السادسة (رفسنجانی) في مناصب عليا. ورئيس الحكومتين السابعة والثامنة (خاتمي) تواجد منذ بداية الثورة في مواقع من الدرجة الثالثة للسلطة (وزارة)، وارتقى بعدها إلى المستوى الثاني للسلطة (رئيس الجمهورية). أمَّا أحمدي نجاد خلال الحكومتين التاسعة والعاشرة فلم يتولى أي منصب سياسي رفيع المستوى. وارتقى خلال الحكومة السابعة إلى المستوى الثالث للسلطة (عمدة طهران)، ومنها إلى رئاسة الجمهورية[3]
.
أولاً- تدوير النخبة السياسية
يمكن القول أنه مع تجفيف منابع السياسة وأي دور للأحزاب في الحياة السياسية الإيرانية، وشخصنة الساحة السياسية في إيران، وتنامى دور العائلة في التفاعلات السياسية في إيران، ظهرت عملية تدوير النخبة السياسية في إيران بين المناصب المتعدَّدة فقد نجد رئيس الجمهورية قائدًا لها (علي خامنئي)، ورئيس البرلمان رئيسًا للجمهورية (هاشمي رفسنجاني)، رئيس السلطة القضائية رئيسًا لمجمع تشخيص مصلحة النظام (هاشمي شاهرودي، وصادق لاريجاني)، والأمثلة عديدة.
وبعد اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979وتدشين الجمهورية الإسلامية، أُخرج من السلطة كبار رجال ديوان الشاه الملكي برفقة البرجوازية التابعة من ساحة السلطة السياسية، وحلَّ محلهم الطبقة الوسطى التقليدية من خلال إدارة وتوجيه رجال الدين بالتحالف مع الطبقة الوسطى الجديدة، لكن لم يدم هذا الاتحاد. ومع سيطرة رجال الدين على السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ومع الدعم الشامل للبورجوازية التجارية والاستفادة من العوائد النفطية، دخلت الطبقة الوسطى الجديدة ولاسيما المتعلمين والمثقفين تحت سيطرة الجهاز الحكومي، وفقدت موقعها الريادي ونهجها الانتقادي وفاعليتها[4]
.
كذلك تداول السلطة منذ الثورة وحتى الآن، كبار مسؤولي السلطة التنفيذية بما يشمل رئيس الوزراء، ورئيس الجمهورية، والوزراء 365 شخص فقط، منهم 139 شخص تواجدوا أكثر من مرَّة في السلطة التنفيذية. بما يعني أن مع مرور الوقت تزداد نسبة بقاء الأفراد في المناصب السياسية المهمة في الحكومة[5]
.
ومن نتائج هذا البحث، أن الأفراد الذين لهم نسب أو علاقات مقرّبة مع المسؤولين مثل رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية، وجدوا طريقهم إلى توزيع السلطة، وظلَّوا فيها، مما أدى إلى انحسار السلطة التنفيذية في مجموعة محدودة من النخبة داخل النظام. ولكن تتمثل النقطة المهمة وفقًا لهذه الدراسة في أن العنصر البنيوي في الوصول إلى مصادر السلطة السياسية كان استثمار الأفراد في شبكة العلاقات الاجتماعية، كما أن العضوية في شبكات العلاقات الاجتماعية يؤدي إلى انتشار أصول التواصل، وهذه الأصول تُسهَّل من حصول الأفراد على السلطة السياسية.
ثانيًا- أسباب تدوير النخبة في إيران
تكشف القاعدة الذهبية لفهم طبيعة السياسة في إيران أن لعبة السياسة تتشكل إثر التحالفات المؤقتة حول الأفراد الأقوياء، أو من تتنامى قدراتهم، وبمجرد أن يفقد الفرد هذه القوة، تبتعد التحالفات من حوله، ويتقرَّبون لمن تولى السلطة من جديد[6]
. وعلى هذا، لا تبدو البيئة الإيرانية السياسية مواتية لوجود مؤسسات سياسية وسيطة فاعلة كالأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني. ومؤسسات المجتمع المدني، النقابات العمالية كمثال، لم يكن لها دور حقيقي. واتبعت الثورة سياسة ثابتة استهدفت إضعاف التكوينات العمالية بحلها وإعادة تركيبها على أسس إسلامية[7]
.
ومع غياب التنافسية كمعيار لاختيار الأفراد وتحديد مسارات ترقَّيهم، جنبًا إلى جنب الشخصية في العمل السياسي، وغياب البرامج الحزبية الواقعية، وضعف التشريعات المنظمة لعملها مع الرقابة اللصيقة للحكومة على أداء الأحزاب، ساهم ذلك كله في تجفيف منابع السياسة وأي دور للأحزاب في الحياة السياسية الإيرانية[8]
. وعليه، تنامى دور العائلة في التفاعلات السياسية في إيران على حساب الأحزاب، والتي حلَّت محلها في ضخ الكوادر العليا والوسيطة للنظام، ما أسفر عن إمداد النظام بكوادر تكنوقراطية موالية للنظام وبالنخب من غير رجال الدين، فعلى سبيل المثال أصبح غلام رضا حداد عادل أوّل رئيس غير معمم للبرلمان، وقد لعبت مصاهرته مجتبى ابن القائد علي خامنئي، دورًا من ضمن عوامل أخرى في وصوله لهذا المنصب. كمَّا عيَّن حسن روحاني خلال حكومته الأولى شقيقه حسين فريدون مساعدًا تنفيذيًا لرئيس الجمهورية سائرًا على نهج هاشمي رفسنجاني إبان رئاسته أيضًا للجمهورية (1989:1997) الذي عيَّن شقيقه محمد هاشمي رفسنجاني مساعدًا له للشؤون التنفيذية أيضًا. هذه المصاهرة والنسب بين النخبة في إيران ساهم في الحفاظ على مكانة بعض هذه العوائل وترقيها في النظام الإيراني، وإبراهيم رئيسي الفائز في الانتخابات الرئاسية في دورتها الـ 13 خير دليل على ذلك. فرئيسي متزوَّج من ابنة أحمد علم الهدى إمام جمعة مشهد وممثل الولي الفقيه في خراسان الرضوية وعضوًا في مجلس خبراء القيادة المنوط به انتخاب المرشد حال شغور المنصب ومراقبة أداءه وعزله إذا اقتضت الضرورة.
وفي مقابل ضعف الأداء الحزبي ودور الأحزاب في الحياة السياسية الإيرانية، اتجه الحرس الثوري خاصة بعد الحرب العراقية – الإيرانية إلى دخول معترك السياسة معتمدًا على المكانة التي اكتسبها إثر الحرب، وأصبح الرافد الرئيسي لضخ الكوادر السياسية في البلاد. وبعد انتهاء الحرب (1980-1988) احتل الحرس الثوري مكانة خاصة في معادلات السلطة بعد نجاحه في حشد الجماهير، ما ألقى بظلاله على العمل الحزبي الذي عانى من التشرذم والانقسام كأحد التداعيات المباشرة للحرب.
فهؤلاء السياسيون الذين أفرزتهم مؤسسة الحرس الثوري، عملوا في المجال السياسي بعد استقالتهم من مناصبهم العسكرية، وباقر قاليباف ومحسن رضائي أبرز مثال على ذلك. كما برز هذا الأمر في التعميم الذي أصدره مجلس صيانة الدستور قبل عملية تسجيل الأسماء للمشاركة في الانتخابات الرئاسية الجارية، والذي سمح بترشح العسكريين على درجة اللواء في الانتخابات الرئاسية بما يتعارض مع المادة 40 من قانون العقوبات في القوات المسلحة الإيرانية، التي تمنع كل من يعمل في صفوفها من التدخل في الشأن السياسي والدعاية الانتخابي. لكن أغلب السياسيين الذين أفرزتهم مؤسسة الحرس الثوري استقالوا من منصبهم العسكري، وعرجوا على السياسي الذي يخدم هذه المؤسسة، وأشهرهم محمد باقر قاليباف ومحسن رضائي. شهدت حكومة محمود أحمدي نجاد (2005:2013) أكبر عدد من الوزراء من الحرس الثوري، ويقول حسين مرعشي المتحدث باسم حزب كوادر البناء في ذلك، إن ثلثي المحافظين في عهد أحمدي نجاد كانوا من الحرس[9]
. وفي الحكومة الأولى له كان ما نسبته 21.9% من أعضاء حكومته أعضاء في الشبكة العسكرية-الأمنية. وفي حكومته الثانية، كان 4 أعضاء في حكومته من الشبكات العسكرية[10]
.
وفي خضم ذلك، لا يمكن إجمالًا إغفال دور هجرة النخبة عامة في إيران كسبب من أسباب جفاف مورَّدات الكوادر السياسية في البلاد. وفي دراسة بعنوان “تحديد العوامل المتعددة المؤثرة على هجرة العقول وترتيب أولوياتها”، أشير من خلال تناول عوامل هجرة النخب من إيران، إلى “التخلف العام”، و”غياب الأمن الاجتماعي”، و”الأوضاع الاقتصادية غير المواتية”، و”انعدام فرص العمل”، و”عدم التوازن بين نفقات الخبراء وإيراداتهم”، و”الاضطراب السياسي”، و”أدلجة توظيف الطاقات البشرية”[11]
.
كما تم ذكر بعض العوامل الأخرى مثل “الأجواء السياسية غير المناسبة”، و”ملكية الدولة”، و”ضغوط العوامل الثقافية والفكرية”، و”الرؤية المستقبلية غير المواتية”، و”الشعور بالتمييز الاجتماعي”، و”الظروف المعيشية غير المواتية”. ووفق ما ورد في هذه الفصلية، يرى المشاركون في هذه الدراسة أن “العوامل التعليمية” لها الدور والثقل الأكبر في هجرة النخب من إيران. وأدرجت العوامل “الوظيفية والمعيشية”، و”الاجتماعية”، و”السياسية”، و”الاقتصادية” في المراتب الثانية والثالثة والرابعة والخامسة على الترتيب بوصفهم عوامل الهجرة الرئيسية.
ومن هنا، تلعب الصداقة دورًا مهمًا أيضًا في توزيع السلطة وتداولها في حكومات ما بعد الثورة؛ فخلال حكومات كلًا من مير حسين موسوي، محمد خاتمي، وهاشمي رفسنجاني، ومحمود أحمدي نجاد، وحسن روحاني ومهدي بازرغان كانت الصداقة الدور الأبرز في الوصول إلى السلطة. فالعضوية في شبكة موسوي خلال الحكومتين الثالثة والرابعة، وفي شبكة رفسنجاني في الحكومتين السادسة، وفي شبكة خاتمي في الحكومة الثامنة لها وزن أكبر في توزيع السلطة. إذ كان 19 عضو في حكومتي روحاني من الأعضاء في شبكة خاتمي، وكان وزن شبكة هاشمي في حكومة روحاني 10 أعضاء، وزاد هذا العدد في حكومته الثانية، ويرجع السبب في ذلك إلى إعادة تثبيت عدد كبير من الوزراء في حكومة روحاني الثانية. وجاء الوصول إلى السلطة في حكومة روحاني في ظل العضوية في شبكة خاتمي ورفسنجاني[12]
.
ثالثًا- تداعيات تدوير النخبة على الحياة السياسية في إيران
أثرَّت الحياة السياسية الإيرانية وكفاءتها بجميع العناصر السالف ذكرها، ما ترك آثارها على المجتمع والعمل السياسي وتأزمه بمرور الوقت. وبالإمكان الإشارة إلى تداعيات تدوير النخبة ومأزقها على الدولة الإيرانية فيما يلي:
1-تآكل شرعية النظام
لا شك أنه بتقدم دور العائلة في النظام السياسي الإيراني إلى جانب تفريغ الحياة الحزبية من مضمونها، فإن ذلك يؤدي بصورة مباشرة إلى تآكل شرعية النظام من خلال انخفاض مستويات ممارسة الحق الدستوري في التصويت في الانتخابات المختلفة، وهو ما سجَّلته انتخابات الدورة البرلمانية الـ 11 المنعقدة في فبراير 2020 من أدنى مستويات المشاركة في الانتخابات البرلمانية طوال تاريخ الجمهورية بنسبة 42.57%. آنذاك اعتبر مسيح مهاجري رئيس تحرير صحيفة “جمهوري إسلامي” هذا الانخفاض في المشاركة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة ناقوس خطر وجرس إنذار لمسؤولي النظام، مطالبًا بمناقشة تداعيتها وبحث أسبابها في حينه. وألمح أيضًا إلى وجود حرب سلطة في النظام، وناشد التيارات السياسية بألا يضحوا بمصالح البلاد والعباد والنظام فداءً لمصالحهم الشخصية[13]
.
وعلى أعتاب انعقاد انتخابات الدورة الـ 13 لرئاسة الجمهورية، والرفض الواسع لمجلس صيانة الدستور لأهليات الراغبين في الترشح، انتقد حسن الخميني حفيد مؤسس “الجمهورية الإسلامية”، هذا الرفض الواسع للأهليات، وشكَّك في مستقبل شرعية النظام بناء على انعدام الرغبة في المشاركة، وذكر “من يقول إن شرعية النظام ستبقى في حال لم يشارك الشعب في الانتخابات بأنه لا يعرف طبيعية وحقيقة الجمهورية الإسلامية”. ورأى أن أي إجراء يتعارض مع مبدأ الجمهورية، يعتبر إجراء ضد الثورة[14]
.
وبالتالي، تحوَّل الرفض الواسع للأهليات وإصرار مجلس صيانة الدستور على قانونية قرارته باستبعاد هذا العدد الكبير من المرشحين من خوض الانتخابات إلى مؤشر لدى البعض المحللين لفقدان المشاركة الشعبية في الاستحقاقات الانتخابية أهميتها سياسيًا. فالرئيس الأسبق لهيئة أركان الحرس الثوري الأسبق حسين علائي، اعتبر أن زيادة مشاركة الشعب في الانتخابات الرئاسية فقدت أهميتها لدى متخذي القرار في إدارة البلاد. كما قال السياسي الإصلاحي إسماعيل جرامي مقدم إن المشاركة في الانتخابات الرئاسية بنسبة ما دون الـ 50% تخدش شرعية النظام.
2-الفجوة بين الأجيال
رغم دعوة القائد الأعلى إلى تسليم الراية وتسلَّم جيل الشباب القيادة في إيران، إلا أن هناك تناقضًا صارخًا بين الواقع وما يقال. فلا يزال الجيل الأوَّل للثورة يتولى المناصب القيادية في كثير من المواقع سواء ضمن البيروقراطية الحكومية أو في المنظمات الثورية؛ إذ يتولى أحمد جنتي (94 عامًا) رئاسة مجلس خبراء القيادة وأمانة مجلس صيانة الدستور. كما تعتبر حكومة حسن روحاني الحكومة الأكبر سنَّا في إيران بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية بمعدَّل أعمار 57عام في الحكومة الأولى. وبالنظر إلى الأعمار السنية لمن أيَّد “صيانة الدستور” أهليتهم، لم يولد أيَّ منهم فيما بعد السبعينيات الميلادية. بما يعني أن المتوسط السياسي لهؤلاء الأفراد 62 عامًا، وهذا يعني أنه لا يوجد أي ممثل عن إيران خلال النصف قرن الأخير بين المرشحين الحاليين. ومع تقدَّم أعمار الجيل الأوَّل للثورة الذي لا يزال يمسك بصورة أو بأخرى بزمام السلطة في طهران، تتضح شيئًا فشيئًا الفجوة بين الأجيال. فجيل الثوريين (ما فوق الـ 55 عامًا) تصل نسبتهم في المجتمع إلى 15%، لكنهم يسيطرون على 85% من المناصب الإدارية، والأجيال التالية لهم لا ممثل لهم حتى للترشح في الانتخابات[15]
.
3- الفساد السياسي
استشرى الفساد السياسي في الطبقة الحاكمة في إيران كنتيجة مباشرة لمأزق النخبة الحاكمة، ما أدى إلى التحلل شيئًا فشيئًا من الشعارات التي رفعتها الثورة أو حتى الشعارات التي يرفعها المرشحون في الانتخابات. وتتبلور مظاهر هذا الفساد في استبعاد كل حكومة جميع كوادر الحكومة السابقة لها، وإبعاد الكفاءات، وادماج كوادرها والمقربين منها في مراكز السلطة بدون أي ظهير سياسي أو تكنوقراطي. ما يجعل سياسة بعض المؤسسات وآليات عملها متأرجحة، تفتقد للتنسيق بين رحيل تيار سياسي عن السلطة، وقدوم تيار آخر، وهو الأمر الذي تشهده إيران غالباً كل 8 سنوات[16]
.
ومن هنا، يتسبب هذا الإحلال والتجديد في الكوادر السياسية في بعضه في استغلال النفوذ، لكسب ما يمكن كسبه من امتيازات قبل انتهاء فترة حكم تيارها السياسي. واتهم مهدي رفسنجاني الابن الأكبر لرئيس الجمهورية الأسبق هاشمي رفسنجاني، اتهم بالاختلاس والرشوة وكذلك بجرائم أمنية وحكم عليه بالسجن لـ 10 سنوات. وتلقى رفسنجاني الابن رشوة خلال العام 1997 من شركة النفط الفرنسية توتال، حينما وقعت الشركة عقود المرحلة الأولى من حقل غاز بارس الجنوبي في عام 1997، وكان يتولى رفسنجاني آنذاك منصب رئيس شركة الغاز الوطنية[17]
.
4-أولاد الآغوات/أولاد الذوات
أدى تجفيف موارد الحياة السياسية في إيران مع انعدام دور الأحزاب في ضخ دماء جديدة للحكومة وممارسة أدوارها الحزبية والسياسية، إلى ظهور ما يعرف بـ “أولاد الذوات/ الأغوات”، إذ يعيَّن المسؤولون أقاربهم بمختلف الدرجات في المناصب المختلفة في الحكومة، الأمر الذي جعل الشارع الإيراني يصف هذا النوع من التعيينات، ساخرًا، بظاهرة “الجينات الجيدة”. ويوضح الباحث محمد باقر خرمشاد أن “مرحلة بداية الثورة الإسلامية لم تعرف أبداً الفساد السياسي الذي ظهر بعد الحرب، وأصبح موضوعاً متداولاً بين عامة الناس. فأبناء المسؤولين وأقاربهم يتميزون بمكانة سياسة واقتصادية ولهم أملاك لا تحصى”[18]
. ترتَّب على ذلك إضافة أعباء إضافية على النظام كنتيجة مباشرة لتضارب مصالح “أولاد الأغوات”، وسعيهم للمزايدة في رفع شعارات مسيئة لماهية لثورة التي خاضها آباؤهم.
ختامًا:
يعود الفقر السياسي في إيران الذي يبرز أكثر فأكثر مع كل انتخابات رئاسية أو برلمانية تجريها إيران، إلى الدائرة المعيوبة التي يُربى ويُنمى فيها الكوادر والنخبة السياسية، ويصعدون فيها سلالم السلطة. وتشير تجربة السنوات الأربعين الماضية من عمر الجمهورية في إيران إلى وجود عيوب في عملية تربية الكوادر والنخبة السياسية ما يتسبب في تحديدها وتدويرها بين المناصب المختلفة. كما لا يوجد أي مؤشر على التخطيط الجاد للتنظيمات والأحزاب السياسية المختلفة فيما يتعلق بالكم والكيف لتربية النخبة السياسية وتجهيزهم لتولي المسؤوليات السياسية والتنفيذية في المستقبل.
كذلك، أسفر الاعتماد الشديد على طيف محدد من الجيل الأوَّل للثورة (يتجاوز أعمارهم 55 عامًا) إلى تناقص فرصة الأجيال التالية له في الوصول إلى مراكز السلطة وممارسة النشاطات السياسية المختلفة، بما أدى إلى تجفيف مصادر الحياة السياسية في البلاد. ويلقي تدوير النخبة هذا واقتصار توزيع المناصب والمسؤوليات على قلة قليلة من المسؤولين بظلاله على عملية المشاركة السياسية لأفراد الشعب المختلفين خلال الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، وإعراض الطبقة الوسطى التي هي محرك العمل السياسي في إيران، عن العمل السياسي وحشد موارد التصويت في إيران، بما يؤدي بصورة مباشرة إلى سيطرة التيار الذي تتمثل قاعدته الاجتماعية في الطبقات ما تحت المتوسطة والطبقة الدنيا، على مجمل الحياة السياسية. هذه السيطرة تجعل من الصعب خلق منافسة بين التيارات التي شاركت في الثورة وأسست النظام ولها حضورها بين عموم الشعب.
[1]
خبرگزاری تسنیم، شورای نگهبان طبق اختیارات قانونی شرایط نامزدهای ریاست جمهوری را تعیین کرده است، https://bit.ly/3grLFe5
[2]
علي زارعي، چرخش نخبگان سیاسی پس از انقلاب اسلامی در ایران؛ پژوهش های راهبردی انقلاب اسلامی، سال دوم شماره5 بهار 1398
[3]
علی ساعی، زینب حسن پور درودگر، سوسن باستانی، تحلیل بایگاه اجتماعی نخبگان قدرت سیاسی: مطالعه موردی اعضای هيئت دولت های هفتم تا دهم، جامعه شناسی تاریخی، دوره 11، شماره1، بهار وتابستان 1398ه.ش
[4]
علي زارعي، چرخش نخبگان سیاسی پس از انقلاب اسلامی در ایران؛ پژوهش های راهبردی انقلاب اسلامی، سال دوم شماره5 بهار 1398
[5]
علي ساعي، تحلیل توزیع منابع قدرت سیاسی در ایران با رویکرد نظری شبکه محوری، بررسی مسائل اجتماعی ایران، دوره یازدهم، شماره اول، بهار وتابستان 1399.
[6]
رحمن قهرمانپور، بررسی چهار دهه تحول خواهی در ایران، تهران، روزنه، 1394ه.ش، ص44.
[7]
نيفين مسعد، صنع القرار في إيران والعلاقات العربية-الإيرانية، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، النسخة الثانية، ص142.
[8]
محمود حمدي أبو القاسم، أحمد فاروق، العائلة والدين والسياسة في إيران؛ حدود الدور وأثره على فاعلية النظام السياسي، مجلة الدراسات الإيرانية، السنة الثانية العدد 6، مارس 2018، ص 14.
[9]
سایت اقتصاد نیوز، مرعشی مطرح کرد؛ علت حضور وزرا و استاندار سپاهی در دولت احمدی نژاد، متاح علی https://bit.ly/3gzuCph
[10]
علی ساعی، تحلیل توزیع منابع قدرت سیاسی در ایران با رویکرد شبکه محور(مطالعه موردی اعضای دولت موقت تا دولت دوازدهم)، بررسی مسائل اجتماعی ایران، دوره یازدهم، شماره اول، بهار وتابستان 1399.
[11]
مهدی نیکویه، ومسلم شیروانی ناغانی، فرهاد درویشی سه تلانی، روح الله بیات، شناسایی و اولویتبندی عوامل چندزمینهای مؤثر بر روند فرار مغزها (تحلیل و پیشنگری موج چهارم این پدیده در ایران: از 1390 تا افق 1404)، فصلنامه «مجلس و راهبرد»، دوره 27، شماره 104 – شماره پیاپی 104، زمستان 1399.
[12]
علی ساعی، مصدر سابق.
[13]
دویچه وله فارسی، انتخابات مجلس یازدهم و رکورد “کمترین میزان مشارکت”، متاح على https://bit.ly/3zrDN3L
[14]
دنیای اقتصاد، انتقاد سید حسن خمینی از رد صلاحیت ها/ جای کاندیداهای تایید شده بودم انصراف می دادم، متاح علی https://bit.ly/3iMW6dQ
[15]
محمد جواد آذري جهرمي، سايت انتخاب، میانگین سنی نامزدهای مطرح ریاست جمهوری ۶۲ سال است / نیمقرن اخیرِ ایران هیچ نمایندهای در میان کاندیداها ندارد، https://bit.ly/3gAYqSm
[16]
ديانا محمود، البيت الخليجي، صناعة النخبة السياسية في إيران: الوقود الصلب للنظام https://bit.ly/3xr2Gel
[17]
بي بي سي فارسي، محکومیت توتال ‘برای پرداخت رشوه با درخواست مهدی هاشمی’، https://www.bbc.com/persian/iran-46651221
[18]
ديانا محمود، مرجع سبق ذكره.
لمتابعة ملف الانتخابات الرئاسية (إيران 21: حصاد المواجهات)، إضغط هنا