صحيفة “كيهان” الأصولية – الثورة الإسلامية تنتصر على محاولات تغيير إيران
كتب المحلل السياسي الأصولي، سعد الله زارعي، مقالا نشرته صحيفة "كيهان" الأصولية، تناول محاولات "أطراف موازية" لتيارات الثورة استغلال الظروف الاقتصادية والسياسية الإيرانية لركوب موجة الاحتجاجات الشعبية وإحداث تغيير في مسار الانتخابات الرئاسية لعام 2021.
لقد جرت يوم أمس الدورة الثالثة عشرة من الانتخابات الرئاسية في إيران، ودائما ما تكون الانتخابات التي تجريها الجمهورية الإسلامية تحظى باهتمام وعناية سواء من الأطراف والتيارات في الداخل أو من قبل الجماعات المعارضة لها. فبالنسبة للشعب الإيراني تعد الانتخابات هي مشهد للتجديد وتقديم وجوه جديد؛ ولهذا فهي حسب تعبير الإمام الخامنئي (دامت بركاته) تعتبر من قِبل الناس “الفريضة المثلى” في القضايا السياسية، من جانب آخر نلاحظ أن الأعداء والمضللين والمغفلين يعولون على انخفاض نسبة المشاركة ويحاولون أن يدعوا من خلالها أن الثورة الربانية الزاخرة لإيران قد اقتربت من الزوال والأفول كما يحدث ذلك في الثورات المادية الأخرى.
في هذا السياق نجد أن الانتخابات التي جرت يوم أمس الجمعة كانت قد تعرضت أكثر من الدورات السابقة إلى ضغوط الأعداء والمنحرفين لكي يجعلوا نسبة المشاركة في أدنى مستوياتها، وقد عملوا فعلا من أجل تحقيق ذلك. لكن ما حدث يوم أمس قد أبطل هذه المحاولات مرة أخرى. إن الانتخابات الرئاسية وما تبع ذلك من أحداث قد شكّل اندهاشا كبيرا. تجدر الإشارة إلى النقاط التالية حول هذه الانتخابات:
- إن كلمة السر في هذه الانتخابات هو أنها سوف تجري بنسبة ضئيلة، وقد تم تبني هذه المقولة من قبل أعداء إيران ورفعوا ذلك في منابرهم ووسائل إعلامهم بشكل واسع وكبيرة كما لاحظنا ذلك في قنوات “بي بي سي” و “إيران انترناشيونال”، و”دويتشه فيله” و”راديوا فردا” وغيرها من القنوات والمواقع الإخبارية. وقد تم تبني هذا الخطاب في الانتخابات السابقة أيضا، لكن الشعب الإيراني لم يستمع إلى هذه الدعوات؛ لأن الغيرة الوطنية للإيرانيين لا تطيق التدخلات الأجنبية من وسائل الإعلام.
- في هذه الأثناء قد تمت تسليط الأضواء على شعار “يجب أن تجري الانتخابات في 18 من حزيران/ يونيو بنسبة ضئيلة “من قبل الأطراف الداخلية، وقد بات الحديث يدور حول هذه الانتخابات منذ أكثر من عامين وبدأ التشكيك بنسبة المشاركة يتم تناوله منذ ذلك الحين. وكلنا نتذكر كلام الدكتور صادق زيبا الكلام الذي يعد الممثل الأبرز لهذا التيار حيث يتحدث عن خلاصة موقف هذا التيار ويقول منذ أكثر من عامين إن “الإصلاحيين وبكل تأكيد لا حظوظ لديهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 ولا يمكن لشخصيات مثل السيد محمد خاتمي وحسن الخميني وحسن روحاني وموسوي خوئيني والأحزاب أن تلعب دورا لمنع هذه الهزيمة. هذا هو المصير المؤكد لانتخابات 2021 وإن فوز التيار الآخر (الأصولي) أمر محسوم”. كما طرحت شخصيات أخرى إن هذه الحالة سوف تحتم هزيمة الإصلاحيين لهذا تم طرح فكرة ابتعاد الإصلاحيين عن حكومة روحاني وبدأت الانتقادات لحكومة روحاني تُطرح من قبل الإصلاحيين منذ أكثر من عامين سابقين. إن عدم رد روحاني على هذه التصريحات والانتقادات التي قد تكون حادة وبكلمات تفتقر إلى الأدب والاحترام جعل المتابع يعتقد بوجود تنسيق بين هذه الهجمات والانتقادات وبين الحكومة. ونتيجة عدم دفاع الإصلاحيين من الحكومة التي كانوا السبب في وصولها إلى السلطة كانت هي استياء الشعب. في مثل هذه الأجواء بدأ التأكيد على أن الأمور في داخل نظام الجمهورية الإسلامية وليست في الحكومة أصبحت تواجه طريقا مسدودا ولا يملك الإصلاحيون حلا لذلك. وقد سمعنا مثل هذا الخطاب كثيرا خلال السنوات الأخيرة من قبل الإصلاحيين وقياداتهم في الخارج والداخل بالإضافة إلى الإصلاحيين المنظرين في حكومة محمد خاتمي وروحاني. ماذا كان يعني ذلك؟ إن الإصلاحيين كانوا يعرفون في الحد الأدنى ومنذ عامين أن نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2021 كانت محسومة؛ ولهذا ولكي يبرروا هذه الهزيمة وينسبوها للنظام (أي بدل أن يحملوا هذه النتيجة على فشل الحكومة حاولوا أن يصورا النظام بأنه لم يعد فاعلا). من جانب آخر ولكي يقللوا من وهج فوز الأطراف والقوى الثورية باتوا يسلطون الأضواء على “المشاركة المحدودة في الانتخابات” وراحوا يعملون على هذه الفكرة.
- في المقابل نجد أن التيار الموازي للثورة الإسلامية والذي كان ومنذ بداية الثورة موجودا مقابل التيار الأصيل للثورة الإسلامية كان يعول على انتفاضة الفقراء، ولم يخفوا هذا الموضوع في مواقفهم حيث صرحوا به في عشرات المقالات. وقال أحد منظري هذا التيار الذي كان عضوا في مجلس بلدية طهران كذلك بشكل صريح وواضح: الناس قد تجاوزا الإصلاح الذي يعني إصلاح أمور البلاد من خلال إصلاح النظام ولم يعودوا يؤمنوا بأن “الإصلاح” هو الطريق لحل مشاكل البلاد. وأشار هذا المنظر إلى أحداث عام 2018 وقال “على الإصلاحيين أن يدركوا أن الإصلاحات أصبحت ميتة وليعولوا على الشوارع التي تأتي بالتغيير بشكله الثوري”. في الواقع إن التيار الموازي لتيار الثورة كان يعتقد بقوة أن فقر الطبقات الدنيا من المجتمع ووقوع نسبة كبيرة من الناس (قرابة 5 ملايين نسمة) تحت خط الفقر لابد وأن يجرهم إلى الشوارع والقيام باحتجاجات عنيفة ومواجهة نشطة مع النظام ثم ينتقل ذلك إلى مراكز المحافظات الأخرى وأخيرا العاصمة. ثم يحدث أحد الأمرين التاليين: إما أن تكون هذه الموجة من الاحتجاجات قوية للغاية بحيث تُحدث تغييرا في بنية النظام السياسي أو أن لا تكون بهذه القدرة إلا أنها تكون مؤثرة بنسبة محدودة وتكون نتيجتها حدوث تغييرات في جزء من السياسات المبدئية للنظام لاسيما تلك التي تتعلق بالسياسات الخارجية للنظام. إن مواقف هذا التيار في هذه القراءة كانت تتمثل في الترحيب والاستقبال من هذه الموجة الغاضبة ومباركة انجرارها إلى الشوارع وحتى ينبغي أن يتم دعمها حسب وجهة نظرهم، هذا من جانب ومن جانب آخر حاول هذا التيار ونظرا إلى أن “انتفاضة الفقراء” تفتقر للقيادة والتنظيم أن يُظهر معها نوعا من التعاطف ويتقلد قيادتها بشكل أو بآخر. هذا التيار كان قد عوّل على واقعين اثنين نتيجة هذه الظروف؛ الأول: من خلال خلق نوع من الثنائية والقطبية في النظام أن يضع الموجة الشعبية مقابل الجبهة الثورية، والثاني أنه ومن خلال إظهار بوارق أمل ونوافذ للحل أن يستغل هذه الموجة من الاحتجاجات والتي ما كان لها أن تستمر لمدة طويلة لتحميل مطالب هذا التيار الموازي وفرض إرادته على الواقع السياسي. ولو راجعنا مقالات وعناوين الأخبار التي يصدرها هذا التيار لوقفنا على هذين الواقعين اللذين افترضَ هذا التيار ُوجودهما نتيجة للظروف التي تعيشها البلاد. إن التيار الموازي هذا كان ينتظر أن تصبح الضغوط على حكومة روحاني في حدها الأقصى عام 2020 ويتم طرح فكرة المفاوضات مع حكومة بايدن بشكل قوي ليصورا أولا أن هناك قطبية داخل النظام وثانيا يعملوا على أن تصبح الاحتجاجات الاجتماعية للفقراء أشد من عام 2018 – 2019. في هذا الخصوص كان انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات هو نتيجة بدهية للوضع الراهن حسب تقديرات هذا التيار؛ حيث كان يعتقد أن مشاركة هذه الشريحة المحتجة على الظروف تصبح فاقدة للمعنى ولهذا ستتحول الانتخابات ساحة للتيارات والقوى الثورية. وإذن فما هي الفائدة من إشعال النيران في هذا التنور (العمل على تسخين الأجواء الانتخابية)؟. دأب هذا التيار على تعزيز فكرة وجود ثنائية داخل النظام وكذلك العمل على تضخيم صورة دائرة الفقر في البلاد، وركز على مقولات متعددة في هذا المجال مثل “الانخفاض المؤكد في نسبة المشاركة في الانتخابات”، و “أجواء باردة في الانتخابات لعام 2021″، و”أقل نسبة من المشاركة في الانتخابات في تاريخ البلاد”. نحن نعلم أنه ومنذ عامين بدأ العمل على هندسة انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات بهدف تغيير الوضع في إيران. لكن ما حدث في يوم الانتخابات الرئاسية لعام 2021 قد غير ما تم العمل عليه في عام 2018 و2019 من محاولات هندسة الانتخابات والمحاولات الرامية إلى تحقيق الأهداف التي مرّ ذكرها. فلم نشهد انتفاضة الفقراء ولم تحدث القطبية داخل النظام وقد تمت السيطرة على هذه المؤامرة وتجاوزنا هذا الظرف، ولم يتم قبول الادعاء بشفقة هذا التيار على الوضع المعيشي للناس، ولم يكتب النجاح للمفاوضات مع بايدن وبالنتيجة شهدنا مشاركة قصوى في الانتخابات الرئاسية لعام 2021 ورأينا سباقا تنافسيا سيتم اختيار رئيس بنسبة جيدة ومناسبة حسب ما تتناقله التقارير والأخبار.
إن هندسة التيار الموازي للثورة قد هُزم بشكل كامل لأن جميع خيارات هذا التيار والذي قُدر لها أن تكون سببا في تغيير إيران قد وصلت إلى طريق مسدود واستطاعت الثورة الإسلامية مرة أخرى تحقق النصر على التيارات الموازية والمعارضة لها.
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا
المصدر/ صحيفة “كيهان” الأصولية
لمتابعة ملف الانتخابات الرئاسية (إيران 21: حصاد المواجهات)، إضغط هنا