الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة1 ديسمبر 2020 07:48
للمشاركة:

صحيفة “شرق” الإصلاحية – إسرائيل تسعى لتغيير الملعب

تناولت صحيفة "شرق" الإصلاحية، في مقال للدبلوماسي المتقاعد جاويد قربان أوغلي، موضوع الرد المحتمل لإيران على اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، حيث أكد قربان أوغلي أن إسرائيل بعملياتها تجاه إيران، تحاول تغيير الملعب وجر إيران نحو حرب هي بغنى عنها.

بعد انقضاء أيام قليلة على استشهاد العالم البارز الدكتور محسن فخري زاده، لا يزال الناس مصدومين من العملية الإرهابية وأسلوبها وهم قلقون من تكرارها على العلماء الآخرين والذين هم الثروة الحقيقية والثمينة للبلاد. وخلال هذه الفترة الزمنية القصيرة، ومع “نقص المعلومات الدقيقة الصادرة عن المؤسسات الرسمية” حول تفاصيل هذا العمل الإرهابي، تم عرض تكهنات وتحليلات مختلفة في وسائل الإعلام المختلفة. لكن الأكيد أنه لا يمكننا مناقشة هذه الحادثة والتعاطي معها كما حصل في الفضاء الإلكتروني.

أثناء توضيح سبب الحادثة، قامت مجموعة بالقول إن سبب الاغتيال هو “المحادثات النووية” وزعمت أنه من خلال الوقوع في فخ المفاوضات ونتائجها كشفنا علمائنا النوويين للعدو وحوّلناهم إلى “أهداف” للكيان الصهيوني. وحتى مع القبول المشكوك فيه لهذا الادعاء، يبقى السؤال هو أن الاغتيالات السبعة للعلماء النوويين في البلاد، (ستة عمليات نجحت وواحدة فشلت) تم تنفيذها خلال سنوات الحكومة السابقة وتحت الإدارة السابقة للمفاوضات (2005-2013) حيث كانت مقابلة العلماء ممنوعة.

وبالتالي، فإن تعدد مراكز الاستخبارات في البلاد وعدم أو ضعف التنسيق فيما بينها والاضطرابات الاجتماعية والفساد الاقتصادي الكبير، والشرخ السياسي العميق وانتشار الفساد بين المدراء، تعتبر كلها من أسباب “التأثير” في الهياكل السياسية الأمنية للنظام ما يعطي أرضية مناسبة لتنفيذ أعمال مشابهة مثل الاغتيال الأخير.

تشير طريقة اغتيال الشهيد فخري زاده وفقاً للمعلومات، (وإن كانت غير رسمية) إلى أن الإرهابيين وخلافاً للحالات السابقة، فقد عملوا هذه المرة بمعدات متطوّرة وعدّة دراجات نارية وسيارات وشاحنة صغيرة مليئة بالمتفجرات ومجهزة برشاش آلي حيث قاموا بالعملية ومن ثم لاذوا بالفرار. وفي حال كانت طريقة العمل هذه صحيحة فإنها تشير إلى وجود شبكة منظمة من الأعداء داخل الدولة. حيث إن نقل وتنظيم ودعم وتوجيه فريق إرهابي مؤلف من 12 عضواً وبالقرب من العاصمة الإيرانية ليس بأي حال من الأحوال حدثًاً صغيراً وغير مهم ويمكن تجاوزه بسهولة. وكما أن دقّة بعض هذه المعلومات والعمليات الإرهابية الأخيرة تظهر وجود الجواسيس الإسرائيليين بشكل ملحوظ في البلاد. وفي حال قمنا بالنظر إلى الشائعات حول انقطاع التيار الكهربائي والاتصالات في المنطقة، فإن مدى وعمق تأثير هؤلاء العملاء سيكون أكثر وضوحاً. وكما قال مسؤول أمني إسرائيلي فإن سلسلة اغتيال النُخب والعلماء الفيزيائيين ما تزال على جدول الأعمال ولن يكون اغتيال الشهيد فخري زاده هو الأخير كما أنه لم يكن الأول.

ما هو الحل وما يجب عمله؟

على ما يبدو أن الخطوة الأولى هي معرفة العدو وتصويره بشكل واضح لا لبس فيه والابتعاد عن الشعارات، والابتعاد عن أدبيات ازدراء وتحقير العدو وتصغيره (حيث لا يمكن اعتبار العدو تافهاً). حيث أن إسرائيل تمتلك أقوى أجهزة استخبارات في المنطقة.

بصرف النظر عن القائمة الطويلة للاغتيالات المُستهدفة للقادة الفلسطينيين (من جميع الفصائل) وحزب الله وما إلى ذلك، فلا تزال عمليات الكوماندوس التابعة للكيان الصهيوني في مطار انتبه في أوغندا (1967) إحدى أهم عمليات أخذ الرهائن في تاريخ الاختطاف. وبحسب رونين برغمان، الكاتب الإسرائيلي لكتاب “انهض واقتل أولاً؛ التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية” فقد نفذت إسرائيل ما لا يقل عن 2700 عملية اغتيال خلال ال70 عاماً منذ تشكيلها. ورغم كل محاولات الانتقام الفلسطينية، فقد وقع اغتيالان سياسيان منذ إقامة هذا النظام غير الشرعي، وهما مقتل إسحاق رابين على يد يهودي احتجاجاً على اتفاق السلام مع منظمة التحرير الفلسطينية والاغتيال الوحيد الناجح هو لوزير السياحة المخلوع لهذا النظام وكان على يد مقاتل فلسطيني.

أما الخطوة الثانية فهي حماية أرواح العلماء. ولتحقيق هذا الهدف المهم يجب تنظيف البيئة الداخلية بسرعة وبدقّة. وهذا يتطلب تغيير نهج التحول النموذجي لقوات مؤسسات الأمن الإيرانية وتطهيرها وتأمينها والتركيز على إيجاد الجاسوس المتسلل للعدو داخلها. حيث كان نتنياهو قد قال في وقت سابق “إن جواسيسنا ينشطون في جميع أنحاء إيران”.

نقطة أخرى يجب الحديث عنها وهي المطالبة المشروعة بالانتقام من الكيان الصهيوني وهو حق طبيعي لإيران وفق القانون الدولي. ومن الاعتبارات الهامة في هذا الشأن “الزمان والمكان” وكيفية القيام بذلك. واليوم، نشهد نوعاً من الإجماع وكذلك إجماع النخبة على أن إسرائيل تحاول منذ فترة طويلة جر إيران إلى صراع عسكري، وحتى أن بعض المسؤولين العسكريين اعترفوا بذلك. وفي ذات الوقت وبسبب التزام الولايات المتحدة بدعم تل أبيب، فإن أي صراع عسكري لا يقتصر على إسرائيل، بل سيقود الولايات المتحدة أيضاً إلى هذا الصراع وهو هدف إسرائيل والسعودية. وخلال العام الماضي قامت إسرائيل بتنفيذ هجمات متكررة على مقرات القوات الإيرانية في سوريا وهذا الأمر يأتي في سياق ذلك، وقد تجنبت إيران الوقوع في الفخ وذلك من خلال اليقظة الاستراتيجية.

في هذه المرحلة فالحل الأكثر منطقية هو نهج النشاط الدبلوماسي المكثف في إدانة هذا العمل على المستوى الدولي بشكل واسع. وقد لقي هذا العمل حتى الآن إدانة من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وعدد من الدول وحتى من بعض المسؤولين الأميركيين والتي ينبغي توسيعها عالمياً ودبلوماسياً لتشمل المنظمات والمؤسسات الدولية العاملة في مجال القانون.

ولإيران حق مشروع في الدفاع وهذا بالتأكيد سيحدث وفقاً للقانون الدولي ووفقاً للآية الكريمة “فَمَن اعتدَی عَلَیكم فَاعتَدُوا علیه بمثلِ ما اعتدی علیكم”. ولكن بالتأكيد ليس حلاً معقولاً ضمن هذه الظروف الصعبة. وخلافاً للاعتقاد السائد، فإن إطلاق صاروخ واحد أو أكثر على إسرائيل لا يزعزع أسس هذا النظام فحسب بل ولأسباب نعرفها جميعاً فالنتيجة الوحيدة لمثل هذا الإجراء هي أن ساحة اللعب سوف تتغير وإيران ستخضع لإدانة دولية بالإضافة إلى أن ترامب ما يزال في السلطة وسيضغط على بايدن والاتحاد الأوروبي لإدانة إيران.

إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا

المصدر/ صحيفة “شرق” الإصلاحية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: