صحيفة “ايران” الحكومية – دعونا لا نقف عند الرد على الاغتيال
تناولت صحيفة "ايران" الحكومية، في مقابلة مع المحلل عباس سليم نمين، موضوع اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده وردود الفعل في الداخل الإيراني. حيث رأى سليم نمين أنه يجب وقف الانقسام الداخلي وانتقاد الحكومة، والتركيز على الرد الإيراني لكي لا تظهر إيران بمظهر الضعيف بسبب الانقسامات.
في الأيام التي تتعرض فيها الحكومة والجهاز الدبلوماسي لموجة جديدة من ضغوط النقاد وحملاتهم وذلك بعد اغتيال الشهيد محسن فخري زاده، قال عباس سليم نمين لـ”ايران” إن “قتلة الشهيد فخري زاده فرحين وقلبهم مطمئن بمشاهدة خلافاتنا الداخلية وتوجيه التهم المختلفة فيما بيننا أكثر بمئة مرة من إيصالهم فخري زاده إلى مرتبة الشهادة”. ورأى سليم نمين أن الفتنة الداخلية أسوأ من مسألة اغتيال الشهيد نفسه. وكما اعتقد سليم نمين أنه ضمن هذا الوضع والذي ينتظر فيه العالم سماع ومشاهدة ردة فعلنا، فظهر هذا الرد عبر انقساماتنا الداخلية. وأوصى بعدم التعامل معها كشعار أو بعاطفة. حيث يعتقد هذا المحلل المحافظ أن النهج الخطابي لهذه القضية المهمة وخلق مطالب غير واقعية يمكنه أن يؤدي إلى ضغط غير موجّه على النظام.
- ما هو تأثير هذا النوع من ردات الفعل والانتقادات القاسية؟
الاغتيال الذي حدث كان خسارة مؤسفة لنا وللأمة بأسرها ولكنني بالتأكيد اعتبر أن الأمور التي أعقبت هذا الاغتيال خسارة مضاعفة للوطن والمصالح الوطنية. حيث بات الآن واضحاً ومتجلياً للجميع أن إسرائيل وحلفائها يسعون إلى كبح جماح المجتمعات المسلمة، وخاصة إيران. وصحيح أن لدينا عدداً كبيراً جداً من القضايا المختلفة في البلاد ولكن هذا الأمر له مكانه وعلينا التحدث عنه في مكان آخر. والقضية في الوقت الراهن هي أمر آخر. وشكل المشكلة واضح؛ قام الأعداء الأجانب باغتيال أحد العلماء البارزين وأبناء هذا البلد وهذا الأمر بالتأكيد هو قضية “إرهاب دولة” ضمن جميع الأطر القانونية. وبعد ذلك نرى من نواحٍ مختلفة أن ترامب ونتنياهو وهذه العصابات قد أعطوا إشارات بأن هذا العمل هو من صنع أيديهم. ومن ثم ضمن هذا الوضع الحالي نأتي نحن وننخرط في معاركنا؟ وهذا بالتأكيد هو ذروة انعدام الرؤية وقصر النظر. وأتساءل لماذا ونحن في وضع أحوج فيه إلى الوحدة والاتحاد نقوم بإثارة الشقاق والاختلاف؟ أنا لا أستطيع أن أفهم فهل من الصعب فهم هذه المسألة؟ ونحن الذين نقول دائماً إننا نتحد أكثر عندما يهاجمنا العدو ويضربنا. حيث أن شعار إمامنا “اقتلنا، فسوف تصبح أمتنا أكثر يقظة “.
والآن بعض السلوكيات التي تحدث وللأسف جزء كبير منها يتم تحت ستار الدفاع عن القيم وهو عكس ذلك. في الحقيقة، فإن الأمة يقظة، ولكنني آسف لأن أداء بعض النخب السياسية ووسائل الإعلام يعملون بشكل سيء في هذا الصدد. وأنا شخصياً لدي انتقادات جادة لهذه الحكومة وحتى لنهجها في السياسة الخارجية والاتفاق النووي، ولكن وبعد هكذا حادثة وبتلك الأبعاد التي تتضمنها فإن توجيه رأس الحربة وحتى الإهانة للرئيس ووزير الخارجية فهو أمر ليس سوى إلهاء وصرف للرأي العام عن المُسبب و الجاني الرئيسي لهذه الجريمة. ولا شك في أن العدو الإرهابي سيستغل هذا الوضع بشكل أكبر.
الآن قد لا يكون الوقت مناسباً للنقد العادي فما بالك عن بعض الافتراءات وإلقاء التهم جزافاً إنه أمر مخجل حقاً. وأقول لك إنه حتى الانتقادات الصحيحة والمنطقية يجب أن تتوقف لبضعة أيام ويجب إرسال صورة أخرى إلى العالم. والآن يجب علينا جميعاً أن نصرخ من أجل وحدتنا ومظلوميتنا وشرعيتنا. وقد حان الوقت الآن لفضح أعدائنا المجرمين والبعض مشغولون بفضح خصومهم السياسيين والحكومة والأسوأ من ذلك أن هذا ممزوج بالافتراء والأكاذيب.
- النقطة التي يشير إليها البعض هي أن هذه الاختلافات يمكن أن تكون أحد أهداف الأعداء من تنفيذ هذه العملية. أين ترى هذه النتيجة ضمن مجموعة الأهداف المحتملة لهذا الاغتيال؟
إن الوجود التاريخي لإسرائيل وأساس استراتيجيتها للبقاء يقومان على إرساء الخلاف. ولقد فعلوا ذلك من قبل تشكيلهم في فلسطين ومن ثم بدأوا في خلق الفتنة ضمن العالم الإسلامي وهو الآن في ذروة اتباعها لهذه الاستراتيجية، وسترى تطوراتها. وكما أنها تخلق الشقاق داخل الدول. ولدى إسرائيل استراتيجية من هذا النوع في خلق الفتن وهو أكثر أهمية من الهيمنة ألا وهو الحفاظ على الهيمنة. وهم يحاولون بكل الطرق القيام بذلك ولا يسمحون للأطراف المقابلة بتحقيق الاستقلال اللازم.
ومن المؤكد أن مثل هذا الاغتيال كان له أهداف محددة، حذف وإزالة عالم ومدير بارز وخلق صدمة في جسد الهيئة العلمية للبلاد ومحاولة تعطيل البرامج العلمية والنووية للبلاد وإرسال رسالة تهديد للعلماء، ومن الممكن أن تكون جميعها من بين أهداف مثل هذا المُخطط. ولكن بالتأكيد فإن جزءً مهماً من أهدافهم هو في المجال السياسي والاجتماعي، وتسعى إلى إحداث شرخ. وأعتقد أن هذا هو أهم هدف لهم.
لهذا السبب أعتقد أنه على الرغم من نجاحهم في تنفيذ عملية الاغتيال فلو شاهدوا وحدتنا أكبر فيما بعد فسوف يكون هذا المُخطط قد فشل بالنسبة لهم. وإن نجاح هذا المخطط أو المشروع بالنسبة لهم هو أن يروا أنهم تمكنوا إرساء الفتنة فيما بيننا وأثاروا معركة في البلاد. فهل لدينا سلاح أقوى من الوحدة؟ المشهد واضح تماماً. تم اغتيال عالم مهم في البلاد والذي هو رئيس منظمة البحث والابتكار بوزارة الدفاع أيضاً، والعالم ينتظر ردة فعلنا. فما رأي العالم بنا عندما تكون ردة الفعل لهذا تصعيداً حاداً للفتنة والافتراء؟ وقد حان الوقت الآن لإظهار شرعيتنا ولنخبر العالم أيُّ الناس نواجهم وما هي السياسات الشريرة التي يتبعونها.
- ما يقوله كثير من النقاد أن الحكومة قدّمت رسالة ضعف إلى العالم في أعقاب هذا الاغتيال، بينما نحتاج إلى إرسال رسالة قوة إلى العالم. فهل تعتقد ذلك؟
أعتقد أيضاً أن الوقت قد حان لإعطاء رسالة قوية ومتينة للعالم، ولا شك في ذلك. ولكنني أعتقد أيضاً أن أعلى وأقوى رسالة لضعفنا هي هذه الاختلافات والتوترات. وأن الاقتتال على مستوى النخب السياسية والاجتماعية وحتى اتخاذ موقف ضد بعضنا البعض على مستوى بعض المؤسسات، يعني أننا وضمن حالة نحتاج فيها إلى مزيد من الاتحاد، فإننا نقوم بإثارة معظم الاختلافات. فهل يمكن إرسال رسالة ضعف أكثر وضوحاً من ذلك إلى العالم؟ نعم، قد أنتقد مواقف للحكومة ولكن هذا ليس سبباً لأفعل أمراً سيكون رسالة أسوء للعالم.
- في هذا الصدد، أثيرت مطالب مختلفة للانتقام. ما هو رأيك في نوعية رد إيران على هذه الجريمة؟
إن من حق المجتمع بالتأكيد أن يتم الرد والتعامل مع هذا الاغتيال الوحشي بشكل متناسب. وعلى أي حال، فإن الإرهابيين اغتالوا أحد أبناء البلد المثمرين بطريقة جبانة والرد المناسب هو حق مشروع لإيران وكذلك من حق الشعب أن يطالب بالانتقام. وهذا ما تقوله كرامتنا الوطنية. لقد كنا وما زلنا أمة عظيمة عبر التاريخ ولن نستسلم بالتأكيد للذل أو نترك مثل هذه السلوكيات دون رد. ولكن متى وكيف ولأي درجة فلا ينبغي إدراج ردة الفعل هذه ضمن الشعارات والسلوكيات الخطابية والعاطفية. وهذا قرار استراتيجي يتخذه النظام وفقاً للعديد من الظروف والإمكانيات والقضايا المختلفة والتي تكون فقط على مستوى واحد من المتطلعين والمشرفين. وفي جميع أنحاء العالم تكون مثل هذه المعلومات ضمن دائرة محدودة وسرّية.
ذلك لأن تقييم جودة هذا الرد هو حكر على الأماكن التي تدرك تماماً هذه القضايا وتعرف كيفية إلحاق أكبر قدر من الضرر بالعدو وفي أفضل وقت. وقد نتخلى عن توقعنا بأننا سنرد على هذا الاغتيال في غضون شهر آخر، ولكن الحقيقة هي أننا إذا تركناه لمدة عام بعد فذلك يمكننا من توجيه ضربة أقوى للعدو. فبالتالي وفي هذا الشأن لا ينبغي أن نلحظ سلوكيات تزيد المطالب بشكل غير واقعي وتحولها إلى اتجاهات غير عقلانية أو منطقية. ونحن عامة الناس لا ندرك هذه القضايا. وخاصة ضمن هذه الظروف حيث يُتوقع من النخب السياسية أن تكون على دراية بهذه القضية المهمة وأن تعمل بوعي وحسابات دقيقة. وأساس ومبدأ الانتقام لهذا الاغتيال مطلب صحيح تماماً، ولكن من الأفضل القبول بأن جودته تعتمد على مستوى صنّاع القرار على مستويات مُشرفة.
إن المعلومات والآراء المذكورة في هذه المقالة المترجمة لا تعبّر بالضرورة عن رأي جاده إيران وإنما تعبّر عن رأي كاتبها أو المؤسسة حيث جرى نشرها أولًا
المصدر/ صحيفة “ايران” الحكومية