الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة20 سبتمبر 2020 20:57
للمشاركة:

بين أسباب الداخل والأزمات مع الجيران.. إيران على شفير العطش

منذ سنوات تعاني إيران أزمة شحّ في المياه أدّت إلى انخفاض مستوى بعض الآبار الجوفية، وإلى جفاف بعض الأنهار. نتائج هذه الأزمة لم تقتصر على المستوى الداخلي فقط، بل امتدّت لتؤثر على علاقات إيران مع دول الجوار التي تتشارك معها بمجاري الأنهار.

تحاول حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني ابتكار الحلول لمواجهة هذا الواقع. نائب وزير البيئة أحمد رضا لاهيجان زاده، أعلن في مقابلة مع وكالة “ارنا” يوم الخميس 10 أيلول / سبتمبر، عن خطة تدرسها الحكومة لتحلية مياه البحر جنوبي البلاد، لمواجهة الأزمة التي تعاني منها 17 محافظة في البلاد.

محافظة سيستان وبلوشستان الواقعة جنوبي شرق إيران، هي المحافظة الأكثر تأثراً بالأزمة. تعمل السلطات المعنية على التخفيف من نتائجها عبر توجيه مجاري المياه إليها، أو عبر توزيع بعض المساعدات للأهالي. وفي هذا السياق، أعلن الهلال الأحمر الإيراني، يوم السبت 12 أيلول/ سبتمبر، توزيع 55 ألف قارورة مياه وتفريغ 70 صهريج مياه على بلدة خاش في المحافظة، ضمن حملة “نذر المياه 3” التي تهدف لمساعدة المواطنين على تخطّي هذه الأزمة.

هذا الواقع ليس حديثاً، فأزمة المياه ليست جديدة على “الجمهورية الإسلامية”، فقد عانت منذ عشرات السنين من نقص الموارد المائية. فما هي مشكلة المياه في إيران، خلفيتها التاريخية، وما هو تأثيرها داخلياً وخارجياً؟

أسباب الأزمة

لا تحتاج أزمة المياه التي تعيشها إيران إلى جهد كثير للاستدلال عليها. تظهر في جفاف البحيرات والأنهار وانخفاض مستويات المياه الجوفية والتصحّر. في دراسة للباحثين كاويه مدني، أمير آغا كوشاك، وعلي ميرشي تحمل عنوان “الجفاف الاجتماعي والاقتصادي في إيران: تحديات أمة مفلسة بالمياه” والصادرة في العام 2016 (1)، يظهر واقع إيران الحالي الذي بات يواجه “إفلاساً” بالمياه حسب تعبير الباحثين.

تُظهر الدراسة أن لهذه الأزمة 17 سبباً وهي: النمو السكاني السريع، حلم الاكتفاء الذاتي من الغذاء، الجفاف، العقوبات الاقتصادية، النزوح نحو المدن، رداءة البنية التحتية لشبكة توزيع المياه، تراجع جودة المياه في بعض المناطق، الأساليب الزراعية البدائية، زيادة الطلب على المياه، تسعيرة المياه المنخفضة، السدود، الآبار العميقة، الفيضانات، تغير المناخ، محاولات تطوير الأنظمة الهيدروليكية، عدم كفاءة هيكلية إدارة المياه، الجهل البيئي عند بعض السكان.

في قراءة تفاصيل هذه الأسباب، يمكن القول أن 4 أسباب أساسية أدت إلى هذا التدهور الكبير في القطاع:

  • النمو السكاني السريع:

أدى التغيّر في التوزيع العمري للسكان، إلى جانب التغيرات الأيديولوجية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بعد الثورة الإيرانية في العام 1979 إلى انفجار سكاني خطير مع تضاعف عدد السكان في عقدين فقط. النتيجة الأولى لهذا النمو السكاني السريع هو زيادة الطلب على المياه، والانخفاض الحاد في نصيب الفرد من المياه المتاحة. يقدّر نصيب الفرد من المياه الحالية في إيران أعلى قليلاً من المتوسط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يبلغ 1300 متر مكعب، وهي تعتبر أقل بكثير من المتوسط العالمي الذي يبلغ 7000 متر مكعب. 

  • حلم الاكتفاء الذاتي من الغذاء:

يمثّل الأمن الغذائي تحديًا مستمرًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أدت محدودية الوصول إلى المياه وارتفاع عدد السكان وعدم الاستقرار السياسي إلى جعل المنطقة عرضة لنقص الغذاء. جعلت سنوات الحرب مع العراق والعقوبات الاقتصادية بعد الثورة الإيرانية عام 1979 من الأمن الغذائي تحديا خطيرا للحكومة. ونتيجة لذلك، استمر الاهتمام بالاكتفاء الذاتي في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية الرئيسية مثل القمح، ما وضع قطاع المياه أمام ضغط كبير، وبالتالي تحوّلت مشكلة الأمن الغذائي إلى مشكلة أخرى في المياه.

بين أسباب الداخل والأزمات مع الجيران.. إيران على شفير العطش 1
  • الجفاف:

تشير التقديرات إلى أن كل نقص ملم واحد في المعدل الطبيعي للأمطار، يؤدي إلى خسارة بنحو 90 مليون دولار في القطاع الزراعي. وأثر الجفاف الشديد في العقد الماضي بين 1998-2001 الذي ضرب المنطقة، تحوّلت 8 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية إلى أراضي جرداء غير صالحة.

  • العقوبات الإقتصادية:

العقوبات المتراكمة منذ 1979 سرّعت بشكل غير مباشر من بعض الآثار البيئية. فعلى الرغم من أن معظم مشاكل المياه في إيران غير تقنية، إلا أن افتقار الحكومة إلى الوصول إلى أحدث تقنيات المياه والتبادلات العلمية على المستوى الدولي، قد حد من قدرتها التقنية على حل مشاكل قطاع المياه. وبالتالي، يُمكن التصوّر أن رفع هذه العقوبات سيساعد بالوصول أفضل إلى التكنولوجيا الدولية والتبادلات العلمية والاستثمار الأجنبي المفيد في إعادة بناء هذا القطاع المتدهور.

تتوصّل الدراسة إلى خلاصة مفادها أن حجم الأضرار بقطاع المياه في البلاد، لا يمكن إصلاحه في فترة قصيرة، بل هو بحاجة إلى إدارة فعّالة لموارد المياه بدل “محاولات الترقيع”، حسب تعبير الباحثين. لذلك، تشدد الدراسة على أنه في حال لم يتم بذل جهود كبيرة لتقليل الطلب على المياه في البلاد وإدارة هذا القطاع، فعلى المسؤولين أن يتوقعوا تدهور موارد المياه في البلاد.

بين أسباب الداخل والأزمات مع الجيران.. إيران على شفير العطش 2

وفي السياق نفسه، لم تؤثر أزمة المياه في إيران على حياة المواطنين فحسب، بل أدت إلى زعزعة الإستقرار بين “الجمهورية الإسلامية” والدول المحيطة بها. فهذه المشكلة، لا يُمكن النظر إليها وفق العلاقات الدبلوماسية الطبيعية، بل هي أزمة وجود وتهديد للأمن القومي في أي بلد. هنا خلفية تاريخية.

  • الصراع المائي مع العراق

اتهم المتحدث باسم وزارة الموارد العراقية عوني ذياب، يوم السبت 22 آب/ أغسطس 2020، السلطات الإيرانية بتحويل المياه إلى بحيراتها، مشيراً إلى أن الوزارة رصدت انخفاضاً في منسوبي نهري سيروان والزاب من الجانب الإيراني، بنسبة وصلت إلى 2 متر مكعب في الثانية.

وأوضح ذياب أن “الانخفاض الذي حدث في نهر سيروان في مقدمة سد دربندخان، ونهر الزاب الأسفل في مقدمة سد دوكان يعدّ مخالفة وسيتسبب بضرر كبير للعراق خاصة على نهر ديالى، الذي تعتمد عليه محافظة ديالى بالكامل، وكذلك بالنسبة لسد دوكان الذي يعتمد عليه مشروع ري كركوك، إضافة إلى كون المياه المخزونة في سد دوكان تسهم في رفد نهر دجلة أيضاً”، مضيفاً “الوزارة لمست هذا الانخفاض قبل أربعة أيام تقريباً، وحدث نقص كبير جداً في نهر سيروان من 47 متراً مكعباً في الثانية إلى سبعة أمتار مكعبة في الثانية، والتصاريف في مقدمة سد دوكان في نهر الزاب الأسفل وصلت إلى 2 متر مكعب في الثانية، وهذا يعني تقريباً القطع الكامل للمياه”.

إلى ذلك، أشار إلى أن الوزارة أصدرت بياناً بهذا الخصوص، وطلبت من الجانب الإيراني والمختصين في مجال إدارة الموارد المائية هناك بإعادة الواردات إلى ما كانت عليه وبشكلها الطبيعي.

هذا الواقع، يعيد إلى الأذهان الصراع التاريخي بين البلدين، والممتد إلى عهد العثمانيين. وتعود آخر اتفاقية عراقية – ايرانية لترتيب الوضع المائي الى “اتفاقية الجزائر” (2) في العام 1975 والتي ألغيت في العام 1980 (من طرف العراق بعد سقوط الشاه) فأشعلت حرباً مدمرة، وأعيد العمل بها مجدداً بعد انتهاء الحرب، إلى أن اعتبرها الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني ملغاة لأنها وقّعت بين الشاه محمد رضا بهلوي والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وليس بين إيران والعراق.

عام 2011 أقرت الحكومة الايرانية مشروعا لبناء 152 سداً، بعضها للتحكم و”استنقاذ” المياه الداخلة الى العراق، ولا سيما الروافد والانهار. غيّرت إيران مسار أهم رافدين وهما “الوند” و”الكارون”، ما أضرّ كثيراً بالمساحات الزراعية الواسعة في البصرة وواسط وديالى.

عام 2013 جفّ مجرى نهر الكارون المتجه إلى العراق، بعد أنه حوّلت طهران مجراه لتغذية نهر “زاينده رود” في أصفهان بعد انخفاض منسوبه، اما نهر الكرخة الذي يصب في هور الحويزة العراقي، فشُيّدَ عليه أكبر سد في إيران بسعة تخزين تبلغ 5.9 مليار متر مكعب، وقدرة إنتاج كهربائي تصل إلى 520 ميغاواط فابتلع المياه كلها. أما نهر الوند الذي يغذي دجلة في ديالى، فقد جفّ بالكامل في العام 2011 بعد انخفاض تدفقه منذ عام 2005.

هذا الواقع القديم الجديد، تعمل إيران جاهدة على حلّه مع العراق، تفادياً لأي صراع محتمل قد يصل الطرفان إليه. من هنا على الأرجح، يأتي التشديد المتكرر من المسؤولين الإيرانيين على ضرورة إيجاد حل شامل لكل دول المنطقة، لتفادي عطش السكان في غرب آسيا.

  • أزمة السدود الأفغانية

الآية تنقلب بالنسبة للوضع مع أفغانستان. فأزمة طهران وكابول تكمن ببناء الأخيرة سدودا في مجاري الأنهار المتجهة غربا نحو إيران. الانتقاد الإيراني، وقول الرئيس حسن روحاني إن بلاده لن تسكت إزاء تصميم الحكومة الأفغانية على بناء السدود، لم يثنيا أفغانستان عن مواصلة البناء، علما أن ذلك  يؤثر على عدة أقاليم إيرانية من أبرزها سيستان وبلوشستان.

الخلافات المائية بين إيران وأفغانستان تاريخية، وتعود إلى ما قبل الغزو السوفياتي لأفغانستان، وإلى أيام الملك ظاهر شاه (3). واستفحلت القضية بين الدولتين، خصوصاً أيام الرئيس الأفغاني الأسبق محمد داوود خان، في سبعينيات القرن الماضي، قبل أن يتم عقد عدة اجتماعات بين الدولتين، أدت إلى إبرام اتفاقية عرفت في الأوساط الأفغانية باتفاقية موسى شفيق، وهو رئيس الوزراء أيام حكم داوود خان، أو اتفاقية عام 1979. وافق شفيق حينها على منح إيران نسبة من المياه الأفغانية. وكانت كابول تعتزم آنذاك بناء سدود، لكن الغزو السوفياتي حال دون ذلك، ودخلت أفغانستان في أتون حروبها الأهلية المتواصلة.

اليوم، ورغم تعاظم الملف الأمني، والكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تواجهها الحكومة، إلا أن الرئيس الأفغاني أشرف غني مصمّم على متابعة ملف السدود. فبعد سد سلمى، الذي صمم بدعم هندي، دشن غني سد كمال خان، والجزء الثالث من سد كجكي، ويعتزم بناء عشرات السدود على الأنهار الواصلة إلى الجارتين إيران وباكستان.

مكمن الخطر بالنسبة لإيران أنها كانت تستفيد من جميع الأنهار الأفغانية، وبنت عشرات السدود على مجاريها، لذا فهي لن تقبل بالاستفادة من المياه وفق اتفاقية موسى شفيق المعروفة لدى الأفغان والإيرانيين. تعرّض سد سلمى لعشرات الهجمات في السنوات الماضية، وأدى ذلك إلى مقتل وإصابة العديد من حراسه والعاملين فيه. واتهمت الحكومة الأفغانية دول الجوار و”طالبان” بالوقوف وراء تلك الهجمات. كما اتهمت الاستخبارات الأفغانية، عدة مرات، إيران بتشكيل مليشيات خاصة لمنع كابول من بناء سدود، ما قد يزيد من التوتر بين البلدين.

في المحصلة، تواجه إيران مشكلتين مائيتين. الأولى هي الجفاف الذي بدأ يُتعب المواطنين الإيرانيين، والثانية هي توتر العلاقات مع دول الجوار بسبب بناء السدود للإستفادة القسوى من المياه الموجودة في البلاد، إلى جانب خسارة مياه كانت تتدفق سابقًا من أفغانستان. وأمام هذا الواقع، هل تكون أزمة المياه بداية لأزمات أكبر في المنطقة، خصوصا في ظل غياب الحلول الجذرية التي تعود بالمصلحة على الجميع؟

الهوامش

(1)

Kaveh Madani, Amir AghaKouchak & Ali Mirchi (2016) Iran’s Socio-economic Drought: Challenges of a Water-Bankrupt Nation, Iranian Studies

(2)

خلق، صفاء. إيران ومياه العراق. السفير العربي. تاريخ النشر: 5 آذار/مارس 2018

(3)

يونس، محمد. سدود أفغانستان: صراعات مائية. المستقبل للأبحاث والدراسات المستقبلية، تاريخ النشر: 18 تموز/يوليو 2018

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: