الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة15 سبتمبر 2020 19:50
للمشاركة:

صفقات السلام مع إسرائيل كابوس استراتيجي لإيران “فورين بوليسي”

نشرت مجلة "Foreign policy" الأميركية، تقريرًا يوم الأثنين 14 أيلول/ سبتمبر 2020، للباحثين حميد رضا عزيزي وميثم بهروش، أكّدا خلاله أن التعاون العربي المتزايد مع إسرائيل سيساعد على سد القنوات المالية السرية وإعاقة بوابات الالتفاف التي تستخدمها السلطات والمؤسسات الإيرانية بشكل تقليدي للتهرب من العقوبات الأميركية، ما سيجعل سياسية "الضغوط القصوى" الأميركية أشدّ قسوة على طهران، كما ورد في التقرير الذي ترجمته "جاده إيران".

13 آب/ أغسطس 2020، عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاق “أبراهام”، الذي أدّى إلى تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، نظر العالم للاتفاق باعتباره لحظة تاريخية، بينما في إيران تم اعتبار الاتفاق على أنه تهديد خطير، لذا من الجدير بالملاحظة، تنديد مختلف المسؤولين داخل المؤسسة السياسية بالاتفاق بين الإمارات وإسرائيل محذرين من عواقبه.  كان هذا إشارة إلى حدوث تغيير قادم لا مفر منه في الاستراتيجية من قبل إيران.

في اليوم التالي للاتفاق، أدانت وزارة الخارجية الإيرانية الاتفاقية ووصفتها بال”حماقة استراتيجية” و “طعنة من الإمارات في ظهر الشعب الفلسطيني”. وبعد يوم مِن إعلان وزارة الخارجية الإيرانية، أصدر الحرس الثوري الإيراني بيانًا ناريًا، وصف التطبيع بـ “الحماقة التاريخية” التي ستؤدي إلى “مستقبل خطير” لقيادة الإمارات العربية المتحدة. وفي نفس اليوم، دخل الرئيس الإيراني حسن روحاني أيضًا بثقله على الخط وقام بالتعبير عن استيائه واصفًا الاتفاقية بأنها “خيانة”، محذّرًا من أنه إذا سمح الإماراتيون “لإسرائيل بموطئ قدم في المنطقة، فسيتم معاملتهم بشكل مختلف”. و ردًا على ذلك، استدعت الإمارات القائم بالأعمال الإيراني في أبو ظبي للاحتجاج على تصريحات روحاني “التهديدية” و “المحرضة” على التوتر.

وفي 16 آب/ أغسطس، انضم رئيس أركان القوات المسلحة محمد باقري إلى جماعة المُنددين مِن خلال تحذير صارم بأن سياسة إيران تجاه دولة الإمارات “ستتغير جذريًا” وأن القوات المسلحة للجمهورية الإسلامية ستنظر إلى هذا البلد بحسابات مختلفة. وأكد القائد العسكري الإيراني الأعلى أنه إذا حدث شيء ما في الخليج الفارسي وتعرض الأمن القومي الإيراني لخرق وإن كان طفيفًا، “فسوف نحمل الإمارات المسؤولية ولن نتسامح مع ذلك”.

وفي الأول من أيلول/ سبتمبر، تصدرت إدانة المرشد الإيراني علي خامنئي سلسلة الإدانات البارزة، والذي صوّر الاتفاقية على أنها محاولة إماراتية ليس فقط لترك القضية الفلسطينية للنسيان، ولكن أيضًا للسماح لإسرائيل بأن يكون لها موطئ قدم في المنطقة، قائلًا “سنحمل إمارات المسؤولية ولن نتسامح معها”.

بعد يوم واحد من انطلاق أول رحلة جوية من إسرائيل عبر السعودية إلى العاصمة الإماراتية أبو ظبي وعلى متنها كبار المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين بما في ذلك مستشار البيت الأبيض جاريد كوشنر، الذي أشار إليه خامنئي في خطابه بـ “ذلك اليهودي في عائلة ترامب” قال خامنئي في خطابه: “لقد خانت الإمارات العالم الإسلامي، وخانت الدول العربية والدول الإقليمية، وخانت أيضًا فلسطين”، كما توعد قائلاً: “لكن بالطبع هذه الخيانة لن تستمر طويلاً”.

مفتاح الفهم للمخاوف العميقة لإيران بشأن التقارب الإماراتي الإسرائيلي يكمن في إمكانية وضع الأخيرة موطئ قدم في الجوار المباشر لإيران. في الواقع، منذ ثورة 1979 التي ولدَت من رحمها الجمهورية الإسلامية، غذت المؤسسة الثورية الإيرانية الخلاف العربي الإسرائيلي حول فلسطين بالذخيرة السياسية في حملتها الأيديولوجية ضد الورم السرطاني المسمى إسرائيل، الممثل للغطرسة العالمية لحليفها الشيطان الأكبر. ولكن الأهم من ذلك بكثير بالنسبة لأمن إيران القومي، أن العداء أو الانفصال بين العرب وإسرائيل كان بمثابة حصن جيوسياسي طبيعي يحمي المصالح الإيرانية الأساسية من الحملات العدائية الإسرائيلية الأمريكية في منطقة متنافسة بشكل عام. وبشكل أكثر تحديدًا، اعتمدت طهران منذ فترة طويلة على العداء العربي الإسرائيلي كحاجز أمني حيوي ليس فقط لمنع عدو لدود كإسرائيل من ترسيخ موضع قدم له في محيط إيران من الناحية الجغرافية وأيضًا من الناحية السياسية عززت إيران مفهوم “العمق الاستراتيجي” الخاصة بها عبر الشرق الأوسط في ظل انعدام أي منافسة فعلية لها. 

في الأدبيات الأمنية العسكرية الإيرانية يطلق على “العمق الاستراتيجي” مصطلح دعم أو إسناد أو “عقبه” -بالفارسي-، يشير إلى القدرة على الاقتراب من أرض العدو قدر الإمكان في حالة الصراع. الآن التطبيع بين الإمارات وإسرائيل ، والذي يتضمن من بين أمور أخرى تعاونًا أمنيًا دوريًا وتبادلًا للمعلومات الاستخبارية بين الشريكين ضد خصمهما المشترك، يهدد بخرق إسرائيلي للحاجز الطبيعي مع إيران.

وقد أبدت طهران في وقت سابق عزمها على حماية هذا الحاجز، وتحديدًا في أيلول/ سبتمبر 2017، عندما وقف الحرس الثوري الإيراني بثقله خلف الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي لإحباط محاولة حكومة إقليم كردستان الاستقلال، بعد استفتاء محلي لصالح دولة كردية مستقلة. في ذلك الوقت، هدّد الراحل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، مرارًا وتكرارًا بإرسال جماعات مدعومة من إيران إلى جانب قوات الحكومة العراقية إلى مدينة كركوك النفطية إذا لم ينسحب المقاتلون الأكراد منها. وعليه كان الدافع الرئيس لمعارضة طهران الشرسة لاستفتاء الاستقلال هو الخوف من أن إسرائيل أيّدت الاستفتاء في محاولة لكي تفوز بموطئ قدم في شمال العراق.

من المتوقع أن تضغط اتفاقات التطبيع العربي الإسرائيلي على إيران وتجعلها أكثر عرضة لعمليات أمنية وإستخباراتية من قبل خصومها. في شباط/ فبراير 2018، كانت هناك نقطة ضعف لإيران واضحة تمامًا حيث نجح فريق من عملاء الموساد من انتزاع أكثر من نصف طن من الوثائق النووية بالغة السرية من منطقة مجهولة في طهران ونقلها إلى تل أبيب، ووفقًا لتكهنات جديرة بالتوقف عندها مِن المخابرات الإيرانية فقد تم تهريب الوثائق أولًا إلى أذربيجان عبر بحر قزوين، حيث تعد أذربيجان الجار الشمالي لإيران حليف استراتيجي لإسرائيل. وتاريخياً، أولت إيران أهمية استراتيجية أكبر بكثير لجيرانها في الغرب والجنوب من جيرانها الشماليين، حيث يُنظر إليهم إلى حد كبير في طهران على أنهم الفناء الخلفي لروسيا في المقام الأول. الآن، التطبيع العربي الإسرائيلي الذي قادته الولايات المتحدة في عهد ترامب سيؤدي لثغرات أمنية لإيران مثل الموضحة أعلاه.

منذ ثورة 1979 التي ولدَت من رحمها الجمهورية الإسلامية، غذت المؤسسة الثورية الإيرانية الخلاف العربي الإسرائيلي حول فلسطين بالذخيرة السياسية في حملتها الأيديولوجية ضد الورم السرطاني المسمى إسرائيل

هذه الثغرات في الجدار الأمني العازل لإيران لن تسمح فقط بمثل هذه الضربات الخادعة، بل إنها ستجعل سياسة “الضغط الأقصى” التي أقرها ترامب والتي تتمثل في الخنق الاقتصادي ضد طهران أكثر فعالية وألمًا من حملة عقوبات سلفه. حيث ساعد التعاون العربي المتزايد مع إسرائيل والولايات المتحدة الأخيرة على سد القنوات المالية السرية وإعاقة بوابات الالتفاف التي تستخدمها السلطات والمؤسسات الإيرانية بشكل تقليدي للتهرب من العقوبات الأميركية.

كما أن التحالف العربي الإسرائيلي الناشئ  والمتمثل في التطبيع الإماراتي الإسرائيلي يبشر بشكل سيئ بإفشال السعي الإيراني الناجح نموذجيًا إلى العمق الاستراتيجي عبر الشرق الأوسط. ووفقًا لمصادر إعلامية في تركيا  وهي منافس رئيسي للإمارات ومعارض لتقاربها مع إسرائيل  يتيح الإماراتيون لإسرائيل فرصة فريدة لإقامة “قواعد تجسس” في جزيرة سقطرى الواقعة جنوب اليمن وتسيطر عليها الإمارات. وقد يؤدي تسهيل الإمارات للانخراط الأمني الإسرائيلي في خليج عدن إلى تأجيج التوترات الداخلية طويلة الأمد في المنطقة عبر دفع المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران ضد القوات المدعومة من السعودية، حتى بعد انتهاء حرب اليمن. وبالفعل ظهر نوع مماثل للصراع الخفي بين إيران وإسرائيل في أجزاء من إفريقيا، وإذا كان التاريخ الحديث يرسم أي توجه مستقبلي، حيث يفضل الشركاء العرب تقليديًا إسرائيل على إيران فلا يوجد سبب للاعتقاد بأنه لن يكرر نفسه في القرن الأفريقي وبحر العرب والتي لها أهمية استراتيجية كبيرة لطهران.

لذلك، ليس من المستغرب أن تحظى فكرة الانفتاح الشامل مع الدول العربية الإقليمية، ومِن ضمنها الكتلة التي تقودها السعودية بدعم الأحزاب المختلفة في طهران. وذلك على عكس المفاوضات مع واشنطن التي يصعب على القادة الإيرانيين تبريرها وتسويقها في ظل الإذلال الناتج عن ضغوط العقوبات الاقتصادية واغتيال الولايات المتحدة للجنرال سليماني.

وأخيرًا، من المرجح أن يؤدي الاختراق الدبلوماسي بين الإمارات وإسرائيل إلى تفاقم تصور طهران الحالي لـ “الحصار الاستراتيجي” وقد يدفعها إلى التصرف بشكل أكثر عدوانية مع قدر أقل من ضبط النفس في جوارها. ربما كان هذا ما يعنيه رئيس الأركان الإيراني باقري بعبارة “حسابات مختلفة”، وذلك ما لم يتم وضع استراتيجية لحفظ ماء الوجه وكسر حلقة المواجهة المستمرة.

المصدر/ فورين بوليسي

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: