الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة10 سبتمبر 2020 17:11
للمشاركة:

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد

أصدر مركز "ولسون" البحثي ورقة بحثية تناولت العلاقات الإيرانية الصينية خلال الـ25 سنة الماضية، والسياق الإقليمي للشراكة بين البلدين، ومصير هذه العلاقة بعد تسريب مسودّة اتفاقية الشراكة الشاملة بينهما. هذه الورقة هي من إعداد مؤسس موقع Bourse & Bazaar أسفنديار باتمانغليدج، والباحثة في جامعة تسينغهوا بالصين لوسيل غرير. جاده إيران تقدم إليكم ترجمة كاملة، تبدأ بالخلاصة التي توصّل إليها الباحثان.

خلاصة الدراسة

لا يمكن لأحد أن ينكر الأهمية الإقتصادية والسياسية لاتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين. ولكن كما يوضح التحليل المقدم في هذه الورقة البحثية، فإن مدى التعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين كان محدودًا، على الأقل مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة. وبالتالي، فإن الحقيقة تظهر أن هذه الإتفاقية لا ترقى إلى مستوى “التحالف الاستراتيجي” الذي يخشى منه الكثير من المحللين الغربيين.

بالنظر إلى الأرقام المدرجة في هذه الدراسة، لا يبدو أن إيران كانت تعتمد بشكل أساسي على الصين، ولا يمكن اعتبارها حليفاً أكبر من الدول الخمس الرئيسية الأخرى في المنطقة التي تم رصدها في هذه الدراسة وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق وتركيا وباكستان. حتى أن محتوى المسودة المسرّبة يظهر توازناً مع إلتزامات الصين الأخرى في الشرق الأوسط. وهي تحتوي على تشابه كبير مع الورقة السياسية الصينية المتعلقة بالعلاقات مع العالم العربي، والتي نشرت بالتزامن مع بدء مفاوضات الصين وإيران في عام 2016. لذا، فإن هذه الإتفاقية لا يمكن اعتبارها إلا استمرار للغة الصين الموحدة تجاه المنطقة.

فيما يصف المسؤولون الصينيون في كثير من الأحيان شراكتهم مع إيران بمصطلحات تاريخية كبرى، لا ينبغي أن يؤخذ هذا الخطاب بظاهره. غالبًا ما يفشل التحليل الغربي للشؤون الصينية والشرق أوسطية في تفسير الاختلاف الملحوظ بين الخطاب الظاهري والالتزام المادي. صانعو السياسة في كل من الصين وإيران مقيدون بالرأي العام. فقد تسبب تسريب المسودة المكونة من 18 صفحة من اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين بعاصفة من الإنتقادات وردود الأفعال على وسائل التواصل الاجتماعي في إيران، واضطر وزير الخارجية محمد جواد ظريف إلى إصدار بيان لنفي الشائعات عن قيام إيران ببيع جزيرة كيش إلى الصين.

الحقيقة تُظهر أن هذه الإتفاقية لا ترقى إلى مستوى “التحالف الاستراتيجي” الذي يخشى منه الكثير من المحللين الغربيين.

في المقابل، إلتزمت وسائل الإعلام الحكومية الصينية الصمت بشأن هذا الموضوع. فالشرق الأوسط يمثّل مصدر قلق لمعظم الصينيين، فهو يظهر في وسائل الإعلام الصينية على أنه ساحة لإخفاقات السياسة الخارجية لأميركا. من هنا، لا تريد الحكومة الصينية أن تُظهر لمواطنيها أنها أصبحت متورطة في منطقة بعيدة، حيث انهارت تاريخياً قوى عالمية أخرى.

إضافة إلى ذلك، يعكس تدهور العلاقات الصينية- الإيرانية منذ بدء العقوبات الأميركية المشددة على إيران، المحاولات الصينية لتجنب إستعداء إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في خضم الحرب الإقتصادية والتجارية الكبيرة. لذا من الواضح أن الهدف من الاتفاق بين إيران والصين ليس تحدي المصالح الأميركية. فإيران هي رافعة يمكن للصين استخدامها للتخفيف حدة التوترات مع الولايات المتحدة.

من جهة أخرى، إن مصداقية الصين بموضوع ادعاءاتها الجديدة بأنها قوة عظمى باتت على المحك، إذا ثبت أن الصين غير قادرة على تفعيل الإتفاق الأخير مع إيران بسبب الضغط الأميركي. وبهذه الطريقة، فإن دفع إدارة ترامب لتحويل إيران إلى ساحة لتحدي صعود نفوذ الصين، قد يخدم في الواقع مصالح إيران قصيرة الأجل من خلال إجبار الصين على إظهار التزام استراتيجي أكبر مع طهران.

بشكل عام، يمكن النظر إلى اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين أنها ليست انعكاسًا للطموحات الصينية والإيرانية، بل هي انعكاس لمخاوف كليهما. ويبقى أن نرى ما إذا كان التنفيذ الكامل للإتفاقية يمكن أن يغير الوضع القائم لصالح إيران، لكن الإجابة لن تكون واضحة حتى تصبح سياسة الصين في الشرق الأوسط أكثر واقعية.

مقدمة الدراسة

في بداية شهر حزيران/ يونيو من هذا العام، انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي وفي وسائل الإعلام الإيرانية وثيقة من 18 صفحة بعنوان “المسودة النهائية لإتفاقية الشراكة الإستراتيجية بين إيران والصين”، والتي على ما يبدو تم تسريبها من قبل وزارة الخارجية الإيرانية. سرعان ما انتشرت هذه الوثيقة في وسائل الإعلام العالمية وعنونت بأن إيران والصين تشكلان “تحالفاً جديداً في المنطقة لإعادة توجيه ميزان القوة في الشرق الأوسط لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية.

ورغم أن الوثيقة المسرّبة لم تتضمن أي مسار مالي للاتفاق بين البلدين، إلا أن التقارير الإخبارية ذكرت أن الصفقة ستشمل استثمار الصين 400 مليار دولار في إيران، وهو رقم وهمي تماماً ويرجعنا إلى مقال تم نشره في ربيع العام 2019.

تعكس مثل هذه الأخطاء المبالغ فيها والتي تنتشر منذ فترة طويلة، الخطأ في تقدير المشاركة الاقتصادية للصين، ليس فقط في إيران، ولكن أيضًا في الشرق الأوسط.
من المفهوم، نظرًا للتوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين من جهة، وبالنظر إلى الضغط المستمر للعقوبات التي تمارسها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاقتصاد الإيراني من جهة أخرى، يُنظر إلى احتمال التوصل إلى اتفاق صيني إيراني على نطاق واسع على أنه مناورة جديدة لتحدي واشنطن. لكن الوثيقة المسربة، المنسوبة إلى أمانة المجلس الأعلى لآلية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين إيران والصين، تشير إلى حقيقة العلاقات الصينية الإيرانية. بدلاً من الإعلان عن تحالف جديد، تعكس الوثيقة جهدًا متجددًا من جانب حكومة الرئيس الإيراني حسن روحاني لاستئناف المفاوضات حول اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة (CSP) الموقعة عقب زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى طهران في كانون الثاني/ يناير من العام 2016، بعد فترة وجيزة من تنفيذ الاتفاق النووي أو ما يعرف بخطة العمل المشتركة بين إيران ودول 5+1، وبعد أربعة أيام من توقيع شي لاتفاقية مع المملكة العربية السعودية في الرياض.

في المقابل، تعكس الوثيقة المسرّبة الإحباط الإيراني في ما يتعلق بالضعف النسبي لعلاقاتها الثنائية مع الصين مقارنة بالعلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي يتمتع بها جيرانها مع بكين. وتظهر الوثيقة المسربة نهج الصين المدروس لبناء علاقات مع العديد من البلدان رغم الأوضاع والعداء المتبادل بين الدول في المنطقة. وهذا هو السياق الأهم الذي غاب عن تحاليل هذه الصفقة وتداعياتها.

من أجل فهم تداعيات الوثيقة بشكل أفضل، تقدم هذه الورقة دراسة مقارنة للعلاقة الاقتصادية والأمنية بين البلدين. كما تحتوي هذه الورقة البحثية أول ترجمة كاملة للوثيقة المسربة والمكونة من 18 ورقة. كما تحدد الورقة أيضًا حجم المشاركة الاقتصادية الصينية عبر الشرق الأوسط. وتم في هذه الورقة وضع كل البيانات في سياقها عبر إجراء مقارنات بين إيران والعراق وباكستان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا كونهم أهم الاقتصادات في الشرق الأوسط.

الفكرة السائدة دائماً هي أن إيران تعتمد على الصين، لكن حجم ونطاق هذا الإعتماد محدودان أكثر بكثير مما كان يُعتقد. يوضح تحليل هذه الورقة البحثية أن إيران، من الناحية النسبية، لا تعتمد على اقتصاد الصين أكثر من الاقتصادات الرئيسية الأخرى في الشرق الأوسط.

يوضح مؤلفو هذه الورقة أيضًا أن هذا الإعتماد لا يعكس حجمًا كبيرًا من التجارة والاستثمار الصيني في إيران. على العكس من ذلك، يبدو أن إيران أقل من دول الشرق الأوسط الأخرى من ناحية الشراكة التجارية والاستثمارية مع الصين. إن مستوى اعتماد إيران الاقتصادي على الصين ليس نتيجة للمصالح الاستراتيجية الصينية في إيران، بل هو نتيجة لتخلي الغرب عن السوق الإيرانية بدءًا من فرض العقوبات الدولية في عام 2008، ومن ثم فرض إدارة ترامب العقوبات المشددة على طهران في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2018 بعد فترة قصيرة من تجدد التجارة والاستثمار الأوروبي في إيران بعد تخفيف العقوبات عقب خطة العمل الشاملة المشتركة. وبالتالي فإن الاعتماد الإيراني على الصين هو، حتى الآن، في المقام الأول نتيجة للاستراتيجية الغربية، وليس الإستراتيجية الصينية.

يبقى أن نرى ما إذا كانت الصين ستسعى إلى تحويل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة (CSP) السابقة إلى علاقة يمكن تسميتها تحالفًا، ولكن أي تحرك في هذا الاتجاه سيعكس انتهاء النمط الطويل الأمد للسياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط، خاصة في ما يتعلق بحاجة الصين المستمرة إلى موازنة علاقاتها مع إيران وخصومها. في النهاية، توضح هذه الورقة، أن الصين ملتزمة مع العراق وباكستان والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وتركيا كما هي ملتزمة مع إيران.

الاستثمارات الاقتصادية في إيران

مع انسحاب الشركات الغربية بشكل كبير من السوق الإيرانية بعد فرض العقوبات المالية في عام 2012، ركزت التقارير المتعلقة بإيران بشكل متزايد على وجود الشركات الصينية، ما أدى إلى الربط بين وجودها وخطاب صناع السياسة الإيرانيين – بما في ذلك المرشد الأعلى السيد علي خامنئي – الذين كانوا يدعون إلى “الانعطاف شرقاً” وزيادة التجارة مع الصين كجزء من الجهود لمقاومة الضغوط الاقتصادية الغربية. أدت هذه التقارير بدورها إلى ظهور تصور لدى غالبية المحللين بأن إيران أصبحت أكثر اعتمادًا اقتصاديًا على الصين نتيجة للعقوبات الغربية، وأنها أيضًا تتماشى مع سياسة القيادة الإيرانية.

نادرًا ما سعى التحليل المعاصر إلى إثبات مسألة اعتماد إيران على الصين من خلال النظر إلى البيانات الاقتصادية ذات الصلة. علاوة على ذلك ، عندما تم الاستشهاد بالبيانات الكمية – على سبيل المثال ، لتسليط الضوء على النمو السريع في التجارة الثنائية – نادرًا ما تم فحصها بالمقارنة مع المشاركة الاقتصادية للصين في أماكن أخرى من المنطقة.

نتيجة لذلك ، على الرغم من أن معظم التقارير الصحفية والتحليلية حول العلاقات الصينية- الإيرانية قد وصفت بدقة نمو العلاقات الاقتصادية بين هذين البلدين من حيث القيمة المطلقة، فإن معظم هذا التحليل قد بالغ في مسألة اعتماد إيران الاقتصادي على الصين.

بالنظر إلى البيانات الاقتصادية في أربعة مجالات رئيسية (التجارة الثنائية، الاستثمار الأجنبي المباشر، والتمويل الخارجي، وإيفاد العمالة) يصبح من الواضح أن إيران قد تخلفت إلى حد كبير عن دول الشرق الأوسط الأخرى فيما يتعلق بالمشاركة الاقتصادية مع الصين.

تدهور التجارة الثنائية

على مدى العقدين الماضيين، برزت الصين كشريك تجاري رئيسي لإيران. كانت الصين أكبر زبون للنفط الإيراني ولا تزال اليوم الدولة الوحيدة التي تشتري النفط الإيراني في تحد للعقوبات الأميركية. تعد الصين أيضًا موردًا صناعيًا رئيسيًا لإيران، حيث حلت محل أوروبا في عام 2008 كأكبر مورد للأجزاء الصناعية والآلات التي يستخدمها قطاع التصنيع الإيراني المتنامي.

في هذا الصدد، تشبه شراكة إيران التجارية مع الصين الشراكة التي تمتعت بها مع أوروبا قبل فرض عقوبات في عام 2008. وارتفعت الصادرات الصينية إلى إيران من 2.5 مليار دولار في عام 2004 إلى 14 مليار دولار في عام 2018، وهي زيادة كبيرة في الحجم الإجمالي. لكن من الناحية النسبية ، فإن هذا النمو، الذي يعادل معدل سنوي قدره 16.9 في المائة، يعكس التطور الإقليمي للعلاقات الصينية وباقي الدول. فمتوسط معدل النمو السنوي للصادرات الصينية إلى باكستان 15.6% والمملكة العربية السعودية 16.1% وتركيا 16.8% يمكن مقارنته بالنمو الملحوظ في إيران. أما في الإمارات العربية المتحدة فقد بلغت النسبة 12.9٪ وهي منخفضة نسبة للأرقام الأخرى. وفي العراق بلغ نمو الصادرات الصينية نسبة مذهلة بلغت 39.0%، مما يعكس نموًا كبيراً.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 1

الشكل1: القيمة الإجمالية للصادرات الصينية

بين عامي 2010 و 2014، نمت الصادرات الصينية إلى إيران بمعدل سنوي بلغ 29٪ ، حتى مع سعي المجتمع الدولي لتشديد العقوبات على إيران. وبلغت الصادرات إلى إيران ذروتها في عام 2014 ووصلت إلى 24 مليار دولار، مما جعل إيران ثاني أكبر وجهة في المنطقة للصادرات الصينية بعد الإمارات.

لكن منذ عام 2014 ، تدهورت العلاقات التجارية بين الصين وإيران. وانخفضت الصادرات بمتوسط سنوي 11.5% في السنوات الأربع اللاحقة، على الرغم من استفادة إيران من تخفيف العقوبات المتزايد في هذه الفترة. بالمقارنة، ظلت تجارة الصين مع الدول الأخرى المدرجة في هذه الدراسة ثابتة نسبيًا.

من ناحية أخرى، تظهر الأرقام انخفاض عدد المستوردين الإيرانيين، وخاصة شركات التصنيع، الذين استأنفوا أعمالهم مع الموردين الأوروبيين عندما سمحت الظروف، وهي خطوة أثارت غضب مورديهم الصينيين. وهذا مؤشر على أن سياسة “الانعطاف إلى الشرق” الخطابية لم تنعكس على أرض الواقع، إذ كان الاعتماد الأساسي لقطاع التصنيع الإيراني على التكنولوجيا الأوروبية. كما أدى تفضيل المستهلكين الإيرانيين للسلع الأوروبية إلى انخفاض الطلب على الصادرات الصينية عندما استعادت أوروبا عملياتها في السوق الإيراني. ويتضح ذلك من خلال مقارنة نسبة الصادرات الصينية بصادرات الاتحاد الأوروبي إلى إيران بمرور الوقت.

في عام 2015، بلغت نسبة الفرق بين صادرات الآلات الصناعية من الصين والاتحاد الأوروبي إلى إيران ذروتها عند 1.74، وهو مستوى يزيد عن سبعة أضعاف النسبة التي لوحظت في تركيا، التي تفتخر بقاعدة صناعية متكاملة للغاية مع تلك الموجودة في أوروبا. لكن تخفيف العقوبات الواسع الذي تمتعت به إيران في عام 2016 كان له تأثير فوري على هذه النسبة، التي انخفضت إلى 0.70 بحلول عام 2018. وفي عام 2014 ، بلغت قيمة صادرات السيارات الصينية إلى إيران ستة أضعاف قيمة الصادرات من الاتحاد الأوروبي. لكن صادرات السيارات الأوروبية انتعشت بعد تخفيف العقوبات في عام 2016، ما أدى إلى انخفاض نسبة الصادرات الصينية إلى ايران.

يظهر تدهور التجارة بين الصين وإيران أيضًا في واردات الصين من النفط الإيراني. كان تموز/يوليو 2020 هو الشهر الأول الذي كانت فيه واردات الصين المعلنة من النفط الإيراني قريب من الصفر، بقيمة إجمالية تبلغ 212 ألف دولار فقط. بدأت واردات الصين النفطية اتجاهها التنازلي في أيار/ مايو 2019، بعد قرار إدارة ترامب بإلغاء الإعفاءات التي تسمح لبعض الدول بشراء النفط الإيراني. تجدر الإشارة إلى أنه رغم استمرار إيران ببيع كمية كبيرة من النفط إلى الصين عبر ماليزيا، فإن الوساطة في مبيعات النفط الإيراني إلى الصين بهذه الطريقة تشير إلى أنه حتى في أكثر المجالات استراتيجية في اتفاقية التجارة الثنائية، لا يزال من الممكن الشعور بتأثير العقوبات الأميركية.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 2

الشكل 2: نسبة صادرات الآلات الصينية إلى كل بلد مقارنة بصادرات الاتحاد الأوروبي

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 3

الشكل 3: نسبة صادرات السيارات الصينية إلى كل بلد مقارنة بصادرات الاتحاد الأوروبي

كما أن انخفاض مبيعات النفط الإيراني إلى الصين أدى إلى تراجع العلاقة التجارية الشاملة، حيث لم تتمكن إيران من تمويل عجزها التجاري بسبب محدودية وصولها إلى احتياطياتها من العملات الأجنبية. هذه القيود المالية هي من بين العوامل التي تفسر سبب انخفاض الصادرات الصينية إلى إيران خلال العام الماضي، مما زاد من الشعور بالأزمة في التجارة بين الصين وإيران. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن المصدرين الصينيين كانوا يركزون بشكل متزايد على الأسواق المربحة أكثر من إيران.

يفسر هذا التراجع في التجارة بين الصين وإيران، محاولات طهران الأخيرة لتطبيق الشراكة الإستراتيجية الشاملة CSP بشكل كامل مع الصين، لإعادة إحياء التجارة بين البلدين. لذا، نظرًا لضعف التجارة الثنائية، لن يمثل تنفيذ CSP توطيدًا لعلاقة اقتصادية قوية تهدف استراتيجيًا إلى تحدي النفوذ الإقليمي للولايات المتحدة. فالهدف الإيراني من هذه الإتفاقية هو وقف تراجع تجارتها الثنائية مع الصين وسد الفجوة في مستويات التصدير.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 4

الشكل 4: واردات النفط إلى الصين من إيران وماليزيا

ركود في الإستثمار الأجنبي المباشر

نظرًا للقلق في العلاقات التجارية بين الصين وإيران، فلا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن الاستثمارات الصينية في إيران قد تضاءلت. مثل التجارة، نما الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني بشكل كبير بين عامي 2004 و 2018. ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في إيران من 468 مليون دولار في عام 2004 إلى 3.23 مليار دولار في عام 2018. وبالأرقام، قد يبدو أن هذا النمو يدعم تصور اعتماد إيران الاقتصادي على الصين. لكن النظرة العامة تجعل إيران ثالث أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر الصيني من بين الدول المشمولة في هذه الدراسة، بعد الإمارات (6.23 مليار دولار) وباكستان (4.24 مليار دولار) ، وهو ترتيب يتوافق مع موقعها كثالث أكبر اقتصاد في نفس المجموعة.

بين عامي 2004 و2018، كان متوسط نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في إيران 0.11٪ ، وهذا الرقم قريب من النسبة في العراق التي بلغت 0.90٪. لكن الفارق أنه نادرًا ما يُعتبر العراق زبوناً محتملاً للصين.

بالنظر إلى بيانات عام 2018 ، فإن نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني مقارنة بحجم الاقتصاد أقل بكثير في إيران (0.20٪) منها في باكستان (0.37٪) والإمارات العربية المتحدة (0.88٪). وبالمقارنة ، فإن نسب الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني بالنسبة لحجم الاقتصاد في تركيا كان 0.07% والمملكة العربية السعودية 0.14% وهذه الأرقام أقل من المتوقع بالنظر إلى وضعها كأكبر اقتصادين في المنطقة.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 5

الشكل 5: إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني في كل بلد

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 6

الشكل 6: نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي في كل بلد

لذا، لا يزال من الواضح أن الصين غير مستثمرة بشكل مطلق في إيران، حيث تلقت إيران أقل استثمار مباشر بين جميع الاقتصادات الرئيسية في الشرق الأوسط.

يعتبر نقص الاستثمار الصيني في إيران إلى حد كبير انعكاسًا للتجربة الفوضوية للشركات الصينية المملوكة للدولة في قطاع النفط الإيراني. حتى تقديم إطار عمل عقد البترول الإيراني (IPC) في عام 2017، كانت إيران بيئة صعبة لمشاريع الطاقة المشتركة بسبب استخدام عقود إعادة الشراء. فالمستثمرين الأجانب في التنقيب عن النفط وإنتاجه في إيران، كانوا يضطرون إلى إعادة بيع حقوقهم إلى شركة النفط الوطنية الإيرانية بسعر محدد مسبقًا بمجرد بدء الإنتاج. لا تعتبر عقود إعادة الشراء جذابة للغاية لشركات النفط الدولية لأنها تتطلب قدرًا كبيرًا من الاستثمار دون تحقيق أرباح طويلة الأجل أو حتى ضمان استرداد التكلفة الأولية. على الرغم من أن إدارة روحاني بذلت بعض الجهود لتقديم أنواع أخرى من العقود في عام 2015، إلا أنها تأخرت بسبب شكاوى من المعسكرات السياسية المحافظة معتبرة أن هذه الإجراءات ترحيبية بشكل مبالغ فيه بالأجانب.

تنبع هذه السياسة الإيرانية من التجربة الاستعمارية التي وقعت البلاد تحتها في عصور سابقة، حيث مُنحت امتيازات الموارد الطبيعية إلى بريطانيا العظمى وروسيا. وبالتالي، فإن عقود إعادة الشراء تجعل الشركات الصينية أكثر إحجامًا عن الاستثمار في إيران مقارنة بالدول الأخرى المنتجة للنفط في المنطقة.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 7

الشكل 7: المشاركة الاقتصادية الصينية في كل بلد

تمت الإشارة إلى قضية عقود إعادة الشراء في مسودة الاتفاق التي تم تسريبها، وتحديداً في الملحق رقم 1: “ستتوقع الصين أن تكون إيران مدركة للمخاوف الصينية فيما يتعلق بعائد الاستثمار في قطاع النفط الإيراني. في المقابل، سيضع الجانب الصيني في اعتباره تحسين المكاسب المالية الناتجة عن صفقات النفط مع إيران”.

تم تقييد المشاريع الصينية في مجال النفط والغاز الإيراني في حقل أزاديجان (CNPC) وحقل يادافاران (سينوبك). كانت المرحلة 11 من مشروع جنوب فارس الأكثر كارثية في استثمارات الصين في مجال النفط والغاز الإيراني. جنوب فارس هو الجزء الإيراني الذي يحتوي على أكبر حقل غاز طبيعي في العالم يمتد على الأراضي الإيرانية والقطرية في المنطقة الخليجية. أجرت شركة النفط الوطنية الإيرانية محادثات على مدار السنوات مع شركة توتال الفرنسية لتطوير هذ الحقل ولكن دون جدوى. في عام 2009، امتنعت شركة توتال عن متابعة التعاون الموعود مع شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC) بسبب تهديد العقوبات الأميركية. توجهت شركة النفط الوطنية الإيرانية إلى شركة البترول الوطنية الصينية (CNPC)، وهي شركة مملوكة للدولة صينية، كبديل عن توتال ووقعت صفقة بقيمة 5 مليارات دولار تقريبًا. فشلت تلك الصفقة في عام 2012 عندما طردت شركة CNPC من الصفقة، بسبب عدم إحراز تقدم.

بعد ظهور خطة العمل الشاملة المشتركة بعد الاتفاق النووي، تطلعت توتال وسي إن بي سي إلى العمل مع إيران ووقعت عقدًا آخر في عام 2016. نص الإتفاق على أن تدير توتال المشروع بحصة 50.1 %، وستمتلك شركة البترول الوطنية الصينية 30 %، وستمتلك شركة Petropars، وهي شركة تابعة لشركة النفط الوطنية الإيرانية، حصة 19.9 في المائة. لكن هذا التفاؤل تبدد بسبب نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016، والتي وقعت في نفس اليوم الذي تم فيه توقيع العقد. مع إعادة فرض إدارة ترامب للعقوبات على إيران وفشل توتال في الحصول على تنازل عن العقوبات، انسحبت شركة توتال من المشروع في عام 2018. حينها استولت الشركة الصينية على حصص توتال، إلا أنها لم تكن مجهزة من الناحية الفنية لمواجهة هذا التحدي، وقد أزعجت شركائها المحاصرين في شركة النفط الوطنية الإيرانية من خلال محاولتها التفاوض على شروط أكثر تفضيلاً. لذا تم طرد CNPC من الصفقة للمرة الثانية في عام 2019.

لا حزام ولا طريق

كانت إحدى العلامات الواضحة على زيادة الوجود الاقتصادي الصيني في إيران هي تدفق المديرين التنفيذيين والعمال الصينيين على وجه الخصوص خلال ذروة المشاركة الاقتصادية للصين مع إيران بين عامي 2008 و 2014. جاء وجود المواطنين الصينيين ليؤكد أن الاستثمارات الكبرى كانت مستمرة وأن إيران كانت تحتل مكانة مركزية في مبادرة الحزام والطريق الصينية.

لكن عدد العمال الصينيين الذين تم إرسالهم للعمل في مشاريع البنية التحتية في إيران بلغ في المتوسط 1300 فقط بين عامي 2011 و 2018، وهو أدنى مستوى بين الدول الست المشمولة في هذه الدراسة. وبالمقارنة، استضافت المملكة العربية السعودية 19 ألف عامل صيني في المتوسط في نفس الفترة.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 8

الشكل 8: عدد العمالة الصينية في كل بلد

إيران لديها قوة عاملة محلية كبيرة وشركات بناء قادرة على تنفيذ المشاريع، مما يقلل الحاجة إلى العمالة الوافدة. هذا هو السبب الرئيسي لاستضافة إيران لعمال صينيين بشكل أقل من البلدان الأخرى في المنطقة، فكما هو الحال مع الاستثمار الأجنبي المباشر، لم تقدم الصين في الواقع مبالغ كبيرة من التمويل الخارجي لإيران.

من الصعب تحديد حجم الإقراض الصيني في الشرق الأوسط على وجه التحديد. في إيران، تعتمد معظم طلبات الإقراض الصيني على التزامات المشاريع وليس على البيانات الفعلية حول الصرف. كما هو الحال مع التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، فإن التقديمات الصينية لإيران، إذا تم الالتزام بها، غالبًا ما تتعرض للإحباط بسبب ضغوط العقوبات الأميركية.

كان هذا هو الحال مع خط ائتمان بقيمة 1.5 مليار دولار تم الالتزام به في عام 2017 لتمكين الكهرباء لخط سكة حديد رئيسي. لذا، نظرًا لميل الصين إلى مطالبة الشركات الصينية المتعاقدة بالعمل في مشاريع البنية التحتية التي تمولها، فمن الممكن قياس سجل الصين في صرف القروض في جميع أنحاء المنطقة من خلال جدولة الإيرادات المعلنة التي حصل عليها المقاولون الصينيون في كل دولة.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 9

الشكل 9: حجم الأعمال السنوية للمقاولين الصينيين في كل بلد

رغم انخراط الشركات الصينية في مشاريع البنية التحتية في الشرق الأوسط منذ التسعينيات، إلى أن الرئيس الصيني شي جيبينغ أطلق مبادرة حزام واحد وطريق واحد رسميًا في عام 2013. في الفترة بين عامي 2013 و 2018، حققت الشركات الصينية المتعاقدة في إيران متوسط 210 مليون دولار في السنة، أي أقل من ثلث المتوسط في المملكة العربية السعودية في نفس الفترة. نما حجم مبيعات التعاقدات الصينية في إيران بمعدل 10 % في هذه الفترة، وهو أقل بكثير من المعدلات في الإمارات العربية المتحدة 17 % وباكستان 27 % اللتين برزتا كدولتين في قلب إطلاق مبادرة الحزام والطريق الصينية في الشرق.

بالنظر إلى التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر والتمويل والعمالة، من الواضح أن إيران ليست أولوية صينية. سعت الصين إلى توسيع تواجدها الاقتصادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وقد أثبتت أنها مترددة في تعميق التزامها الاقتصادي تجاه إيران نظرًا للقيود المفروضة على السوق المحلية والعقوبات الأميركية والتوترات الإقليمية التي ستواجه أي استثمارات صينية. يدرك صانعو السياسة الإيرانيون أيضًا هذه القيود التي تواجه الشراكة الإقتصادية بين الطرفين، بما في ذلك المخاوف بشأن الاعتماد الاقتصادي الكلي على الصين وعدم قدرة الاستثمار الصيني على التعويض الكامل عن التجارة والاستثمار مع الغرب. لكن ما يسعى الطرفان إليه الآن هو إعادة ضبط العلاقة الاقتصادية، التي يتم توفيرها من خلال التنفيذ الكامل للشراكة الاستراتيجية الشاملة التي من شأنها أن تشهد عودة التجارة والاستثمار الصيني إلى مستويات تتماشى مع حجم الاقتصاد الإيراني وبالتالي تحقيق التوازن مع الاقتصاد الصيني.

بالنظر إلى التوترات المستمرة بين إيران والمملكة العربية السعودية، فإن أي فشل في تحقيق توازن صيني مع الطرفين، قد يهدد قابلية خطة الصين الاقتصادية الأوسع في الشرق الأوسط في استمرار تدفق مصادر الطاقة الرخيصة إلى الاقتصاد الصيني. في هذا الصدد، ترتبط المخاوف الاقتصادية التي ضربت العلاقات بين الصين وإيران، والتي انعكست في المحاولات الجديدة لعقد اتفاق اقتصادي، ارتباطًا مباشرًا بمسائل الأمن الإقليمي.

التعاون الأمني الصيني مع إيران

إذا كانت الصين حذرة في تفاعلاتها الاقتصادية في الشرق الأوسط ، فإنها تزيد من هذا الحذر عندما يتعلق الأمر بالبعد الأمني. تمتلك الصين العديد من الجبهات الجيوسياسية، حيث تتعامل معها على أساس أن الأمن هو أولوية (كجبهات تايوان وهونج كونج وبحر الصين الجنوبي وكوريا الشمالية، على سبيل المثال لا الحصر) لكنها تقع جميعها في نطاق نفوذها في شرق آسيا، ولا توجد أي من هذه الجبهات في الشرق الأوسط. العمل العسكري كان جزءاً من الأجندة الصينية في ظل حكم شي جين بينغ، وقد خطى جيش التحرير الشعبي وبحرية جيش التحرير الشعبي خطوات كبيرة على هذا الصعيد مع إطلاق حاملتي الطائرات الأولى والثانية في الصين، وهما Liaoning و Shandong. أول قاعدة عسكرية أجنبية للصين كان في مدينة أوبوك في جيبوتي التي تقع على مضيق باب المندب الاستراتيجي بين البحر الأحمر وخليج عدن، وعلى بعد مسافة قصيرة من خليج عمان ومضيق هرمز. لكن هذه القاعدة لا تعتبر مهمة مقارنة بالوجود العسكري لدول أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة.

تدعي الصين باستمرار أنها تعلمت من زلات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. مع كل حادثة في المنطقة، تروج وسائل الإعلام الصينية المملوكة من الدولة للمغامرات الأميركية الفاشلة كتذكير بسياسة الصين الخارجية الأكثر حكمة، والتي تكرّس الشرق لحماية تجارة النفط ومكافحة التطرف.

لذا، رغم قدرة الصين على تقديم نفسها كبديل للغرب في الشرق الأوسط، إلا أنها لا يمكنها القيام بذلك حفاظاً على التوازنات ولعدم إذكاء المشاعر المعادية مع الغرب وعدم تعريض أمن الولايات المتحدة للخطر بشكل ملموس. وهذا الاعتبار هو في صميم ارتباط الصين الأمني مع إيران وعلاقاتها المتوازنة مع الدول الأخرى في المنطقة.

لذلك، وخلافاً لكل التقارير الإخبارية، تطرقت المسودة المسربة عن الإتفاق بين الصين وإيران إلى موضوع الشراكة الدفاعية بين البلدين. ويهدف الإتفاق حسب المسودة إلى “تعزيز تنفيذ قوانين التعاون الأمني الثنائي، بما في ذلك مكافحة الإرهاب”. وفي خطوات تنفيذية قصيرة المدى، تدعو المسودة إلى تقديم دعم مالي لعقد اجتماعات منتظمة لصناعات الدفاع الوطنية الخاصة بكل من البلدين واجراء المزيد من المفاوضات حول التجارة العسكرية التجارية.

وسيتم وفق المسودة توسيع التعاون بين البلدين في مجال تكنولوجيا الدفاع مع التركيز على الاستثمار والتصميم والتطوير والإنتاج المشترك وتوفير المعدات. بالإضافة إلى ذلك سيتم إجراء تدريبات بحرية وبرية وجوية مشتركة منتظمة. على الرغم من محدودية نطاق التعاون إذا تم تنفيذه، فإنه سيمثل تعميق التزام بكين العسكري تجاه طهران من حيث التدريبات العسكرية المشتركة والتعاون الدفاعي الصناعي.

تدريبات عسكرية مشتركة

على مدى السنوات العشر الماضية، أجرت الصين ثلاثة تدريبات مشتركة فقط مع إيران. الأولى كانت في عام 2014، عندما زارت سفينتان حربيتان صينيتان، من ضمنها المدمرة ذات الصواريخ الموجهة تشانغتشون، ميناء بندر عباس وأجرت تدريبات مشتركة تركز على مكافحة القرصنة. وقد حدث هذا بعد أن ساعدت البحرية الإيرانية في تحرير سفينة شحن صينية من القراصنة في خليج عدن.

الثانية كانت في عام 2017، عندما أجرت مدمرة إيرانية ومدمرتان صينيتان تدريبات بحرية لمدة أربعة أيام في الجزء الشرقي من مضيق هرمز. أما التمرين الثالث كان في كانون الأول/ ديسمبر 2019 بالمشاركة مع روسيا، وأجريت هذه التدريبات المسماة “حزام الأمن البحري” في خليج عمان والمحيط الهندي. السفن المشاركة كانت: المدمرة الصينية المزودة بالصواريخ الموجهة شينينغ، الفرقاطة الروسية ياروسلاف مودري والفرقاطة الإيرانية البرز وسفن الحرس الثوري الإيراني شهيد ناصرين نجاد والشهيد ناصري.

كانت مصادر وسائل الإعلام الحكومية الصينية متحفظة في تعليقها على ما وصفته بـ “التدريبات الروتينية”، في حين أن مصادر وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية وصفتها بأنها دليل على الشراكة الهائلة. تشير هذه المواقف تجاه التدريبات إلى العلاقة غير المتوازنة بين بكين وطهران، والتي تحاول إيران الآن تصحيحها من خلال ضمان المشاركة العسكرية الصينية في المضي قدمًا في الإتفاق المشترك.

إن المشاركة العسكرية المحدودة للصين مع إيران ليست غريبة مقارنة بالتزاماتها الدفاعية الأخرى في المنطقة. منذ عام 2010، أجرت الصين أيضًا تدريبات مشتركة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وباكستان وتركيا. عملت الصين دائماً على موازنة انخراطها في إيران مع انخراطها مع السعودية نظراً للمنافسة بين الطرفين. ففي كل عام أجرت الصين مناورات جادة مع إيران (2017 و 2019) ، كانت تجري تدريبات شبيهة مع المملكة العربية السعودية. وفي الوقت نفسه، اختارت الصين بوضوح باكستان، الواقعة على الحدود مع شينجيانغ، كشريك عسكري مفضل مع ما مجموعه 20 تدريباً منذ عام 2010.

علاوة على ذلك ، تجري الصين وباكستان سلسلة من التدريبات السنوية المشتركة. أما بالنسبة لتركيا ، فإن التدريبات الجوية المشتركة التي أجرتها الصين عام 2010 كانت أول مناورات بين دولة عضو في الناتو وبكين. لم تكن بقية دول الناتو مسرورة، لا سيما الولايات المتحدة، التي كانت قلقة من استخدام طائرات F-16 أميركية الصنع في المناورات.

لم يحصل العراق على شراكة استراتيجية مع الصين حتى عام 2019، لذا فإن الافتقار إلى التدريبات المشتركة مع الصين ليس بالأمر غير المعتاد في المنطقة. من بين التدريبات العسكرية الصينية مع هذه الدول، تم إجراء تدريب واحد فقط على مستوى متعدد الأطراف هو “حزام الأمن البحري” مع إيران وروسيا في عام 2019. من هنا يمكن استنتاج أن الصين تفضل بشكل عام العلاقات الثنائية نظراً للنفوذ الذي ستحظى به مقارنة مع التحالفات متعددة الأطراف.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 10

الشكل 10: التدريبات الصينية المشتركة بين عامي 2010-2019

على الرغم من أن الصين قد زادت من علاقاتها العسكرية في الشرق الأوسط، فإن مشاركتها في التدريبات مع هذه الدول المشمولة في الدراسة تعتبر قليلة مقارنة مع شراكة الدول (باستثناء إيران) مع أميركا. فأميركا تمتلك رأس المال الأمني والسياسي لتنظيم التدريبات مع عشرات الدول في وقت واحد، ومعظمها يشمل الدول المقارنة في هذا الاستطلاع. الولايات المتحدة تستضيف أيضًا جميع القوات الجوية في هذه الدراسة باستثناء إيران، ويقوم الجيش الأميركي أيضًا بتدريب المئات من أعضاء هذه الجيوش في الولايات المتحدة كجزء من برنامج التدريب العسكري الأجنبي.

هذا أمر تدركه الصين بالتأكيد وتعمل وفق هذا الواقع عند الالتزام بمزيد من الشراكات العسكرية الملموسة في المنطقة، لا سيما مع إيران. تدرك الصين أنها لا تستطيع أن تحل محل الولايات المتحدة كشريك عسكري لدول أخرى، كما أنها لا تتطلع إلى هذه المهمة الضخمة. ليس لديها القدرة العسكرية ولا الإرادة السياسية للقيام بذلك. ومع ذلك، فهي قادرة على استخدام التدريبات مع إيران لإغضاب الولايات المتحدة. في الوقت نفسه، فإن الفراغ الكامل للشراكة الأميركية مع إيران يجعل الشراكة مع الصين أكثر إلحاحًا من الجانب الإيراني، والصين تعرف ذلك. وهذا يمنح الصين مساحة أكبر بكثير في قدرتها على التفاوض مع إيران بشأن الانخراط العسكري، أثناء إجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع أعداء طهران اللدودين. وتأمل الصين أيضًا من خلال هذه التدريبات أن تشجع شراء الأسلحة.

مبيعات الأسلحة

أدت العقوبات الأميركية ومن ثم عقوبات الأمم المتحدة في العام 2006 إلى عرقلة مبيعات الأسلحة إلى إيران. رغم ذلك، حققت الصين نجاحات في مبيعات الأسلحة لإيران خصوصاً خلال الحرب الإيرانية العراقية التي مثلت أعلى فترة لنقل الأسلحة من الصين إلى إيران. فقد باعت الصين معدات عسكرية لإيران بلغت قيمتها 3.3 مليار دولار بحلول نهاية الحرب، وفي الوقت نفسه كانت تبيع الأسلحة للعراق. منذ عام 2000، استوردت إيران 930 صاروخًا مضادًا للسفن، و 1750 صاروخ أرض-جو محمول، وستة أنظمة صواريخ أرض جو وثلاثة ورادارات بحث جوي و150 ناقلة جند مدرعة وتسعة زوارق صواريخ كاتاماران من الصين. من حيث القيمة فقط، فإن إيران تفوّقت على الدول المشمولة بالدراسة بخلاف باكستان.

لم تصدر الصين أي طائرات بدون طيار أو مسيّرات إلى إيران. وتمتلك الصين سلسلتين من الطائرات بدون طيار في سوق الأسلحة الدولي: سلسلة وينغ لونغ 1 وسلسلة شانغ هونغ 2. من ناحية أخرى، قامت الصين بتصدير طائرات بدون طيار إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والعراق وباكستان. واستخدم العراق هذه التقنية لمحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما استخدمت السعودية والإمارات طائرات بدون طيار صينية في حربها ضد “الحوثيين” المدعومين من إيران في اليمن. تتضاءل حصة الصين من مبيعات الأسلحة إلى الدول العربية وتركيا بسبب الحجم الهائل للمبيعات الأميركية لتلك الدول، فجميع هذه الدول المشمولة بالدراسة باستثناء ايران تكون دائمًا في قائمة أكبر عشرة مشترين للأسلحة الأميركية.

انطلاقاً من ذلك، لم تعتمد إيران على الصين في شراء الأسلحة، كما هو الحال في العديد من القطاعات الأخرى. فمورد الأسلحة الوحيد الآخر الذي يمكن الاعتماد عليه هو روسيا مع بعض التجارة المتقطعة مع بيلاروسيا وكوريا الشمالية وباكستان وأوكرانيا.

على الرغم من أن أكبر حصة من مشتريات الأسلحة الإيرانية هي صينية، إلا أن إيران لم تدخل بعد في مجال الإنتاج المشترك للأسلحة. هذا مشروع تتمتع به كل من المملكة العربية السعودية وباكستان. خلال زيارة الملك سلمان لبكين في عام 2017، تضمنت إحدى الاتفاقيات الموقعة بناء أول مصنع صيني للطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط. وقعت مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية اتفاقية شراكة مع الشركة الصينية لعلوم وتكنولوجيا الفضاء الجوي (CASC) لبناء مصنع لتصنيع طائرات CH-4 بدون طيار. وتمتلك CASC أيضًا مصنعًا للطائرات بدون طيار من طراز CH-4 في باكستان.

يسعى الإتفاق مع إيران، حسب المسودة التي انتشرت، لإقامة مشاريع إنتاج مشتركة كجزء من التعاون الأمني. وهذا الأمر لافت لأن الصين لم تبيع حتى الآن طائرات CH-4 بدون طيار لـ “الجمهورية الإسلامية”. وعلى الرغم من أن الصين تعارض دائماً العقوبات على إيران في الأمم المتحدة والساحة الدولية، إلا أنه من الواضح أن العقوبات تقلّل من عزيمة الصين. فقد تراجعت قيمة واردات الأسلحة الصينية في العام 2006 عند وضع العقوبات الدولية على إيران.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 11

الشكل 11: قيمة واردات الأسلحة الصينية لكل بلد (باستثناء باكستان)

في عام 1996، تخلت الصين عن عقد عسكري بعد ضغوط أميركية بعد القانون المتعلّق بالعقوبات على إيران وليبيا. وبعد الاتفاق النووي، كان هناك قدر كبير من التفاؤل بشأن التعاون بين صناعات الدفاع الصينية والإيرانية. ولكن انتهى هذا الأمل بعد فرض أميركا لعقوبات جديدة في العام 2018.

من المقرر أن ينتهي حظر بيع الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة عام 2006 في وقت لاحق من هذا العام وتحديداً في 18 تشرين الأول/أكتوبر. في 14 آب/ أغسطس فشل مجلس الأمن الدولي في تجديد حظر بيع الأسلحة على إيران. كانت الولايات المتحدة وجمهورية الدومينيكان هما الدولتان الوحيدتان اللتان صوتتا لصالح الحظر، وصوتت الصين وروسيا ضدها ، وامتنعت 11 دولة عن التصويت. أخذت الصين مرة أخرى دور البطل بالنسبة لإيران ونددت باجراءات الولايات المتحدة باعتبارها دولة متنمرة.

اتفاق الشراكة الإيراني- الصيني بين الإيجابيات والطموح الزائد 12

الشكل 12: حصة الصين من إجمالي واردات الأسلحة

المصدر/ مركز ولسون البحثي

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: