الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة20 نوفمبر 2019 09:01
للمشاركة:

هل ستدفع احتجاجات البنزين النظام الإيراني للتفاوض مع واشنطن؟

نشر معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، تحليلاً للباحث المتخصص بالشؤون الإيرانية راز زيميت، يوم الأثنين 18 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، ناقش خلالها قرار رفع أسعار البنزين في إيران، والاحتجاجات التي خرجت رفضًا له، وتحت عنوان: “احتجاجات البنزين في إيران.. التداعيات والتقييمات الأولية”، رأى زيميت أنّ الاحتجاجات التي تلت إعلان الحكومة قرار رفع أسعار البنزين والجارية منذ منتصف الشهر الجاري، تعكس شدّة الأزمة التي تتعرض لها الحكومة الإيرانية بعد إعادة فرض العقوبات الاقتصادية الأميركية عليها، حيث دفعتها إلى المخاطرة في محاولة التغلب على آثارها؛ رغم تراجع الحكومة في وقتٍ سابق عن تطبيق تدابير التقشف الاقتصادي خوفًا من تأليب الشارع ضدها. الباحث أشار إلى أن “الاحتجاجات بعد القرار الأخير ضربت عشرات المدن الإيرانية بما في ذلك طهران ومشهد وأصفهان وتبريز وشيراز وعدّة مدنٍ في محافظة خوزستان الغنية بالنفط جنوب البلاد. أضرم خلالها المتظاهرون النار في محطات الوقود والبنوك والمنشآت العامة، كما قاموا بإغلاق الطرق. إذ قامت قوات الشرطة بتفريق المتظاهرين ما أنتج 16 حالة وفاة وفق تقاريرٍ غير مؤكدة، وبحلول اليوم التالي 16 تشرين الثاني/ نوفمبر، تم حظر خدمة الإنترنت بالكامل تقريبًا”.

ويربط زيميت توقيت القرار الحالي باقتراب تقديم الرئيس حسن روحاني مقترح ميزانية السنة المالية الايرانية الجديدة للبرلمان الإيراني للموافقة لإقراره، وكان البرلمان قد رفض مقترح الميزانية عام 2018 إثر موجة الاحتجاجات التي عمّت البلاد، إذ تضمن ذلك المقترح رفعًا لأسعار الوقود وزيادةً في الضرائب، كذلك تخفيض أعداد المستحقين للدعم. حيث اضطرت الحكومة إلى إلغاء هذه الخطوات بما فيها رفع أسعار البنزين. ويمثل قرار الحكومة الحالية عودةً إلى سياسات تقنين الغاز التي بدأها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد عام 2007 على خلفية الطلب المتزايد على البنزين والخشية من العقوبات الاقتصادية على البلاد، حيث اندلعت احتجاجاتٌ عنيفة وقتها قمعتها السلطات. وتوقفت هذه السياسة عام 2015 بعد رفع العقوبات الاقتصادية.

لماذا يتظاهر الإيرانيون؟

واعتبر زيميت أنّ قرار رفع أسعار البنزين سيسهم في إضعاف موقف الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي وصفه ب”المهتز أصلًا”، خصوصًا قبيل الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها مطلع العام المقبل. وحول معالجة النظام للأزمة قال زيميت: “رغم تمتع النظام بقدراتٍ قمعيةٍ كبيرة وتبدو جاهزةً لاستخدامها؛ إلا أنّ الاحتجاجات وضعته في معضلةٍ بين الالتزام بالإجراءات التقشفية، وبين الخوف من اشتداد الغضب الشعبي”. وتساءل زيميت هل ستدفع هذه الأزمة النظام الإيراني إلى تغيير مواقفه من واشنطن؟. إذ استبعد أنّ تستسلم القيادة الإيرانية للذهاب باتجاه التفاوض دون تخفيف العقوبات، أو أنّ تتخلى عن سياسة شراء الوقت، على الأقل حتى الانتخابات الأميركية المرتقبة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.

ويورد زيميت في مقالته، أرقام الزيادة في أسعار البنزين بعد قرار الحكومة، حيث ارتفع سعر البنزين العادي من 10 آلاف تومان (حوالي 9 سنتات أميركية) إلى 15 ألف تومان (حوالي 12.7 سنت أميركي). أيضًا تم تخفيض بدل الغاز الشهري للسيارة خاصة إلى 60 لترًا، فيما ستكلف أيّ عملية شراء إضافية تتجاوز هذه الحصة 30 ألف تومان (حوالي 26 سنتًا أميركيًا) للتر الواحد. واعتبر زيميت أنّ الاحتجاجات الحالية هي الأخطر في إيران منذ موجة الاحتجاجات نهاية 2017 وبداية 2018، التي تماثلها من حيث الأساس الاقتصادي كدافعٍ للاحتجاجات، على الرغم من تخللها لشعاراتٍ ذات صبغةٍ سياسية، مثل انتقاد المرشد الإيراني علي خامنئي، كذلك سياسات حكومة الاعتدال، وأنشطة النظام الإيراني الخارجية التي تسببت في خسائر اقتصادية على حساب تخفيف العبء الاقتصادي عن كاهل الشعب الإيراني، وفق رأيه.

ويرصد زيميت في بحثه مبررات المسؤولين الإيرانيين الداعمين لقرار رفع أسعار البنزين، والتي تتراوح بين أهدافها في تحسين أوضاع الشرائح الأكثر فقرًا، وأنّ العائدات المتوقعة ستخصص حصرًا لإعانة 18 مليون عائلة معوزةٍ، وبين أنّ الحكومة اضطرت إلى هذا القرار بسبب العجز الحاد في الميزانية كما صرح الرئيس روحاني، فضلًا عن أنّ هذا القرار سيساعد إيران في مواصلة تصدير الوقود في السنوات القادمة، كما سيساعد في مكافحة تهريب الوقود وتلوث الهواء.

وحول دوافع الحكومة للقرار الجديد، يرى زيميت أنّ إلغاء إعفاءات بعض الدول من عقوبات شراء النفط من إيران في أيار/ مايو2019، كان له الأثر الأكبر إلى جانب العقوبات الاقتصادية الأميركية في دفع الحكومة لاتخاذ هذا القرار والإصرار عليه؛ رغم توقع الرفض الشعبي والاحتجاج. وهو ما دفع الحكومة حسب رأيه إلى الإعلان عن القرار ليلة الجمعة يوم العطلة في إيران، لاسيما مع تأجج الاحتجاجات في المنطقة تحديدًا في لبنان والعراق.

ويقدم زيميت في مقالته توقعاتٍ لأثار قرار رفع أسعار البنزين، على عدّة مستويات، أولها على المستوى الاقتصادي، إذ يرى زيميت أنّ هذا القرار يعد دليلًا على الأزمة الاقتصادية التي تعيشها إيران بعد إعادة فرض العقوبات الأميركية عليها، خصوصًا مع انخفاض إيرادات النفط التي دفعت الحكومة لاتخاذ تدابير باتجاه تقليص الميزانية؛ حيث استعانت بنحو 10 مليار دولار من صندوق التنمية الوطنية، كذلك اضطرت للجوء إلى عشرات المليارات من احتياطي العملات الأجنبية. وعلى صعيدٍ آخر من المستوى الاقتصادي، يرى زيميت أنّ هذا القرار قد يساعد على دفع عجلة الإصلاحات الإقتصادية الهيكلية والتي طالما تجاهلت إيران توصيات الاقتصاديين وصندوق النقد الدولي بشأن تخفيض دعم الوقود وتحويله إلى دعمٍ موجه، وتوقع زيميت في هذا السياق أنّه وفي حال نجحت هذه القرارات في ترشيد الاستهلاك وتحسين كفاءة الاقتصاد فقد تساعد إيران على التكيف تدريجيًا مع نظام العقوبات المفروضة عليها، مع مواصلة الدولة اتخاذ تدابير من شأنها تقليل الاعتماد على النفط والحفاظ على ثبات سعر صرف العملة مقابل الدولار.

قراءات إيرانية في قرار رفع أسعار البنزين

أما على المستوى السياسي، يرى زيميت أنّ القرار يضعف موقف حكومة الرئيس روحاني أكثر مما هو عليه، حيث يُبين أن معارضي روحاني من التيار المحافظ استغلوا الاحتجاجات لمهاجمته، وبرغم تأكيد الرئاسة على أن هذا القرار ناتج عن اجتماع رؤساء السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية)، إلا أن المعارضين اعتبروا أنّ القرار غير قانونيٍ لوجوب إقراره من البرلمان، وأنّه صدر في توقيتٍ خاطئ؛ حيث يعاني المواطنون بالفعل من رداءة الوضع الاقتصادي مع تضخمٍ جاوز ال40%. ويتابع زيميت أن التراجع عن القرار يبدو صعبًا خصوصًا مع دعم المرشد الإيراني له، ولذلك سيستغل منتقدو سياسات حكومة الاعتدال الاحتجاجات لتقويض مكانة الرئيس روحاني السياسية والعامة، خصوصا مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة في شباط/ فبراير المقبل، والتي تعتبر اختبارًا مهمًا للتيارين الأساسيين: الإصلاحي والمحافظ والتي ستمهد للانتخابات الرئاسية المقررة عام 2021.

ويرى زيميت أنّ الاحتجاجات الحالية إضافةً إلى احتجاجات العراق ولبنان، تزيد من إحساس النظام الإيراني بتعرضه للتهديد، وتزيد كذلك من وعيه بضرورة القضاء على أيّ تهديدٍ محتمل لاستقراره. ويضيف أنّ النظام الإيراني يمتلك قدرات قمعٍ كبيرة نتيجةَ توقعه تجدد الاحتجاجات، إلا أنّها ليست وحدها من تحمي النظام، فصعوبة تحوّل الاحتجاجات إلى حركةٍ منظمة ذات قيادة تشكل بديلًا سياسيًا للنظام الحالي يصب في مصلحة النظام كذلك، إضافةً إلى استفادة النظام من الانتقادات الموجهة لحكومة الرئيس روحاني واعتباره المسؤول عن الأزمة يشكل حمايةً للنظام، ومع كل ذلك تشير الاحتجاجات المتجددة إلى زيادة الشعور العام بالإحباط وعدم الثقة في السلطات وفشلها في حلّحلة الأزمات الراهنة.

ويخلص زيميت في مقاله، إلى التأكيد على المعضلة التي تواجهها السلطات الإيرانية اليوم، والتي تتمثل في أهمية التزامها بتدابير التقشف لتقليص عجز الموازنة وما تجره هذه التدابير عليها من تفاقمٍ للمشاكل الاقتصادية وتكثيفٍ لحركة الاحتجاجات الشعبية. إلا أنّه يؤكد في الوقت ذاته أنّ إيران لن تنثني عن نهجها في التصدي للمطالب الأميركية، أو تغيير سياساتها القائمة على شراء الوقت في مواجهتها مع واشنطن.

ما علاقة العقوبات الأميركية بارتفاع أسعار البنزين في إيران؟
جاده ايران تلغرام
للمشاركة: