ردًا على اغتيال قادة الحرس الثوري.. هل تتجه إيران للضغط تكتيكيًا عبر التصعيد النووي؟
ما هي سيناريوهات الرد الإيراني على استهداف الجنرال زاهدي من قبل إسرائيل؟. يجيب كل من الكاتبين علي هاشم ومحمد علي شعباني على هذا السؤال في مقال لهما نشره موقع "أمواج ميديا"، حيث يشير المقال إلى أنّ ما تفعله إسرائيل قد يكون الهدف منه إنهاء حالة خفض التصعيد بين واشنطن وطهران.
يعد ما يشتبه أنه استهداف إسرائيلي لما وصفته إيران بمقرها الدبلوماسي في دمشق، والذي أسفر عن مقتل محمد رضا زاهدي القائد الأعلى للحرس الثوري الإسلامي في بلاد الشام، تصعيدًا كبيرًا ستكون تداعياته محسوسة على مستويات متعددة. ويبدو أن الهدف مما جرى هو إثارة رد فعل من حزب الله وإيران في الوقت الذي تتابعان فيه إجراء محادثات مباشرة مع دول خليجية عربية من جهة، ومشاركة غير مباشرة مع الولايات المتحدة من جهة ثانية.
تغيير قواعد اللعبة
من الناحية القانونية والعملياتية، يثير التفجير تساؤلات كبيرة حول وضع المبادئ الدولية التي تحمي الموظفين الدبلوماسيين والمقار الدبلوماسية. ووصفت إيران المبنى المستهدف، الواقع بجوار سفارتها في دمشق، بأنه قنصلية تضم أيضًا مكان إقامة السفير. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أن الموقع تم قصفه بينما كان أعضاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني يجتمعون مع حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. وإذا تم الاعتراف بالمبنى كمقر دبلوماسي بالفعل، فإن مثل هذا التجمع سيكون محميًا بموجب الاتفاقيات الدولية.
ومما لا يقل أهمية، أشارت إسرائيل في الأشهر الأخيرة إلى أن جميع أهداف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني مشروعة، بغض النظر عن أي أوراق اعتماد دبلوماسية مزدوجة.
وأُفيد بأن زاهدي، الذي قُتل مع نائبه وخمسة ضباط آخرين، كان معتمدًا كموظف في السفارة الإيرانية في دمشق. وكذلك كان الحال بالنسبة للسيد رضي موسوي، الرجل الثاني السابق في قيادة فيلق القدس في لبنان وسوريا، الذي اغتيل في عملية وُجهت أصابع الاتهام فيها لإسرائيل في أواخر العام الماضي. وكان موسوي يشغل منصب مستشار ثانٍ.
وبينما تشير إسرائيل إلى تغيير في قواعد اللعبة، يبدو أن إيران لاتزال مصرة على الافتراضات السابقة. وقالت مصادر عربية وإيرانية مطلعة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، لموقع أمواج ميديا إنه في الأيام التي سبقت اغتياله، أدت مؤشرات على وجود تهديد وشيك إلى إصدار تعليمات لموسوي بالبقاء في “قنصلية دمشق”. واستندت التعليمات على افتراض أن المبنى سيكون محصنًا ضد الهجوم. وفي نهاية المطاف، قُتل موسوي بعد أقل من ساعة من مغادرته المبنى متوجهًا نحو منطقة السيدة زينب جنوب العاصمة السورية.
هجوم على الرابط بين حزب الله والحرس الثوري
إن أحد العلامات الفارقة لمهمة إيران في سوريا هو عدد الضحايا الإيرانيين ومناصبهم الرفيعة. ففي فبراير/شباط 2013، قُتل القيادي في الحرس الثوري الإيراني حسن شاطري على الطريق بين دمشق وبيروت. وسرعان ما ألقت إيران باللوم على إسرائيل في الحادث. وبعد ذلك بعامين، تحديدًا في أوائل عام 2015، فقد القائد العسكري الكبير محمد علي الله دادي حياته في ما أفيد أنه غارة جوية إسرائيلية، إلى جانب عدد من الضباط الآخرين من إيران وعناصر من حزب الله اللبناني.
لكن في حين أن مقتل ضباط رفيعي المستوى في سوريا ليس بالأمر الجديد، فقد ارتفعت وتيرة الاغتيالات التي وُجهت أصابع الاتهام فيها إلى إسرائيل منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يقول الخبراء إن استهداف موسوي، الرجل الثاني في قيادة الحرس الثوري الإيراني في بلاد الشام شُبه باغتيال الولايات المتحدة القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني واستهداف إسرائيل للقائد العسكري الراحل لحزب الله عماد مغنية. وكان موسوي مسؤولًا عن تسهيل دخول القوات التي تقودها إيران وشحنات الأسلحة إلى سوريا وحزب الله. وبعد أسابيع من ذلك، وبينما كانت طهران لاتزال تحت تأثير الصدمة، أدت غارة جوية أخرى يشتبه بأن إسرائيل تقف وراءها إلى مقتل مسؤول استخبارات فيلق القدس في سوريا.
أما زاهدي، فهو أبرز ضابط في فيلق القدس يتم اغتياله في دمشق. في هذا السياق، قالت مصادر مطلعة لأمواج ميديا إنه بعد وصوله لأول مرة إلى لبنان في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، لم يتأخر في إنشاء شبكة قوية داخل حزب الله. وارتقى زاهدي ليصبح العضو الوحيد غير اللبناني في مجلس شورى حزب الله. ووفقًا لمصدر عربي، فقد شغل أيضًا منصب مندوب الحرس الثوري الإيراني في المجلس الجهادي التابع للحزب، وكان يتمتع بـ “سلطة النقض” الفعالة في المجلس.
ثم استُبدِل زاهدي عام 2014 بضابط كبير في الحرس الثوري الإيراني هو محمد حجازي لكنه سرعان ما عاد إلى مهامه بعد أن مرض حجازي في أواخر عام 2020. وفي العام التالي، ارتقى زاهدي عبر الرتب عندما تم استدعاء رئيس عمليات الحرس الثوري الإيراني آنذاك في سوريا، مصطفى جواد غفاري وسط ظروف مثيرة للجدل. وبين عشية وضحاها، أصبح زاهدي أعلى ضابط في فيلق القدس في بلاد الشام.
لذا فإن مقتل شخصية مثل زاهدي ليس مجرد هجوم مباشر على إيران، بل هو أيضًا استهداف لعنصر أساسي في النسيج الذي يربط بين حزب الله والحرس الثوري الإيراني. ويتماشى ذلك الهجوم مع نمط الاغتيالات التي استهدفت قيادة فيلق القدس وسيطرته في المنطقة.
الصورة الأكبر
إن الهجوم الأخير الذي وُجهت أصابع الاتهام فيه إلى إسرائيل هو أيضًا محاولة واضحة للضغط على آية الله علي خامنئي لاتخاذ إجراءات. ويرفض المرشد الأعلى الإيراني حتى الآن الرد على الاغتيالات المتتالية لشخصيات بارزة في سوريا. وإذا أدى مقتل زاهدي إلى رد فعل إيراني متسرع، خاصة إذا كان مباشرًا وعلنيًا، فقد يمهد ذلك إلى أقلمة حقيقية للحرب في غزة. لقد تجنبت طهران مثل هذا النهج لأنه سيحول التركيز بعيدًا عن الفلسطينيين إلى إيران وشبكة تحالفها الإقليمي المعروفة باسم “محور المقاومة”.
وفي حين يبدو أن حريقًا أوسع نطاقًا يبدو بعيدًا، فإن المنطقة أصبحت بالفعل على مفترق طرق. فعلى مدى الأسابيع الثمانية الماضية أو نحو ذلك، كان هناك وقف لإطلاق النار بين المحور والولايات المتحدة في العراق وسوريا، والذي تم التوصل إليه في أعقاب مقتل قوات أميركية في الأردن في أواخر يناير/كانون الثاني. لكن الهدنة هشة، وتم خرقها بعد أن أظهرت إدارة جو بايدن استعدادها لقتل كبار القادة العراقيين في قلب بغداد. وفي اليمن، تقصف القوات البريطانية والأميركية منذ أشهر مواقع حركة أنصار الله، المعروفة باسم الحوثيين.
ولا تعني هذه الديناميات أن إيران والولايات المتحدة لهما أي مصلحة في الدخول في مواجهة على مستوى المنطقة. بل على العكس من ذلك، وضع الجانبان خلافاتهما جانبًا في الأشهر الماضية بشأن حملة القمع الدموية التي شنتها إيران على احتجاجات عام 2022، ومبيعات الأسلحة لروسيا، وتحدثا سرًا. وأوضحت مصادر دبلوماسية وسياسية رفيعة المستوى لأمواج ميديا أن تلك المحادثات مستمرة وتجري عبر قنوات متعددة وتتجاوز الاجتماعات في سلطنة عمان. ومن غير المرجح أن يؤدي هذا الحوار إلى خرق جدي، خاصة في عام الانتخابات في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فقد ثبت أن الرغبة في وقف التصعيد حقيقية.
لكن من دون جهد من جانب إدارة بايدن لكبح جماح تصرفات حليفتها إسرائيل، يتعرض خامنئي لضغوط متزايدة للرد على الاستفزازات. لقد التزم المرشد الأعلى سياسة “الصبر الاستراتيجي” في مواجهة الاستفزازات المتكررة. وبما أن إيران تتهيأ لانتقال القيادة وسط مطالبات بعض المحافظين في طهران لسياسة خارجية أكثر حزمًا، فإن المخاطر لا يمكن أن تكون أعلى مما هي.
وبصرف النظر عن استهداف جهود وقف التصعيد بين إيران والولايات المتحدة، فإن إعلان الحرب من قبل إسرائيل على الحرس الثوري الإيراني في المنطقة قد يكون أيضًا موجهًا لتخريب التقارب الذي أُفيد بأن سوريا توسطت فيه بين حزب الله ودول خليجية عربية.
وكما نقل موقع أمواج ميديا في وقت سابق، قام مسؤول كبير في حزب الله بزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة في الأسابيع الماضية. وركزت الزيارة النادرة على إطلاق سراح معتقلين لبنانيين. ومع ذلك، أُفيد بأن قضايا سياسية أوسع كانت مدرجة على جدول الأعمال مع دور مزعوم للوساطة السورية في المحادثات بين حزب الله وأبوظبي.
وفي نهاية المطاف، أشارت مصادر عربية مطلعة لأمواج.ميديا إلى أن المشاركة في ملف المعتقلين اللبنانيين قد تكون خطوة أولية نحو التطبيع العربي الخليجي مع حزب الله. وفي هذا السياق، أفيد بأن “عدة اجتماعات” قد عقدت بالفعل بين كبار مسؤولي حزب الله والإمارات العربية المتحدة في دمشق.
المسار المستقبلي
سعت إيران في السنوات الماضية إلى ترسيخ منطق استراتيجي للرد على الضربات الجوية الإسرائيلية في سوريا من خلال الانتقام من القوات الأميركية في البلاد عبر حلفائها المحليين. وبعيدًا عن الفشل في منع الهجمات الجوية، انقلبت هذه الصيغة رأسًا على عقب بسبب الهدنة الحالية في العراق وسوريا بين دول المحور والولايات المتحدة.
وقال مصدر سياسي مطلع في طهران، على دراية بعملية صنع القرار لموقع أمواج.ميديا متحدثًا شريطة عدم الكشف عن هويته: “هناك مجموعة متنوعة من الخيارات للرد. أرى أنه من غير المرجح أن يتم إطلاق صاروخ على موقع داخل إسرائيل، لكن المراكز الدبلوماسية الإسرائيلية قد تتعرض للهجوم عندما تتوفر الإمكانيات لمثل هذه العملية، حتى وإن امتنعت إيران عن إعلان مسؤوليتها عنها، مع الأخذ في الحسبان الاعتبارات السياسية للعلاقات مع مثل هذه الدولة”. ووصف المصدر الخيار الثاني بأنه الإجراء الأكثر ترجيحًا، مع “نقطة رئيسة تتمثل في أن تفهم إيران وإسرائيل كيفية الرد”. واستطرد قائلًا: “لذلك قد يكون غير واضح بالنسبة لي ولكم، لكن الأكيد أن الطرفين سيفهمانه جيدًا”.
وأكد المصدر في طهران أن الخيار الثالث قد يتمثل في تجنب إيران الرد على الفور. وأوضح أن الإيرانيين قد يتمهلون، خاصة أن البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية وكذلك القوات الإسرائيلية على طول الحدود مع لبنان في حالة تأهب قصوى. وقال في هذا السياق: “ربما لا يريدون الرد قريبًا، ويريدون إرهاق الإسرائيليين بإبقائهم على أهبة الاستعداد ثم الضرب عندما يخفضون إجراءاتهم”. واختتم بالقول: “من وجهة نظري لم يتم اتخاذ قرار محدد بشأن الرد، وإذا كان هناك مثل هذا القرار فمن غير المرجح أن ينفذوه في اليومين المقبلين أو نحو ذلك. بل سيسعون أولًا إلى إرهاق إسرائيل بإبقائها في حالة تأهب”.
وفي ما يتعلق بتأكيد وزير الخارجية الإيراني أنه تم توجيه “رسالة مهمة” إلى الولايات المتحدة، قال مصدر سياسي آخر لأمواج.ميديا إن طهران تتوقع دورًا أكثر فعالية من واشنطن في مواجهة التصعيد الإسرائيلي. ويضيف المصدر: “بما أن الولايات المتحدة تطالب إيران باستمرار بوقف التصعيد، فإن إيران توجه إنذارًا بأن هذه هي نهاية جهودها إذا لم توقف الولايات المتحدة إسرائيل”. كما أكد المصدر الإيراني أن طهران “لن ترد بشكل مباشر” على مقتل زاهدي، ورجح أن يكون أي رد انتقامي “غير مباشر”. وإدراكًا للمنطق الاستراتيجي الذي سعت الجمهورية الإسلامية إلى فرضه في سوريا، فإن الأخيرة قد تضغط على الهدنة بين المحور والولايات المتحدة.
هناك تعقيدات أخرى يجب مراعاتها أيضًا. إن غياب الرد الإيراني، بحسب ما يقول بعض المراقبين الإقليميين في مجالس خاصة، يمكن أن يرسل لكل من المحور وإسرائيل رسالة مفادها أن تل أبيب يمكنها، على سبيل المثال، استهداف قيادة حزب الله من دون خوف من أي عواقب. ومن شأن مثل هذا التوجه أن يزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة لأنه قد يسبب انقسامات وتوترات داخل شبكة التحالف الذي تقوده إيران.
وأخيرًا وليس آخرًا، قد تشعر الجمهورية الإسلامية بأنها مضطرة إلى التحول عن خيارها الفصل بين الهجمات في المنطقة والعمليات ضد برنامجها النووي. وإذا خلصت إيران إلى أن التكاليف المحتملة للعمل خارج الحدود الإقليمية تفوق فوائده، فقد تتبنى التصعيد النووي كتكتيك للضغط. إن مثل هذا الرد لن يؤدي إلى تقويض التصعيد مع الولايات المتحدة فحسب، بل سيشكل سابقة خطيرة حيث سينهار الجدار الفاصل بين الملفين النووي والإقليمي في نهاية المطاف.
المصدر/ “أمواج ميديا“