الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة30 مارس 2024 11:48
للمشاركة:

عامان وأكثر من العمل.. ما هي الرؤية المُوجهة لحكومة رئيسي في السياسة الخارجية؟

نشرت فصليّة الدراسات الاستراتيجية في إيران مقالة بحثية بعنوان "الجوار والتقارب: عقيدة السياسة الخارجية لحكومة رئيسي"، تأليف كلّ من مساعد مدير مكتب رئيس إيران للشؤون السياسية محمد جمشيدي وعضو الهيئة العلمية في معهد الدراسات الاستراتيجية في طهران ياسر نور علي وند. تنشر "جادة إيران" ملخّصًا لأبرز ما ورد في المقالة.

مقدّمة

مع 15 جارًا من البحر والبر، تُعَدُّ إيران الدولة الثانية التي لديها أكبر عدد من الجيران في العالم بعد الصين. بالإضافة إلى ذلك، إذا تم أخذ منطقة الجوار الأوسع (جيران الجيران) في الاعتبار، فسيتم إضافة عشر دول أخرى إلى هذه القائمة، وسيصل إجمال جيران إيران الحدوديين وغير الحدوديين إلى 25 دولة.

تشكّل هذه المساحة الواسعة تحدّيًا لأي بلد، لكنها تخلق العديد من الفرص. ومن هذا المنظور، فإنّ القواسم المشتركة بين إيران والعديد من هذه البلدان لا تقتصر على القرب الجغرافي، بل تشمل التضامن الديني والثقافي واللغوي والعرقي. وقد زوّدت هذه الروابط والقواسم المشتركة الواسعة إيران بقدرات فريدة للتعاون وتطوير التفاعلات.

باختصار، وجود سوق تجاري كبير، إمكانية وصول أكبر وتكلفة ووقت أقلّ لعبور السلع والخدمات، إمكانية زيادة المنافسة بسبب الارتباطات الجغرافية والثقافية، كفاءة حدود الجوار المتعدّدة وتقليل عامل فرض العقوبات، تعتبر من أهم فرص بيئة الجوار التي تعزّز الأجندة الاستراتيجية الأكثر أهمية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في السنوات الأخيرة، ألا وهي الاقتصاد المقاوم.

ومن ناحية التهديد، تعتبر منطقة الجوار الإيراني من أكثر المناطق توتّرًا في العالم. وفي هذا الصدد، فمن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن معظم التغيّرات الحدودية المعاصرة في العالم كانت نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي الذي حدث في جوار إيران. إضافة إلى ذلك، فإنّ معظم الحروب في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي دارت أيضًا في هذا الجوار، كما أنّ أعلى معدّل للنشاط العسكري للولايات المتحدة جاء خلال السنوات التي تلت الحرب الباردة في نفس المنطقة.

وكانت الثورات الأكثر شمولاً بعد ثورات أوروبا الشرقية في الثمانينيات هي الثورات العربية في عامي 2010 و2011، والتي اندلعت مرة أخرى في جوار إيران، كما ظهر أيضًا أكبر تهديد إرهابي في العالم، وهو تنظيم “داعش”. وإذا أضفنا إلى التطوّرات المذكورة أعلاه، الحروب الأهلية والانقلابات والنزاعات الحكومية الدولية، مثل النزاعات على الحدود والموارد المشتركة، والنزاعات السياسية والأيديولوجية، فإنّ فهم هذه البيئة على أنها المنطقة الأكثر توتّرًا وحرجًا في العالم ليست مهمّة صعبة.

وعلى الرغم من تأكيد الوثائق العليا على الاهتمام الخاص والأهمية التي توليها إلى بيئة الجوار في السياسة الخارجية، إلا أنّ الافتقار إلى سياسة استراتيجية للجوار خلال العقود الأربعة الماضية جعل بيئة الجوار أكثر تحدّيًا وتهديدًا للمصالح الوطنية لطهران من كونها بيئة لخلق الفرص. ولذلك، فإنّ الحكومة الثالثة عشرة برئاسة الرئيس ابراهيم رئيسي، بينما تنظر بشكل نقدي إلى النقص التاريخي في الاهتمام بالجيران في السياسة الخارجية، وتهدف إلى الاستفادة من فرص الجوار وإدارة تهديداته، فضلاً عن تحديد المسار الصحيح في السياسة الخارجية للبلاد، أدخلت مبدأ “الجوار والتقارب” كعقيدة في سياستها الخارجية.

أ) الفراغ التاريخي لسياسة الجوار في السياسة الخارجية الإيرانية

تعود إحدى نقاط الضعف التاريخية في السياسة الخارجية الإيرانية، سواء قبل الثورة الإسلامية أو بعدها، إلى الافتقار لسياسة الجوار في السياسة الخارجية وعدم الاهتمام بالجيران ومكانتهم في نظام العلاقات الخارجية. وتحت تأثير هذا الضعف التاريخي، وعلى مدار تاريخ السياسة الخارجية الإيرانية، تغلّب نهج التباعد على التقارب الإقليمي. في الواقع، إن بيئة الجوار في إيران متخلّفة مقارنة بالمناطق الأخرى من حيث مؤشر الجوار والتقارب. وعلى الرغم من أنّ اتجاهات التقارب في هذه المنطقة بدأت منذ عقود، إلا أنه لم يحدث تقدم كبير إلا في حالات قليلة.

يبدو أنّ الضعف المذكور أعلاه ينشأ بشكل عام من ثلاثة عوامل هيكلية وعوامل صنع السياسات والنهج.

  • أولًا: العامل الهيكلي

إنّ التغيير المستمرّ لحدود الجوار والجغرافيا السياسية لجوار إيران يتغيّر باستمرار؛ وإذا أخذنا العصر الصفوي كنقطة انطلاق تاريخية لنقاشنا، فإنّ حدود جوار إيران كانت تتغيّر باستمرار منذ ذلك الوقت – الذي كان يكاد يساوي حدود إيران في العصر الساساني – حتى الفترة المعاصرة. ومن معاهدة قصر شيرين عام 1639 بين إيران والعثمانيين في العهد الصفوي، والتي تم خلالها تسليم العراق للعثمانيين، إلى معاهدتَيْ جلستان عام 1813 وتركمانجاي عام 1828، والتي أدت إلى ضمّ روسيا لمنطقة القوقاز، إلى معاهدة باريس عام 1857 وأخال عام 1881، والتي أدت إلى انفصال أفغانستان ومرو وخوارزم، ومن انفصال البحرين عن إيران خلال الفترة البهلوية الثانية عام 1970 إلى تفكّك الاتحاد السوفياتي في منذ عام 1991، والذي أدى إلى تشكيل جيران جدد في الحدود الشمالية لإيران، ظلّت حدود وبيئة الجوار الإيراني تتغيّران باستمرار وغير مستقرّتين.

إذا تغيّرت الحدود المذكورة أعلاه، وأضيفت مسألة التغيّرات السياسية الداخلية العديدة، مثل الحروب والحروب الأهلية والانقلابات والثورات في الدول المجاورة، فسيتمُّ فهمُ الاضطراب في بيئة الجوار أكثر فأكثر. والترويج لسياسة الجوار يتطلّب بيئة جوار مستقرّة، وهو ما يتطلّب في حدّ ذاته حدودًا مستقرّة، وأنظمة سياسية مستقرّة، واستراتيجيات وسياسات مستقرّة.

  • ثانيًا: عامل صنع السياسات

 ينتج هذا العامل من عدم اهتمام الحكومات ببيئة الجوار في نظام العلاقات الخارجية، في حين أنّ حدود جوار إيران قد وصلت إلى استقرار نسبي بعد انتصار الثورة الإسلامية، وفي العقود الماضية توافرت شروط تحديدها.

لقد تمَّ تقديم سياسة جوار شاملة وهادفة، لكن هذه المرّة، على الرغم من توصيات القائد الأعلى المتكرّرة، خاصة في إطار السياسات العامة للاقتصاد المقاوم والسياسات العامة لخطة التنمية السابعة في مجال تطوير العلاقات مع الجيران، لم يسمح عدم اهتمام الحكومات الإيرانية التي تلت الثورة بمكانة دول الجوار للسياسة الخارجية أن تخدم تفعيل مثل هذه الفرصة. وفي الواقع، فإنّ العامل الثاني لفراغ سياسة الجوار في السياسة الخارجية الإيرانية يكمن في عدم الاهتمام بالناحية الأساسية لدائرة الجيران في السياسة الخارجية، وتفضيل سياستهم الخارجية على العلاقة مع الدول الكبرى والقوى الإقليمية بدلاً من العلاقات مع الجيران. يُظهر تقييمٌ موجزٌ لأداء السياسة الخارجية في العقود الماضية أنّ العلاقات مع القوى العالمية والمناطق الخارجية كانت أكثر أهمية بكثير من العلاقات مع الدول المجاورة. والحقيقة أنّ سياسة الجوار في الحكومات السابقة لم يكن لها موقف مستقلّ، وطريقة تنظيم العلاقات مع الجيران كانت من وظائف علاقات إيران مع القوى العالمية، وتأثّرت بالعلاقات الدولية الكبرى.

  • ثالثًا: عامل النهج

عامل النهج المبني على الحد الأدنى من التصوّر لسياسة الجوار ومساواتها بالسلوك الجيّد. وفي الفترة المعاصرة، أصبحت نظرة إيران للجوار أكثر اعتماداً على سياسة حسن الجوار. سياسة تقليدية ذات رؤية محدودة ودنيا تعتمد على الجغرافيا والاعتراف بالحدود واحترامها، وإقامة علاقات سلميّة مع دول الجوار. سياسة يتمُّ وضعها دائمًا بهدف “حسن الجوار”، بدلاً من محاولة إنشاء علاقات حسن الجوار، وهي سياسة سلبية تقوم على صد تهديد الجيران بدلاً من النظرة الإيجابية، وترتكز على فرصة الاستفادة من إمكانيات بيئة الجوار المتنوّعة. وفي الوقت نفسه، فإنّ سياسة الجوار – كما وصفناها في القسم السابق – بمعناها الحديث والمعقّد، هي أكثر من مجرّد حسن الجوار ومحاولة إقامة علاقات طبيعية وسلميّة مع الجيران. وفي هذا الإطار، ربما يمكن إرجاع جزء كبير من المشاكل بين إيران وجيرانها إلى هذه النظرة التقليدية والإهمال بشكل عام. ينبغي الاعتراف بأنه على الرغم من وقوع إيران في بيئة مجاورة ذات قدرات كثيرة ومتنوّعة، إلا أنها لم تمتلك بعد سياسة الجوار المقنّنة والمحدّدة لاستغلال إمكانات الجوار وقدراته باتجاه تعزيز الوطن، وذلك على الرغم من أنّ قدرات جوار إيران المتنوّع تتطلّب دائمًا تطوير سياسة جوار استراتيجية وقوية لمنع حدوث ذلك.

ب) جوارٌ وتقارب.. دائرة محور السياسة الخارجية لحكومة رئيسي

الحكومة الثالثة عشرة برئاسة رئيسي هي الحكومة الوحيدة في عهد الجمهورية التي وضعت رسميًا سياسة “الجوار والتكامل” الإقليمية في الدائرة المحورية لسياستها الخارجية. وعلى الرغم من الشعارات العامة في مجال تطوير العلاقات مع الجيران في الحكومات السابقة، إلا أنّ هذه السياسة لم تتجاوز الشعارات، لأنها لم تقدّم خطة ولا برنامجًا لتنفيذه، ولا يوجد خطة هادفة وموجّهة لتنفيذ هذه السياسة. تم اتخاذ إجراءات مهمة من قبل وزارة الخارجية ومسؤولي الجهاز الدبلوماسي لتحسين العلاقات مع الجيران. ومن وجهة النظر هذه، ينبغي اعتبار سياسة الجوار هي العلامة التجارية للسياسة الخارجية الحالية. وفي هذا الصدد، أعلنت الحكومة منذ بداية عملها عقيدة الجوار والتقارب، واتجهت معظم جهودها إلى تنظيم العلاقات مع الجيران، واستخدام قدراتهم لكسر الجمود في العلاقات في مجال السياسة الخارجية والاقتصاد.

وفي هذا الإطار، أكد رئيسي مرارًا على أهمية تحسين العلاقات مع الجيران وتطويرها، وأولويتها الاستراتيجية في السياسة الخارجية لحكومته. وقال في حفل تنصيبه رئيسًا: “إنني أمدُّ يد الصداقة والأخوّة إلى دول المنطقة كافة، وخاصة الجيران. والجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر دول الجوار أولوية بالنسبة لها، ويعتبر الرئيس أنّ أولوية سياسته الخارجية هي تحسين العلاقات مع الدول المجاورة، ويريد عزّتها وكرامتها”.

وفي هذا السياق، صرّح الرئيس أيضًا في خطابه أمام الاجتماع ا لـ22 لرؤساء منظمة شنغهاي: “عندما تولّيت رئاسة الجمهورية الإسلامية، عرضت اتجاه سياستي الخارجية، مع التركيز على التعدّدية الاقتصادية وتعزيز سياسة الجوار في أوسع نطاقها”.

وفي اجتماع رؤساء ممثلي الجمهورية الإسلامية الإيرانية في البلدان المجاورة، وصف أيضًا سياسة حكومته في ما يتعلّق بالوضع في المنطقة بالتالي: “تحرّك استراتيجي لإيران تجاه جيرانها”، كما أكد خلال زيارته إلى قطر، في لقاء مع رجال أعمال ونشطاء اقتصاديين قطريين وإيرانيين، على أنّ “السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم على تنمية علاقات حسن الجوار”، وتابع: “نعتقد بأنّ هناك قدرات كثيرة في دول الجوار، وينبغي إحياء هذه القدرات”.

ورغم ذلك، فإنّ أهم وجهة نظر لرئيسي بشأن بسياسة الجوار أثيرت خلال خطابه أمام الدورة رقم 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة. في هذا الخطاب، ولأوّل مرة، ومن خلال وضع كلمة “الجوار” بجانب “التقارب”، قدّم رئيسي رؤية أوضح لسياسة الجوار وأطرها: “في الوقت الذي تدفع فيه بعض القوى العالمَ نحو المزيد من الحروب، لقد اقترحت الجمهورية الإيرانية سياسة الجوار والتقارب”. وبحسب رئيسي، فإنّ سياسة الجوار ليست سياسة تقتصر على الجيران المتاخمين، بل هي سياسة واسعة وإقليمية، حيث قال: “إنّ سياسة الجوار هي سياسة خير للمنطقة، وعلى أساسها، يقوم التعاون الاقتصادي المكثّف وتعزيز روابط البنية التحتية على رأس جدول الأعمال الإقليمي. إنّ وجود جار مستقل وقوي يمثل فرصة للمنطقة”.

وذكر الرئيس إنّ سياسة الجوار تمثّل فصلًا جديدًا من العلاقات المفيدة مع الدول المجاورة، وأضاف: “على المستوى الأمني، تسعى سياسة الجوار إلى ضمان الأمن المستقرّ من خلال التعاون الإقليمي ومنع التدخل الأجنبي. من القوقاز إلى الخليج، إنّ أي وجود أجنبي لا يشكّل جزءاً من الحل، بل يشكّل المشكلة نفسها. نحن نعتبر أمن جيراننا بمثابة أمننا، وأي انعدام أمن لهم هو انعدام أمن لنا”.

كما ذكر وزير الخارجية حسين أميرعبد اللهيان التطوير الشامل للعلاقات مع الجيران كأحد المحاور في مختلف الاجتماعات، وكعنصرٍ أساسي في عقيدة السياسة الخارجية للحكومة. وفي هذا الصدد، اعتبر عبد اللهيان في كلمته أمام “المؤتمر الوطني لإيران والجيران” أنّ إحدى الأولويات الأساسية التي تم طرحها منذ بداية حكومة رئيسي هي إعطاء الأولوية للتعاون والتفاعل مع الجيران، وأردف: “إن الحكومة الـ13 تحاول من خلال الأولوية في التفاعل والحوار مع الجيران تعظيم القدرات القائمة، وتفعيل القدرات المعلّقة، وتحسين العلاقات الثنائية مع دول الجوار حتى تحقيق هذا الهدف بجدية”. وأضاف وزير الخارجية الإيراني في الجلسة الثالثة لجمعية حوار طهران التي جاءت تحت عنوان “سياسة الجوار الموجّهة لجمهورية إيران الإسلامية مع نهج نحو الصداقة وبناء الثقة”: “لقد جعلت إيران من مفهوم الجوار محور سياستها الخارجية، وبذلت كلّ ما في وسعها لبناء الثقة وتعزيز أسس الصداقة مع جيرانها في المنطقة. ونحن نفكّر ونتّخذ خطوات قوية في هذا الاتجاه”.


وبالتفسيرات السابقة، وبالنظر إلى أداء الحكومة في أوّل عامين لها، يمكن القول إنّ سياسة الجوار والتكامل في أجندة الحكومة لها الأهداف الأساسية التالية:

1 ـ إعادة التوازن إلى السياسة الخارجية: إنّ إعادة التوازن إلى السياسة الخارجية، على أساس مبدأ لا شرقية ولا غربية، هو أحد أهم محاور السياسة الخارجية الحالية، وأهم متطلّباتها الحفاظ على استقلال البلاد مع استمرار الاهتمام والتأكيد على العلاقات المتوازنة مع قوى الشرق والغرب وشمال العالم وجنوبه. يتمّ تحديد التوازن المدروس في السياسة الخارجية للحكومة على أساس ثلاثة مبادئ: الأول هو التأكيد على التكافؤ وليس التوازن. ووفقًا للحكومة، فإنّ جميع الدول والمناطق في نظام العلاقات الخارجية للبلاد ليست لها نفس الوزن مع بعضها البعض، لذلك لا يمكن أن تكون السياسة الخارجية متوازنة بشكل أساسي. ومن وجهة نظر الحكومة أيضًا، فإنّ التوازن يعني التفاعل مع العالم أجمع على أساس العدالة. وعلى هذا الأساس، فإنّ أي دولة تنسجم مع منطق السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وأكثر انسجامًا مع مصالحها، تكون لها أهمية استراتيجية أكبر، وبالتالي سيكون لها وزن أكبر في السياسة الخارجية للبلاد. المبدأ الثاني هو التوازن المفاهيمي والمجالي في السياسة الخارجية، وهذا يعني أنّ السلطة والمصالح لا يتم السعي إليها في المجال العسكري والأمني ​​فحسب، بل تشمل أيضًا المجالات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية. كلّ منطقة مهمة وموفّرة للأمن ومفيدة في مكانها الخاص. المبدأ الثالث هو التوازن بين السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، فمن وجهة نظر الحكومة، يجب أن تعمل السياسة الخارجية على تعزيز الاقتصاد المحلّي، فالسياسة الخارجية هي استمرار للسياسة الداخلية من ناحية، وهي من ناحية أخرى تعزيز لها. إذا لم تعمل السياسة الخارجية على تمكين اقتصاد البلاد وكرامتها، فإنّ السياسة الخارجية ستكون ناقصة وغير فعّالة. تفسير إعادة التوازن في السياسة الخارجية في مجال سياسة الجوار هو أنّ سياسة الجوار والتكامل الإقليمي ليست بديلاً للتوجّه الغربي أو الشرقي، بل هي نقطة ثقل وتوازن جيوسياسي بينهما؛ وهذا يعني أنه ما لم يتم تسوية العلاقات مع البيئة المجاورة والمحيطة وتوازنها مع مجالات أخرى من السياسة الخارجية، فمن غير الممكن التفكير في التوازن الهيكلي والكلّي المدروس في السياسة الخارجية للبلاد. بمعنى آخر، أحد العوامل المهمة لعدم وجود سياسة خارجية متوازنة هو ضعف موقف الجيران في علاقات إيران الخارجية. في الواقع، أحد الأمثلة على عدم التوازن في السياسة الخارجية للبلاد هو عدم الاهتمام التاريخي بثقل الجيران وموقعهم الاستراتيجي في العلاقات الخارجية. لذلك، إنّ سياسة الجوار للحكومة لا تتعارض مع شعار السياسة الخارجية المتوازنة، بل هي سياسة دقيقة ومحسوبة لتحقيقها. لذلك، من وجهة نظر الحكومة، فإنّ إحدى طرق تحقيق سياسة خارجية متوازنة هي الاهتمام أكثر بتنمية العلاقات مع الجيران وازدهار القدرات المهملة في علاقات إيران الخارجية.

2. تحييد أو تقليل فعاليّة العقوبات: بعد تأكيد القائد الأعلى للثورة في السنوات الماضية على محاولة تحييد العقوبات، تُعتبر سياسة تحييد العقوبات إحدى السياسات المركزية، وقد برعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إدارة التعامل مع ضغط العقوبات الأميركية. إلا أنّ متابعة هذه السياسة، سواءً على مستوى الخطاب أو التنفيذ، حظيت باهتمام أكبر من هذه الحكومة مقارنة بالحكومات السابقة. في الواقع، كان أحد محاور السياسة الخارجية لحكومة رئيسي هو إعطاء الأولوية لاستراتيجية تحييد الحظر، مع اتّباع سياسة إزالة الحظر في الوقت نفسه. وبحسب الحكومة، فإنّ أحد أهمّ السبل لتحقيق سياسة تحييد العقوبات هو إيلاء اهتمام خاص لقدرات الجوار الإيراني. وفي هذا الصدد، ترى الحكومة أنّ بيئة الجوار في إيران، بخصائصها وقدراتها، مثل وجود جيران متنوّعين ومتعدّدين لديهم سوق كبيرة، وتقارب ثقافي اجتماعي، وهم أقرب إلى أنماط الذوق والاستهلاك في إيران، والأهم من ذلك الوصول المباشر إلى الجيران عبر الحدود المجاورة، ناهيك عن ضوابط العقوبات مقارنةً بالحدود والممرّات الدولية، هي المنصّة الأكثر ملاءمة لتحييد العقوبات ويجب أن تحظى بالأولوية في السياسة الخارجية للبلاد.

3. توسيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع الجيران: في التجارة العالميّة، يُعتبر جيران كل دولة الوجهة التجارية الأولى والأكثر أهمية لتلك الدولة. وفي السياق نفسه، توصّل إلياس سانيداس في بحث تناول دور الجيران في تفسير الصادرات الوطنية والتكامل الإقليمي، إلى أنّ الجيران هم العامل الأساسي في تحديد التجارة الدولية لأي بلد. وبعبارة أوضح، فإنّ دائرة جيران كل دولة تشكّل القوة الرئيسية التي تحدّد صادراتها الوطنية، وهي تشمل نحو 85% من صادرات كل دولة على مستوى العالم (على الرغم من بعض الاختلافات الطفيفة بين المناطق). وتشير النتائج التي توصّل إليها سانيداس إلى أنّ الدول المجاورة لديها قدر كبير من الصادرات، وفرصة أفضل للتصدير لبعضهم البعض. وكلّما زاد التكامل الاقتصادي مع الجيران، كلّما زادت نسبة إجمال الصادرات التي تذهب إلى الجيران، وستكون هناك فرص أكبر لزيادة إجمال الصادرات. لذلك، بالنسبة لدولة لديها عدد أكبر من الجيران، فمن الممكن تصدير المزيد. ومن الأمثلة النموذجية على البلدان التي لديها العديد من الجيران وأنشأت مركز ثقلها التجاري، ألمانيا في أوروبا والصين في شرق آسيا (سانيداس، 2018: 6-2)، في حين يُعدُّ انخفاض حجم التجارة مع الجيران أحد أكبر نقاط الضعف للعلاقات الخارجية للبلاد في العقود الماضية. وبحسب الإحصائيات المتوفّرة، فإنّ حصة إيران من القدرة التجارية لدول الجوار البالغة 1200 مليار كانت 2% فقط. وفي هذا الصدد، يُعدُّ تطوير العلاقات مع الجيران وإقامة روابط اقتصادية ثنائية ومتعدّدة الأطراف مستقرّة معهم أحد الأهداف الأساسية لسياسة الجوار التي تنتهجها الحكومة الحالية.

4. خلق استقرار إقليمي مستقرّ وداخلي: يمكن لسياسة الجوار القوية أن تؤدي إلى استقرار إقليمي مستقرّ، من خلال حلّ النزاعات والتحدّيات مع الجيران، وخلق الاعتماد المتبادل والعلاقات الاقتصادية. إنّ الافتقار إلى مثل هذه السياسة يؤدي إلى نتائج عكسية. وفي هذا الصدد، اقترح ألبرتو أديس وهوك تشوا فكرة “لعنة الجار”، باستدخدام بعض الأمثلة التاريخية في أفريقيا والشرق الأوسط وأميركا الجنوبية، وهي أنّ عدم الاستقرار الإقليمي في البلدان المجاورة له آثار سلبية قوية على النموّ الاقتصادي. كما توصّلت ميليسا لي أيضًا في البحث من خلال التحليل الإحصائي، وباستخدام العديد من الأمثلة التاريخية، إلى استنتاج مفاده بأنّ الجيران المعادين يُضعفون سلطة الحكومة على أراضيها من خلال استراتيجية التدخّل الأجنبي.

قد تواجه الدول ذات الجيران المتحاربين عواقب سلبية لممارسة سلطتها الحكومية في المناطق الحدودية. بالإضافة إلى ذلك، يستخدم الجيران المعادون استراتيجيات هدفها الرئيسي إبقاء جيرانهم ضعفاء وتعزيز خططهم وأهدافهم. وفي هذا الصدد، ترى لي أنّ إهمال الجيران المنافسين عند صياغة برامج السياسة الخارجية والداخلية يمكن أن يضرّ بالحكومات التي تواجه تحديات النمو والتنمية، وهي الأهداف الرئيسية للحكومات في جميع أنحاء العالم.

ويُظهر البحث أعلاه أنه يجب على الخبراء العسكريين وخبراء السياسة الخارجية أن يولوا اهتمامًا خاصًا لاستقرار بيئة الجوار، وخاصة السيطرة على دور الجيران المعادين وإدارته من أجل تحقيق هذه الأهداف. وفي هذا الصدد، فإنّ الحكومة الإيرانية، مع تنفيذ سياسة الجوار، تحاول التقليل من مصادر العداوة المتبادلة والتوتّر وعدم الاستقرار في بيئة الجوار، وإفساح المجال أمام توفير التعاون الإقليمي والتقارب والتنمية المتبادلة.

5. ربط إيران بالممرّات الاقتصادية: من أهمّ أهداف سياسة الجوار للحكومة الـ13 هو ربط إيران بالممرّات الاقتصادية. إنّ ارتباط إيران بالممرّات الاقتصادية يحوّل الميزة الجغرافية والجيوسياسية التي تتمتّع بها البلاد إلى ميزة جيواستراتيجية وجيواقتصادية، باعتبارها محرّكات للنمو الشامل ومعزّزة للتعاون والتقارب الإقليمي.

أصبحت الممرّات الاقتصادية التي تربط فعليًا الإنتاج والتجارة والبنية التحتية في إطار جغرافي محدّد محور العديد من مبادرات التنمية المخطّط لها في جميع أنحاء العالم. إنّ التنافس على الممرّات يشكّل قضية حقيقية اليوم، والولايات المتحدة والصين، باعتبارهما قوّتين عالميّتين رئيسيّتين، تتابعان هذه القضية بجدية. وفي كلمته التي ألقاها في معهد واشنطن، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان: “إذا لم تتذكّروا شيئًا من خطابي، تذكّروا I2U2، لأنكم ستسمعون المزيد عنه في المستقبل. إنها شراكة بين الهند وإسرائيل والولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، ومفهومها الرئيسي هو ربط جنوب آسيا بالشرق الأوسط والإمارات العربية المتحدة.

الولايات المتحدة، بطرق اقتصادية، تتنافس مع القوى العالمية على الممرّات، بينما تمّ القضاء عمليًّا على إيران، على الرغم من قدرتها الجيوسياسية الفريدة على الاتصال بالممرّات الاقتصادية. تقوم جمهورية أذربيجان والعراق وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بتصميم وتنفيذ ممرّات اقتصادية، وبتخطيط وشراكات أجنبية تلعب فيها الصين والدول الأوروبية بشكل رئيسي دورًا مهمًا – وأهمها مبادرة الحزام والطريق 2 وممرّ الهند لأوروبا باسم IMC3 – وهناك العديد من الممرّات التي ليس لإيران أيُّ دور فيها، أو قد يكون لها دور هامشي. وفي إطار سياسة الجوار، تحاول الحكومة الإيرانية ليس فقط التعامل مع تجنّب واستبعاد طهران من مثل هذه المشاريع من خلال إحياء وتطوير العلاقات مع جيرانها، ولكن أيضًا من خلال لعب دور مركزي في الشرق والغرب ومشاريع الشمال والجنوب.

6. مكافحة الخوف من إيران: إحدى السياسات الأساسية للولايات المتحدة وحلفائها هي فرض سياسة الخوف من إيران، والترويج لها من خلال إضفاء الطابع الأمني ​​عليها وخلق الانطباع بوجود تهديد إقليمي وعالمي من إيران. إنّ السبب الأهم لتبنّي سياسة الخوف من إيران هو السلوك السياسي المستقلّ للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

منذ فترة طويلة، يحاول الغرب والولايات المتحدة تنفيذ بعض التدابير السياسية والوقائية ضد إيران، وكبح عمليّة تمكين هذا البلد من خلال الترويج للكراهية ضده، فإيران بعيدة وقريبة. لذلك، واحد من أهم أهداف سياسة الجوار هو التصدّي لمشروع الكراهية ضد إيران في المنطقة، فسياسة الجوار التي اتبعتها الحكومة الـ13، والتي اعتمدت على مبدأ التهدئة وتعزيز العلاقات مع الجيران، لم تمنع فقط تقدّم مشروع الكراهية، بل إنّ تعزيز سياسة الجوار يساعد جمهورية إيران الإسلامية من خلال تقليص الفجوات القائمة مع جيرانها، وحلّ سوء التفاهم السابق في العلاقات، وخلق الشفافية في النوايا والأهداف، وبناء الثقة المتبادلة، والقضاء على التهديد الإيراني غير الواقعي والمفتعل.

7. خطاب التقارب الثقافي الحضاري: الهدف الآخر لسياسة الجوار والتقارب التي تنتهجها الحكومة الإيرانية هو خلق خطاب مشترك ووحدة ثقافية في الجوار والبيئة الإقليمية على أساس الحضارة والثقافة والتاريخ والمعتقدات المشتركة. من وجهة نظر الحكومة الإيرانية، فإنّ التعاون مع الجيران الذين لديهم جذور ثقافية حضارية وتاريخ ومعتقدات مشتركة له أولوية أعلى، ويواجه أيضًا عقباتٍ وتحدّيات أقلّ، فالجوار مفهوم ثقافي قبل أن يكون مفهومًا سياسيًا. لذلك، فإنّ تعزيز البعد الثقافي للعلاقات هو أساس ومُيسِّرٌ للأبعاد الأخرى للعلاقات.

ومن الواضح أنّ الأهداف المبيّنة في سياسة الجوار تتطلّب تحديداً دقيقاً للفُرص المشتركة في المجالات الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية، والقواسم المشتركة في مجال تبادل المعرفة والفكر والشؤون الثقافية والفنية والتنمية السياحية والاستثمارات الاقتصادية الكبيرة والمربحة، والحدّ من الأضرار والتهديدات القائمة.

ج) مبادئ سياسة الجوار والتقارب

وبطبيعة الحال، تقوم كل سياسة على سلسلة من المبادئ الأساسية. ولا تتشكّل هذه المبادئ من فراغ، بل هي دالّة على الظروف الموضوعية لبيئة صنع السياسات وأفكار وتصوّرات صنّاع القرار، ومدى توافقها مع الواقع البيئي. ولا تشكّل سياسة الجوار التي تنتهجها الحكومة الإيرانية استثناءً من هذه القاعدة، فهي ترتكز على مبادئ تحدّد الإطار السياسي وتوجّه أعمالها في مجال التنفيذ.

وفي هذا الصّدد، فإنّ أهم مبادئ سياسة الجوار للحكومة الإيرانية هي:

1. احترام وحدة الأراضي وحرمة الحدود الدولية في بيئة الجوار: مبدأ وحدة الأراضي يحدّد حدود السيادة السياسية والقانونية للدول. ولذلك، فإنّ الحفاظ على استقلال الدول وسلامتها الإقليمية وحدودها أصبح مقبولًا كمبدأ عالمي اليوم. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ النزاعات الحدودية وتجاهل المبدأ المذكور أعلاه لا يزالان يُعتبران أحد التحدّيّات المزعزعة للاستقرار في جوار إيران. ويمكن ذكر التوتر الحدودي بين أذربيجان وأرمينيا كواحد كأحدث الأمثلة عليها. ولذلك، فإنّ أحد المبادئ الأساسية لسياسة الجوار هو التأكيد على حرمة الحدود الدولية ومعارضة أي تغييرات فيها. من وجهة نظر سياسة الجوار، فإنّ التغيير القسري للحدود الجغرافية لا ينطوي على الحرب وعدم الاستقرار فحسب، بل يوفّر أيضًا الأساس لتدخّل القوى من خارج المنطقة في القضايا الإقليمية.

2. احترام سيادة الجيران واستقلالهم السياسي وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية: مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو أحد المبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة – المادة 2.7 من ميثاق الأمم المتحدة – هو من الحقوق والواجبات الأساسيّة للحكومات؛ كما يُعتبر أحد المبادئ المحدّدة لسياسة الجوار لحكومة رئيسي. مبدأ عدم التدخل له معنيان، إيجابي وسلبي. ويعني بالمعنى الإيجابي استقلاليّة عمل الحكومات في ممارسة حقّها في السيادة؛ ومن الجانب السلبي، يعني أنّ الشؤون الداخلية هي من نطاق السيادة الداخلية للحكومات، ولا يحق لأي دولة أن تتدخّل فيها. والشرط الأساسي لعدم التدخّل هو أن تحترم كلّ دولة سيادة الدول الأخرى وسلامتها الإقليمية. وانطلاقًا من هذا المبدأ، فإنّ جميع الدول المجاورة، سواءً كانت كبيرة أو صغيرة، مجاورة أو غير مجاورة، قوية أو ضعيفة، غنية أو فقيرة، هي دول متساوية في المجتمع المجاور، وبينما يحترم الجميع بعضهم بعضًا في ممارسة حقوقهم السيادية، فلا يحقُّ لأي منهم التدخّل في شؤون الآخرين. لذلك، وفي إطار هذا المبدأ، تتجنّب الجمهورية الإيرانية التدخّل في شؤونهم الداخلية، ولن تسمح للجيران بالتدخل في شؤونها والإضرار بسيادتها واستقلالها السياسي.

3. النظام الإقليمي المحلّي الخالي من تدخّل القوى المهيمنة من خارج المنطقة: يجب أن يكون النظام الإقليمي داخليًا وقائمًا على تجنّب أي تدخل من القوى المهيمنة من خارج المنطقة. لقد أظهرت تجارب العقود الماضية أنّ الصفقات الأمنية والاتفاقيات العسكرية والسياسية مع القوى المسيطرة في الخارج، والتي طالما شكّلت بتدخّلاتها أكبر تهديد لأمن المنطقة، تؤدي إلى تفاقم المشكلة، ولا توفّر السلام والاستقرار والأمن في المنطقة، بل تدمّرها بشكل أساسي.

وفي هذا الصدد، اعتبر رئيسي في حفل تنصيبه أنّ قوة الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي مولّدٌ للأمن في المنطقة، وأكد أنّ قدرات إيران الإقليمية تدعم السلام والاستقرار في البلدان، ولن تُستخدم إلا لمواجهة الإرهاب”. وتابع: “إنّ أزمات المنطقة يجب أن تُحلَّ من خلال حوارات حقيقية داخل المناطق، وعلى أساس ضمان حقوق الأمم”. كما أكد في الاجتماع رقم 22 لمنظّمة شنغهاي أنه “يجب أن يرتكز النموذج الأمني ​​الجديد في آسيا على التنمية المشتركة، ويجب تشكيل تعميق التعدّدية من دون تدخّل القوى الأجنبية، بحيث يمكن تنفيذ التدابير الجماعية للتعامل مع التحديات التي تواجه السلام والتنمية”.

لذلك، لتحقيق نظام إقليمي مستقرّ، يجب أن يقوم هذا النظام، من ناحية، على تجنّب تدخّل القوى الخارجية في الشؤون الإقليمية؛ ومن ناحية أخرى، انطلاقاً من مشاركة دول الجوار كافة، والثقة والتفاهم المتبادل في ما بينها، واستناداً إلى مُثُلها وأهدافها ومصالحها وتهديداتها المشتركة، فضلاً عن احترام مبادئ مثل السيادة والسلامة الإقليمية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، يُعتبر التعايش السلمي وحسن الجوار نظامًا داخليًا ومحليًا في المنطقة.

4. الأمن التعاوني والجماعي: من الناحية الأمنية، تُعتبر بيئة الجوار مجمعاً أمنياً مشتركاً. المجمع الأمني ​​عبارة عن مجموعة من الحكومات التي تتشابك اهتماماتها الأمنية الرئيسية بشكل كبير، بحيث لا يمكن النظر إلى أمنها القومي بشكل منفصل عن بعضها البعض. وفي الواقع، فإنّ أحد أهم مكوّنات تشكيل هذا المجمع الأمني ​​يعود إلى ضغوط القرب الجغرافي. إنّ القرب المادّي البسيط يجعل التفاعلات الأمنية بين الجيران أكثر بكثير من التفاعلات الأمنية للحكومات الموجودة في مناطق مختلفة.

وترتبط القواسم المشتركة الجغرافية والدينية والثقافية والتقليدية والتاريخية ببعضها البعض، ولا يمكن فصل الأمن فيها؛ بحيث إما أن يستفيد منه الجميع أو لن يستفيد منه أحد. وهذه الميزة تذكّر جميع دول الجوار بأنّ تحقيق الأمن مسألة تعاونية وجماعية. تعاني منطقة غرب آسيا من اعتماد شبه كامل على ما يسمى بفكر “المجموع الصفري” في ما يتعلّق بالقضايا الأمنية. وهذا النهج، الذي يُعتبر فيه مكسب أحد الطرفين خسارة للجانب الآخر بالضرورة، هو الذي ساهم بتشكيل أغلب أشكال المشاركة في الشرق الأوسط. وفي هذا الإطار، وكمبدأ أساسي، تؤمن سياسة الجوار برؤية مشتركة ومستقرّة وشاملة وإقليمية للأمن، تقوم على قاعدة “المجموع المزدوج”، وتدعو دول الجوار كافة إلى تبنّي وجهة النظر هذه وتحقيق الأمن من خلال الحوار والمفاوضات المنظّمة والموجّهة، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنشاء آليّاتها القانونية والمؤسسية.

  5. التعددية الاقتصادية: تُعتبر استراتيجية التعددية في القطاع الاقتصادي من مبادئ وأولويات عقيدة الجوار والتقارب لحكومة رئيسي. لقد أثبتت التعددية الاقتصادية، التي تعني التعاون الجماعي بين الدول لتعزيز الاقتصادات الوطنية، فائدتها وفعاليّتها العملية على المستويين الإقليمي والدولي. وانطلاقًا من هذا المبدأ، فإنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن أجل الوصول إلى أسواق التصدير في المنطقة والعالم وزيادة حصّتها في هذه الأسواق، يجب أن تجعل السعي والانضمام إلى منظّمات التجارة العالمية أحد المحاور الأساسية لسياساتها الخارجية. بمعنى آخر، إلى جانب تطوير العلاقات الاقتصادية الثنائية، فإنّ أحد أهم الخيارات المتاحة أمام إيران لتوسيع اقتصادها وتجارتها هو الانضمام إلى الترتيبات التجارية الإقليمية والتحوّل إلى التعددية.

د) استراتيجية سياسة الجوار والتقارب للحكومة الـ13

خلافاً لما حدث في الماضي، يُنظر من الحكومة الإيرانية إلى تنمية علاقات الجوار على أنها استراتيجية مستقرّة، وليس تكتيكاً مؤقتاً وانتقالياً. وبرأي حكومة رئيسي، فإنّ تعزيز العلاقات مع الجيران وتطويرها يتطلّب سياسة جوار مقنّنة، وتحقيقُها يتطلّب استراتيجية محدّدة. في هذا الإطار، تتجاوز استراتيجية سياسة الجوار تعزيز السياسة الخارجية ومجرّد التفاعل مع البلدان المجاورة، مع التركيز على “بناء الثقة والصداقة وبناء الأمن والقوة والتعددية الاقتصادية”، وتتضمّن الخطوات التالية:

1. بناء الثقة وإعادة بناء العلاقات الثنائية: لقد أدرك الأكاديميون وصانعو السياسات منذ فترة طويلة العلاقة بين الثقة والحل السلمي للنزاعات بين الدول. على سبيل المثال، منذ أكثر من 40 عامًا، قدّم كارل دويتش الثقة كأساس للعلاقات السلمية. والثقة جزء أساسي من أي علاقة، ووجود الثقة المتبادلة هو الخطوة الأولى والمنصّة لبدء أي تعاون وشراكة. إنّ الثقة هي أساس النظام السياسي الدولي برمّته، لأنّ التوتّر والصراع ينجمان بشكل رئيسي عن حالات انعدام الثقة بين الأطراف. إذا كانت هناك ثقة، فإنها تسهّل التعاون، وعدم وجودها يشكّل عائقًا. إنّ اكتساب الثقة ليس لعبة محصّلتها صفر، بل هو موقف متبادل في اتجاهين. ومن دون الثقة المتبادلة، لا يمكن التعاون وحلّ الأزمات. إنّ العلاقة الآمنة والمستقرّة والمتبادلة والمشتركة تتطلّب الثقة المتبادلة. وفي بيئة جوار إيران، تَظهرُ الأنماط المائعة للصداقة والعداوة، وسيادة البيئة التنافسية ووجود مستوى عال من المنافسة. إنّ أمن الجيران تجاه بعضهم البعض والتدخّلات غير البنّاءة للقوى من خارج المنطقة في القضايا الإقليمية لم تؤدِّ إلى فقدان الثقة المتبادلة بين الدول المجاورة تجاه بعضها البعض، وهذا هو السبب في أنّ الخطوة الأولى في استراتيجية سياسة الجوار للحكومة الإيرانية هي بناء الثقة المتبادلة بين الجيران من خلال الاتصالات السياسية المنتظمة والحوار والتفاهم على أساس الأهداف والمصالح المشتركة.

2. الاستقرار في بيئة الجوار على أساس قوّة ونفوذ صانع الأمن: يُعرف الاستقرار الدولي بأنه الوضع الذي لا يوجد فيه أساسًا توتّر وعنف بين الدول، كما أنّ احتمال حدوث تغييرات غير متوقعة في هذه الظروف منخفض بشكل كبير. على الساحة الدولية، تم انتهاج سياسات تحقيق الاستقرار بشكل أساسي على نهجين: الأول، النهج العسكري التقليدي في إطار التدخلات العسكرية لوقف العنف والصراعات وتحقيق الاستقرار باستخدام القوة القسرية؛ ثانيًا، النهج السياسي في صورة التوصل إلى اتفاقات سياسية عادلة وشاملة.

يتمحور تحقيق الاستقرار حول إيجاد حل سياسي جديد وشامل يمكن أن يضمن الاستقرار في المجتمعات غير المتجانسة. وفي هذا الإطار، يرتكز تحقيق الاستقرار على آليّة التفاوض والحوار بشأن إعادة تنظيم الترتيبات القائمة، بما يسمح بظهور أشكال سياسية غير عنيفة والتعامل مع الخلافات الجوهرية بشأن المصالح والأفكار وتوزيع السلطة. إنّ عدم الاستقرار السياسي يقصّر أفق صانعي السياسات، ومن خلال تغيير السياسات بشكل متكرّر وخلق التقلّبات، يكون له تأثير سلبي على كفاءة النظم السياسية. بعد الحرب الباردة، انخرطت الدول المجاورة لإيران في حالة من انعدام الأمن وعدم الاستقرار أكثر من مناطق أخرى من العالم. إنّ عدم الاستقرار هذا هو نتاج الوضع شبه المستقر الناجم عن الهشاشة الداخلية للحكومات، وهشاشة العلاقات الحكومية الدولية في المنطقة، وهشاشة علاقات دول المنطقة مع القوى من خارج المنطقة.

وفي الوقت نفسه، يُعدُّ الاستقرار السياسي ضروريًا للغاية للمناطق النامية التي لم تكتمل بعد عمليّة التصنيع والتنمية الاقتصادية. ويُعدُّ الاستقرار السياسي أحد العناصر الأساسية لتعزيز التعاون الاقتصادي والأمني ​​الإقليمي. ولذلك، تعتبر حكومة رئيسي الاستقرار نتاجاً لعملية سياسية إقليمية مشتركة، وأحد الاحتياجات والخلفيّات الأساسية لدفع سياسة الجوار. وفي هذا الصدد، فإنّ أحد أهم الأمثلة على اتّباع هذا النهج في إطار سياسة الجوار هو اتفاق تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية في آذار/ مارس 2023.

3. توسيع التجارة وتنظيم التعاون الاقتصادي مع الجيران وتحقيق استقراره: النتيجة الموضوعية الأولى هي بناء الثقة وتحقيق الاستقرار وتوسيع التجارة وتنظيم التعاون الاقتصادي بين الجيران. ويُعدُّ توسيع التجارة وتطوير التعاون الاقتصادي مع الدول المجاورة عنصرًا أساسيًا، وإحدى الخطوات الأساسية لسياسة الجوار التي تنتهجها الحكومة الإيرانية. هناك إمكانات كبيرة لتعزيز التعاون الاقتصادي وتعميق التكامل التجاري في جوار إيران. وفي الواقع، هناك إمكانات هائلة لتنمية التجارة والنمو الاقتصادي وإدارة المخاطر البيئية في المنطقة، من خلال تعزيز الاتصال الإقليمي في مجالات الطاقة والنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فضلًا عن تعزيز التعاون الإقليمي في مجال التجارة والتمويل ونقاط الضعف المشتركة. وفي هذا الإطار، يمكن تعديل توسيع التجارة وتنظيم التعاون الاقتصادي بين دول الجوار من خلال أربعة محاور: أولًا، التوجّه نحو تكوين سوق واحدة؛ ثانياً، تطوير الاتصال في المنطقة؛ ثالثًا، زيادة التعاون المالي، ورابعًا، التعاون لمعالجة نقاط الضعف والمخاطر المشتركة.

4. تطوير وتعزيز التعاون السياسي والأمني ​​من أجل تشكيل نظام مستدام وعالمي: التعاون السياسي والأمني ​​رفيع المستوى هو أعلى شكل من أشكال التكامل الإقليمي. ومن أبرز سمات الجوار الإيراني ظاهرة “المشكلة الأمنية”.

بعبارات بسيطة، بما أنّ كل دولة في المنطقة تحاول تعظيم أمنها من خلال تدابير أحادية ـ مثل الحصول على أسلحة أكثر تقدمًا ـ فإنّ دورة من المنافسة العسكرية الأمنية تتشكّل، ونتيجة لذلك، فإنّ أمن أي دولة لا يتحسّن.

وللخروج من هذه الحلقة المفرغة، ترى حكومة رئيسي سياسة الجوار الأساس الوحيد الممكن والعملي لتعزيز التعاون الاقتصادي وتوسيعه التدريجي، ليشمل مجال التعاون الأمني ​​على أساس النهج الأمني ​​التعاوني. الأمن التعاوني هو نهج يركّز على التعاون والحوار بين الحكومات الإقليمية في تطوير وتنفيذ مجموعات متّفق عليها من مبادئ السلوك الإقليمي، والتي يمكن أن تكون مفيدةً كأداة لتوجيه الصراعات والنزاعات بعيدًا عن العنف. ليس من الواقعي أن نتوقّع أن يؤدي الأمن التعاوني إلى القضاء بشكل كامل على المنافسة من المنطقة. ومع ذلك، فإنّ ما يمكن أن يفعله النهج الإقليمي للأمن هو المساعدة تدريجيًا في تقليل العقلية التنافسية واستبدالها بعقلية تعاونية، وهي مرحلة يتعرّض فيها الأمن للخطر في المقام الأوّل في أوقات الصراع، إلى أخرى حيث تتعاون دول المنطقة، إما في القضايا الخلافية أو على الأقل تتّفق على ضرورة إجراء المنافسة ضمن معايير متفق عليها ــ وعلى وجه الخصوص، نبذ العنف.

بشكل عام، هناك سمتان سلبيّتان واضحتان لبيئة الجوار الإيرانية، هما ظاهرة “المشكلة الأمنية” وضعف التعاون المؤسسي الإقليمي. وتعتقد حكومة رئيسي في إطار سياسة الجوار التي تنتهجها بأنّ المنطقة لن تتغلّب على هذه التحدّيات، ولا توجد صيغة سحرية غير البدء في عملية بناء الثقة الثنائية والإقليمية المتبادلة، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، وتعزيز وتطوير التعاون الاقتصادي المؤسسي، وتوسيعه إلى التعاون الأمني ​​المنسق والجماعي.

هـ) بلورة عقيدة الجوار والتقارب في مرآة الممارسة

لكي لا تبقى الاستراتيجية المذكورة أعلاه على المستوى النظري وتصبح عمليّة، فإنّ تطوير سياسة الجوار يتطلّب مقاربات محددة في مجال العمل. وهذه التوجّهات اتّبعتها الحكومة الإيرانية خلال العامين الماضيين بالصيغ التالية:

  1. دبلوماسية بناء الثقة الثنائية: كان أحد الأساليب الأساسية لسياسة الجوار التي تنتهجها حكومة رئيسي هو اتباع نهج إقليمي نشط واستباقي، والتحرّك نحو وقف التصعيد والتفاعل المكثّف مع الدول المجاورة. وفي هذا الإطار، تدعم سياسة حكومة رئيسي الموجهة نحو الجوار الجهود القائمة على الحل السلمي للأزمات، وتقود الدول المجاورة إلى تهدئة التوترات وبناء الثقة وحل النزاعات وتعزيز التعاون من خلال الحوار والمفاوضات. وفي هذا الصدد، ينبغي اعتبار السنتين الأوليين للحكومة بمثابة مرحلة إرساء سياسة الجوار وتركيز الحكومة على إعادة بناء العلاقات مع الجيران وتعزيزها. وقد أعقب هذه السياسة التركيز على شخص الرئيس، بينما لم تتم زيارة العديد من هذه الدول في العقد الماضي. خلال هذه الفترة، قام رئيسي برحلات خارجية عدة إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك طاجيكستان، تركمانستان، روسيا، قطر، سلطنة عمان، أوزبكستان، كازاخستان، سوريا، السعودية وغيرها. في هذه الفترة، تمّت متابعة عملية إعادة بناء العلاقات السياسية الجدلية على أساس مزدوج، تتلخّص بتجنّب التوترات الجديدة وغير الضرورية مع الجيران، ومحاولة وقف التصعيد وحلّ النزاعات القديمة. وفي هذا الصدد، في حين تتعامل حكومة الرئيس بهدوء مع بعض الأزمات الجديدة في المنطقة، بما في ذلك في أفغانستان وجنوب القوقاز وقطاع غزة، فقد واصلت أيضاً بذل الجهود لوقف التصعيد وحل النزاعات القديمة مع بعض الجيران. ويمكن رؤية نتيجة هذا الرأي وهذا النهج في التعامل البنّاء مع صراع كاراباخ في جنوب القوقاز، وإدارة التوترات الناشئة عن إعادة تمركز حركة طالبان في أفغانستان، وتغيير أجواء العلاقات مع طاجيكستان، والتغلّب على المشاكل والخلافات مع تركمانستان، وفتح فصل جديد في العلاقات مع معظم الدول العربية، بما فيها السعودية، الإمارات، الكويت، سلطنة عمان وقطر.
  2. الدبلوماسية والتقارب الاقتصادي: النقطة المحورية في سياسة الجوار التي تنتهجها الحكومة الإيرانية هي التركيز على العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الجيران. إنّ أحد نقاط الضعف الأساسية في السياسة الخارجية بشكل عام وسياسة الجوار بشكل خاص هو تراخي الاقتصاد الأساسي والموجّه نحو التجارة. وعلى الرغم من أنّ العقوبات جعلت ظروف التجارة والاستثمار الأجنبي صعبة، إلا أنه لا يمكننا أن ننكر الضعف التاريخي الطويل الأمد لاقتصاد البلاد في مجالات التسويق وصناعة السوق والتجارة الدولية وجذب الاستثمار الأجنبي، وإبرام الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف. وجعلَ الضعف المذكور تعزيز التوجّه الاقتصادي في السياسة الخارجية والعلاقات الإقليمية والعالمية، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أولوية الجيران، إحدى القضايا التي أكد عليها القائد الأعلى في إعلان السياسات العامة للجمهورية الإسلامية. النهج الاقتصادي والتجاري، خاصة في العلاقات مع الجيران، يساعد على المدى القصير على تحييد العقوبات وعلى تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد في المنطقة على المدى الطويل. لذلك، تعتبر حكومة رئيسي أنّ الدبلوماسية الاقتصادية مبدأ أساسي في سياسة الجوار، وأعطته مكانة أكثر خصوصية مقارنة بأنواع أخرى من السياسات والإجراءات المتأخّرة. وفي هذا الصدد، تمّت متابعة التنمية الاقتصادية في الحكومة على محورين: إزالة الحواجز التجارية ومحاولة زيادة حجم وقيمة التجارة مع الجيران، إنشاء وثائق شاملة للتعاون الاستراتيجي وطويل الأجل وتفعيل اللجان الاقتصادية المشتركة وتعزيز العبور الحدودي. بشكل عام، كانت إحدى نتائج إعادة بناء العلاقات مع الجيران في العامين الأولين للحكومة هي النمو الكبير للصادرات إلى الدول المجاورة. وبحسب إحصائيات الجمارك الإيرانية، فقد بلغت قيمة التبادلات التجارية مع 15 دولة مجاورة خلال 8 أشهر من عام 2023، 38 ملياراً و600 مليون دولار، مرتفعةً بنسبة 12% من حيث القيمة، و17% من حيث الوزن، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
  3. ربطُ إيران بالممرّات الاقتصادية والاتصالات الدولية: من السياسات الأساسية لحكومة رئيسي الدفع بمشروع ربط إيران بالممرّات الاقتصادية والاتصالات الدولية. إذا كان القرن الماضي هو قرن إنشاء الحدود السياسية لفصل الدول الوطنية، فإنّ القرن الحالي يهتمّ بشكل متزايد بالكيفية التي يمكن بها للبنية التحتية الدولية للاقتصاد والاتصالات أن تخلق المزيد من “الترابط” بين الاقتصادات والثقافات والشعوب في العالم. إنّ اتفاقية عشق آباد التي تهدف إلى ربط آسيا الوسطى بالمياه الدولية عبر إيران والخليج، وأخيراً ممر IMAC الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر الحدود الجنوبية للخليج، هي بعض المظاهر الملموسة لتطوّر الاتصالات في المنطقة. تعمل الحكومة على تحويل إيران إلى نقطة التقاء ومفترق طرق للاتصالات، وهي من بين المبادرات المذكورة أعلاه. وفي هذا الصدد، قال رئيسي في قمة شنغهاي رقم 22: “على الرغم من الإمكانات الكبيرة، إلا أنّ اتصالات البنية التحتية في مجال النقل بيّن أنّ أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون ليست في السطح المطلوب للغاية. وتولي إيران أولوية خاصة لتطوير الممر الشمالي-الجنوبي”. وقد قامت إيران باستثمارات ضخمة، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ ممر الصين – آسيا الوسطى – غرب آسيا – البحر الأبيض المتوسط، الذي يتمتّع بإمكانيات عالية، يُعتبر جزءًا هامًا من الحل لتنمية التجارة بين شرق وغرب أوراسيا في الوضع الحالي. وبتعاون أعضاء المنظّمة، يمكن لشنغهاي أن توفّر الخلفية اللازمة لتنفيذ هذا الممر، ويستفيد الأعضاء من فوائده. يتطلّب تشكيل “العبور المستدام” تعاونًا متعدّد الأطراف من الأعضاء في تطوير البنية التحتية المادية وغير المادية. التمويل المشترك للبنية التحتية لممر الشمال والجنوب، وكذلك ممر الصين – الغرب. ويمكن اقتراح آسيا والبحر الأبيض المتوسط ​​والدور المشترك في تنفيذها وإدارتها كحل في شكل منظمة شنغهاي للتعاون. أودّ أن أعلن إنّ شبكة النقل والعبور لإيران، فضلاً عن قدرات موانئنا في بحر قزوين والخليج وبحر عمان والمحيط الهندي، تعمل على تعزيز الاتصالات في إطار تعاون شنغهاي. يعتمد ربط إيران بالممرّات الاقتصادية والاتصالات الدولية على وجود البنى التحتية ذات الصلة في البلاد، كتعزيز الطريق بين باكستان وإيران وتركيا، خط سكة حديد الشلامجة – البصرة، استكمال خط سكة حديد تشابهار – سرخس وكذلك خط سكة حديد تشابهار – زاهدان وربط بحر عمان والخليج بأوروبا. إنجاز الممر الشمالي الجنوبي (خاصة محور رشت – استارا كاسبين – مشروع سكة ​​حديد بندر انزلي) والممر الشرقي لبحر قزوين (اينجي برون)، أيضًا من بين المشاريع المدرجة على جدول أعمال الحكومة الـ13 لتعزيز موقف العبور الإيراني الذي تتم متابعته بشكل جدي.
  4. العضوية والحضور الفاعل في المنظمات الإقليمية: العضوية والحضور الفاعل في المنظمات الإقليمية والدولية جزء مهم من السياسة الخارجية لحكومة رئيسي القائمة على مبدأ الجوار والتقارب. إنّ الحضور النشط في الاجتماعات والتجمعات الإقليمية، والعضوية في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، والعضوية في شنغهاي، والعضوية في “بريكس”، هي مظاهر ملموسة للسعي الجاد لهذه السياسة من قبل الحكومة الإيرانية. وليس من الضروري مناقشة أنّ عضوية إيران وحضورها النشط في المنظمات الإقليمية والدولية لهما فوائد طويلة المدى لإيران. وهذا يجعل إيران تدخل رسمياً في عملية الحوار القانوني في قضايا الأمن الاقتصادي في المنطقة وآسيا كافة، وخاصة في وسط وجنوب وغرب آسيا. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ عضوية إيران وحضورها النشط في المنظّمات الدولية يجلب الشرعية الدولية لإيران، وقوّتها الناعمة، وقدراتها على التواصل في البيئة الإقليمية والدولية، وكلّها يمكن أن تتحوّل إلى فوائد اقتصادية.

خاتمة

إيران هي الدولة الثانية التي لديها أكبر عدد من الدول المجاورة في العالم. هذه الميزة هي قدرة محتملة، على الرغم من كونها فرصة، إلا أنها يمكن أن تشكّل تحديًا وتهديدًا أيضًا. وأيٌّ من الجانبين المذكورين أعلاه سيتمّ تحقيقه يعتمد أكثر من أي عامل آخر على تصوّر السلطة السياسية وتوجّهها السياسي نحو هذه القدرة. والحقيقة هي أنه في تاريخ إيران المعاصر، كان هذا في كثير من الأحيان جانبًا صعبًا ومهدّدًا لبيئة الجوار التي ظهرت. على الرغم من أنّ التغيير المستمرّ لحدود الجوار والجغرافيا السياسية لجوار إيران المتغيّر باستمرار يشاركان في تشكيل هذا الوضع، لتحليل هذا الوضع، يجب أخذ عوامل أكثر أهمية في الاعتبار، مثل عدم اهتمام الحكومات السابقة بأهمية ومكانة بيئة الجوار في نظام العلاقات الخارجية، وتصوّرهم البسيط للجوار، وغياب السياسة. وإدراكاً للفراغ التاريخي لسياسة الجوار في السياسة الخارجية الإيرانية، وعدم الاهتمام بالفرص المتاحة، فقد أسست الحكومة الإيرانية سياستها الخارجية على مبدأ الجوار والتكامل. وفي إطار هذا المبدأ، فإنّ تطوير العلاقات مع الجيران وتعزيز التكامل الإقليمي يشكّلان الحلقة المفقودة في العلاقات الخارجية وعنصر التوازن في السياسة الخارجية للبلاد. ومن خلال فهمها لواقع المنطقة، وخاصة التحديات الكبرى، مثل ظاهرة المشكلة الأمنية وضعف التعاون الإقليمي المؤسسي، ترى الحكومة الإيرانية أنّ المنطقة لن تخرج من هذا الوضع بين عشيّة وضحاها، ولا توجد صيغة سحرية سوى بداية عملية بناء الثقة الثنائية والإقليمية المتبادلة، وتحقيق الاستقرار الإقليمي، وتعزيز وتطوير للتعاون الاقتصادي المؤسسي وتوسيعه إلى التعاون الأمني ​​المنسق والجماعي.

المصدر/ فصلية الدراسات الاستراتجية

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: