الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة30 ديسمبر 2023 18:05
للمشاركة:

منعطفات حرب غزة 2023

في حين يُتوقّع أن تسلك الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة طريقاً مختلفًا مع انطلاق عام 2024، سجّل عام 2023 أهم المنعطفات في هذه الحرب، والتي شكّلت ضغوطًا كان لا بدّ أن تفرض تغييرًا في لحظة ما على مسار هذه الحرب.

الضربة المباغتة

وُصفت الضربة التي تلقّتها إسرائيل من الفصائل الفلسطينية تحت اسم “طوفان الأقصى” بتاريخ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023 بالأقسى على مدى 75 عامًا، حيث سقط أكثر من 1200 إسرائيلي خلال ساعات، بين مستوطن وعسكريّ، وانتشرت صور لضبّاظ وجنود إسرائيليين بوضعيّات مذلّة وهم يتعرّضون للهجوم أو للأسر، فضلًا عن عشرات الأسرى الإسرائيليين باتوا بيد الفصائل تحضيرًا لعمليّات تبادل تمّ بعضها بالفعل ولا زال بعضها الآخر قيد التفاوض.

أثارت الضربة موجة من الشكوك والانتقادات بين الجمهور الإسرائيلي، بدءاً من الحديث عن لعنة عام الثمانين الذي عُرف تاريخيًا بالعالم الذي ينذر بزوال الدولة التي يؤسسها اليهود، وليس انتهاءً بالعجز الاستخباراتي الإسرائيلي وعدم القدرة على منع شنّ الهجوم الواسع والمتنوّع الذي أبقى مستوطنات كثيرة تحت سيطرة الفلسطينيين لأيام عدة.

انقلاب الرأي العام العالمي

بعد أن حصدت إسرائيل تعاطفًا على الصعيد العالمي خلال الأيام الأولى من الحرب، نتيجة الخسائر البشرية المهولة التي تكبّدتها، سرعان ما انقلبت الآية عندما لاحظ العالم وحشية ردة الفعل التي استهدفت الأطفال ودور العبادة، كنائس ومساجد، فضلًا عن المستشفيات التي دخلتها القوات الإسرائيلية فوق كومةٍ من جثث المدنيين.

ولعبت بعض المقابلات في الإعلام البريطاني دورًا في إضعاف الموقف الإسرائيلي أمام العالم، خاصة لجهة ما قاله السفير الفلسطيني في لندن حسام زملط والكوميدي المصري الشهير الدكتور باسم يوسف، حيث لقيت تصريحاتهما رواجًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما لاحظ المراقبون مبادرة شخصيّات عالمية من ممثلين ومنتجين لإدانة الأفعال الإسرائيلية، والتذكير بحقّ الفلسطينيين بأن يكون لهم دولة مستقلّة يتمتّعون فيها بكل حقوقهم أسوةً بشعوب العالم.

الموقف العربي من التهجير

واجهت إسرائيل موقفًا عربيًا موحّدًا ضد تهجير سكان قطاع غزّة إلى مصر أو إلى الأردن، حيث وصفت القيادة المصرية والقيادة الأردنية هكذا مخطّطًا بإعلان الحرب.

رغم ذلك، سجّلت الكاميرات نزوحًا كبيرًا للفلسطينيين نحو جنوب القطاع، وذلك بسبب اشتداد المعارك البرية شمال غزة وتدمير الغالبية العظمى من الوحدات السكنية.

الجبهة الشمالية

لم تمضِ ساعات على اندلاع الحرب، حتى اشتعلت الجبهة الشمالية لإسرائيل، حيث راح حزب الله اللبناني يستهدف المواقع العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات الشمالية، مما أدى إلى موجة تهجير كبيرة بين الإسرائيليين ودمار كبير لم يشهده شمال فلسطين المحتلّة من قبل.

ونقل الإعلام الإسرائيلي عن المستوطنين تصريحات يعبّرون فيها عن شعورهم بالإذلال، حيث توقفت الحياة في المستوطنات، بينما استمرّت بشكل شبه طبيعي جنوب لبنان.

وفي هذا الإطار، راح المستوطنون يقارنون بين أوضاعهم وتلك التي تخيّم على جنوب لبنان، حيث انقطعت الكهرباء بشكل كامل في بعض المستوطنات بينما بقيت موجودة في قرى جنوب لبنان، فضلًا عن مبادرة الجيش الإسرائيلي لقطع الطرقات بشكل شبه كلّي، بينما تبقت الحركة عند اللبنانيين مستمرّة، كقطاف الزيتون وغيرها من النشاطات الاقتصادية.

ومنذ ذلك الحين، تُبذل جهود دولية لعدم توسّع الحرب شمالاً، كما يهدّد الإسرائيليون بتوسيع عمليّاتهم إن لم يتراجع حزب الله إلى ما خلف نهر الليطاني، وهو ما لا يبدو أنه يلقى آذانًا صاغية عند الحزب، الذي يتابع عمليّات استهدافه العمق الإسرائيلي ويستخدم في ذلك صواريخ ذات قدرة تدميرية عالية، كصواريخ البركان التي تبلغ زنة رأسها ما بين 300 إلى 500 كلغ.

استهداف المستشفيات

دانت دول عديدة قصف إسرائيل مستشفى المعمداني، الذي أدى إلى سقوط مئات الشهداء، وقد سلّط الإرباك الرسمي الأميركي الذي ظهر على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن الضوء على الجريمة الإسرائيلية، التي صَعُب على المدافعين عن إسرائيل إيجاد مبرّرٍ لها.

كما لاقت إسرائيل موجات سخط شديدة بسبب إصرار القيادة الإسرائيلية على اقتحام الجيش الإسرائيلي لمستشفى الشفاء، حيث فنّد الإعلام الفرنسي مزاعم الاحتلال لجهة وجود أنفاق تستخدمها حركة “حماس” لأغراض عسكرية، حيث نشرت على سبيل المثال صحيفة “لو موند” صورًا تؤكّد عدم صحة الرواية الإسرائيلية وزيف الصور التي نشرها مسؤولون إسرائيليون ليدعموا بها سرديّتهم.

عمليّات التبادل

رغم صعوبة ظروف الحرب وسقوط الآلاف من المدنيين، فرضت الفصائل الفلسطينية عمليّة تبادل بوساطة مصرية وقطرية، تقضي بتبادل كل أسير إسرائيلي من فئة النساء والأطفال إسرائيل بثلاث أسرى فلسطينيين من نفس الفئة، بالإضافة إلى وقف القصف الإسرائيلي بشكل كامل على غزة وإدخال المساعدات الغذائية والصحية إلى كافة أنحاء القطاع.

وشهدت عمليات التبادل اليومية هذه مفاجآت، خاصة عندما سلّمت الفصائل الفلسطينيين بعض الأسرى الإسرائيليين إلى الوسطاء من شمال غزة، المنطقة التي كان الجيش الإسرائيلي قد ادعى السيطرة عليها قبل وقف إطلاق النار.

دخول اليمن إلى المشهد

عرفت الحرب منعطفًا دقيقًا عندما اهتزّت التجارة العالمية بعدما قرّرت القوات اليمنية استهداف السفن التي تشحن بضائع لصالح إسرائيل، مما دفع بعدد كبير من شركات الشحن العالمية لإعلان تعليق أعمالها في البحر الأحمر، مما زاد من كلفة السلع داخل إسرائيل وأجبر الولايات المتحدة على تشكيل تحالف دولي لحماية السفن.

وتستمرّ عمليات استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل عبر المسيّرات أو عبر عمليّات الإنزال، فضلًا عن استهداف مدينة إيلات جنوب فلسطين المحتلّة بالصواريخ اليمنية البالستية، مما أخرج مرفأ هذه المدينة من الخدمة.

ويرتبط تراجع حدَة التطوّرات المتعلّقة بالحرب بمدى جدية الكلام الإسرائيلي عن الدخول في مرحلة جديدة مع بدء عام 2024، حيث أعلن الإعلام العبري عن بدء المستوى السياسي نقاش مرحلة ما بعد الحرب، حيث يُنتظر أن تهدأ الجبهات إذا قرّرت إسرائيل تخفيف هجماتها بشكل ملحوظ داخل غزّة.

من ملف: عام 2023.. زلازل وطوفان

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: