إسرائيل وحزب الله.. هل بان سقف المواجهة؟
سريعًا ما اشتعلت الجبهة بين لبنان وفلسطين المحتلّة بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث راح حزب الله يضرب المواقع العسكرية الإسرائيلية بصواريخ موجّهة أسفرت عن مقتل عددٍ لا بأس به من الجنود والضبّاط الإسرائيليين حتى الآن، وهذه المرّة بتبرير واضح على ألسن قيادات الحزب: تضامنًا مع المقاومة في غزّة.
ولا تُعدُّ ولا تحصى التهديدات التي أطلقها القادة الإسرائيليون ضد الحزب خاصة ولبنان عامّةً، من دون أن تغيّر شيئًا حقيقيًا في المشهد: قواعد اشتباك تتحرّك بدقة، ولكن تبقى بعيدةً عن مشهد استهداف المدنيين بأعداد كبيرة كما حصل في حرب تموز/ يوليو 2006، وهو ما قد يعود غالبًا لعدم قدرة إسرائيل على خوض حرب بمفردها على أكثر من جبهة، وعدم رغبة الولايات المتحدة بالانخراط عسكريًا مجدّدًا في المنطقة دفاعًا عن أحد، فضلًا عن تطوّر قدرات حزب الله الصاروخية التي يُنتظر منها أن تُلحق ضررًا بشريًا غير مسبوق إذا ما راحت تسقط بالآلاف فوق المستوطنين الإسرائيليين.
وبالرغم من عدد قليل من الخروقات هنا وهناك أسقطت مدنيين من الطرفين، يبدو أنّ المواجهة بين الحزب وإسرائيل ترزح تحت خطوط حمراء لا يريد الطرفان تخطّيها، فضلًا عن رغبة دوليّة غربية تنسجم مع هذه الإرادة، تعبّر عنها التأكيدات الأميركية المتكرّرة بوجوب عدم توسّع الحرب.
عضٌّ على الأصابع
اعترفت إسرائيل حتى الآن بحصيلة من عشرات القتلى والجرحى في المواجهة على الجبهة الشمالية، بينما أعلن الحزب عن عشرات الشهداء أيضًا وأقام لهم حفل تكريم تحدّث خلاله أمينه العام حسن نصر الله، وذلك بعد أسابيع من الصمت المطبق الذي أثار دهشة المتابعين.
طالت عمليّات القصف الإسرائيلي مواقع عسكرية ومنشآت مدنية حدودية، سيّارات إسعاف وسيّارات مدنية، أدّت إحداها إلى سقوط جَدَّةٍ مع حفيداتها الثلاث، بينما انطلقت صواريخ من الحزب وأخرى تبنّتها كتائب القسّام – الجناح العسكري لحركة “حماس” – لتصل إلى أغلب مستوطنات الشمال المركزية، وصولًا إلى حيفا.
أعلن نصر الله بنفسه عن استخدام صاروخ من طراز “بركان” لأوّل مرة في الصراع مع إسرائيل، وهو صاروخ يحمل رأسًا يتراوح وزنه ما بين 300 إلى 500 كلغ، بالإضافة إلى مسيّرات هجوميّة استُخدمت للمرّة الأولى أيضًا.
اعتبرت الصحافة الإسرائيلية مرّات عدّة أنّ ما يقوم به حزب الله هو خرق لقواعد الاشتباك يستدعي الرد بعنف، وهدّد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالنت ورئيس الوزراء الإرسرائيلي بنيامين نتيناهو بتدمير لبنان وبتدفيعه ثمنًا باهظًا بحال حدوث أي خطأٍ ضد إسرائيل، خاصة منذ أيام عندما أعلنت القناة 12 الإسرائيلية عن ضربة كبيرة تلقّتها قوة من المشاة العسكرية الإسرائيلية، لكنّ الرّد الإسرائيلي لم يُظهر أي مستوى مختلف عما جرى منذ 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي.
في المقابل، تحدّث كثيرٌ من المراقبين والخبراء العسكريين على الشاشات اللبنانية ووسائل التواصل عن قرب اجتياح وحدة “الرضوان” التابعة لحزب الله لمنطقة الجليل شمال فلسطين المحتلّة، وهو ما حذّر منه الإعلام الإسرائيلي أيضًا عندما تساءل كيف سيكون المشهد العسكري إن تقدّم 18 ألفًا من مقاتلي هذه الوحدة إلى المستوطنات الإسرائيلية الشمالية، لكنّ شيئًا من هذا كلّه لم يحدث ولا يبدو أنه سيحدث في المدى المنظور.
العضّ على الأصابع والتمسّك بضبط النفس يبدو سيّد الأفعال بين حزب الله وإسرائيل حتى الآن، خشية الدخول بلعبة سفك دماء المدنيين، حيث يعلم الطرفان بأنّ عدوّه قادرٌ على صنع بركة من الدماء لديه من دون أن يتمكّن أحد من منعه.
هل يتزايد التوتر أم يتراجع؟
يقول الكاتب الإسرائيلي عاموس هاريل إنّه سيتعيّن على إسرائيل أن تدرس ما إذا كانت قادرة على احتواء إطلاق الصواريخ المستمر من لبنان من خلال ضبط النفس، وإذا لم يكن الأمر كذلك، ما إذا كان يمكنها تكثيف ردّها من دون الانجرار إلى صراع واسع النطاق على جبهتين.
وفي مقال له في صحيفة “هآرتس”، لاحظ هاريل أنّ هجمات حزب الله باتت أكثر كثافة، من ناحية ضد الجيش الإسرائيلي، ومن ناحية من خلال إطلاق الصواريخ على عكا وضواحي حيفا.
وفي السياق، كشف موقع “أكسيوس” أنّ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أعرب عن قلقه في اتصال هاتفي مع نظيره الإسرائيلي السبت الماضي بشأن دور إسرائيل في تصعيد التوترات على الحدود مع لبنان، وفقًا لثلاثة مصادر إسرائيلية وأميركية مطلَعة على المكالمة.
وأضاف الموقع أنّ البعض في الإدارة الأميركية يشعر بالقلق من أنّ إسرائيل تحاول استفزاز حزب الله وإيجاد ذريعة لحرب أوسع في لبنان لجرّ الولايات المتحدة ودول أخرى إلى مزيد من الصراع.
ووصف مصدران أميركيان وإسرائيليان للموقع المكالمة بأنها كانت مباشرة وصريحة للغاية، حيث طلب أوستن من غالنت توضيحات بشأن الضربات الجوية الإسرائيلية في لبنان، وطلب منه تجنّب الخطوات التي قد تؤدّي إلى حرب شاملة مع حزب الله.
وقال مصدر إسرائيلي لـ”أكسيوس” إنّ غالنت أبلغ اوستن إنّ السياسة الإسرائيلية تقضي بعدم فتح جبهة ثانية مع لبنان، مرجّحًا عدم حدوث مثل هذا السيناريو.
وبينما تبقى الكلمة الفصل للميدان ولمجرى الأمور في غزّة، قد تتراجع احتمالات توسّع الحرب بين إسرائيل والحزب مع الحديث عن اتفاق لتبادل الأسرى وهدنة إنسانية يمكن أن تتطوّر إلى وقف لإطلاق النار، إلا أنً الاحتمالات تبقى مفتوحة طالما أنً الحديد والنار لا يزالان يغزوان المشهد.