الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة14 أكتوبر 2023 17:55
للمشاركة:

إيران و”طوفان الأقصى” تخطيط مُقتن أن مفاجأة؟

ضربت عمليّة "طوفان الأقصى" عميقًا في المشهد السياسي الإقليمي والعالمي. أكثر من ألف قتيل إسرائيلي سقطوا خلال ساعات، في وثبة مباغتة قامت بها الفصائل الفلسطينية على المستوطنات. بعد ردود فعلٍ بديهية على ما جرى، سرعان ما توجّهت الأنظار إلى مكان آخر: أين إيران من كلّ ما جرى؟

رفض إيراني

أكد مسؤولون إيرانيون أنّ طهران لم يكن لها أي دور في عمليّة “طوفان الأقصى”. وجاء التصريح الأهم على لسان القائد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي الثلاثاء الماضي، حيث نفى وجود مثل هذا الدور.

وصرًح خامنئي: “أنصار النظام الصهيوني وآخرون نشروا إشاعات في اليومين أو الثلاثة أيام الماضية، بما في ذلك أنّ إيران تقف وراء هذه العملية. إنهم على خطأ”.

وفي هذا الإطار، قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إنّ طهران لم تشارك في العملية التي أطلقتها كتائب عز الدين القسّام، وأضافت في بيان لها: “الإجراءات الحازمة التي اتخذتها فلسطين تشكّل دفاعًا مشروعًا تمامًا في مواجهة سبعة عقود من الاحتلال القمعي والجرائم البشعة التي ارتكبها النظام الصهيوني غير الشرعي”.

وشدّد مصدر في حركة حماس لـ”جاده إيران” على أنّ تفاصيل الهجوم لم يكن على علم بها سوى مجموعة محدودة داخل كتائب القسام: “حتى رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية لم يكن لديه اطلاع على التفاصيل”.

بدوره مصدر مقرّب من قوة القدس تحدث إلى “جاده إيران” وقال: “مما لا شك فيه أن القوى الحليفة لقوة القدس تنسق بين بعضها البعض والقيادة، لكن لا يعني هذا بالضرورة تعريض عملية بهذا الحجم لخطر التسريب. يكفي أن تخبر قيادة القسام الحليف الرئيس بأن شيئا ما سيحصل على مستوى كبير، وبذلك تكون قد أخطرت ليستعد وضمنت السرية التامة”.

ويشرح المصدر مستخدما نماذج عديدة تظهر الخيط الرفيع بين الفصائل وايران في الجانب العملياتي، وحتى بين الفصائل نفسها. يقول: “إذا عدنا عدة أشهر إلى الوراء نستذكر كيف أن حماس لم تشارك الجهاد الإسلامي في معركتها الأخيرة مع إسرائيل، التي قامت باغتيال قادة عسكريين كبار في التنظيم، ولم يعنِ هذا انفراط التحالف بين الطرفين، لكن حماس حينها كانت تدرك أن عليها أن تبتعد عن الانفعال في انتظار ساعة الصفر”.

تلك الساعة التي يؤكد مصدر في حركة “الجهاد الإسلامي” أن “حركة حماس أبلغتهم بالعملية على رأسها، ودعتهم للالتحاق بها”.

ويجزم هذا المصدر لـ”جاده إيران” بعدم وجود تنسيق مسبق لهذا الأمر بين إيران وحزب الله والفصائل الفلسطينية”، كاشفًا أن “التنسيق بين حركتي الجهاد الإسلامي وحماس خلال المعركة حاليًا يجري على أعلى المستويات”.

بدوره اعتبر المحلّل السياسي أمير موسوي أنَّ عملية “طوفان الأقصى” هي رد من المقاومة الفلسطينية على اعتداءات إسرائيل والمستوطنين على القدس الشريف والمسجد الأقصى، وازدياد السلوك المتطرّف للحكومة الإسرائيلية والمتشددين فيها.

وفي مقال له في صحيفة “تجارت” الاقتصادية، لفت موسوي إلى أنَّ نموذج عمليات المقاومة الفلسطينية في هذه المعركة فريد من نوعه، ويمثّل صفحة جديدة في الأسس العسكرية والميدانية.

وتابع موسوي: “في هذه الحرب، لن تنفع الوساطات من الدول العربية، لأن المقاومة الفلسطينية ستسعى الآن إلى تأمين مصالحها عبر الروافع السياسية والعسكرية القائمة، كما أنَّ تبادل الأسرى المقبل بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل سيرفع مستوى المساومات بين الجانبين”.

من جهته ذكّر رئيس كلية العلوم السياسية في جامعة طهران الدكتور متّقي بوجود مسألة المقاومة في الشرق الأوسط، وبارتباط هذه المسألة بشكل مباشر بمفهوم القضيّة الفلسطينيّة.

وعلّق متّقي على إحضار طائرات حربية أميركية إلى إسرائيل بالقول: “الأميركيون أحضروا طائرات إف 15 وإف 35، ألا تمتلك إسرائيل هذه المقاتلات؟

ويقولون إننا أحضرنا هذه الطائرات لمنع تفاقم الأزمة. من يتسبّب بتفاقم الأزمة”؟

ولفت عضو قسم الدراسات الإقليمية في جامعة طهران الدكتور سيد حامد موسوي إلى أنه بحسب الإسرائيليين، فإنّ قدرة حماس لم تكن بالقدر الذي أظهرته في “طوفان الأقصى”، حيث توقّعوا هذه القدرات من حزب الله اللبناني وليس من الفصائل الفلسطينية.

كما علّق عضو قسم الدراسات الإقليمية في جامعة طهران الدكتور سيد حمزة صفوي على ما جرى بالتالي: “لا أعرف ما إذا كان سيتم نقل الأحداث بالفعل إلى إيران أم لا، ولكن إذا تم نقلها إلى إيران فالمشهد العسكري هو مشهد يمكن لإيران الرد فيه والمواجهة بطرق مختلفة، ليس كما هو الأمر بشأن العقوبات، حيث لا تملك إيران وسائل الرد”.

اتهامات مباشرة ومتحفّظة

لم يتأخّر الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتزوغ ليتًهم إيران بالوقوف وراء “طوفان الأقصى”، وجاء في منشور له على منصة X: “آن الأوان لسماع إدانة واضحة لا لبس فيها لحماس ورعاتها في إيران”.

صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية ادّعت إنّ الحرس الثوري الإيراني أعطى الضوء الأخضر للعملية الفلسطينيّة من بيروت، وإنّ الحرس أشرف منذ أشهر على العملية من خلال سلسلة من الاجتماعات التي ترأّسها قائد قوّة القدس الإيرانية إسماعيل قاني، بحضور أمين عام حزب الله حسن نصر الله وممثلين عن حركتَيْ “حماس” و”الجهاد الإسلامي”، مضيفةً أنّ وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد الله كان موجودًا أيضًا في اجتماعين من هذه الاجتماعات.

أما ما نشرته صحيفة “الواشنطن بوست” الأميركية في هذا الإطار، فقد بدا أكثر تحفّظاً لجهة اتهام إيران بالانخراط المباشر في الضربة الكبيرة التي تلقّتها إسرائيل، حيث جاء في تقرير الصحيفة: 

“بدأ المسلّحون الفلسطينيون الذي يقفون وراء الهجوم المفاجئ على إسرائيل التخطيط للهجوم قبل عام على الأقلّ، بدعم رئيسيّ من الحلفاء الإيرانيين الذين قدّموا التدريب العسكري والمساعدة اللوجستية، بالإضافة إلى عشرات الملايين من الدولارات لشراء أسلحة، حسب مصادر غربية حالية وسابقة”.

وتابعت “الواشنطن بوست”: “قال المسؤولون إنه في حين أنّ الدور الدقيق لإيران في أعمال العنف التي وقعت يوم السبت لا يزال غير واضح، فإنّ الهجوم يعكس طموح طهران المستمرّ منذ سنوات لمحاصرة إسرائيل بجيوش من المقاتلين شبه العسكريين المسلّحين بأنظمة أسلحة متطوّرة بشكل متزايد، قادرة على ضرب عمق الدولة اليهودية”.

بدورها نقلت شبكة “سي أن أن” الأميركية عن مسؤول إيراني بارز أنّ إيران “أعطت الضوء الأخضر” لحركة “حماس” لكي تشنّ هجومها المفاجئ على إسرائيل.

وأضاف المسؤول الإسرائيلي أنّ إيران “كانت على علم بالعملية”، مشيرًا إلى أنها “ربما لم تكن على علم بالتوقيت، لكنها بالتأكيد كانت على علم بعملية حماس قبل وقوعها”.

مفاجأة لإيران؟

“سي أن أن” في نفس تقريرها هذا، لفتت إلى أنّ ما نقلته عن المسؤول الإسرائيلي البارز يتعارض مع معلومات الاستخبارات الأميركية التي تدلّ على أنّ كبار المسؤولين في طهران فوجئوا بالهجوم الذي وقع على إسرائيل.

ما أوردته “سي أن أن” هنا يستند على ما نشرته صحيفة “نيويورك الأميركية، التي نقلت عن مسؤولين أميركيين أنّ الإدارة الأميركية جمعت معلومات استخبارية متعدّدة تدلّ على أنّ القيادات الإيرانية الأساسية تفاجأت بالهجوم الفلسطيني.

وبحسب هذه المعلومات، فإنَ أولئك القادة الإيرانيين لم يكونوا على علمٍ بأنّ الهجوم مقبل.

كما نقلت “نيويورك تايمز” عن مسؤول أميركي، ومسؤول آخر في الشرق الأوسط، تأكيدهما أنّ الولايات المتحدة وإسرائيل والحلفاء الإقليميين الأساسين لم يجدوا دليلًا على أنّ إيران ساعدت بشكل مباشرٍ في التخطيط للهجوم.

مجلَة “فورين أفيرز” علّقت على الأمر بالتالي: “في الوقت الحالي، ليس من المعروف ما إذا كان لإيران أي دور محدّدفي المذبحة التي وقعت في إسرائيل”.

كلّ هذا يأتي أيضاً في تصريح لوزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينيكن، الذي قال إنّ الإدارة الأميركية “لم ترَ بعد أيّ دليل على أنّ إيران وجّهت الهجوم، أو كانت تقف خلفه”.

وفي حين تبدو جولة عبد اللهيان الإقليمية دليلًا على اهتمام طهران الكبير بما يجري في غزّة، وانطلاقها باتجاه أخد زمام المبادرة في هذا المجال – ولو على المستوى الدبلوماسي والسياسي- تبقى الخيارات الإيرانية رهن تطوّرات الأيام المقبلة التي قد تُفرج عن مفاجآت جديدة، خاصة أنّ خيار الهجوم البرّي الإسرائيلي على غزّة يبدو شبه محسوم.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: