الجادّة: طريقٌ في اتجاهين
قراءة طويلة4 أكتوبر 2023 14:03
للمشاركة:

اللاجئون الأفغان في إيران.. فرصة أم تهديد قومي؟

أصبح تواجد الأفغان في إيران أحد أهم المواضيع الجدلية في الساحة السياسية والاجتماعية للبلاد، حيث يشجّع الأصوليون على استقبال الأفغان في إيران ويصفونهم بالأشقاء في اللغة والثقافة والدين، كما يعتبرون وجودهم مفيدًا للبلاد، خاصة لجهة قدراتهم ورخص أجور عملهم مقارنة بالعامل الإيراني، بينما يرى الإصلاحيون أنَّ ازدياد أعداد الأفغان أصبح يشكل تهديدَّا للأمن القومي، فضلًا عن أنّ الحكومة تدفع الملايين لتعليم أطفالهم في المدارس الإيرانية مجّانًا. كلُّ ذلك يأتي تزامنًا مع انتشار الشائعات عن موجة هجرة جديدة للأفغان نحو إيران.

في ظل هذا الجدل الاجتماعي تكثر التكهنات عن مستقبل تواجد الأفغان في إيران وما له من تداعيات سلبية على الاقتصاد والنسيج الاجتماعي والجين الإيراني، بين مُطالبٍ بإعادتهم إلى بلادهم وعدم إعطائهم أي خدمات، وبين داعي إلى دمجهم بالمجتمع الإيراني والسماح لهم بالاستفادة من الخدمات الحكومية، فهل ستتمكّن الدولة مع معالجة هذه القضية؟

تقدّم “جاده إيران” تقريرًا مفصّلًا عن اللاجئين الأفغان في إيران وتداعيات وجودهم، والتدابير الحكومية لتنظيمهم ومنع هجرتهم غير القانونية.

متى قَدِم الأفغان إلى إيران؟

بدأ نزوح الأفغان إلى إيران في مطلع 1980، وذلك عقب التدخل العسكري للاتحاد السوفياتي في أفغانستان وتصاعد الحرب الداخلية. أمر مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران آية الله الخميني آنذاك بفتح الحدود أمام اللاجئين الأفغان ومساعدتهم والتعاون معهم، فدخل أكثر من ثلاثة ملايين أفغاني وشارك بعضهم في الحرب ضد العراق إلى جانب الجيش والحرس الثوري الإيرانيين.
تزامنت موجة الهجرة الثانية للأفغان نحو إيران مع الاجتياح الأميركي لأفغانستان، في حين تسببت سيطرة “طالبان” على السلطة في 2021 بموجة هجرة ثالثة.

أعداد الأفغان في إيران

أعلن وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي الأربعاء 27 أيلول/ سبتمبر أنَّ عدد الأفغان المقيمين بطريقة غير شرعية في إيران هو خمسة ملايين.
وأضاف وحيدي على هامش اجتماع الحكومة الإيراني الأسبوعي أنه بناء على الخطة الموضوعة، سيتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم اللاجئين الأفغان، حيث يتوجب إعادة القادمين غير الشرعيين إلى بلادهم وتنظيم وضع المقيمين الشرعيين.
في المقابل، تتحدّث وسائل إعلام إيرانية عن وصول عدد الأفغان في إيران إلى قرابة عشرة ملايين شخص، أي ما يعادل ثُمن سكًان إيران.
وكالة أنباء “فارس” الأصولية قالت إنه وبحسب الإحصائيات المنشورة، بلغ عدد السكان الأفغان في إيران حتى الآن ثمانية ملايين نسمة، مشيرةً إلى دخول الآلاف منهم حدود إيران بشكل قانوني وغير قانوني كل يوم، كما وصل عدد الطلاب الأفغان في المدارس الإيرانية إلى 700 ألف طالب، وهي إحصائية صادمة. بناءً على ذلك، دعت البرلمانيين ووزارة الخارجية التحرك لإقرار الخطط العاجلة والحلول العملية والجادّة لترحيلهم الطوعي أو القسري. وهذا بدوره يؤشر إلى ثمة تعارض بين الرؤية الأصولية العامة للمهاجرين الأفغان وما تدعو إليه وسائل إعلامهم.

ماذا يفعل الأفغان في إيران؟

بحسب صحيفة “اعتماد” الإيرانية، يعمل القسم الأكبر من الافغان المقيمين في إيران في مجال البناء والإنشاءات، وتبلغ نسبة هؤلاء 43%، فيما يعمل 33% منهم كعمّال في مراكز الدعم اللوجستي للقوّات المسلّحة الإيرانية. أما البقيّة فتعمل في مجالات الخياطة والزراعة والنقل.

موجة هجرة جديدة أم مؤامرة ضد البلاد؟

أكدت مواقع إيرانية عديدة، معظمها تابع للإصلاحيين، أنَّ هناك موجه هجرة أفغانية جديدة إلى إيران، حيث انتشرت مقاطع فيديو كثيرة على شبكات التواصل الاجتماعي تؤكد هذا الإدعاء، في حين نفت وسائل الإعلام الحكومية الأمر، مشدّدةً على أنَّ الفيدوهات التي تنتشر هي فيديوهات قديمة ومفبركة.
وقالت وسائل الإعلام الحكومية إنّ بعض المواقع الإخبارية المعادية للحكومة تتعمّد نشر الشائعات بهدف تأليب الرأي العام وزرع الخوف والهلع والفتنة بين الإيرانيين والأفغان لخلق أزمة اجتماعية وفوضى في البلاد.
في السياق، كتب المساعد الإعلامي للممثل الخاص للرئيس الإيراني لشؤون أفغانستان ميثم مهدي بور على حسابه على منصة “اكس”: “خلافاً للأخبار المغرضة هذه الأيام، فإنّ حركة الحدود هادئة، وليس هناك أي دافع للبلاد لزيادة أعداد اللاجئين الأفغان (يجب على الجهات المسؤولة أن تتعامل مع نشر مثل هذه الأخبار الهادفة المشبوهة)”.

المخاوف من ازدياد أعداد الأفغان

حذّرت صحيفة “كيهان” الأصولية من الاستهلاك الكبير للموارد الخفية والإعانات من قبل المهاجرين الأفغان، بما في ذلك الغذاء والسكن والنقل العام والصحة، وضرورة مراقبة دخولهم وتنظيم المهاجرين الشرعيين وترحيل غير الشرعيين.
وفي السياق، رأى الأستاذ الجامعي الإيراني فتح الله أمي أنَّ ازدياد تدفّق الأفغان إلى إيران لن يجلب سوى الفقر والإدمان والجريمة للمجتمع الإيراني.
وفي مقال له في صحيفة “ستاره صبح” الإصلاحية، نبّه أمي من أن يؤدّي زواج الأفغانيّات من الشباب الإيراني، وكذلك زواج الرجال الأفغان من الإيرانيات، إلى مستقبل سيّئ للجين الإيراني، وإلى تعطيل تطوّره وتحويله إلى جين إيراني متخلّف.

دخول الأفغان إلى البرلمان الإيراني

أكدت مجلة “ميدان آزادى” الإيرانية أنَّ الأفغان المقيمين في إيران يرغبون في الترشح للبرلمان الإيراني والدخول للحكومة، والحصول على حقوقهم، حيث أنّ عددهم الكبير يجعل منهم جزءً حقيقيًا من النسيج الاجتماعي لإيران.
وحذرت المجّلة من أنَّ الأفغان يستطيعون تعطيل محافظة كاملة بسبب أعدادهم، في حال تم خداعم أو أرادوا الحصول على حقوق إضافية.
ما نشرته المجلة كان بناء على مقابلات أجراها مراسلها مع عدد من الأفغان الذين أبدوا رغبتهم في الدخول إلى البرلمان والحكومة، لكن سرعان ما عبّرت وسائل الإعلام الحكومية عن رفض هذه المطالب جملةً وتفصيلًا، مذكّرةً بأنّ القانون الإيراني لا يسمح إلا لحاملي الجنسية الإيرانية بالترشح للبرلمان، حتى أنَّ القانون يحجب هذا الحق على مزدوجي الجنسية.

ردود الفعل الرسمية

اعتبر رئيس كتلة الإدارة الحضرية في البرلمان الإيراني محسن بيرهادي أنه لا ينبغي النظر إلى قضية الهجرة الأفغانية إلى إيران أو تحدّيها باعتبارها ظاهرة اجتماعية سلبية.
وأضاف بيرهادي أنّ الشعبين الإيراني والأفغانستاني يتمتّعان بالعديد من القواسم المشتركة الثقافية والدينية، بالإضافة إلى علاقات ودّية، منوّهًا إلى أنّ وجود الأفغان في إيران للعمل كعمّال أمناء وخلوقين ومجدّين له مزايا كثيرة ومفيد للاقتصاد الإيراني.
بدوره قال المعاون في السفارة الإيرانية في كابول، خلال لقاء مع نائب وزير داخلية طالبان، إنّ طهران تريد عودة المهاجرين الأفغان إلى وطنهم وتطلب من سلطات “طالبان” تبنّي سياسات لتشجيع المواطنين من هذا البلد على العودة إلى بلدهم، حتى يتمكّنوا من الاستمرار على هذا النحو لعكس الهجرة واستفادة أفغانستان من طاقات المهاجرين.

جاده ايران تلغرام
للمشاركة: